بوابة الوفد:
2025-02-19@23:09:43 GMT

العداء لما نجهل آفة الآفات

تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT

لم نره من قبل، ولم نعرفه، ولم نختبره، لذا فهو ممنوع. هذا هو قانون العقل العربى المعاصر، وهو موروث من العصر السابق، والأسبق، والأسبق.

ظلت العقلية الشرقية تعادى كل ما لا تعرفه قروناً وقروناً. الجديد مستحدث، والمستحدث بدعة، والبدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النهار. وما الداعى وما المبرر أن نغير ما ألفناه، وما الدافع أن نبدل ما وجدنا عليه آباءنا؟ تلك كانت الفكرة الحاكمة للعقل المسلم فى قرون المد العثمانى الكبير الذى شهد توسعاً عسكرياً للمسلمين، لكنه ظل توسعاً جغرافياً أرضياً لا حضارياً.

من يراجع تاريخ الإمبراطورية العثمانية الكبيرة يندهش من حجم الانتصارات التى حققتها، لكنه سرعان ما يحبط عندما يكتشف أن تمددها فى القوة العسكرية تلازم دائماً مع ضحالة معرفية، وانغلاق فكرى، ومعاداة لكل حديث، وهو ما علق بالعقل العربى والمسلم المعاصر، فصار كل مجهول محض مؤامرة كبرى.

فى سنة 1434م اخترع العالم الألمانى يوهان غوتنبرغ آلة الطباعة، وسارعت دول أوروبا إلى نسخ الكتب وطباعة المعارف ونقلها من بلد لآخر لتتسع العلوم وتنفتح العقول وتتوالد بدايات نهضة علمية واسعة.

وكانت الإمبراطورية العثمانية وقتها فى مرحلة نمو كبير، تحقق انتصارات واسعة على الأرض، وتحشد جيوشاً جرارة للهيمنة على شعوب الشرق والغرب، لكن هاجساً دفع ولاة الأمور فيها إلى استبعاد المطبعة من أى تخطيط نظراً لخطورتها، باعتبارها ناقلة علوم. وظلت السلطة الحاكمة فى أسطنبول ترى المعرفة خطراً، فأخرج رجال الدين المصفقون للسلطة قياساً فاسداً ادعوا فيه أن المطبعة حرام لأن آلة الطبع تضرب آيات القرآن الكريم، وأحاديث النبى «صلى الله عليه وسلم».  والغريب أن السلطان بايزيد الثانى أصدر أمراً بتحريم طباعة الكتب، إلا لطائفة اليهود داخل تركيا، لذا كان أول كتاب تمت طباعته هو التوراه فى نهايات القرن الخامس عشر الميلادى. وعندما تولى السلطان سليم الأول الحكم سنة 1515 جدد أمر تحريم الطباعة، ثم غزا سوريا وفلسطين ومصر واستولى عليها فنشر تحريم الطباعة فى كل الأقطار.

وظل الجهل سائداً، وضعف العقول حاكماً رغم اتساع الحدود وتضاعف الجنود، ولم يمر وقت طويل حتى سميت الإمبراطورية الواسعة لآل عثمان فى مصطلحات السياسة الدولية بـ«تركة الرجل المريض»، ثم تحولت لاحقاً إلى لقمة سائغة يلتهمها الاستعمار الأوروبى بسهولة مستلباً خيراتها عدة عقود.

***

فى سنة 1623 تولى سلطان طفل، لم يتجاوز الثانية عشرة حكم المسلمين فى العالم كله، وهو السلطان مراد الرابع، فأصدر فرماناً بتحريم شرب القهوة وقطع رأس من يضبط شارباً. كان الاعتقاد السائد لدى من يجهلون وينتشرون فى ربوع السلطنة أن القهوة مخدر ومسكر، بل هى أشد خطراً من الخمر، وظل الناس يتداولون هذه الفكرة دون اختبار أو تمحيص. وبعد وفاة مراد الثالث، تولى شقيقه الحكم وأحب التخفيف على الناس، فأمر بالاكتفاء بجلد من يشرب القهوة، فكان البعض يجاهر بالشرب محبة واستمتاعاً بمذاق القهوة ثم يتحمل بصبر سياط الجلد.

وفى مصر، وفى زمن مقارب، كان أحد شيوخ الأزهر ويدعى أحمد طنطاوى يفتى بحرمة شارب القهوة، وحرمة شاريها، وبائعها، ليساوى بينها وبين الخمر، حتى ضج منه التجار، وأرسلوا له مراراً ليناقشوه ويجربها لكنه أبى معتصماً بما يعتقد أنه التزام دينى. وظلت القهوة قروناً من الزمن محل شبهة لدى جمهور العامة، حتى قرر أحد القضاة فى القرن التاسع عشر اختبارها بشكل عملى، فدعا بضعة طلاب لديه وسقاهم منها، ثم تناقش معهم فوجدهم أكثر يقظة، وأصفى ذهناً، فحكم بحلها.

***

فى نهايات القرن الخامس عشر، كما يعتقد كثير من محللى أسباب النهضة فى العالم، كانت أوروبا منشغلة تماماً بحركة الكشوف الجغرافية، وكان الرحالة الأوروبيون يجوبون العالم شرقاً وغرباً، متحملين الصعاب، ومتعايشين مع الخطر، بحثاً عن الجديد، غير المعلوم.

كانت فكرة اكتشاف ما هو غير مكتشف بمثابة غاية الغايات فى أوروبا المتأججة الساعية للتقدم، والمتطلعة بقوة نحو المستقبل. وهكذا رصدت الكنوز وخصصت الميزانيات الملكية الضخمة، وبادر المغامرون والطامحون إلى التقدم لكشف العالم الغائب، ولديهم قناعة شديدة بأن المجهول دوماً نافع.

وبالفعل اكتشفت طرق ومسارات وبلدان كانت غائمة وبعيدة وبدأت خرائط الاقتصاد والتجارة فى التبدل، وانتشرت المعارف، ووضعت الخطط للمستقبل، وغرست النهضة أقدامها فى خرائط الغرب.

***

أسهل شىء أن نعادى ما نجهله، فنقطع بحرمته، بينما يعصر الآخرون أذهانهم عصراً ليعرفوا الناس ما هو مجهول.

لا تسر خلف القطيع، وغامر وخاطر واقتحم، واعرف، وجرب، واختبر، ولا تصدق تجار الدين وخدم السياسة فى كل مكان وزمان.

والله أعلم

 

 

 

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مصطفى عبيد

إقرأ أيضاً:

مفيدة للكبد.. ما لا تعرفه عن المكتسبات الصحية للقهوة

مرض الكبد الدهني من الأمراض التي تتزايد لدى العديد من الأفراد حول العالم، فهو مرتبط بالعادات الغذائية وأنماط الحياة والسمنة وسوء التغذية، وأفادت الدراسات بأن شرب القهوة السوداء يُعد من الطرق الطبيعية للحفاظ على صحة الكبد.

مرض الكبد الدهني

مرض الكبد الدهني منتشر لدى العديد من الفئات العمرية حول العالم، فهو يحدث نتيجة تراكم الدهون الزائدة في خلايا الكبد، ومع الوقت واستمرار تراكم الدهون قد يحدث تليف الكبد أو الفشل في أداء وظائفه.

تقليل الدهون وتحسين الوظائف

أشارت الدراسات الحديثة التي نشرها موقع (only my health) إلى أن فنجان القهوة السوداء بدون حليب أو سكر يدعم صحة الكبد، ويساعد في تقليل الدهون وتحسين وظائفه.

القهوة السوداء تذُيب دهون الكبد

أظهرت الدراسات أيضًا أن القهوة السوداء تٌذيب دهون الكبد، لما يوجد بها من مركبات طبيعية مثل الكافيين وأحماض الكلوروجينيك التي تعمل على تقليل الالتهابات، وتعزيز التمثيل الغذائي للدهون.

انخفاض تصلب الكبد

أشارت دراسة أخرى إلى أن المحافظة على شرب من 2 إلى 3 أكواب من القهوة يوميًا قد يعمل على خفض تصلب الكبد لدى بعض الأفراد المصابون بمرض الكبد الدهني غير الكحولي، مما يعنى أن شرب القهوة يفيد في الحفاظ على صحة الكبد وقد يساعد في منع تليفه.

معدل شرب القهوة السوداء

أوصى التقرير الذي نشره موقع (only my health) بأن كمية القهوة السوداء التي يجب أن يشربها الفرد للحفاظ على صحة الكبد والاستفادة من فوائدها من 2 إلى 4 أكواب بشكل يومي.

نصائح لشرب القهوةعدم الافراط في شرب القهوة، فالإفراط في تناول الكافيين يسبب مشاكل في النوم والشعور بالقلق.شرب القهوة سوداء بدون إضافة سكر أو حليب، حيث أن المواد المضافة تعمل على إلغاء تأثير القهوة في إذابة دهون الكبد.تجنب شرب عدد كبير من أكواب القهوة في وقت واحد، فيجب أن يكون هناك فرق في التوقيت بين المرة والأخرى.الأفراد الذين يعانون من مشاكل في القلب يجب عليهم استشارة الطبيب المتخصص قبل تناول هذا المعدل من القهوة.

مقالات مشابهة

  • ما علاقة القهوة بالاستعمار ولماذا ترتفع أسعارها في أسواق السلع الأساسية؟
  • الهجوم على سوق عيد الميلاد في ماغديبورغ يفاقم مشاعر العداء تجاه المهاجرين ويثير قلق الجاليات
  • مفيدة للكبد.. ما لا تعرفه عن المكتسبات الصحية للقهوة
  • وقاية النباتات يستقبل وفدا لتعزيز التعاون العلمي بين مصر ودول القارة الإفريقية
  • الزراعة: وقاية النباتات يستقبل وفدا لتعزيز التعاون العلمي بين مصر ودول القارة الإفريقية
  • بعد 110 مباراة.. إقالة مدرب بارما
  • صور- معرض القهوة في صنعاء
  • معرض صنعاء الدولي السادس للقهوة يواصل فعالياته بحضور جماهيري وتفاعل شعبي ورسمي واسع
  • ناميبيا تبرز العداء للمملكة ووزير خارجيتها يرقص فرحاًُ بعد إعلان فوز الجزائر بمنصب نائب رئيس المفوضية الأفريقية (فيديو)
  • ارتفاع غير مسبوق في أسعار القهوة يهدد فنجان الصباح