إعلاميون وقانونيون وناشطون سودانيون يجمعون على اصطفاف لمكافحة خطاب الكراهية
تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT
أجمع مشاركون في ورشة الإطار القانوني لخطاب الكراهية، على ضرورة اصطفاف إعلاميين و قانونيين و فاعلين في المجتمع المدني لبناء منظومة لمكافحة خطاب الكراهية.
كمبالا ــ التغيير
وقدمت في الورشة التي نظمتها منظمة “فري دوم هاوس” بالتعاون مع “طيبة برس” بقاعة الراحل محجوب محمد صالح بكمالا، التي استمرت ثلاثة أيام، مجموعة من الأوراق قدمها إعلاميون وقانونيون ودار النقاش حول أهمية محاصرة خطاب الكراهية حتى لا يؤدى إلى إبادة جماعية في السودان.
و ابتدر اليوم الأول مدير مركز طيبة برس محمد لطيف بورقة بعنوان: (خطاب الكراهية في الإعلام التقليدي)، وتحدث عن مميزات الصحافة المكتوبة في مقدمتها الأرشيف الذي يمكن الرجوع له في أي وقت.
كما تطرق إلى دور التلفاز والصورة ودورها في التأثير، واستعرض ميزات المذياع وسهولة اقتنائه والتنقل به وقدرته الكبيرة في التأثير وتحفيزه لخيال المتلقي “.
ونادى لطيف من خلال ورقته بضرورة معرفة الحد الفاصل بين حرية التعبير والترويج لخطاب الكراهية”.
وشدد على احتياج مؤسسات الإعلام التقليدي (راديو/ تلفزيون/ صحف مكتوبة) إلى سياسات تقوم على بسط حرية التعبير، وقال: “شهدنا وجود الرقابة القبلية والبعدية التي حكمت إعلامنا خاصة في سنوات الإنقاذ وأثر هذه الرقابة في تفشي خطاب الكراهية حيث كان يمنع إثارة الكثير من الموضوعات وحجب الكثير من الأخبار”.
وأضاف: “ثقافة الكراهية لا يمارسها المجتمع فقط وإنما حتى السلطة عبر ما تبثه من خطابات تمييزية عبر أجهزتها الإعلامية”.
وأشار إلى وجود استعلاء في المجتمع “عرقى وثقافى ودينى وطبقى ونوعى” و اعتبر أن هذا الواقع محفز لخطاب الكراهية.
وطالب لطيف، بضرورة عمل قانون يحكم الفضاء العام ويجرم خطاب الكراهية، وتصميم خطاب اعلامى ينهض به الاعلاميين والفاعليين في المجتمع فى مواجهة خطاب الكراهية الذى ثبت انه منظم ومقصود ومخطط له”.
وفي السياق تطرقت الورقة الثانية التي قدمها الإعلامي عادل إبراهيم كلر بعنوان: (تحديات ومقترحات:
مواجهة خطاب الكراهية والعنف على منصات التواصل الاجتماعي)، إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي حامل رئيس (لخطابات الكراهية والعنف والعداوة خلال حرب 15 أبريل في السودان والتي تعددت أشكالها وأنماطها المريعة بحيث باتت تمس العوامل المحددة للهوية الحقيقية والمتصورة لفرد أو مجموعة بما في ذلك الدين أو الانتماء الاثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو نوع الجنس).
وأوضح كلر أن الكثير من القوانين ذات الصلة المباشرة وغير المباشرة منذ النظام البائد والتعديلات التي تمت لبعضها بعد الثورة كقانون جرائم المعلوماتية لسنة 2020 بجانب المبادرة السودانية لحقوق الإنسان بالخرطوم وإعدادها مشروع قانون يختص بحماية حرية الدين أو المعتقد أو الفكر للأطراف المعنية بحماية الحريات الدينية ووقف خطاب الكراهية.
وأشار إلى أثر انقلاب 25 أكتوبر في زيادة وتيرة العنف” ما أسماء العنف الهيكلي “وتراجع مساحة الحريات ما خلق مناخا لخطاب الكراهية”، وحذر من قدرة خطاب الكراهية في التسرب الناعم في الحياة العامة بحيث إن معظم الناس يمكن أن يقعوا في شباكه.
ودعا عادل، إلى صناعة خطاب مواز ينهض على التحريض على التسامح وقبول الآخر، بديل للخطابات السجالية” الشعبوية “التي تأتي كردود الأفعال”.
وطالب مؤسسات المجتمع المدنى ذات الصلة بالإعلام والقانون كنقابة الصحفيين السودانيين أن تبادر فى فتح بلاغات باسمها ضد مروجى خطاب الكراهية الذين يقيمون خارج السودان و أشار إلى أنهم يمثلون الأغلبية من صناع هذا الخطاب، وقال “لا بد من الحوار مع رموز المجتمع من قيادات أهلية وساسة ومبدعين وإدماجهم في مشروع مناهضة خطاب الكراهية، ولفت إلى هشاشة المنظومة العدلية في السودان”.
و أضاف: “غياب حرية التعبير في الأجهزة الإعلامية السودانية وعدم تمكنها من إنتاج خطاب مضاد لخطاب الكراهية”.
وبدوره، ابتدر بروفسير جمعة كندة الورقة الثالثة: بعنوان: (خطاب الكراهية في السياق الاجتماعي السوداني)، بقوله: “يجب أن نعلم نحن الموجودين في هذه القاعة جميعا وأنا معكم كلنا متورطون في خطاب الكراهية قولا وفعلا بدرجة ما”.
وأضاف: “عن نفسي أرى أن مشروعي الآن هو العمل على إنهاء الحرب لذلك سيكون حديثي منصبا حول خطاب الكراهية الآن وآليات مجابهته أما ترتيبات ما بعد الحرب وملاذي يجب أن يكون وكيف يكون ليست موضوعيا الآن”.
وأوضح كندة أن مصطلح خطاب الكراهية لم يتم توطينه دوليا -بصورة واضحة- حتى الآن إذ إنه في حالة سيرورة وحتى تعريف الأمم المتحدة له لا يزال تحت الاعتماد “.
وأشار إلى أن خطاب الكراهية بما أنه نوع من التواصل فهو إذن يتبدى بأشكال مختلفة منها الكلمة والإيماءة والصورة والدراما ولغة الجسد وغير ذلك”…مؤكدا أن خطاب الكراهية له أضرار مادية (فعل) تصل حد الإبادة الجماعية والإبادة الثقافية كتجريد مجموعة ما من لغتها وثقافتها ومعتقدها وفنونها”.
وحول وجود خطاب الكراهية في السياق السوداني قال سنجد إنه نتيجة وسبب في نفس الوقت… نتيجة لعوامل كثيرة ثقافية وسياسية واقتصادية تقف وراءها الدولة السودانية كدولة لم تستطع حتى الآن إدارة التنوع السودان بصورة عادلة وخلاقة، وسبب لأنه يقف وراء كثير مما نعيشه الآن من صراع ونزاعات صيغتها المثلى حرب 15 أبريل الدائرة الآن “.
وتابع:” أنا لا أفرق بين خطاب الكراهية كسلاح قاتل والأسلحة الأخرى المعروفة بل أراه أكثر فتكا لأن بسببه تدور المدافع والطائرات المقاتلة، ولأنه ينسف “مساحة العيش المشترك”.
وأردف: “أسوأ ما في خطاب الكراهية أنه قد تم تبنيه من قبل مؤسسات الدولة ومن قبل رموز وقيادات مجتمعة مع توفير حصانة له وهو ما يعنى بداية العمل على نزع هذه الحصانات منه”.
واستطرد: “سنحتاج أن نواجه خطاب الكراهية في سياق الحرب والسلام… في سياق الحرب بمقاومته وفي سياق السلام بالعمل على بناء دولة المواطنة الحقة”.
وزاد: “خطاب الكراهية الآن جعل الناس يتسآلون. كيف سيعودون إلى عيشهم المشترك وكل منهم بات يحمل صورة سالبة عن للآخر؟
ودعا كندة إلى ضرورة الشروع في تأسيس مرصد دولي لتتبع خطاب الكراهية”.
ونادى بضرورة التفكير في إصلاح قانوني… تربوي… تعليمي لمكافحة خطاب الكراهية وختم حديثه بضرورة العمل على نشر ثقافة مقاومة لخطاب الكراهية “.
وابتدر اليوم الثاني للورشة القانوني حاتم إلياس بورقة بعنوان: (خطاب الكراهية في القانون السوداني مقارنا بالقانون المغربي والعراقي) بقوله: إذا كنا نسعى لوضع قانون يجرم خطاب الكراهية فلا بد من النظر في الكيفية التي تجعله (جريمة)، وذلك في البحث عما يمكن أن يسببه من أذى للمتعرضين له وحيث هنا يجب النظر فيمن قام به هل هو فرد أم جماعة أم جهة رسمية كذلك البحث عن هدف كل من قام به ووضعيته”.
وقال “إن خطاب الكراهية عند النظر إليه من موقع الثقافة وهو موقع مهم سنجده كامنا في ثقافتنا السودانية ”
وأشارت الورقة إلى أن هذه الصور السالبة المتبادلة هي نتاج لعلاقات اقتصادية وسياسية في الأصل غير عادلة تسببت فيها الدولة السودانية وتغذت من مناهج التعليم والإعلام”.
وعن الحرب قال: الحرب الدائرة الآن تكشف لنا أن هذه الصور وغيرها هي النبع الأساس لخطاب الكراهية والذي هو الآن بعض من وقود الحرب”.
و بخصوص القانون السوداني والمغربي والعراقي أشارت الورقة إلى أن خطاب الكراهية غير منصوص فيها إلا -ضمنا- أي عندما يكون سبب لما أسموه الفتنة أو تهديد السلام الاجتماعي كالدعوة للنعرات الطائفية والعرقية بمعنى أنه لا توجد مادة تحت عنوان خطاب الكراهية
وأكدت الورقة على أن صناع المحتوى أفراد أو مسؤلون تقع عليهم مسؤلية جنائية في حال ثبت أن خطابهم هذا أدى إلى فعل ملموس كالقتل مثلا باعتبارهم محرضين وداعين إلى قتل فرد أو مجموعة أو لضرب الأعيان المدنية كالكباري مثلا”.
الورقة في مجملها حاولت أن تبين النواقص القانونية خاصة في القانون السوداني ومن جانب آخر كشفت عن الأبعاد الثقافية وعن دور الإعلام في صناعة خطاب الكراهية”.
وقدم دكتور محمد عبد السلام ورقة من محورين: الأول بعنوان: (مكافحة خطاب الكراهية في الاتفاقيات الدولية)، والثاني بعنوان: (التقدير أو التقويم القانوني لخطاب الكراهية)، واعتبر عبد السلام صناع خطاب الكراهية طرفا أساسيا في الحرب وأنهم لا يقلون عن حملة السلاح مشيرا إلى أن القانون سيطالهم كما يطال حملة السلاح متى ما توافرت البينات الدامغة على تورطهم في الجرائم التي ينظرها القانون
وأوضح أن هناك ثلاثة قوانين معنية بجرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم الإنسانية هي: “الدولي الإنساني، الجنائي الدولي الدولي لحقوق الإنسان”.
وأشار إلى التضليل الإعلامي كممارسة لا تخلو منها الحروب وذكر أنه لا يعد جريمة في القانون التقليدي رغم آثاره السالبة على المواطن “.
وعن خطاب الكراهية، ذكرت الورقة أنه يساهم بصورة مباشرة وغير مباشرة على المواطن العادي في بث الخوف والشعور بالدونية والعنف خاصة ضد الأقليات والتمييز ويؤثر على العمليات الإنسانية والسيطرة على المعلومات وسحب الثقة من المواطنين”.
وعن خطاب الكراهية، ذكرت الورقة أنه يساهم بصورة مباشرة وغير مباشرة على المواطن العادي في بث الخوف والشعور بالدونية والعنف خاصة ضد الأقليات والتمييز ويؤثر على العمليات الإنسانية والسيطرة على المعلومات وسحب الثقة من المواطنين ”
وقال إن نشر المعلومات المضللة والمغلوطة بات يعتبر انتهاكا في التطور الحديث للقانون الدولي في حال أنه قاد إلى ارتكاب الجرائم أو التهديد”.
وأكد على ضرورة حماية المدنيين، وقال إن سقوط هذه الحماية في شروط معينة كأن يتحول أحدهم إلى مقاتل في صفوف أحد الطرفين مثلا “.
وحول خطاب الكراهية وكيف يتحول إلى جريمة ذكر محمد عبد السلام، عند ضلوعه في التحريض على القتل أو الإبادة أو ضرب الأعيان المدنية كالمتاحف مثلا”.
وفي ما يخص المؤسسات الإعلامية والإعلاميين أشار إلى مشروعية ضرب المؤسسات الإعلامية في حالة ثبوت وقوفها مع أحد الأطراف المحاربة وضرب مثلا بما حدث في يوغسلافيا من قبل حلف الناتو.
ويشأن الإعلاميين أكد أن القانون يمكن أن يطال مدير مؤسسة إعلامية حال ثبوت تورطها بالأدلة الدامغة في الترويج لخطاب الكراهية الذي يؤدى إلى القتل والتدمير وضرب مثلا بأحد إعلاميي رواندا”.
وفي ما يخص القوانين السودانية قال عبد السلام “إنه لا يمكن الآن وفي ظل الوضع السياسي الراهن أن نتوقع سن قانون يجرم خطاب الكراهية ”
و فيما يخص منتجي خطاب الكراهية في السودان كالذي يقوم على التحريض المباشر على القتل والتدمير فقد ذكر أن القانون سيطالهم عاجلا أم آجلا”.
وقدم الصحافي خالد أحمد عرضا موجزا لـ “معجم خطاب الكراهية في السودان”، الذي أعدته (مؤسسة أندريا)، أبان فيه أن المعجم والذي جاء نتيجة استبانة مع مجموعة متنوعة من المواطنين والمواطنات حول الكلمات والعبارات السودانية التي يرون أنها محملة بخطاب الكراهية ومن الكلمات التي ذكروها “عبد وجنقاوي وحداديد وغيرها” كما ذكر عددا من العبارات”.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: خطاب الكراهية مقترحات ورشة وسائل التواصل الإجتماعي
إقرأ أيضاً:
ماذا يعني تحرير الخرطوم؟
ماذا يعني تحرير الخرطوم؟
“هَبَّت الخرطوم في جُنح الدُجى
ضَمَّدت بالعزم هاتيك الجراح
وقَفَت للفجر حتى طَلَعَا
مُشرِقَ الجبهةِ، مخضوبَ الجناح
يَحمل الفكرةَ والوعدَ معًا
والأماني في تباشير الصباح”**
عبد المجيد حاج الأمين
انتهت معركة تحرير الخرطوم بنصرٍ وفتحٍ مُبين… فرَّ الجنجويد فُرادى وأفواجًا، وحيثما ذهبوا سيدركهم الموت. هذا النصر، الذي نطرب على إيقاعاته المتسارعة اليوم، إنما جاء بفضل تلك الأرواح الطاهرة التي صعدت إلى ربها راضيةً مرضية، وبفضل تلك الدماء التي سُكبت في كل شبرٍ من العاصمة المُثلثة. قبل معركة الخرطوم، كان بالعاصمة نهران، فافترع الشهداء في قلبها وحولها نهرًا ثالثًا فجَّروه بدمائهم. وكما ظل النيل خالدًا فينا، سيظل نهر تلك الدماء يتدفق بذكرى بطولاتهم، خالدين بإذن الله في تاريخ وطنهم الذي فَدَوه بأرواحهم.
الآن، ماذا يعني تحرير الخرطوم؟ يعني أن الحرب لم تنتهِ، لأن عصابات الجنجويد والمرتزقة لم تستهدف الخرطوم وحدها، فلا يزالون يعيثون في الأرض فسادًا في أجزاء من كردفان وغالب دارفور. لذا، فإن تحرير الخرطوم يعني نقلة نوعية وجغرافية للحرب تبدأ منذ الآن، وهي مرحلة جديدة بحاجة إلى خطط جديدة، وتعبئة مختلفة، وإعلام أكثر وعيًا بخطابٍ نوعيٍّ لحواضن الميليشيا، بعيدًا عن خطاب الكراهية. كما أن الحرب الآن بحاجة إلى تكتيكات عسكرية مختلفة تمامًا عن حرب المدن.
تحرير الخرطوم ينقلنا من مواجهةٍ شاملة مع التمرد إلى التعامل مع متمردين في منطقة جغرافية محدودة في بعض أجزاء البلاد. من المعلوم أننا اعتدنا على حركات التمرد في الأقاليم منذ فجر الاستقلال، ولنا خبرة طويلة في التعامل معها حربًا وسلمًا. لقد تجاوزنا مرحلة الحرب الشاملة، أو الحرب في أكثر من عشر ولايات، لتتقلص مساحات الحرب مع تقلص سيطرة التمرد على كثير من المناطق التي كان يحتلها.
يعني تحرير الخرطوم عودة روح الدولة ومنطقة سيادتها، وعنوانها ورمزها الأهم. الخرطوم ليست كأي مدينة، فهي العاصمة السياسية والتجارية، وهي المدينة التي تضم أكبر كثافة سكانية في البلاد، وفيها تمتزج كل أعراق السودانيين.
نعم، نحن أمام تحرير عاصمة محطمة، ولكن هذه ليست المرة الأولى التي تتحطم فيها الخرطوم. في التاريخ أيضًا، تحطمت العاصمة على يد قوات المهدي (1885) التي اجتاحت المدينة، ودمرتها، ونهبتها، وشفشفت كل شيء. (متعودة دائمًا!) ما أشبه الليلة بالبارحة! ، ثم استُبيحت ودُمِّرت مرة أخرى بعد اجتياح كتشنر للعاصمة (1898) وسقوطها بيد قواته الغازية، فاستُبيحت، وفُعِل بها مثلما فعلت الجنجويد الآن.
ولكن في كل مرة، تهب الخرطوم من تحت الدُجى، وتنهض من رُكامها، وتعود مزهرةً، عاصمةَ المدائن جمالًا وفنًّا وثقافة. كلما تهدمت، يعرف أهلها كيف يعيدونها كما كانت وأفضل. ومن يشك، فلينظر إلى مسيرة التعمير الآن في أم درمان وبحري. سينهض ذات الشباب الذين دحروا الجنجويد، بذات الهمة، لبناء العاصمة عبر لجان المقاومة الشعبية التي بدأت تتشكل الآن من المستنفرين الذين ساهموا في تحرير وطنهم من الأوباش.
يعني تحرير الخرطوم أن زحفًا عظيمًا ينتظر القوات المسلحة والمستنفرين باتجاه دارفور. سيكون بداية مواكب الزحف من العاصمة المحررة، وآخرها في الضعين المحتلة. إنه زحفٌ مقدس، لأجل ألا يُسمح للعدو بالتقاط أنفاسه جراء الهروب الكبير. يعني أن مهمة تخليص البلد من دنس آخر متمرد هي المهمة التي ينتظرها الشعب السوداني من قواته المسلحة.
في الخرطوم المحررة، تنتظرنا معركة أشد ضرورةً وأطول، بحاجة إلى فدائيين مقاتلين حقيقيين، وبحاجة إلى عقول وطنيين مخلصين. ليست المسألة تحالفات سياسية فقط، بل تحالفات من أجل الإعمار والتنمية، تضم الجميع: عسكرًا مستنفرين، ورجال أعمال، وإعلاميين، وساسة، وكل أصحاب المهن، لا بد من حضورهم جميعًا في ساحة البناء. تحرير الخرطوم لا يعني أن المعركة انتهت. ومن يظن أننا سنغني ونرقص في شارع النيل الآن، ثم نذهب لننام مطمئنين في بيوتنا المحررة، فهو واهم. لا يزال الطريق طويلًا… طويلًا جدًا، حتى نبلغ نصرنا النهائي.
المهم الآن، في هذه اللحظة:
“انتصرنا يا بلادي
بالدماء،
بجراحات الضحايا،
بالفداء.”
ألف مبروك!
أخيرًا،
“فإن سألوا عنِ الخرطوم،
فقُل قد أمطرت فرحًا،
وولَّى عهدُها المشؤوم،
وذَلَّت كلُّ آلِ دقلو،
وكُسِرَت شوكةُ “المرحوم”،
وعادت تكتسي مجدًا،
لها أبدَ الزمانِ يدوم.
فإن سألوكَ: هل عادت؟
فقُل: عادت…
أجل، عادت!”
عادل الباز عادل الباز