RT Arabic:
2024-06-27@10:45:46 GMT

مصر.. سر إغلاق متاجر عمر أفندي الشهيرة

تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT

مصر.. سر إغلاق متاجر عمر أفندي الشهيرة

شهد اجتماع لجنة المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر بمجلس النواب في مصر، طرح تساؤلات عن سر غلق عمر أفندي الشركة الحكومية المصرية وسلسلة المتاجر التابعة للشركة منذ 1856.

إقرأ المزيد مصر.. تحركات لإلغاء كلية مصرية بعد تصريحات السيسي

في البداية طرح النائب محمد كمال مرعي، تساؤلا عن "عمر أفندي" قائلا: "هل عمر أفندي قفل؟"، وبدورها ردت دعاء سليمة الرئيس التنفيذي لمركز تحديث الصناعة: "عمر أفندي قفل بسبب الطمع، لأن مركز تحديث الصناعة عندما حصل عليه، الناس استكترت إن وزارة التجارة والصناعة تاخده"

وقالت دعاء سليمة الرئيس التنفيذي لمركز تحديث الصناعة، إنه لولا إطلاق علامة "صنع في مصر" كانت الحرف التراثية واليدوية اندثرت، وهو ما قام به مركز تحديث الصناعة، والذي أطلق خريطة تكتلات لتلك الحرف.

ونوهت: "عمر افندي قفل بسبب الطمع، لأن مركز تحديث الصناعة عندما حصل عليه، الناس استكترت إن وزارة التجارة والصناعة تأخده"

وأوضحت: "طلبوا مننا نمشي بعدما جهزنا المكان على أعلى مستوى، مشيرة إلى أنه كانت تتم دعوة السفراء لرؤية الحرف اليدوية. والتراثية".

وأكدت أن الإخفاق لم يكن من جانب وزارة التجارة والصناعة ومركز تحديث الصناعة.

المصدر: وسائل إعلام مصرية

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: أخبار مصر أخبار مصر اليوم القاهرة غوغل Google تحدیث الصناعة عمر أفندی

إقرأ أيضاً:

محمد البساطي.. فلاح في ملابس أفندي!

مع مطلع الألفية الجديدة كان الكاتب المصري محمد البساطي، المولود عام 1937، قد تجاوز الستين من عمره، إلا أن إمارات الصحة بدت واضحة على جسده، واحتفظ بوسامة الشباب، بأنفه المستقيم، وعينيه الواسعتين، وإن كان اللون الرمادي قد صبغ شعره المصفَّف بعناية دوما. بدا واضحا لي أن هناك وجه شبه كبيرًا بينه وبين الأديب البيروفي ماريو بارجاس يوسا. قلت له ذلك في إحدى مكالماتنا المنتظمة أيام الجمعة من كل أسبوع، فضحك، وسألني بسخريته المعهودة: «وسيم زيي؟! والله ممكن!».

المدهش أن المقارنات عادت لتجمعه ببارجاس يوسا في ميدان الأدب، فقد رأى بعض أصدقائه أنه استلهم رواية يوسا الشهيرة «مديح الخالة» في روايته «فردوس»، التي سلمها للناشر بعنوان «الخالة فردوس». أصر الأصدقاء على أن عنوان روايته يتشابه للغاية مع عنوان يوسا، وحذروه من التمسك به، وفي لحظة شك نادرة، قبِلَ البساطي نصيحتهم وحذف كلمة «الخالة» من العنوان، لكن هذا لم يكن كافيا لإسكات الحياة الثقافية التي بدأت تقارن أيضا بين روايته «جوع» ورواية الكاتب النرويجي كنوت هامسون «الجوع». وقد علت الثرثرة وبلغت أشدَّها حين وصلت رواية البساطي إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» في عامها الثاني.

وقتها لم يكن السرطان قد تمكَّن منه بعد، فبدا كأنه سيعيش أبدا، وحافظ على خروجه من البيت مرة أو اثنتين في الأسبوع ليقابل أصدقاء عمره في مطعم «الجريون» أو على مقهى «الندوة الثقافية» أو مقهى «سوق الحميدية» بوسط البلد، ومنهم الرسَّام جودة خليفة، والكتَّاب إبراهيم أصلان وبهاء طاهر وعزت القمحاوي والناقد محمد بدوي والشاعر إبراهيم داود. كان يبدو لأي شخصٍ غريبٍ مثل «باشا» أو «أفندي»، بملابسه اللامعة وشعره الأبيض وعينيه الحادتين، لكن بمجرد أن يتحدث تسقط عنه الهالة الخارجية، لأنه يتحدث كفلاح. كان لا يزال محتفظا بلكنة قريته «الجمالية» المطلَّة على بحيرة المنزلة، في دلتا مصر، كأن تلك السنوات التي قضاها في الوظيفة ومع أفندية القاهرة ومع القراءات العربية والمحلية والأسفار الخارجية لم تستطع أن تنهي تماما شخصية الفلاح داخله. حكى البساطي مرارا أن أمه أرسلته إلى القاهرة صبيا ليكمل تعليمه بها، بعد أن يئست تماما من شغبه، ومن مغامراته التي لا تنتهي في المدارس والقرى المجاورة، وقفزه على سطوح الجيران، ومشاغباته للناس. جاء البساطي إلى القاهرة بعد أن انطبع الريف والنيل في روحه، إذ كان يزرع مع الفلاحين، ويصطاد مع الصيادين، واستمرت رائحة الحنين تُعيده إلى فترة الطفولة والصبا في معظم أعماله بدءا من «الكبار والصغار» و«حديث من الطابق الثالث»، و«التاجر والنقاش» و«أحلام رجال قصار العمر» و«هذا ما كان» و«منحنى النهر» و«ضوء ضعيف لا يكشف شيئا» و«ساعة مغرب» و«المقهى الزجاجي» و«الأيام الصعبة» و«بيوت وراء الأشجار» و«صخب البحيرة» و«أصوات الليل» و«ويأتي القطار» و«فردوس» و«جوع».

حمت الوظيفة البساطي، مثل أستاذه نجيب محفوظ، من مشقَّة الحياة، ومن الصعوبات التي واجهها أنداده كتَّاب جيل الستينات، يكفي أن أذكر أن خيري شلبي مثلا عمل في الفِلاحة، كما عمل نجارا وحدادا ومكوجيا وترزيا، وبائعا سرِّيحا يقفز من أتوبيس إلى أتوبيس، أما البساطي فقد جنَّبه التعليمُ العالي هذه الويلات، إذ نال بكالوريوس التجارة عام 1960، ثم عمل مديرا عاما بالجهاز المركزي للمحاسبات، وتدرَّج في الوظيفة حتى أصبح مفتشا كبيرا، تُفتح له أبواب مؤسسات الدولة، وعلى رأسها السجون، فدخلها بكبرياء، مفتشا في السجلات المالية، مثيرا الرعب في قلوب مأموريها، بينما كان معظم أبناء جيله نزلاء بها في الستينيات والسبعينيات، يسومهم الجلادون أنواع العذاب.

داخل تلك السجون لم يكتف البساطي بالعمل الرتيب، والبحث عن الهفوات في الأوراق فقط، وإنما كان يراقب الجميع، ويرى العلاقة بين الحرَّاس والسجناء، وطبيعة اللغة المتداولة داخل المكان الكئيب، وكان يطلب من الحراس أن يقضي بعض الوقت مع السجناء، فيستجيبون له مكرهين، خوفا من تقاريره السلبية، فيستمع إلى حكايات مؤلمة لسجناء من كافة الطبقات منذ نشأتهم وحتى دخول السجن، وقرر أن يكتب عنهم رواية بعنوان «أسوار». حكى لي في حوار أجريته معه منذ سنوات بعيدة قائلا: «سمعت حكاية غريبة، تخص إدارات بعض السجون، وهي أنها تُخرِج مساجين عتاة من السجن حتى يبطشوا بأشخاص معينين في المجتمع، أشخاص ليسوا على هوى الكبار. ومن هذه الحكاية شعرت أنني أريد الكتابة عن السجن، واستدعيت من الذاكرة ليمان أبو زعبل، لأنه أكثر السجون نظافة إذا نظرت إليه من واجهته الخارجية، كما أن بوابته تفاجئك بأحواض زهور رائعة كأنها ستنقلك إلى الجنة، لكن حين تتخطاها تجد نفسك مباشرة في مواجهة زرائب ترفض الحيوانات نفسها الحياة فيها. خارج السجن هناك أيضا البلوكات الخاصة بالحراس، وهي كذلك مصدر لحكايات مذهلة. لقد استمعت إلى أكثر من سجين وحارس وبدأت أكوِّن فكرة كانت نواة الرواية. كتبتُ 5 صفحات منها، ونشرتها كقصة قصيرة على لسان مسجون، لكني وجدتها تنحرف إلى سكة لا أرغبها، ورأيت أنه من الأنسب كتابتها على لسان حارس، كما ظهر في الرواية بشكلها النهائي».

حصر البساطي نفسه خلال الفترة الأخيرة من حياته في عالم صغير جدا، هو مجموعة أصدقائه وكتبه وقراءاته. لم يكن منشغلا بجوائز، وإن بدا سعيدا للغاية حين حصل على جائزة سلطان العويس عام 2001 مناصفة مع السوري زكريا تامر. كان يرفض التقديم أو الترشح لجوائز الدولة في فترة الرئيس حسني مبارك، فقد اعتبر نفسه من الرافضين لسياساته، وحدث أن حصل بهاء طاهر على جائزة «مبارك»، فغضب البساطي جدا، وهاتفه، وطلب منه ألا يقبلها، لكن بهاء المعروف بميله إلى الدولة تجاهل الطلب، على أمل أن ينسى البساطي، لكنه لم ينس أبدا، واستمر الخلاف بينهما حتى رحل البساطي أولا في عام 2012، وتبعه بهاء طاهر في عام 2022.

كان طابع بهاء الحكمة والرصانة والهدوء وعدم تحميل الأمور أكبر مما تحتمل، وكان البساطي شخصا ساخرا، لا يتوقف عن اختراع مواقف غير حقيقية ويجعل أصدقاءه أبطالا لهذه الحكايات، لكن الشخص الذي يسعى إلى الضحك كان يتحول إلى آخر غاضب وعنيف إذا مسَّ أحدهم فكرة أو عقيدة أو رؤية له. لم يقبل أبدا المناقشة العقلانية، وكان حادا للغاية ويتعامل بمنطق الأبيض والأسود وإما أن تكون معي أو تكون عليَّ، وربما كانت آراؤه في كثير من المبدعين مبنية على رأيه في مواقفهم السياسية، أي أن الكاتب يصبح جيدا إذا كان موقفه السياسي مشابها لموقف البساطي، والعكس صحيح. كنت أقول له ذلك فكان يسخر من رأيي ضاحكا.

ظل البساطي قويا حتى تمكَّن السرطانُ من كبده، وهاجمه بضراوة. غلبه مرة إلا أن السرطان التفَّ عليه وعاد كالوحش الكاسر، ليهاجمه وينهكهه ويحوله إلى رجل طاعن في السن، لا يقوى على السير بمفرده، ويمد يده للآخرين متوكئا عليهم إذا غلبه الحنين وقرر النزول إلى الشارع. عاش البساطي بوجهٍ واحد، لم يتلون ولم يقبل بأنصاف الحلول ولم يتخل عن مبادئه أبدا تحت أي ظرف من الظروف.

صياغات جمالية

من جهته يرى الناقد حسين حمودة أن كتابة محمد البساطي، التي بدأت مع مطلع ستينيات القرن الماضي، وامتدت حتى رحيله عام 2012، تُمثِّل إضافة مشهودة للكتابات القصصية والروائية العربية، سواء على مستوى التناولات التي تنهض عليها هذه الكتابة، أو على مستوى الصياغات الجمالية التي تأسَّست عليها.. فكلها ارتبطت بالتقاط عالم خاص، وشخصيات أغلبها مُهمَّش، في القرى والمدن، بعضها يبدو شبحيا، ومع ذلك هي جميعا ممتلئة بأسباب الحياة، وكلها تنهض على صوت سردي مميز، متنوع من عمل لآخر، مشبع بصريا، وبعيد عن التفاصيل والثرثرة، ومع ذلك يقول كل شيء، كما أن أعماله كلها تحيل إلى واقع مرجعي ما، ماثل خارج النص، ومع ذلك تتجاوز هذا الواقع، ولذلك كانت كتابة البساطي، بهذا المعنى، جزءا مهما، من التجربة التي سمَّاها بعض النقاد «ما وراء الواقعية»، وهي تجربة احتفت بأبعاد كثيرة في العالم، تجاوز الاهتمامات التي ارتبطت بها الكتابات الواقعية بوجه عام..

ويؤكد حسين حمودة أن معالم كتابة البساطي لاحت واضحة، منذ أعماله القصصية المبكرة، أول الستينيات، التي جمعها في مجموعته الأولى «الكبار والصغار»، ثم في قصص مجموعتيه التاليتين «حديث من الطابق الثالث» و«أحلام رجال قصار العمر»، ثم منذ رواياته التي بدأت مع «التاجر والنقاش» وضمت أعمالا مهمة مثل «صخب البحيرة» و«بيوت وراء الأشجار» و«أصوات الليل» وغيرها، وقد ميَّزته تلك المعالم بين كتابات مجايليه، ومن أهمها حضور صوت سرت سردي خاص، يهتم مع تنوعه من عمل لآخر، بالابتعاد عن الاستطراد والثرثرة، ويراوح بين الإحالة للعالم المرجعي، خارج النص، والتحليق بعيدا عن هذا العالم، ويتأسَّس على احتشاد بتفاصيل بصرية قابلة للتأمل وللتأويل من وجهات متباينة، بما يجعل القارئ مشاركا أساسيا في إنتاج معنى النصوص، ويمتلئ أحيانا بروح المفارقة، والسخرية الخفيفة غير الزاعقة، ومن هذه المعالم أيضا ما يتصل بصيغة زمنية حاضرة في رصد الوقائع، تجعلها تمضي في زمن مستمر، وتقريبا أبدي، رغم أنه يقف كثيرا عند وقائع صغيرة تبدو عابرة.

بهذا المعني، حسب حمودة، تُبلور كتابات البساطي تجربة خاصة، مميزة، في الكتابة القصصية والروائية المصرية والعربية، تلوح حتى الآن، وربما لأزمنة طويلة قادمةـ تجربة غنية، غير قابلة للتقادم.

إيقاع الأدب

الناقد الدكتور خيري دومة تعرَّف على البساطي في البداية كاتبا للقصة القصيرة، منذ قرأ «أحلام رجال قصار العمر» و«حديث من الطابق الثالث»، وظل هذا هو انطباعه عنه، أي أنه كاتب للقصة، حتى بعد أن كتب رواياته القصيرة في سبعينيات القرن العشرين، كـ«المقهى الزجاجي» و«الأيام الصعبة» و«التاجر والنقاش»، ثم الأطول نسبيًّا فيما بعد، كـ«بيوت وراء الأشجار» و«صخب البحيرة» وما تلاها. ظل عالمه الروائي وأسلوبه في الكتابة أقرب إلى جماليات القصة القصيرة.

ومن هذه الزاوية أيضا، ظل خيري دومة، طوال الوقت، ينظر إلى البساطي ومعه إبراهيم أصلان كأنهما تنويعتان مختلفتان على لحنٍ واحد، فبرغم ما بينهما من اختلاف في العالم القصصي، ظلت روح الرسَّام هي الحاكمة لديهما.

ويؤكد أن أهم ما يميز روايات البساطي وقصصه، ليس الحكايات نفسها، ولا الشخصيات فقط، وإنما هو هذا الإيقاع الذي يُبقِي العالم غامضا كأنما يأتي من الأحلام. كل جملة مكتوبة بعناية خاصة ولها إيقاعها الذي لا تخطئه الأذن. يعلق: «أظن أن هذا هو ما سيبقى من أعماله القصصية والروائية على السواء، وما يحتفظ لها بقيمتها، وهي قيمة جمالية في الأساس أكثر منها قيمة اجتماعية أو سياسية».

وبحسب خيري دومة يمكن لقراء البساطي أن يميِّزوا هذا الإيقاع القائم على الرسم الدقيق الأنيق لعالم خاص، يحتفظ بخصائص اللوحة وجمالياتها، ويمكنهم طبعا أن يميِّزوا بين هذا العالم وعالم روائيي الستينيات الآخرين، مثل جمال الغيطاني وصنع الله إبراهيم ويحيى الطاهر عبد الله وعبد الحكيم قاسم وغيرهم.

وينهي حديثه قائلا: «إذا كان لي أن أنصح الشباب بقراءة البساطي، فسيكون في ذهني شيء أساسي ليتعلموه. الكتابة وجمالياتها، والحساسية الخاصة في التقاط العالم وتصويره، وهذه التركيبة الغريبة من البساطة والحذر في اختيار الكلمة وتركيب الجملة، وهذا الإيقاع الغامض الساحر الذي يحوِّل الواقع إلى ما يشبه الحلم. لقد عاش البساطي في القاهرة منذ انتقل إليها للدراسة أواخر خمسينيات القرن العشرين، لكنه ظل طوال عمره الإبداعي يستعيد عالم الطفولة التي عاشها بالقرب من بحيرة المنزلة في شمال مصر. وظلت هذه بصمة واضحة في أعماله القصصية والروائية. إنها مملكته التي ظل يصوِّرها لنا من زوايا خاصة وبإضاءات مختلفة».

نزول النهر

الدكتور محمد الشحات أستاذ النقد ونظرية الأدب، بجامعة الشرقية، في سلطنة عمان رد على سؤالي: «ما القيمة التي أضافها البساطي بأعماله الروائية للرواية العربية؟» بسؤال: «هل تعتقد أنه لا يزال ثمة كلام يمكن قوله حول كُتَّاب جيل الستينيات بصفة عامة، ومحمد البساطي بصفة خاصة بعد كل هذه السنوات؟».

وقال: «هنا، سوف أستدعي العبارة الشهيرة لهيراقليطس «لا يمكن نزول النهر الواحد مرتين؛ لأنَّ مياها جديدة تجري فيه باستمرار». بالطبع، يمكن فعل ذلك مرة ومرات متعددة. عندما تذكر جيل الستينيات فما عليك إلا أن تستدعي على الأقل جمال الغيطاني وخيري شلبي وإبراهيم أصلان ويوسف القعيد وصنع الله إبراهيم ومجيد طوبيا وبهاء طاهر. ربما تكمن الميزة الأولى لهذا الجيل في خارطة السرد العربي في التقائهم - بوصفهم تيَّارا فنيَّا عربيَّا - حول مجموعة من الأفكار والرؤى والاستبصارات ذات الصلة المباشرة بنظرية الفن في مرجعيِّاتها الغربية (الروسية والإسبانية والأمريكية، وغيرها) وقدرتهم في الوقت ذاته على إعادة صياغة علاقة الكتابة السردية العربية بالمجتمع لا على طريقة الأدب الواقعي المباشر، بل عن طريق سعي كل منهم إلى أن يشقَّ لنفسه مسارًّا سرديًّا خاصًّا به يعكس رؤيته للعالم ورؤية جيله للواقع العربي المهزوم والمأزوم. لقد أفاق كُتَّاب هذا الجيل على نكسة يونيو 1967، التي دفعتهم إلى محاولة البحث عن قيم مغايرة للكتابة في زمن سقطت فيه السرديِّات الكبرى، التي صنعتها الأنظمة السياسية عن التحرير والتنوير والعدالة الاجتماعية».

اللافت للنظر، كما يرى الشحات، أن كُتَّاب هذ الجيل - ربما دون استثناء - كتبوا القصة القصيرة والرواية معا بالقدر نفسه من الإجادة والإخلاص والتميُّز والإضافة النوعية إلى فنون السرد العربي الحديث. يعلق: «ربما في رأيي لم يُفلح جيل آخر في مسار السردية المصرية الحديثة في الجمع بين «المشترك الجمعي للجيل الثقافي» و«الإبداع الفردي» من ناحية، والقدرة على التجريب المستمر في شكلي القصة القصيرة والرواية، إلا جيل التسعينيات على سبيل المثال. أما محمد البساطي (1937- 2012) فهو واحد من أصحاب الموهبة الفطرية في عقد الستينيات الفريد. ربما كان أكثرهم شبهًا به هو إبراهيم أصلان. أقصد تلك المشابهة الجمالية التي تعكس طريقتهما في بناء العالم سرديًا بحرفية الصائغ الخبير بصنعة الكتابة وحرفتها». لم يكن البساطي، بحسب الشحات، كاتبا معنيا - مثل بعض مجايليه - بفلسفة الرواية أو أرخنتها أو اجتماعيتها، حيث كان بعضهم يحتفي بضخِّ المقولات الفلسفية والاجتماعية في الكثير من قصصه ورواياته في إطار البحث عن كتابة قصصية واقعية أو رمزية أو حتى تسجيلية جديدة. لكنَّ البساطي كان أقرب إلى طريقة أصلان الهادئة الماكرة التي تنهض على العناية بتكثيف المشهد السردي. كان البساطي، أكثر كُتّاب جيله براعة في كتابة رواية محبوكة أو قصة قصيرة متقنة تبدأ من الحدث الصفري. لذا، لم يكن البساطي منشغلا بجدل النظريات الفلسفية والاجتماعية والسياسية أو مناوشة السرديات الكبرى، بل كانت سرديته منشغلة بطبيعة الإنسان المصري والعربي في جوهره البسيط المتخم بالتناقضات والأخطاء البشرية؛ بمعنى انشغاله بإنسان الظل، سواء في شبابه أو شيخوخته، فوضويته ومثاليته، ذكورته وأنوثته، حياته وموته، سجنه وحريته، قرويته ومدنيته. لقد كان البساطي يمتلك راويا من العيار الثقيل، راويا كليَّ القدرة عل الحكي المتدفق المتوالد كانثيال ذاكرة شهرزاد في «ألف ليلة وليلة».

الشحات ينصح الشباب بالبدء من قصصه القصيرة أولا. ويذكر منها مجموعاته الأولى «أحلام رجال قصار العمر»، و«هذا ما كان»، و«حديث من الطابق الثالث» و«منحنى النهر» و«ضوء ضعيف لا يكشف شيئا» و«ساعة مغرب»، حتى يصلوا إلى مجموعة قصصية متأخرة كثيرا في مدوَّنته اسمها «محابيس». وهنا عليهم، كما يقول، أن يطرحوا على أنفسهم سؤالا مباشرا: ما الذي تغيَّر لدى البساطي في قصصه القصيرة الأولى عن قصصه المتأخرة؟ هل هي الحبكة أم اللغة أم صوت الرواي وموقعه الأيديولوجي؟ لماذا أخذ يميل إلى «الرمزية» و«الغرائبية» أحيانا في الوقت الذي أخذ يبتعد عن الواقعية النقدية في بداياته؟ لماذا أصبحت قصصه ورواياته اللاحقة مرتبطة بعالم البحيرة والفضاءات البرية (أو الإيكولوجية) التي وجدتْ تمثيلها الصارخ في روايته الأثيرة التي فجَّرت موهبته أمام العالم العربي «صخب البحيرة» (1994)؟ ما سِرُّ هذا التحول والتراكم الذي أحدثه البساطي بعد نشر «صخب البحيرة» (فأصدر «أصوات الليل»، «ويأتي القطار»، «ليال أخرى»، «أوراق العائلة»، «الخالدية»، «دق الطبول»، «فردوس»، «جوع»، «أسوار»؟).

يتابع: «أنصح الشباب أيضًا بمقارنة بعض قصصه القصيرة برواياته، ومحاولة البحث عن الأساليب والتقنيات السردية التي كان يستعملها بمهارة عندما يعالج التيمة نفسها؟ كيف كان يصنع ذلك الإيهام بالمغايرة والاختلاف؟ أنصحهم أيضا بتأمُّل قدرته الفائقة على صناعة روايات مشحونة بالدراما وتحولات المصائر البشرية، رغم كونها أقرب إلى «النوفيلَّا» التي لا تتجاوز المائة صفحة بالكاد. ورغم ذلك، فهي نوفيلا مشحونة بدراما الحياة الاجتماعية وتراجيديا الإنسان المقهور. كان البساطي أستاذا في استعمال استراتيجيات التكثيف الدلالي القائم على الجمل الحادة المبتورة دون رطانة أسلوبية أو تعقيد.

كاتب صارم

أما الكاتب المصري سمير الفيل فيؤكد أن انطباعه الأول عن محمد البساطي هو أنه كاتب شديد الصرامة فيما يخصُّ تجربته السردية الرائعة.

ويقول: «لو تأملت أغلب أعمال الكتَّاب الذين عاشوا بالقرب من المياه فستجد عذوبة في لغتهم وجموح المخيلة في الوصف والرصد، كما ستجدها تتسم بالغنائية حيث تتسع مساحات الزرقة أمام أعينهم، وتنشط الطيور المهاجرة القادمة من الشمال، هكذا كانت كتابات البساطي في أعماله المختلفة، وعبدالفتاح الجمل في سرده الرائع عن قريته «محب» ومحسن يونس في أعماله عن «السيَّالة»، وسيد حجاب عن التساهيل وأرزاق الناس في صياد وجنية».

ويرى أن نصوص محمد البساطي تقدِّم رؤية كاملة للمجال الحيوي الذي يعيشه أبطاله، الباحثون عن كسرة الخبز والرزق الوفير، حيث الانطلاق في الفجر، والاتكال على الله، وقد كانت تلك المفردات الأكثر ظهورا في فضاء نصوصه. ويقول: «قدَّم البساطي أناسا يعرفهم في قصصه، وقابلهم في بلدته الريفية بظهيرها الساحلي، وكتب عن البسطاء والمهمَّشين كتابة صادقة وأمينة، فالعالم يتغيَّر حولهم غير أنهم ما زالوا يعيشون جو البساطة والنقاء، والبُعد عن كل سُلطةٍ قاهرة. هذا ما نقرأه في أعماله التي تشاغب المخيلة: مثل «الكبار والصغار»، و«حديث من الطابق الثالث»، و«أحلام رجال قصار العمر»، و«هذا ما كان»، و«منحنى النهر»، و«ضوء ضعيف لا يكشف شيئا»، و«ساعة مغرب». هذا في مجال القصة القصيرة فقط، فله عطاء عظيم في الرواية أيضا. وتتميز كتاباته عموما بالمشهدية، واللحظة الحياتية المشحونة بالتفصيلات الدقيقة».

يضيف: «اقتربتُ من البساطي خلال توليه منصب رئيس تحرير سلسلة «أصوات أدبية» عام 2000. اتصل بي هاتفيا، وطلب مني القدوم للقاهرة لمراجعة بروفة ديواني «نتهجَّى الوطن في النور»، فسافرتُ وقابلته، وكان كريما وودودا معي، وصدر الديوان واحتفى به الناس، ثم بادر البساطي بالاتصال بي مرة ثانية ليخبرني بضرورة المجيء إلى القاهرة مجددا لتوقيع العقد، وكان توقيع العقود يتم بعد صدور الكتب لا قبلها، وحصلت على حصتي من النسخ. وما زلت أعتقد أن البساطي الإداري لا يقل قيمة وموضوعية عن البساطي الأديب المتحقق، الذي يتعامل مع الكتَّاب الجدد بأريحية وحسن استبصار، وبقدر كبير من الدعم النفسي».

وتابع: «بعد هذا الديوان اتخذت قرارا بهجر الشعر والتوجُّه للسرد كليا، وقد بدأت مشواري معه بثلاث مجموعات قصصية صدرت كلها في عام 2001، وهي «خوذة ونورس وحيد»، «أرجوحة»، «كيف يحارب الجندي بلا خوذة؟».. ثم أهديته نسخا منها، فأبدى اندهاشه الشديد من انخراطي في دولاب السرد. أتذكر أنه ضحك وقال لي بمزيج من الود والسخرية: نورس يحلق أينما شاء»!

مقالات مشابهة

  • وزيرا الشؤون الإفريقية والصناعة يبحثان تعزيز التكامل الاقتصادي مع الدول الأفريقية
  • وزيرا الشؤون الإفريقية والصناعة يبحثان التكامل الاقتصادي مع الدول الأفريقية
  • محمد البساطي.. فلاح في ملابس أفندي!
  • «تحديث الصناعة» يشارك في معرض «Big 5 Construct Egypt»
  • بالصور.. إغلاق مطعم شاورما في طرابلس لعدم مطابقته للمواصفات
  • إغلاق 5 مكاتب لإستقدام العمالة المنزلية لمخالفتها قرارات وزارة التجارة
  • مدبولي: لدينا خطة طموحة لزيادة صادرات مصر إلى أسواق العالم
  • رئيس الوزراء يتابع موقف مبادرات دعم الصادرات المصرية
  • برنامج صيفي حول "ريادة الأعمال" بعبري
  • رئيس الوزراء يلتقي أعضاء غرفة التجارة والصناعة الفرنسية.. صور