بوابة الوفد:
2024-10-02@03:29:10 GMT

العداء لما نجهل آفة الآفات

تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT

لم نره من قبل، ولم نعرفه، ولم نختبره، لذا فهو ممنوع. هذا هو قانون العقل العربى المعاصر، وهو موروث من العصر السابق، والأسبق، والأسبق.

ظلت العقلية الشرقية تعادى كل ما لا تعرفه قروناً وقروناً. الجديد مستحدث، والمستحدث بدعة، والبدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النهار. وما الداعى وما المبرر أن نغير ما ألفناه، وما الدافع أن نبدل ما وجدنا عليه آباءنا؟ تلك كانت الفكرة الحاكمة للعقل المسلم فى قرون المد العثمانى الكبير الذى شهد توسعاً عسكرياً للمسلمين، لكنه ظل توسعاً جغرافياً أرضياً لا حضارياً.

من يراجع تاريخ الإمبراطورية العثمانية الكبيرة يندهش من حجم الانتصارات التى حققتها، لكنه سرعان ما يحبط عندما يكتشف أن تمددها فى القوة العسكرية تلازم دائماً مع ضحالة معرفية، وانغلاق فكرى، ومعاداة لكل حديث، وهو ما علق بالعقل العربى والمسلم المعاصر، فصار كل مجهول محض مؤامرة كبرى.

فى سنة 1434م اخترع العالم الألمانى يوهان غوتنبرغ آلة الطباعة، وسارعت دول أوروبا إلى نسخ الكتب وطباعة المعارف ونقلها من بلد لآخر لتتسع العلوم وتنفتح العقول وتتوالد بدايات نهضة علمية واسعة.

وكانت الإمبراطورية العثمانية وقتها فى مرحلة نمو كبير، تحقق انتصارات واسعة على الأرض، وتحشد جيوشاً جرارة للهيمنة على شعوب الشرق والغرب، لكن هاجساً دفع ولاة الأمور فيها إلى استبعاد المطبعة من أى تخطيط نظراً لخطورتها، باعتبارها ناقلة علوم. وظلت السلطة الحاكمة فى أسطنبول ترى المعرفة خطراً، فأخرج رجال الدين المصفقون للسلطة قياساً فاسداً ادعوا فيه أن المطبعة حرام لأن آلة الطبع تضرب آيات القرآن الكريم، وأحاديث النبى «صلى الله عليه وسلم».  والغريب أن السلطان بايزيد الثانى أصدر أمراً بتحريم طباعة الكتب، إلا لطائفة اليهود داخل تركيا، لذا كان أول كتاب تمت طباعته هو التوراه فى نهايات القرن الخامس عشر الميلادى. وعندما تولى السلطان سليم الأول الحكم سنة 1515 جدد أمر تحريم الطباعة، ثم غزا سوريا وفلسطين ومصر واستولى عليها فنشر تحريم الطباعة فى كل الأقطار.

وظل الجهل سائداً، وضعف العقول حاكماً رغم اتساع الحدود وتضاعف الجنود، ولم يمر وقت طويل حتى سميت الإمبراطورية الواسعة لآل عثمان فى مصطلحات السياسة الدولية بـ«تركة الرجل المريض»، ثم تحولت لاحقاً إلى لقمة سائغة يلتهمها الاستعمار الأوروبى بسهولة مستلباً خيراتها عدة عقود.

***

فى سنة 1623 تولى سلطان طفل، لم يتجاوز الثانية عشرة حكم المسلمين فى العالم كله، وهو السلطان مراد الرابع، فأصدر فرماناً بتحريم شرب القهوة وقطع رأس من يضبط شارباً. كان الاعتقاد السائد لدى من يجهلون وينتشرون فى ربوع السلطنة أن القهوة مخدر ومسكر، بل هى أشد خطراً من الخمر، وظل الناس يتداولون هذه الفكرة دون اختبار أو تمحيص. وبعد وفاة مراد الثالث، تولى شقيقه الحكم وأحب التخفيف على الناس، فأمر بالاكتفاء بجلد من يشرب القهوة، فكان البعض يجاهر بالشرب محبة واستمتاعاً بمذاق القهوة ثم يتحمل بصبر سياط الجلد.

وفى مصر، وفى زمن مقارب، كان أحد شيوخ الأزهر ويدعى أحمد طنطاوى يفتى بحرمة شارب القهوة، وحرمة شاريها، وبائعها، ليساوى بينها وبين الخمر، حتى ضج منه التجار، وأرسلوا له مراراً ليناقشوه ويجربها لكنه أبى معتصماً بما يعتقد أنه التزام دينى. وظلت القهوة قروناً من الزمن محل شبهة لدى جمهور العامة، حتى قرر أحد القضاة فى القرن التاسع عشر اختبارها بشكل عملى، فدعا بضعة طلاب لديه وسقاهم منها، ثم تناقش معهم فوجدهم أكثر يقظة، وأصفى ذهناً، فحكم بحلها.

***

فى نهايات القرن الخامس عشر، كما يعتقد كثير من محللى أسباب النهضة فى العالم، كانت أوروبا منشغلة تماماً بحركة الكشوف الجغرافية، وكان الرحالة الأوروبيون يجوبون العالم شرقاً وغرباً، متحملين الصعاب، ومتعايشين مع الخطر، بحثاً عن الجديد، غير المعلوم.

كانت فكرة اكتشاف ما هو غير مكتشف بمثابة غاية الغايات فى أوروبا المتأججة الساعية للتقدم، والمتطلعة بقوة نحو المستقبل. وهكذا رصدت الكنوز وخصصت الميزانيات الملكية الضخمة، وبادر المغامرون والطامحون إلى التقدم لكشف العالم الغائب، ولديهم قناعة شديدة بأن المجهول دوماً نافع.

وبالفعل اكتشفت طرق ومسارات وبلدان كانت غائمة وبعيدة وبدأت خرائط الاقتصاد والتجارة فى التبدل، وانتشرت المعارف، ووضعت الخطط للمستقبل، وغرست النهضة أقدامها فى خرائط الغرب.

***

أسهل شىء أن نعادى ما نجهله، فنقطع بحرمته، بينما يعصر الآخرون أذهانهم عصراً ليعرفوا الناس ما هو مجهول.

لا تسر خلف القطيع، وغامر وخاطر واقتحم، واعرف، وجرب، واختبر، ولا تصدق تجار الدين وخدم السياسة فى كل مكان وزمان.

والله أعلم

 

 

 

[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مصطفى عبيد

إقرأ أيضاً:

"الزراعة" تصدر طبعة جديدة من كتاب التوصيات المعتمدة لمكافحة الآفات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أصدرت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، ممثلة في لجنة مبيدات الآفات الزراعية، طبعة جديدة من التوصيات المعتمدة لمكافحة الآفات الزراعية، طبعة ٢٠٢٤.

وتقدم علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، بالشكر الى لجنة مبيدات الآفات الزراعية على ما تقوم به من جهود مخلصة في مجال إدارة مبيدات الآفات في مصر للارتقاء بالإنتاج الزراعي، لافتا الى أن مكافحة الآفات تعد من أهم العناصر المؤثرة في عملية الإنتاج الزراعي، والتي تساعد في حماية إنتاجية المحاصيل وبالتالي تحقيق عائد مجزي للمزارع.
وأشار فاروق، إلى أن عملية مكافحة الآفات شهدت تطورا كبيرا، نظرا لاستخدام مجموعة من التقنيات الحديثة، والاستفادة القصوى من الوسائل الطبيعية والحيوية من خلال منظور بیئی واقتصادی واجتماعي أو ما يطلق عليه المكافحة المتكاملة للآفات، الأمر الذي يتفق مع سياسة واستراتيجية وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، لافتا إلى ان برامج المكافحة المتكاملة للآفات تهدف إلى الحفاظ على نشاط الأعداء الحيوية وعدم الإضرار بصحة الإنسان وسلامة البيئة مع زيادة القدرة التنافسية لتصدير منتجات زراعية نظيفة من خلال الالتزام بالحدود القصوى المسموح بها لمتبقيات المبيدات على هذه المنتجات.
وقال إن استخدام وزارة الزراعة النظم المكافحة المتكاملة للآفات جاء كحصيلة للبحوث العلمية التي يتم إجرائها في مركز البحوث الزراعية بالتعاون مع الجامعات والهيئات البحثية الأخرى، وذلك من خلال الفرق التي تبحث في بناء برامج مكافحة متكاملة تتسم بالديناميكية والقدرة على التوائم مع تغيرات البيئة الزراعية، لافتا إلى أن هذا الكتاب يعد دليلا إرشاديا لكل المهتمين بمكافحة الآفات الزراعية، وخاصة الأخوة الزراع ورجال الإرشاد الزراعي والباحثين في كافة مواقع البحث العلمي الزراعي.

ومن جهته أكد الدكتور محمد عبدالمجيد رئيس لجنة مبيدات الآفات الزراعية، أهمية إتاحة حق المعرفة للجميع ودعم الوعي والإعلام بمنظومة إدارة المبيدات، لافتا إلى ان اللجنة قد وضعت ضمن أولوياتها إعداد سلسلة من الإصدارات التي تهم العاملين في مجال مكافحة الآفات من الباحثين والدارسين وتجار المبيدات والمرشدين الزراعيين وجمهور الزراع والعاملين في صناعة المبيدات وكافة المهتمين بسلامة وصحة الإنسان وحماية البيئة على المستوى القومي.

وأشار إلى أن هذا العمل "التوصيات المعتمدة لمكافحة الآفات الزراعية ٢٠٢٤"، يعد واحدا من أهم إصدارات لجنة مبيدات الآفات الزراعية، والذي يضم كافة التفاصيل فيما يخص التوصيات بالمبيدات التي اثبتت تجارب التقييم الحيوي كفاءتها وفاعليتها إضافة إلى أمان هذه المبيدات النسبي على صحة الإنسان والحيوان والنظام البيئي غير الحي، لافتا إلى انه تم في هذا الإصدار إضافة قيم ما قبل الحصاد (PHI) لكل مبيد على كل محصول وكذا قيمة أقصى متبقي مسموح به (MRL) وهو إنجاز غير مسبوق.

مقالات مشابهة

  • ترامب: عندما كنت رئيسا كانت إيران تحت السيطرة الكاملة والآن العالم يحترق
  • سر «قهوة الموت».. أخطر فنجان كافيين في العالم يجعلك نشيطا لمدة 48 ساعة
  • في اليوم العالمي للقهوة.. تاريخ اكتشاف المشروب الأكثر إثارة للجدل في التاريخ
  • اليوم العالمي للقهوة.. استمتع برحلة من المتعة والانتعاش في فنجانك اليومي
  • سعرها يصل لـ700 دولار.. تعرف على أغلى أنواع القهوة في العالم
  • القهوة التركية إرث ثقافي يصل إلى 146 دولة حول العالم
  • صدمة لعشاق البن البرازيلي.. الجفاف يضرب المحصول وارتفاع قياسي في الأسعار
  • الاستعداد لنهاية العالم..إليكم سبب أهمية التعاون بين البشر وقت الكوارث
  • "الزراعة" تصدر طبعة جديدة من كتاب التوصيات المعتمدة لمكافحة الآفات
  • نجيب ساويرس: السينما كانت وما تزال قادرة على تحسين حياة الناس