لجريدة عمان:
2025-04-02@11:59:49 GMT

مذكّراتُ قارئ

تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT

أَدين بالوفاء والإكْبار لواضعي نصوصٍ للقراءة في الكتب المدرسيّة في الأدب العربيّ والأدب الفرنسيّ مختارةٍ، منتقاةٍ من عُيُون الأدب العالمي، الذي يُرغِّب الطالب الصغير، ويبعث فيه الشغف للبحث عن أصل النصّ المُقتَطَع ليُكمل ما بدأه في حصّة اللّغة العربيّة أو حصّة اللّغة الفرنسيّة. أدين بالوفاء لتلك اللّجان التي كانت في وزارة التربية والتعليم تبحث عن نصوصٍ تُحقّق الأهداف أوّلا في التربية وصناعة جيل واثق الخطْو متوازن الميل النفسي، وثانيا في تحقيق المقاصد التعليميّة غير المباشرة، إذْ تُقوَّم الألسنة ونحسن إجراء اللّغة بشكل سليم قبل أن نعرف نحو اللّغة أو صرفها.

أَدين بالوفاء لمعلّمي المرحلة الابتدائيّة الذين غرسوا بذرة أولى، وأنا أذكر معلّم اللّغة العربيّة في السنة الثانية ابتدائي لا ينطق اللهجة الدارجة ويتكلّم لغة فصيحة غريبة عنّا، وأذكر معلّمة اللّغة الفرنسيّة أمدّ اللّه في أنفاسها وكأنّها لا تعرف حرفًا واحدًا باللّغة العربيّة فلا نقدر حتّى على تخيّلها وهي تتكلّم بغير اللّسان الفرنسي ونحن نتهجّى الحروف الأولى منها.

تلك أرضيّة مدرسيّة أولى صنعت أجيالا قادرة مستطيعة واعية مُدركة قارئة وإنْ توزّعت تخصّصاتهم مذاهب شتّى، كان منهم المهندس والطبيب والفيزيائي والكيميائي وصاحب الأدب، وكلّهم -تقريبا- جُبِلوا على القراءة نتاج مهاد سليم في التعليم، وقتها لم يكن المُعلّمون يعرفون مناهج التربية التي أعتقد أنّها أخلّت وأضرّت بالتعليم، ولا يفقهون من أمرِ التعلّميّة وأصولها النظريّة، بل كانوا يعلمون جيدا العلمَ العمليّ، التعليم في أصوله النفعيّة والمنفعيّة، يأتي الطالب الفقير والغنيّ، السعيد والبئيس، النظيف والوسخ، الذكيّ والبسيط، يجمعهم حبّ المعلّم، ونصّ في القراءة يجمع آمالهم تخيّلا أو واقعا. أدين بالوفاء لحصّة لم أنْسها اسم حصّة المطالعة الشهريّة، حيث توفّر المدرسة أعمالا روائيّة أو قصصيّة في نسخ وفيرة، يطّلع عليها كلّ التلاميذ في الفصل إجبارا، ويُلخّصونها ويُسْألون في تفاصيلها، وكانت أغلب القصص من النتاج المحلّي، ممّا مكّن الأدباء المحليين من طباعة أعمالهم في أكثر من طبعة، وما زلنا لحدّ اليوم نذكر أسماء من القصّاصين لا تعني منزلة كُبرى في الأدب العربيّ، ولكنّها تعني الكثير في حنيننا إلى القراءة القصصيّة الأولى، منهم، عروسيّة النالوتي، مصطفى الفارسي، علي الدوعاجي، محمّد العروسي المطوي صاحب الرواية العظيمة «حليمة» وصاحب «التوت المرّ» وغيرها من القصص التي تتبّعناها من وجودها في كتب القراءة الرسميّة.

هذا الذي كتب فأعجب الأطفال واليافعين والكبار، لم يكن في الأصل كاتبا بسيطا عاديّا، فقد أدركتُ من بعد ذلك أنّ محمّد العروسي المطوي هو أستاذ ومؤرّخ عاصر التجربة التعليمية في أواسط القرن العشرين في تونس، واهتم بمجالات متعدّدة، فحقّق كُتبا قراءتُها فقط قادرة على صناعة أديب، منها: «خريدة القصر وجريدة العصر»، تحفة المحبّين والأصحاب»، «أنموذج الزمان في شعراء القيروان»، إضافة إلى ما كتبه من بحوثٍ على شاكلة «الحروب الصليبيّة في المشرق والمغرب»، جلال الدين السيوطي»، «امرؤ القيس»، «أسس التطوّر والتجديد في الإسلام»، «من طرائف التاريخ»، «فضائل إفريقيّة في الآثار والأحاديث الموضوعة»، «سيرة القيروان»، دون أن أغفل عن وعي الرجل بضرورة بناء تعليم نافع ناجع، فكتب في ذلك «التعليم الزيتوني ووسائل إصلاحه» سنة 1953، وكتب كتبا مدرسيّة عديدة، فهو من القائمين على صناعة الكتب الرسميّة الموجّهة إلى الطلبة، وهذا مربط الفرس، فرجلٌ بهذا التكوين المعرفيّ والزاد العلميّ والخبرة الأدبيّة له القُدرة (صُحبة نُخبة لا تقلّ عنه معرفة وتجربةً، وعلى رأسهم كان الأديب العظيم محمود المسعدي) على توفير أرضيّة قرائيّة ناجحة، وهو أمرٌ يعجز عن إتيانه موظّفو التربية اليوم، ولذلك صار العجز عن القراءة في المراحل الابتدائيّة من مشاغل الدول التي ظلّت نامية.

أدين بالوفاء للمكتبات الرخيصة وللكتب الملقاة على قارعة الطريق التي كانت تُباع بسقْطِ المتاع والتي منها صنعتُ مكتبتي الأولى، كُتب صفراء فيها ديوان «سقْط الزند» للمعرّي، ونسخة حجريّة لكتاب الأغاني ولكتاب ألف ليلة، «البلاغة الواضحة» لعلي الجارم، كتب لستندال، فكتور هوجو، «الأيام»، «العبرات»، النظرات»، «دمعة وابتسامة»، وغيرها وفير ممّا أدّعي أنّه ثروتي اليوم، كُتب يبيعها أحيانا بائع يعرفها ويعرف ما فيها في الأسواق الشعبيّة، وأحايين عديدة، لا يعرفها ولا يعرف قيمتها، ويُمكن أن يسلّمك إياها بأيّ سعر تريده، المهمّ أن تأخذها منه.

الأسواق الشعبيّة كان لها دورٌ مهم في تغذية القراءة في جيلي إن استحال شراء الكتاب من المكتبات الفاخرة، بل يُمكن أن تجد في هذه الأسواق دُررا من الكتب لا تجدها في محلاّت البيع الفاخرة. أدين بالوفاء لنُخبة من الصحب سأخصّ منهم واحدا، وهو مصطفى الفارسي القيرواني الذي أراد أن يُضيف صفة القيرواني إلى اسمه وهو طالبٌ في الثانويّة ينشر الشعر والقصص في الصفحات الأدبيّة للملاحق الصحفيّة حتّى يتميّز عن أديبنا الشيخ من جيل الثلاثينيّات من القرن العشرين، الحامل نفس الاسم مصطفى الفارسي صاحب الروائع القصصيّة «المنعرج»، «حركات»، «القنطرة هي الحياة»، سرقت القمر»، هذا الصديق الذي علّمني بناء المكتبة، وتنافسنا في شراء مجموعات من الكتب، منها المكتبة الشعبيّة لتوفيق الحكيم، وكتب تراثيّة، ومجموعات شعريّة، وكنّا نقرأ ما يوازي كتابا كلّ يوم -تنافسا- حتّى نقضّي الليل جدلا ونقاشا. أثرتُ هذا الموضوع اليوم، ليس من باب أنّ ما كان هو الأفضلُ والأمْثلُ ولكن جرّاء سؤال أطرحه على القيّمين على التعليم في البلاد العربيّة، لماذا تركنا التعليم الناجح ودخلنا غمار مناهج في التعليم فاسدة؟ لماذا كلّما طرحنا برنامجا لإصلاح التعليم أفسدناه؟ أليس حريّا بنا أن نترك مناهج التعليم التي قُدّت في فضاءات مختلفة (ولي يقين أنّ الأخصائيين في التربويّات لا يعرفون كيف يصنعون جيلا ولا كيف يُمكن أن يُعلّموا)، وأن نُعوّل على طُرقنا البسيطة، وأعود إلى السؤال الذي ألحّ على طرحه في كلّ مناسبة، كيف يدرسُ الطالبُ اللغة العربيّة من الصفّ الأوّل ابتدائي، بل من المراحل التحضيريّة الأولى، ثمّ يأتي إلى الجامعة لا يعرف كتابة فقرة باللّغة العربيّة. 12 سنة من التعليم اليومي للغته الأمّ، كفيلة بأن تجعل الحائط ينطق بها؟ الخللُ حاصلٌ بالضرورة، في المناهج، في تخيّر النصوص (وقد ذكرتُ ذلك مرارا في عُمان تحديدا، ولا من مجيب)، في المعلم وهو الحلقة المهمّة لتطويع المناهج، المعلم صار آلة، إن لم يتفاعل هو مع ما يُدرّس فلا يُمكن أن ينقل هذا إلى الطالب، ألا يحقّ لنا اليوم أن نُعيد النظر بشكل جدّي في أدوات صناعة جيلٍ قارئ؟ من القصائد التي أحتفظ بها في ذاكرتي، لم تُفارقني من تعليمي الابتدائي قصيدة معروف الرصافي «الأرملة المرضعة»، انظروا إلى لغتها البسيطة، إلى معانيها الإنسانيّة، إلى ممكن التعاطف مع النصّ، وممكن التأثّر به، (لَقِيتُها لَيْتَنِي مَا كُنْتُ أَلْقَاهَا/ تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَا/ أَثْوَابُهَا رَثَّةٌ والرِّجْلُ حَافِيَةٌ /وَالدَّمْعُ تَذْرِفُهُ في الخَدِّ عَيْنَاهَا/ بَكَتْ مِنَ الفَقْرِ فَاحْمَرَّتْ مَدَامِعُهَا)، وانظر إلى ما يُدرّسونه اليوم، إمّا نصوصٌ ركيكة، أو نصوصٌ لا يتفاعل معها الطلبة ولا معلّمهم، فبربّكم متى تنهض هذه الأمّة من سُباتها التعليميّ الدبّي؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ی مکن أن

إقرأ أيضاً:

اقتران هلال القمر مع حشد الثريا.. حدث فلكي مميز في سماء مصر والوطن العربي الليلة

كتب- محمد أبو بكر:

تشهد سماء مصر والوطن العربي الليلة حدثًا فلكيًا مميزًا، حيث سيقترن هلال القمر مع حشد نجوم الثريا، المعروف أيضًا بـ"الأخوات السبع".

تفاصيل الظاهرة الفلكية:

موعد الرصد: سيحدث الاقتران مساء اليوم، الثلاثاء 1 أبريل 2025، بعد غروب الشمس مباشرة.

مكان الرصد: يمكن مشاهدة الهلال والثريا بالعين المجردة في الأفق الشرقي، حيث سيكون العنقود إلى أعلى يسار القمر. يُفضل الابتعاد عن مصادر التلوث الضوئي للحصول على رؤية أوضح.

مدة الرصد: سيستمر المشهد في السماء حتى ظهور الشفق الصباحي عند شروق الشمس في اليوم التالي.

نبذة عن حشد الثريا:

حشد الثريا هو عنقود نجمي يقع على بُعد حوالي 440 سنة ضوئية من الأرض، ويضم مئات النجوم. ومع ذلك، يمكن رؤية سبعة منها بالعين المجردة، مما أكسبها لقب "الأخوات السبع". يظهر هذا الحشد في برج الثور، بالقرب من نجم الدبران.

اقرأ أيضًا:

7 منشورات تحذيرية من تشغيلات لأدوية وكريمات للبشرة خلال مارس.. تعرف عليها‎

السكر بـ12.5 جنيه.. ننشر قائمة أسعار السلع التموينية لشهر أبريل

محافظة القاهرة: إنجاز 85% من محور صلاح سالم وتفكيك كوبري السيدة عائشة في هذا التوقيت

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

اقتران هلال القمر حشد نجوم الثريا الأخوات السبع الظواهر الفلكية

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الأخبار المتعلقة غدًا أقصر نهار في السنة.. تعرف على عدد ساعات سطوع الشمس أخبار

إعلان

هَلَّ هِلاَلُهُ

المزيد أخبار حكم صيام الست من شوال بنية القضاء.. عالم أزهري يوضح الأولى والأفضل دراما و تليفزيون "قسما بالله ما غيرتش النهاية".. مؤلف "وتقابل حبيب" يحسم الجدل حول الحلقة نصائح طبية جمال شعبان يحذر الشباب من عادات خطيرة في العيد- "تدمر صحتكم" دراما و تليفزيون سهر الصايغ توجه رسالة لجمهورها بعد عرض الحلقة الأخيرة من "حكيم باشا" نصائح طبية القطعة فيها 400 سعر حراري.. هذا ما يحدث لجسمك عند تناول كحك العيد

إعلان

أخبار

اقتران هلال القمر مع حشد الثريا.. حدث فلكي مميز في سماء مصر والوطن العربي الليلة

أخبار رياضة لايف ستايل فنون وثقافة سيارات إسلاميات

© 2021 جميع الحقوق محفوظة لدى

إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك قناة مصرية مجانية تنقل مباراة الأهلي والهلال السوداني بدوري الأبطال إنستاباي أم المحافظ الإليكترونية.. ما أفضل تطبيق لتحويل الأموال إلكترونيا؟ هل تشهد مصر أكبر وأعنف عاصفة ترابية غدًا؟.. الأرصاد تُجيب 27

القاهرة - مصر

27 14 الرطوبة: 17% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب أخبار التعليم فيديوهات تعليمية رمضانك مصراوي رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • العربي يعبر الساحل في كأس ولي العهد
  • عيد الفطر في مصر طقسًا دينيًا لا يشبه سواه بالعالم العربي والإسلامي.. صور
  • اختيار صحفية سودانية ضمن أفضل 100 شخصية موثرة في العمل التطوعي بالوطن العربي
  • اقتران هلال القمر مع حشد الثريا.. حدث فلكي مميز في سماء مصر والوطن العربي الليلة
  • خطوات تسجيل قراءة عداد الغاز لشهر أبريل 2025 عبر موقع بتروتريد
  • الحرس الثوري الإيراني يحتجز ناقلتي نفط في الخليج العربي
  • العيدية في التراث العربي.. من النشأة إلى الزمن الراهن
  • وزارة الثقافة تطلق «مبادرة سفراء القراءة»
  • تياترو الحكايات|الشيخ سلامة حجازي.. الرجل الذي جعل المسرح الغنائي جزءًا من تاريخ الفن العربي
  • وزارة الثقافة تطلق "مبادرة سفراء القراءة"