لجريدة عمان:
2024-10-03@11:51:15 GMT

الموجة السوداء

تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT

صدرت حديثا عن دار جسور للترجمة والنشر، الترجمة العربية لكتاب «الموجة السوداء: المملكة العربية السعودية وإيران وصراع الأربعين عاما الذي بدد الثقافة والدين والذاكرة الجماعية في الشرق الأوسط) للكاتبة الصحفية اللبنانية كيم غطاس. وُيّصدر الكتاب نفسه على أنه محاولة للإجابة على هذا السؤال: «ماذا حدث لنا؟»، إنه السؤال الذي يطاردنا نحن العالم العربي والإسلامي، نعيده على أنفسنا ونكرره وكأنه بات شعارنا.

هذا الكتاب، وإن كان يسافر إلى الماضي، فإنه غير مدفوع بالحزن والحنين لعصر ذهبي أو زمن جميل. إن هدفي منه هو محاولة فهم متى ولماذا بدأت الأمور بالانهيار».

تبدأ القصة الرئيسية للكتاب من العام 1979 العام الذي حدثت في الثورة الإيرانية، وتتالت بعدها أحداث أثرت في العالم الإسلامي، وأشعلت المنافسة بين دول الإقليم للفوز باحتكار قيادة العالم الإسلامي وامتلاك النسخة الصحيحة من الإسلام، فبدأت حروب بالوكالة تقع في شتى بلدان الشرق الأوسط، حتى تلك التي لطالما عرفت بتعدديتها الثقافية ورسوخ هذه التعددية في نظامها الحاكم وفي فاعلية النخب الثقافية فيها. إلا أن الكتاب وبطبيعته التي تقتضي النبش في التاريخ، لا يبدأ منذ عام 1979 فحسب بل ينجح دومًا في الذهاب بنا بعيدًا عندما يتطلب الأمر ذلك لفهم تشكل مختلف الظواهر، ومحاولة تقديم سردية واضحة لما حدث بالفعل.

كشابة عربية ومسلمة، كان هذا الكتاب بالنسبة لي مهمًا؛ لأنني نشأت في واقع يقول إن أهم محطات التاريخ التي شكلت الحياة في العالم العربي هي 1948مع النكبة أو 1967 مع أحداث النكسة، لكن العام الذي تبدأ منه قصة هذا الكتاب وتعود إليه لم يكن بتلك الأهمية، ربما لأن اللاعبين الذين غيروا تاريخ المنطقة في هذا التوقيت، ما زالوا في المعركة نفسها، ومن الصعب بمكان قراءة ما يحدث من خارج هذه اللعبة التي أثثت واقعنا المعيش وجدالاتنا الفكرية بل وحتى آمالنا المرتبطة بمستقبل أفضل للمنطقة. إن هذا العمل البحثي الكبير الذي تقدمه الكتابة يعطي لهذه الفترة الزمنية ثقلها الحقيقي، ويخرجنا -وإن عنوة- من داخل هذه المعركة للنظر إليها من الخارج، ولمعرفة كم من الوقت استغرقنا فيها، ولم يستمر ذلك في الحدوث على الرغم من أننا نتخيل المستقبل يتقدم للأمام، أو يسير في خط مستقيم نحو نهاية حتمية معروفة سلفًا، إلا أن هذه ليست هي طبيعة التاريخ.

لا أريد الحديث عن موضوع الكتاب بشكل خاص؛ إذ لا غنى عن قراءته، لكن أودّ التأكيد على الأسلوب الذي اتبعته الباحثة في كتابته، وكيفية معالجتها لكل هذه القصص الشائكة والمعقدة، تعمل الكاتبة أولا وبوعي كبير على النظر في الخيوط السرية التي تجمع بين شتى الأحداث التي حصلت في المنطقة، إنها لا تتبع «أثر الفراشة» بل تمسك بالرفة التي ما أن تحققت حتى حدثت الموجة التالية في مكان آخر، لتقول لنا ما الذي جمع بينهما، وما إذا كان في تلك العملية فاعلون انتقلوا أو التقوا أو تأثروا ببعضهم ليكون ما قد كان. لقد أذهلني هذا كله، فإن يكون من اغتال السادات، هو من أسس تنظيم القاعدة في أفغانستان يمكن أن يقول لنا الكثير عن طبيعة العالم العربي والإسلامي ووحدته، وعن رفض الكثير من القوى فيه أي تغيير سياسي وإن كان بعيدًا عنها على المستوى الجغرافي ولكنها تدرك أن المصير مشترك وأن تأثير الفراشة سيطير إلى زلازل وبراكين واجتياح للموج في مكانها نفسه.

تعتمد الباحثة على مصادر عديدة لسرد كل هذه القصص، لكن أهمها من وجهة نظري هي المقابلات المذهلة التي أجرتها ليس من وقت بعيد بل قبيل إصدار هذا الكتاب مع شخصيات وقيادات مهمة أثرت في كل هذه التحولات وكانت جزءًا عضويًا وبنيويًا فيها. فالكاتبة تكون فجأة في أمريكا ثم في العراق، إنها إذن في رحلة طويلة لمتابعة أصوات مترامية في العالم إلا أن لها دورًا فيما حدث. ولا تكتفي الكاتبة بمتابعة من هم في مركز هذه الأحداث، وكأن الحياة هذه تحدث في مكان معين فحسب، بل تذهب إلى الهامش عبر القصص التي تقدمها لنا عمن تأثروا بتلك الأحداث وكان لهم دورهم الشخصي فيها، وانعكاس تلك التحولات الكبرى على واقعهم اليومي، لتأخذنا مع أبطال من مستويين، المركز والهامش على حد سواء. تبزغ أسماؤهم مهما اعتقدت أن وقتهم انقضى مع انتهاء فصل معين في تاريخ هذه المنطقة خلال الأربعين عامًا الماضية، إلا أننا نشهد مصيرهم كلما مر الوقت وكلما تقدمنا في الكتاب.

ما أعجبني وبشكل خاص هو الفكرة التي كونتها عن دور النخب الثقافية واليسار فيما حدث. إن كل التحولات بلا استثناء كان يقف وراءها المثقفون العرب والمسلمون، حتى أولئك الذين قدموا أنفسهم كليبراليين أو يساريين ساهموا في تكريس حضور الجماعات الإسلامية المتطرفة في السلطة؛ لأنهم وفي لحظة ما آمنوا بأن تحقيق الاستقلالية لبلدانهم والتخلص من الاستعمار والمشاريع الإمبريالية في المنطقة لازم حتى وإن تطلب الأمر دعم فصيل معين وإن اختلفوا معه. لقد فكرتُ كثيرًا في الدور الذي لعبه المثقفون، وبالتالي القمع والنفي والنبذ والاغتيال الاجتماعي والتسفيه الذي يتعرض له المثقف العربي اليوم من قبل السلطة، ومحاولتها نقل هذا الاغتيال ليصبح صوت المجتمع؛ لأنها تدرك قطعًا الدور الذي يمكن للمثقف هذا المثقف نفسه أن يلعبه فيغير كل شيء كما يقول لنا تاريخ المنطقة. لابد أن نقرأ هذا الكتاب لنعرف أن لدينا مسؤولية كبرى لمستقبل ينبغي أن ننجزه معًا.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا الکتاب إلا أن

إقرأ أيضاً:

توكل كرمان من لاهاي أمام تجمع عالمي: العالم يواجه الآن خطراً خطيراً يتمثل في الحرب السيبرانية التي قد تؤدي إلى تقويض الأمن والخصوصية

قالت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان إن العالم يواجه الآن خطراً جديداً وخطيراً يتمثل في الحرب السيبرانية، التي قد تؤدي إلى تقويض الأمن والخصوصية، مما يؤثر على المجتمعات على مستوى العالم.

جاء في كلمة لها عن السلام والعدالة خلال تجمع عالمي بعنوان "ما بعد 125 عامًا: تأمين مستقبل عالمنا الرقمي"، في قصر السلام بمدينة لاهاي في هولندا، نظمته مدينة لاهاي ومعهد السلام السيبراني" (CyberPeace) والتحالف السيبراني العالمي.

وأضافت توكل كرمان: يشكل ارتفاع الهجمات السيبرانية خطراً كبيراً، وبعد 125 عاماً، يتعين علينا أن نواجه هذا العصر الجديد من الصراع.

وتابعت كرمان: إن الحرب السيبرانية لا يرتكبها القراصنة أو المنظمات الإجرامية فحسب؛ بل أعتقد أنه تنفذها الحكومات أيضًا. ونحن بحاجة إلى معالجة هذه التحديات بشكل جماعي وإيجاد طرق لحماية مجتمعاتنا من هذا التهديد المتطور.

وأوضحت كرمان أن أحد العوامل الرئيسية التي تدفع إلى ارتكاب الجرائم والهجمات السيبرانية هو إساءة استخدام التكنولوجيا من قبل الحكومات كجزء من سياساتها الحربية أو ضد شعوبها.

وقالت كرمان: أستطيع أن أتحدث من تجربتي الشخصية؛ فقد كنت ضحية لهجوم سيبراني حكومي في ظل دكتاتورية عبد الله صالح.

وأشارت كرمان إلى أنه غالبًا ما يستخدم الدكتاتوريون أدوات الإنترنت للتجسس على مواطنيهم، وانتهاك خصوصيتهم، وقمع المعارضة، لافتة إلى أنها واجهت مثل هذه الهجمات، وواجهها العديد من الآخرين أيضًا.

وأفادت كرمان: على سبيل المثال، نفذت سلطات الإمارات العربية المتحدة برامج مراقبة تستهدف الأفراد، بما في ذلك الناشطون والمعارضون.

وقالت كرمان: لقد تصاعد استغلال الفضاء الإلكتروني، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الافتقار إلى المساءلة والخبرة المستخدمة لإيذاء الأبرياء. وقد حدث موقف مماثل مع صديقي جمال خاشقجي، الذي استُهدف أيضًا بهذه الطريقة، مشددة على ضرورة الحاجة إلى معالجة هذه القضايا ومحاسبة المسؤولين عنها.

واعتبرت كرمان أن المشكلة الرئيسية في استخدام هجمات الجرائم الإلكترونية ضد دول أخرى هي أنه لا يوجد إعلان رسمي للحرب، وهذا يؤثر على العديد من الناس، مضيفة: كنت أحد ضحايا هجوم إلكتروني حكومي. لقد استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي لمهاجمتي وتقويض خصوصيتي. كنت أحد الضحايا في ذلك الوقت.

وبيّنت كرمان أن الحكومات الأجنبية، بما في ذلك الولايات المتحدة، لديها خبرة في هذه التكتيكات الإلكترونية، مستدركة بالقول: هذه الخبرة لا تُستخدم لحماية الناس ولكن للدفاع عن النظام. نفس الشيء حدث لصديقي.

وأكدت كرمان أن الأمر لا يتعلق بمنع البلدان من استخدام هذا النوع من الحرب؛ إنه يتعلق بالاعتراف بأننا لا نريد الحرب على الإطلاق. أنا شخص يحب العالم أجمع ويؤمن بالوحدة.

وشددت كرمان على أن الحل لا يتعلق فقط باللوائح؛ بل يتضمن أيضًا ضمان احترام حقوق الأفراد. لا ينبغي فرض شروط على حقوق الأفراد في التعبير. هذا أمر بالغ الأهمية، وخاصة في مشهد الأمن السيبراني اليوم، حيث قد تستخدم الحكومات الاحتجاجات لتقويض الحقوق الخاصة. إننا بحاجة إلى التركيز على حماية هذه الحقوق مع تعزيز نهج أكثر شمولاً وسلمية.

وقالت توكل كرمان: يمكن اعتبار معاهدة الجرائم الإلكترونية بمثابة سيف ذو حدين. فمن ناحية، قد تنتهك الحقوق الحصرية والابتكارات؛ ومن ناحية أخرى، تقدم فرصة للتغيير الإيجابي. ونحن بحاجة إلى التركيز على استخدام التكنولوجيا ليس فقط كتهديد، بل كوسيلة لتعزيز السلام.

وأعربت كرمان عن اعتقادها بأن المستقبل يمكن أن يكون مشرقًا، وخاصة مع الأفراد المخلصين الذين يتحملون مسؤولية خلق عالم أفضل. يجب ألا نغفل عن وطننا وقيمنا وقيادتنا. من الأهمية بمكان تعزيز التعاون وضمان خدمة بعضنا البعض بمسؤولية.

وتابعت كرمان: تقع علينا مسؤولية كبيرة لوقف الحروب وتعزيز السلام في عالم يتأثر بشكل متزايد بقضايا الإنترنت. يجب أن تكون حماية الخصوصية ومنع الصراع في طليعة جهودنا. ومع ذلك، فإن معالجة هذه التحديات من خلال المعاهدات والإجراءات الصحيحة هي قضية معقدة نواجهها جميعًا معًا.

وشددت كرمان على الحاجة إلى إصلاحات جوهرية توضح من هو المسؤول عن خدمة الصالح العام. وهذا أمر ضروري لتقدمنا الجماعي. وبالإضافة إلى ذلك، تقع علينا مسؤوليات كبيرة، وخاصة في منع الصراعات. ولا ينبغي النظر إلى وقف الحروب باعتباره عملاً تقليدياً فحسب؛ بل يتطلب الأمر اتباع نهج مبتكر لحماية الخصوصية ومعالجة التهديدات السيبرانية مع السعي أيضاً إلى منع الصراعات في المستقبل.

وقالت كرمان إن مجلس الأمن نفسه يتطلب الإصلاح من أجل حماية الناس بشكل أفضل من أشكال مختلفة من انعدام الأمن. وفي الوقت الحالي، غالباً ما يخدم مجلس الأمن مصالح خمس دول أعضاء فقط، وهو ما يحد من فعاليته. ونحن بحاجة إلى تمكين المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من منظمات العدالة التي تعمل من أجل السلام والعدالة، وضمان حصولها على السلطة اللازمة للتصرف دون تدخل من الدول القوية.

وأكدت كرمان وجوب أن تكون هذه المنظمات مجهزة بالكامل للعمل بشكل مستقل، مما يسمح لها بعبور أي حواجز في مهمتها دون الحاجة إلى إذن من سلطات خارجية. إن معالجة هذه الإصلاحات تشكل تحدياً كبيراً يتعين علينا جميعاً مواجهته معاً

 

مقالات مشابهة

  • «الكتاب العرب» يدعو الاتحادات العربية لاجتماع بشان الأحداث فى المنطقة
  • “التغير والنظام العالمي.. فهم التحولات التي تشكل عصرنا” .. ندوة حوارية بمعرض الكتاب
  • فرنسا تعلن مشاركتها في التصدي للصواريخ الإيرانية التي استهدفت إسرائيل
  • عاجل - مجلس الوزراء يناقش التطورات الأخيرة التي يشهدها الإقليم (تفاصيل)
  • الشيخ أحمد بن سعيد يطلع على أكبر مشروع تبريد مناطق في العالم الذي تنفذه “إمباور”
  • كاتب صحفي: العقلية التي تقود إسرائيل تريد دفع المنطقة إلى حرب إقليمية
  • توكل كرمان من لاهاي أمام تجمع عالمي: العالم يواجه الآن خطراً خطيراً يتمثل في الحرب السيبرانية التي قد تؤدي إلى تقويض الأمن والخصوصية
  • السفير حسام زكي: غزة واجهت كارثة ستظل وصمة عار على جبين العالم الذي وقف عاجزاً أمامها
  • حقائق خطيرة .. ما الذي يعنيه نتنياهو بتغيير الواقع الاستراتيجي في المنطقة؟
  • أغلى أنواع الأرز في العالم.. أسراره وفوائده التي ستدهشك!