علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
في كلامٍ منسوب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يقول فيه إنه حين تولى السلطة في بلاده كان كل همِّه محصورًا في شؤون روسيا، وكيفية وضع علاجات لمشاكلها بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي، لكنه تبيَّن له أنَّ أمريكا والغرب قد أقاموا منظومة فساد كبرى حول العالم، لفرض هيمنتهم وتكريس التبعية لهم، وهذا ما دفع بوتين إلى التفكير بضرورة وجود تحالف عالمي يحمل مشروعا إصلاحيا مُضادا للمشروع الغربي الفاسد.
لا يختلف اثنان اليوم على أنَّ كلام بوتين قد تجسَّد على أرض الواقع وبحذافيره بعد تفجُّر الوضع في أوكرانيا، حين حشد الغرب كل قواه ونفوذه لدعم أوكرانيا ضد روسيا، رغم أن أوكرانيا ليست عضوة في الاتحاد الأوروبي، ولا تتمتع بأي صفة في حلف الناتو، لكنها كشفت السعار والهوس الغربي بتفكيك وإخضاع كل قوة لا تدور في فلكهم.
الأزمة الأوكرانية برهنتْ على أنَّ الغرب لا يُحارب من أجل ترسيخ قيم حريات ولا ديمقراطية ولا سوق حرة، كما كان يتشدق ويدعي في زمن ما عُرف بـ"الحرب الباردة"؛ فالغرب يعلم وأكثر العالم قبله أنَّ روسيا اليوم هي دولة بقيم غربية؛ حيث الحزبية والانتخابات الرئاسية والبرلمانية والسوق الحرة المفتوحة، لكنها أدوات تم توطينها روسيًّا ووفق حاجات روسيا؛ لهذا يُصِرُّ الغرب على وضع لمساته الخاصة عادة على هذه القيم الإنسانية أصلًا ونسبها لنفسه، وتفصيلها على المقاس الذي يسمح له بإدارتها عن بُعد، والتحكُّم في الدولة وتقرير مصيرها وِفق هَوَى الغرب ومصالحه.
الغرب بقيادة أمريكا أصبح يُعاني من مجمل منظومة التفكير الأمريكي وأعراضها؛ والمتمثلة في تحكيم القوة العارية منزوعة العقل والمُعادية له، لهذا يسهل على الآخر -مهما كانت قوته وحجمه- أن يُواجه أمريكا ويهزمها بقليل من العقل وكثير من الإرادة، وكما قال الزعيم الفيتنامي مخاطبًا الأمريكان: "ستقتلون منا عشرة أشخاص مقابل كل جندي نقتله، ولكننا سننتصر".
قصة أمريكا مع "إيران الثورة" مثال آخر على الغطرسة المنزوعة من العقل. فمنذ انتصار الثورة في إيران عام 1979، ولا يزال العقل الأمريكي يتعامل مع إيران بعقلية هيمنته ونفوذه أيام الشاة، ورغم مرور 45 عامًا على انتصار الثورة ورسوخ هوية الدولة، وتخطي عشرات المؤامرات لكسر الدولة وإضعافها، ما زال الأمريكي وأتباعه الغرب يُجرِّبون حتى يفشلون، ويُعيدون إنتاج الفشل في كل مرة.
كان يُمكن للأمريكي أن يتسلَّح بالواقعية لمرة واحدة في حياته ويعترف بالثورة كخيار شعبي، ويعترف للدولة الإيرانية بحقها المشروع في خياراتها وسياساتها، وهذا سيوفر لأمريكا -في تقديري- إيران نصف عدو أو ربع عدو، ولكنَّ العنتريات الأمريكية جعلت من إيران عدوا كاملا؛ بل وجعلت كل خطاب سياسي بداخل إيران يدعو للانفتاح على الغرب خطابًا كالخيانة ما لم يكن الخيانة بعينها.
مُشكلة أمريكا الحقيقية مع التيار المُحافظ، ولها قبول بعض الشيء لدى التيارين الإصلاحي والفارسي، لكنها بحماقتها تجاه إيران، تهدي التيار المُحافظ في كل مرة نجاحًا مجانيًّا وورقة سياسية كبيرة تكون سببًا عادة في اتساع الحاضن الشعبي للمحافظين، وتزيد من عدد مناصريهم.
كان الوضعُ المثاليُّ لأمريكا والغرب في فترات رئاسة الرئيسين محمد خاتمي وحسن روحاني، والمحسوبين على التيار الإصلاحي، وكان من الممكن جدًّا تراجع المحافظين لو حافظت أمريكا على اتفاق الملف النووي عام 2015، ولكن بوصول دونالد ترامب إلى السلطة والانسحاب من الاتفاق لإرضاء اللوبي الصهيوني، فَقَد الإصلاحيون أكبرَ ورقة سياسية، وفقدت أمريكا أكبر فرصة لرفع منسوب الإصلاحيين في الشارع الإيراني، وتراجع التيار المُحافظ "المتشدد".
لم يتوقَّف مسلسل حماقات أمريكا عند هذا؛ بل أتت عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني لتشكل الشعرة التي قصمت ظهر الإصلاحيين، وأعلت من شأن المحافظين مجددًا، وأتت بالدكتور إبراهيم رئيسي للرئاسة بعد خسارته في الانتخابات التي سبقتها أمام الإصلاحي حسن روحاني.
تميَّز عهد رئيسي بالبرامج والحلول العملية والقرب الكبير من الشارع، بعد سنوات الترقب والوعود الفردوسية التي تعلق بها الشارع الإيراني ترقبًا لنتيجة الاتفاق النووي في العهد الإصلاحي؛ حيث نجح رئيسي في ترميم الكثير من هذه الفجوة الحلم بفعل حيويته وحلوله الاقتصادية البديلة، والتي لمسها الشارع والدولة في إيران، حيث اتَّسَمَ عهده بالتجوال الدائم بين المحافظات وملامسة احتياجات الناس مباشرة.
يأتي اليوم حادث وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي لتتجه أصابع الاتهام مجددًا إلى أمريكا، وبهذا تكون أمريكا أطلقت رصاصة الرحمة على نجاح أي تيار يُراهن على العلاقات معها؛ حيث إنَّ الوعي الجمعي الإيراني اليوم أصبح يمتلك كشوفًا ثقيلة من الحسابات مع أمريكا، وزادها الملف الأوكراني والذي كشف حقيقة نوايا أمريكا ومَنْ خَلْفَهَا لتطويع مخالفيها وجعلهم أدوات رخيصة لها، كما أن تجربة الصين وروسيا مع أمريكا تشهد بأن الأمريكي لا يعرف النِّدية في العلاقات، ولا يُقيم وزنًا للحلفاء؛ فشعارُ الأمريكي في علاقته بالآخر هو نظرية "السيد والخادم".
قبل اللقاء.. يقول الرئيس الباكستاني الأسبق الجنرال ضياء الحق في وصف التعامل مع أمريكا: "من يَتَعَامل مع أمريكا، كمَن يُتاجر بالفحم، ليس له من تجارته سوى سواد الوجه والكفين".
وبالشكر تدوم النعم...،
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لو استدبر فشلوك من أمره لما أقدم على زيارة لندن
شرفاء لندن
لو استدبر فشلوك من أمره لما أقدم على زيارة لندن. لقد وحد الشارع السوداني على امتداد المعمورة. في لندن قدم الشرفاء من السودانيين درسا في الوطنية لكل من توحل في طين العمالة والارتزاق. خرجت الجالية في الشوارع بجلالات الجيش وهي تلوح بعلم السودان عاليا خفاقا. حبست له بوابة القاعة. مما اضطر للدخول عبر بوابة إخراج النفايات. هتف أحدهم من داخل القاعة ضده (بكم.. بكم.. قحاتة باعوا الدم). خرج من القاعة مهرولا تحت حراسة الشرطة. طارده أحدهم بدراجته النارية حتى مقر إقامته شاتما له.. أما ساقطو وساقطات تقزم فقد هرب من خرج منه خوفا من غضبة الجماهير. والباقي احتمى بالقاعة كالجرذان. وفي شارع الميديا منذ الأمس الذي يغلى كالمرجل نجد (الأعمى شايل المكسر) محتشدا ضد الرجل وتقزمه. إذ اختلط مداد أقلام كبيرة وطنية مع مداد رجل الشارع العادي. دفاعا عن الوطن الذي يتاجر به هذا الفشلوك في أسواق نخاسة السياسة العالمية. وخلاصة الأمر نؤكد لحمدوك بأن قاضي الوجدان الوطني قد حكم عليك بالإعدام. وذلك بجريمة التسفل والوضاعة في المواقف. والخيانة والعمالة في بيع الوطن. لذا ننصحك أن تقدم نفسك للعالم في المرة القادمة عبر الأحلام ممتطيا حمار النوم لتكون بعيدا عن أعين وسمع الشعب… وهنا لندن.
د. أحمد عيسى محمود
عيساوي
السبت ٢٠٢٤/١١/٢