جامع دجينغاربير.. تحفة تمبكتو ذات السبعة قرون
تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT
تمبكتو– 60 ألف رجل، 12 ألفا منهم يحملون ما مجموعه 24 طنا من سبائك الذهب، و80 جملا يحمل كل منها قنطارا من الذهب الخالص، ورجال يلبسون الحرير وبأيديهم عصيّ ذهبية يراقبون الخيول والجمال وينظمون شؤون القافلة التي صارت أشهر قافلة في مالي، على رأسها أحد أغنى أثريائها على مر التاريخ. إنه مانسا موسى إمبراطور البلاد الأشهر.
وكان مانسا موسى سليل أسرة عظيمة النفوذ، امتدت سيطرتها من بحيرة تشاد شرقا إلى الساحل الأطلسي غربا، في منطقة تغطي اليوم كلا من مالي والسنغال وغامبيا وغينيا وبوركينافاسو والنيجر وأجزاء من موريتانيا ونيجيريا وتشاد.
ولم يكن مانسا موسى أول من يقود قافلة بهذه الضخامة من أسرته، فقد قاد أبوه أبو بكر الثاني، قبله، قافلة بحرية من 3 آلاف سفينة، بهدف الوصول إلى حدود المحيط الأطلسي.
كما أن قافلته الشهيرة لم تكن استكشافية، ولا تجارية، وإنما كانت متجهة شرقا إلى مكة المكرمة، وكانت أضخم وأثرى وأكرم قافلة حجيج قادها حاكم مسلم، إذ تصدق مانسا موسى بالذهب على الفقراء حتى كسدت أسواق الذهب في البلاد التي مر بها، وبنى مسجدا في كل مكان حط فيه رحاله أيام الجمعة.
مسجد دجينغاربير ظل أكبر مركز ثقافي إسلامي في أفريقيا جنوب الصحراء لقرون عديدة (الجزيرة) على غرار القاهرةوحين وصل إمبراطور مالي إلى القاهرة، بهرته بعمرانها، فقابل السلطان المملوكي الناصر محمد، وطلب منه أن يرشح له علماء ومهندسين وحرفيين، ليعمروا مدن مالي كما عمروا القاهرة، وتم ذلك سنة 1324.
وفي طريق عودته من الحج في السنة الموالية، اشترى مانسا موسى كميات ضخمة من الكتب، ورافقه إلى مالي عشرات العلماء والمهندسين والحرفيين، ليشيدوا أكبر مسجد في أفريقيا جنوب الصحراء في ذلك الوقت، أي سنة 1327.
ولا يزال مسجد دجينغاربير كبيرا شامخا في وجه الشمس والتصحر والحروب، وفي وجه 7 قرون مرت عليه كأنها 7 أيام. وعند سؤال مشرفه الثمانيني الشيخ ماهامان محامادو عن سر صموده، أجاب: "باستثناء المنارة، بني المسجد بشكل كامل من الطين المخلوط بالقش، وبينما الحديد يصدأ والإسمنت يتآكل مع مرور الزمن، فإن هذه المادة (الطين والقش) لا يزيدها الزمن إلا صلابة وقوة".
وكان أبو إسحاق الساحلي مهندسا أندلسيا شهيرا في مصر، لكن 200 كيلوغرام من الذهب عرضها عليه مانسا موسى جعلته يترك مصر ويتجه إلى بلاد مالي في قلب الصحراء الكبرى، ليبني المساجد والقصور، وكان مسجد دجينغاربير إحدى تحفه الخالدة.
وعن ذلك يحكي الشيخ محامادو للجزيرة نت قائلا: "لقد بنى قصر ماداغو الملكي في العاصمة نياني، وقاعة مؤتمرات، وبنايات أخرى في مدن مختلفة، لكن في تمبكتو وغاوة واجه أبو إسحاق مشكلة كون المنطقة صحراوية لا تتوفر على الحجر، ثم وجد الحل في استعمال المواد المتوفرة محليا، فاستعمل الطين ودعم السقف بأخشاب النخيل. وبينما اندثرت المباني التي شيدها بالحجر، فإن البنايات الطينية في تمبكتو وغاوة لا تزال صامدة".
لوحة من سنة 1858 للمستكشف بارث تصور تمبكتو وفي مركزها مسجد دجينغاربير ومئذنته تُرى من أطراف المدينة (الجزيرة) ليس مجرد مسجدوتعتلي المسجد مئذنتان، ويحتوي على فناء واسع غير مسقوف، ومساحة مسقوفة تقوم على 25 صفا من السواري الطينية الضخمة، أما سقف المسجد فقد تخللته عشرات من الفتحات الصغرى لإنارة المسجد نهارا وتهويته، ويمكن إغلاق الفتحات عند هطول المطر، حيث يحتفظ المسجد بجو بارد ولطيف في داخله رغم الحرارة اللاهبة خارجه. ويتسع المسجد لألفي مصل، في حين تتسع باحته لـ12 ألفا.
ولم يكن مسجد دجينغاربير مجرد مسجد للصلاة، ويقول الشيخ محامادو إن مسجد دجينغاربير كان الكلية الرئيسية من 3 كليات شكلت معا جامعة تمبكتو، وهي إلى جانب دجينغاربير، مسجد سانكوري، وسيدي يحيى.
وكانت هذه الجامعة تسع 25 ألف طالب، و180 فصلا دراسيا، وقد امتلأت بالأساتذة الذين كان مانسا موسى يدفع لهم رواتب، وكان منهم الفقهاء والشعراء والأطباء والقضاة والمترجمون والإداريون والمهندسون واللغويون والفلكيون والرياضيون وغيرهم.
وقد بلغت أخبار ثراء وسخاء مانسا موسى أطراف الدنيا، فانجذب إليه علماء المسلمين من الأندلس والمغرب ومصر وجزيرة العرب.
أما مكتبة هذه الجامعة، فقد كانت واحدة من أضخم المكتبات في العالم وأكبر مكتبة في أفريقيا، إذ حوت قرابة مليون كتاب.
ورغم أن تمبكتو لم تكن العاصمة، فقد جعل منها مسجد دجينغاربير وإخوته مركزا حضاريا إسلاميا عظيما، في وقت كان فيه العالم الإسلامي ممتدا من الأندلس إلى الهند، ويذهب المؤرخون إلى أن أكبر موجة انتشار للإسلام في غرب أفريقيا، حصلت في عهد مانسا موسى، وكان لتمبكتو وجامعتها ومساجدها الدور الرئيس فيها.
أما أبواب المسجد ونوافذه الخشبية فإنها تحف حقيقية، إذ تحفها زخارف الأرابيسك الملونة، وأشكال معدنية جميلة. لكن الشيخ محمادو ذكر أنها لم تكن هكذا في أول عهدها، بل كانت إطاراتها العلوية مطلية بالنحاس، والسفلية مطلية بالذهب.
تتميز الأبواب في تمبكتو بطراز تتداخل فيه الفنون العربية والأفريقية (الجزيرة) عادة متوارثةوقد سجل مسجد دجينغاربير رفقة أخويه ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي سنة 1988، وبعدها بسنتين أعلن أنه من المعالم المهددة بالخطر بسبب زحف الرمال، وبعدها بـ6 سنوات خصصت له الأمم المتحدة ميزانية سنوية لترميمه من خلال المؤسسات الحكومية المالية.
لكن بعد 10 سنوات، وجدت أن تلك الميزانية لم تصرف كما ينبغي، فأسندت مهمة ترميمه لصندوق آغا خان الثقافي سنة 2006.
المسجد لم يكن على مدار عمره الطويل ينتظر المنظمات الدولية لترميمه، لأن سكان المدينة درجوا منذ قرون على الاجتماع مرة كل سنة، بعد انتهاء موسم الأمطار، والعمل على ترميمه طوال أسبوع كامل تطوعا.
وبعدما دشن مشروع ترميم المسجد من طرف اليونسكو، استمر الناس على سنتهم السنوية، مبتغين بذلك الأجر، ومحيين ذكرى أسلافهم المهندسين والحرفيين والبنائين الذين جاؤوا من اليمن ومصر والمغرب وشيدوا معا المسجد قبل 7 قرون.
وتتراءى مئذنة المسجد الهرمية من بعيد شامخة وكأنها تحرس المدينة، وخاشعة كأنها تراقب مرور الزمن وتقلب الأحوال.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
محلل سياسي: هدف المسلحين في مالي إنشاء دولة أزواد المتمتعة بالحكم الذاتي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال المحلل السياسي رضوان بو هالي، إن اتهامات السلطات المالية، بدعم الجزائر العسكري والسياسي لجبهة تحرير أزواد لا أساس لها من الصحة، كما أن هذه الاتهامات مبنية علي أدلة ضعيفة وغير موثوقة
وأوضح "بو هالي" خلال تصريحات علي قناة "الحدث"، أنه في عام 2023 استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون شخصيًا وفدًا من القيادة العسكرية والسياسية للمتمردين، كما التقى في عدة مناسبات مع أحد أعداء الحكومة الانتقالية في مالي، وهو الإمام محمود ديكو.
وذكر أن هناك بعض النواب الجزائريين يسمحون لأنفسهم بالمطالبة من على منبر البرلمان بدعم الحكومة للمناضلين، مؤكدا أنه لا يزال هدف المسلحين إنشاء دولة أزواد المتمتعة بالحكم الذاتي، والتي تشمل المناطق الشمالية من مالي “غاو وكيدال وتومبوكتو”.
وأكد أن القيادة العسكرية والسياسية الجديدة للحركة الوطنية لتحرير أزواد، تتميز بخطابها القاسي بشكل خاص، مضيفًا: “المتحدث باسم المسلحين مولود رمضان قال في تصريحات سابقة أن أعداء جبهة تحرير أزواد هم تحالف دول الساحل، وأكد أحد المسلحين بإسم رمضان أنه لن تكون هناك مفاوضات مع السلطات الرسمية وأن هدفهم النهائي هو الإطاحة بالحكومة المركزية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو”.
وتابع أن جبهة تحرير أزواد، تستعد لشن هجوم آخر على مالي من خلال نشاطها في ديسمبر 2024، ويدعو قادة الجماعة إلى التعبئة العامة، مؤكدًا أن هناك شائعات متزايدة في وسائل الإعلام عن اجتماعات رفيعة المستوى بين إرهابيي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وجبهة تحرير أزواد، لافتًا إلى أن أعضاء الجماعة ينشرون على شبكات التواصل الاجتماعي صوراً من معسكرات تدريب عسكرية تضم عدداً كبيراً من المقاتلين من 50 إلى 100 شخص، وهم مسلحون بأسلحة خفيفة حديثة ومعدات اتصالات.
وأشار المحلل السياسي، إلى أن جبهة تحرير أزواد مدعومة من فرنسا، حيث تتلقى أقوى دعم إعلامي وسياسي، حيث تتمثل السياسة الفرنسية في خلق صراع مُدار في منطقة الساحل يضمن وجودًا عسكريًا فرنسيًا دائمًا ووصولاً إلى الموارد الطبيعية في حوض تواديني المعدني في شمال مالي.
وتابع: "من الواضح أن الجماعة الأزوادية أكثر توجها نحو التعاون مع روسيا، واليوم من خلال الاستمرار في دعم التشكيلات المتمردة التي تهدد اتحاد الأزواديين، وتخاطر الجزائر بتدمير العلاقات الدبلوماسية مع روسيا ولكن لن تصبح صديقة لفرنسا".
واختتم المحلل السياسي تصريحاته قائلًا: “الطريقة التي ستتصرف بها الجزائر خلال هجوم جيش التحرير الوطني على البنية التحتية الحكومية، وهو ما يتوقع الخبراء العسكريون حدوثه قريباً، ستحدد مستوى العلاقات المستقبلية بين البلدين".