خسائر بالجنود والعتاد.. محللون سياسيون: نتنياهو يقود إسرائيل للمجهول
تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT
القدس المحتلة– يتحدث محللون سياسيون إسرائيليون عن أجواء من التشاؤم في المشهد الإسرائيلي في ظل إصرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على الهروب من المسؤولية، رغم الخسائر في الجنود والعتاد بمعارك غزة، وما قد ينجم عن ذلك من "جر إسرائيل إلى المجهول" حسب وصفهم.
وكبّدت فصائل المقاومة الفلسطينية الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة في الجنود والضباط والعتاد والآليات العسكرية، خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من مايو/أيار الحالي، وأثناء المعارك الضارية في منطقتي رفح وجباليا ومدينة غزة وشمالي القطاع.
واعترف جيش الاحتلال بمقتل 23 جنديا وضابطا منذ مطلع الشهر الجاري، بينما أعلنت الأجهزة الأمنية كذلك مقتل 13 مدنيا إسرائيليا بينهم 4 أسرى زعم الجيش الإسرائيلي أنه استعاد جثامينهم من قطاع غزة.
ومنذ انطلاق "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، قُتل 1534 إسرائيليا، بينهم 631 جنديا وضابطا، منهم 283 قتلوا خلال التوغل البري بالقطاع. كما أصيب 3535 جنديا منذ بداية الحرب، بينهم 1747 أصيبوا خلال العملية البرية، ومن بين الجرحى 543 منهم إصابتهم خطيرة، وذلك بحسب معطيات الجيش الإسرائيلي.
وبينما تباينت المواقف بشأن انعكاسات تصاعد الخسائر على مسار الحرب، أجمعت التحليلات السياسية على دور وأهمية المظاهرات المطالبة بإعادة الأسرى ضمن صفقة تبادل. بيد أنها قدرت أن الاحتجاجات الداخلية وحدها لا تكفي ولا بد من ممارسة ضغوط حقيقية خارجية من أميركا وأوروبا على الحكومة الإسرائيلية التي ما تزال توظف معركة "طوفان الأقصى" من أجل تبرير استمرار الحرب على غزة.
وتوافقت قراءات المحللين السياسيين حول أن المجتمع الإسرائيلي لم يتعافَ بعد من "الصدمة الجماعية" التي سببتها أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقدرت أن هجوم حماس أدى إلى تقويض قدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود بشكل كبير.
ووفقا لهذه التحليلات، فإن حالة الإحباط بصفوف الإسرائيليين تساعد على تعزيز الانقسام الداخلي بشأن إعادة الأسرى ضمن صفقة تبادل محتملة أو الضغط على حماس عبر توسيع العمليات العسكرية.
وتحت عنوان "بعد مرور 7 أشهر على الحرب، تتراجع قدرة إسرائيل على الصمود بشكل واضح" أصدر معهد لأبحاث الأمن في جامعة تل أبيب تقدير موقف بشأن سير الحرب ومسألة ما يسمى اليوم التالي.
وتحدث المعهد عن تراجع مستمر فيما سماها "حصانة وصمود المجتمع الإسرائيلي" خصوصا في الحرب المتعثرة بالقطاع، ومصير الأسرى، والوضع الصعب الذي يواجهه الذين تم إجلاؤهم من المستوطنات بالجنوب والشمال، والعمليات المتواصلة ضد حزب الله والجبهة الناشئة ضد إيران.
علامات مثيرة
وتبرز مجموعة من التحديات أمام قدرة المجتمع الإسرائيلي على الصمود، منها عدم كفاية أداء الحكومة والنظام السياسي، واحتدام الخلافات داخل حكومة الطوارئ في ظل الخسائر في الجنود والعتاد، وعدم تحقيق أي هدف إستراتيجي للحرب، وغياب الأفق لحل ملف الأسرى وإعادتهم، والخطاب الإسرائيلي العام المسموم، بحسب الباحثة بمعهد أبحاث الأمن عنات شبيرا.
وقالت شبيرا التي شاركت في صياغة تقدير الموقف "الصورة الحالية للمرونة والصمود في إسرائيل معقدة. ورغم أنه لا تزال هناك بعض العلامات المشجعة، فإنه مع استمرار الحرب وتعاظم الخسائر الاجتماعية، والاقتصادية والعسكرية، تتزايد العلامات التي تشير لتراجع واضح في صمود إسرائيل".
ولفتت إلى أنه على الرغم من أن "ثقة الجمهور بالجيش الإسرائيلي لا تزال عالية، بيد أن العلامات المثيرة للقلق تتعلق بانخفاض كبير بالثقة في قدرة الجيش على النصر وتحقيق أهداف الحرب المعلنة".
وأشارت الباحثة الإسرائيلية إلى تعاظم انعدام الثقة بأداء حكومة نتنياهو، والتراجع في دعم أهداف الحرب، التي قد ينظر إليها اليوم على أنها بعيدة المنال تماما، وسط تراجع التضامن المجتمعي والشعور بالتفاؤل والأمل.
من جانبه، يرى المراسل العسكري لموقع "والا" الإخباري الإسرائيلي أمير بوخبوط أن الخسائر التي تكبدها الجيش مؤخرا تلزم المستوى السياسي الإسرائيلي بتحديد المراحل الجديدة من العملية البرية في رفح.
جر إسرائيل إلى المجهول
وأشار بوخبوط إلى أن كبار الضباط بالجيش يحذّرون من أنه دون معرفة ما الهدف التالي، فإن تحرك وتوغل الفرقة 162 سيكون مكشوفا ومعروفا لمقاتلي حركة حماس.
ووفقا للتقديرات العسكرية حسب بوخبوط، فإن المنظمات المسلحة في مدينة رفح والمنطقة المحيطة بها، يعون جيدا "القيود" التي تعمل في ظلها الفرقة 162، بل إن هذه المنظمات تستعد بموجب تحرك وانتشار القوات الإسرائيلية.
ووفقا لذلك -كما يقول المراسل العسكري- فإن حماس والفصائل المسلحة تتمكن من تحقيق أفضلية ومزايا تكتيكية لها في القتال ضد الجيش الإسرائيلي.
ويوضح أن كبار الضباط الميدانيين أكدوا -للقيادة العليا بهيئة أركان الجيش التي قامت بجولة في مناطق القتال بمنطقة رفح- أن كافة الفرق العسكرية تجد صعوبة كبيرة في المناورة البرية بسبب "القيود". ولهذا السبب، تجد صعوبة في تحقيق الإنجاز المطلوب للأهداف المعلنة للحرب.
وبعيدا عن السجال بالأوساط الإسرائيلية بشأن تحقيق أهداف الحرب، وشعار "النصر المطلق" الذي يروج له نتنياهو في ظل الارتفاع المتواصل بالخسائر، يرجح محرر صحيفة "هآرتس" ألون بين أن نتنياهو يجر إسرائيل إلى المجهول في ظل تطلعاته إلى احتلال قطاع غزة.
وأوضح أن نتنياهو الذي لطالما يتهرب من المسؤولية ويختبئ دائما وراء الشخصيات القوية، ويفضل أن ينظر إليه على أنه ضعيف ويمتنع عن النضال من أجل مواقف مثيرة للجدل، تتزايد نزعته إلى إلقاء المسؤولية على الآخر، منذ أن قاد إسرائيل إلى "كارثة 7 أكتوبر" وحرب الاستنزاف في غزة والحدود الشمالية مع لبنان.
ويعتقد ألون بين أنه منذ اللحظة التي تعافى فيها نتنياهو من الصدمة التي أصابته عند اندلاع الحرب، ظل ثابتا في عرض سياسته "لليوم التالي" المتلخصة بإعادة احتلال قطاع غزة، حيث أعلن مرارا وتكرارا أنه "بعد القضاء على حماس، ستصبح غزة منزوعة السلاح، وتحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات المجتمع الإسرائیلی الجیش الإسرائیلی إسرائیل إلى
إقرأ أيضاً:
هل يحوّل نتنياهو وحلفاؤه إسرائيل لدولة ثيوقراطية يحكمها دكتاتور؟
لم يكن إعلان وزير القضاء الإسرائيلي ياريف ليفين الأربعاء الماضي عن البدء بخطوات لعزل المستشارة القانونية للحكومة غالي بهاراف ميارا إلا قمة الجبل الجليدي لتطورات قد تشير إلى تحول إسرائيل إلى "دولة دينية تدار بحكم الفرد الواحد".
وبحسب استطلاع للرأي نشرته القناة 12 الأربعاء الماضي، فإن 42% يؤيدون طرد المستشارة القانونية، مقابل 41% يعارضون ذلك، في حين أجاب 17% أنهم لا يعرفون.
وبيّن الاستطلاع أن 75% من ناخبي الائتلاف الحكومي بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يؤيدون الإقالة، مقارنة بـ12% فقط من ناخبي المعارضة يؤيدون هذه الخطوة.
ويعلق المحامي يهودا شيفر، في مقال نشرته القناة 12، أن نتنياهو يقف وراء هذه الخطوة، وهو يفعل ذلك في ظل سلسلة تحركات مدروسة تهدف إلى إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) رونين بار، وإحباط التحقيقات مع كبار المسؤولين في مكتبه.
كما يسعى رئيس الحكومة إلى تعيين مستشار قانوني جديد يكون قادرا على تأخير إجراءات محاكمته، والإدلاء بشهادته في الاستجواب المضاد.
وفي مقال نشرته هآرتس يقول يوسي فيرتر إنه "لم يبق غير 3 أشخاص هم من يقفون في وجه تحوُّل إسرائيل لدولة استبداد قومي مسيحياني على حدود الفاشية، وهم المستشارة القانونية غالي بهار ميارا، ورئيس الشاباك رونين بار، ورئيس المحكمة العليا إسحاق عميت".
إعلانولم يخف نتنياهو رغبته في إقالة رئيس الشاباك أو محاصرة رئيس المحكمة العليا عبر لجنة مفوض الشكاوى، ثم جاءت خطوات عزل المستشارة لاستكمال خطة التعديلات القضائية، التي بدأت في فبراير/شباط 2023 وتم تجميد خطواته السريعة بسب الحرب على غزة.
فقد شنّت الحكومة وأذرعها في الكنيست حملة تحريض وتشهير غير مسبوقة على هؤلاء الثلاثة عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الموالية لنتنياهو وحاشيته وحكومته.
وقال موقع هشومريم الحرّاس إن "الهدف وراء انقلاب نتنياهو في فبراير/شباط 2023 هو تجزئة الجهاز القضائي في إسرائيل على نحو يمنح المحاكم الدينية اليهودية مكانة المحاكم المدنية".
ويرفض نتنياهو وقف "خطة الانقلاب القضائي"، رغم كل الاحتجاجات التي كانت قبل الحرب على غزة من قبل المعارضة والتحذيرات الكثيرة بالتمرد في صفوف الجيش والمؤسسة الأمنية، بحسب المختص في الشؤون الإسرائيلية نائل عبد الهادي.
ويضيف عبد الهادي أن هناك تبادل منافع بين نتنياهو شخصيًا وشركائه من اليمين المتطرف، "فالقوانين التي يتم إقرارها تعمل على نجاته من قضايا الفساد التي تلاحقه، كما تضمن بقاءه السياسي عبر تحجم المنظومة القضائية، ويخدم ذلك اليمين المتطرف الذي أعلن صراحة عن هدفه بتغيير وجه إسرائيل من دولة علمانية يحكمها اليسار إلى دولة دينية تحكمها الشريعة اليهودية".
وبحسب المختص في الشؤون الإسرائيلية عماد عواد، فإن إسرائيل "تتحول فعليًا بوجود الحكومة الحالية ومكوناتها من الصهيونية الدينية والتيار الديني القومي من دولة ليبرالية ديمقراطية إلى دولة ثيوقراطية دينية".
وقال إن اليمين المتطرف يستغل الأغلبية التي يملكها في الكنيست لتغيير وجه إسرائيل، ويقوم بتفكيك المؤسسات التي تمثل فصل السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية، والتي باتت مرتبكة أمام هجمة نتنياهو وشركائه ولا تستطيع الدفاع عن نفسها، لتتحول مع الوقت لأدوات تخدم أهداف نتنياهو الشخصية وشركائه من اليمين المتطرف.
إعلان
المطلوب رأس القضاء
وجاءت خطة عزل المستشارة القانونية بعد أيام فقط من الانقلاب على منصب مفوض شكاوى القضاء، وهي الهيئة الرقابية التي تعالج الشكاوى ضد القضاة، حيث أقر الكنيست قانون تغيير طريقة تعيين المفوض بالقراءتين الثانية والثالثة.
وبموجب القانون سيتم تعيين المفوض من قبل لجنة يرأسها وزير القضاء، الذي يمثل رأس الحربة في انقلاب نتنياهو وشركائه على شكل الدولة في إسرائيل، وسيكون معظم أعضاء اللجنة من الشخصيات السياسية أو الذين يتم تعيينهم بدعم من الائتلاف.
وهذا على النقيض من الوضع الحالي الذي يتطلب من لجنة اختيار القضاة الموافقة على مرشح مقترح بشكل مشترك من قبل وزير القضاء ورئيس المحكمة العليا.
ويصف يوسي فيرتر في مقال نشرته صحيفة هآرتس الخطوات بأنها "وصول إلى حافة الهاوية من صراع دستوري وانهيار النظام الحكومي".
ملاحقة عميتوتهدف هذه الخطوة، وفقا لتوفا تسيموكي في مقال نشر في يديعوت أحرونوت، إلى إقصاء رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية الجديد -أعلى محكمة في البلاد- القاضي إسحاق عميت، وملاحقته قانونيًا بسبب تجاوزات عقارية نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية قبل أسابيع.
وإذا خضع عميت للتحقيق والمراجعة يمكن منعه من قيادة لجنة تحقيق حكومية في فشل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يسعى نتنياهو بكل قوة إلى عدم إقامتها، رغم أن غالبية الجمهور الإسرائيلي يؤيدون إقامتها، وفقا لآخر استطلاعات الرأي المنشورة في الفترة الأخيرة. فبحسب صحيفة هآرتس، أكثر من 70% من الإسرائيليين يؤيدون إقامة هذه اللجنة.
وتشير تقديرات القضاة إلى أنه بمجرد اكتمال تشكيل اللجنة الجديدة التي ستختار المفوض، فإن الوزير ياريف ليفين سيقدم شكوى تأديبية ضد رئيس المحكمة العليا إسحاق عميت، وستتناول هذه الشكوى المخاوف بشأن تضارب المصالح، وخاصة فيما يتصل بالعقارات الخاصة للقاضي عميت والتي نشرت قبل عدة أسابيع.
إعلانوقد صيغت مسودة شكوى عشية تعيين عميت رئيسا للمحكمة العليا، وتم تقديمها إلى لجنة اختيار القضاة كجزء من "التحفظات" ضد ترشيحه، ورفضت اللجنة هذه المقترحات في نقاش تمّ دون مشاركة الوزير ليفين وأعضاء الائتلاف الذين قاطعوا انتخاب عميت.
ولم يسبق أن تم تقديم شكوى ضد أي رئيس للمحكمة العليا، وفي حال اتخاذ قرار بتشكيل لجنة تحقيق حكومية في الفشل يوم 7 أكتوبر، فإن الائتلاف قد يطرح ذلك كسبب لعدم السماح لعميت برئاسة اللجنة.
دفعت التحقيقات التي شكك فيها نتنياهو، رئيس أركان جيشه الجديد إيال زامير إلى تعيين اللواء احتياط سامي ترجمان رئيسا لفريق فحص التحقيقات التي جرت في السابع من أكتوبر، وتعد هذه الخطوة تشكيكا واضحا في التحقيقات التي تم تنفيذها في عهد سلفه هرتسي هاليفي.
ويضاف لذلك، التغيير الكبير في التعيينات التي أعلنها هاليفي في ديسمبر/كانو الأول الماضي، والتي جمدها وزير الدفاع يسرائيل كاتس بحجة استكمال التحقيقات الداخلية للجيش في أحداث السابع من أكتوبر.
وتشمل التعيينات الجديدة التي تم الإعلان عنها بعد أقل من 24 ساعة من تعيين زامير، حوالي 60 ضابطا برتب عميد وعقيد بمناصب مختلفة، كما شملت تعيين قائد لشعبة العمليات والقيادة الجنوبية.
وخلال حفل التنصيب، خاطب نتنياهو زامير قائلا "نحن نعرف بعضنا بعضا منذ عدة سنوات. لقد أوصيت بك مرتين كرئيس للأركان، والآن للمرة الثالثة، لقد حان وقت زامير، لقد عملنا جنبًا إلى جنب عندما كنت السكرتير العسكري، وحتى في ذلك الوقت كنت معجبًا جدًا بك وبالتزامك المهني".
وبهذه التعيينات يكون نتنياهو قد نجح بشكل أو بآخر في السيطرة على مؤسسة الجيش عبر تسيسها، وما إقالة يوآف غالانت وتكليف كاتس إلا جزء من هذا المخطط الذي جاء معه زامير لتنفيذ سياسة نتياهو وتنفيذ أجندته الشخصية.
كما تضع هذه التطورات الجيش الاسرئيلي وقدراته تحت تصرف نتنياهو الذي يصف نفسه بأنه "ملك إسرئيل وسيد الأمن"، و"هي تأتي ضمن خطوات الانقلاب التي ينفذها بالتوافق التام مع شركائه للوصول الى دكتاتورية الفرد الواحد"، وفقا للمتخصص في الشؤون الإسرائيلية نائل عبد الهادي.
إعلان خطورة التوقيتولم تأت خطوة إقالة المستشارة القانونية، أو قانون مفوض شكاوى القضاة، بعيدًا عن المشاكل التي تواجه نتنياهو شخصيا واستقرار ائتلافه من اليمين المتطرف، حيث يأتي توقيت عزل المستشارة -التي هي المدعية العامة الرئيسية في محاكمة نتنياهو- قبيل البدء بالاستجواب المضاد في محاكمته بعد بضعة أسابيع.
ووفقا للمحامي يهودا شيفر، فإن نتنياهو يخشى الاستجواب المضاد أكثر من أي شيء آخر، فالرجل الذي لم يعد على استعداد حتى للوقوف أمام أسئلة الصحفيين، وهو يخاف بالتأكيد من اللحظة التي سيتم فيها مواجهة كل أكاذيبه والتناقضات الواضحة بين شهادته والأدلة الأخرى علناً، الأمر الذي قد يحطم نظرية الاضطهاد واختلاق القضايا أمام الجمهور.
كما لا يمكن فصل توقيت هذه الخطوة عن ظروف الائتلاف، وإقرار الموازنة العامة بحلول 24 مارس/آذار الحالي، ويطالب الحريديم بقانون لإعفائهم من التجنيد قبل التصويت على تمرير الموازنة.
ويتعرض الاستقرار الداخلي في إسرائيل إلى زلزال مستمر منذ بدء المطالبة بالتعديلات القضائية مرورا بفشل السابع من أكتوبر والحرب على غزة، التي استغلها نتنياهو لإعادة تصدير صورة عدوانية جديدة له عبر استغلال شركائه وضمن خطاب شعبوي دموي ضد كل من يعارضه في إسرائيل.
وفي المقابل، تعيش المعارضة في أتون تيه سياسي غير مسبوق، وكل ذلك يصب -وفقا لأبو عواد- "في تحميل المؤسسة الأمنية فشل السابع من أكتوبر وتخليص نتنياهو وشركائه من أي مسئولية عن الفشل".
ولا تكمن خطورة التوقيت على مستوى استقرار ائتلاف نتنياهو، بل القدرة على التحكم في مفاصل الدولة وإيقاعاتها الداخلية أمام معارضة ضعيفة تم تحيديها وتقسيمها.
جبهات متعددة
وعلى مستوى الإقليم -يضيف عبد الهادي- فإن تأثير انقلاب نتنياهو على علاقته بالإقليم خطير في ظل حرب على جبهات مختلفة، يقوم بتسخينها وزيادة التوتر فيها تصريحات وضغوط حلفائه من اليمين المتطرف، وهو قابل لاستمرار حالة الحرب والمغامرات العسكرية على جبهات إيران وسوريا وغزة والضفة ولبنان، ويأتي ذلك في ظل سيطرة نتنياهو على مؤسسة الجيش من خلال التغييرات الأخيرة.
إعلانوقد أجمعت التحقيقات في فشل السابع من أكتوبر، التي نشرها الجيش الإسرائيلي والشاباك والاستخبارات العسكرية، على أن أجواء الانقلاب القضائي لحكومة نتنياهو كانت من أهم دوافع حركة حماس لشن عملية طوفان الأقصى، وقد شعرت بضعف جبهة إسرائيل الداخلية.
وبحسب مقال لرونين بريجمان نشر في يديعوت أحرونوت، فإن إيران وحزب الله وحماس يرون أن إسرائيل "تعيش أزمة حادة غير مسبوقة تهدد تماسكها وتضعفها، والوضع الحالي هو فرصة لتعميق مصاعبها عبر عملية خاطفة ستنتهي بانهيار إسرائيل".
ومنذ أن بدأت حكومة نتنياهو في تنفيذ انقلابها القضائي في فبراير/شباط 2023 حذّر خبراء القانون من أن هذه الإجراءات ستشكك في استقلالية القضاء في إسرائيل، وستفتح الباب أمام الملاحقة القانونية الدولية لضباط الجيش الإسرائيلي وكبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية والسياسيين المتهمين بارتكاب جرائم حرب.
وبعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يؤاف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، فُتح الباب واسعًا أمام الملاحقات الدولية لضباط وجنود إسرائيليين شاركوا في حرب الإبادة على قطاع غزة.
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن عدة قضايا رفعتها مؤسسة "هند رجب"، التي تسعى لاعتقال الجنود الإسرائيليين المتورطين في حرب الإبادة في غزة.
وأعلنت المؤسسة أنها قدمت شكوى في بلجيكا لاعتقال وزير الخارجية جدعون ساعر بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وذلك قبيل زيارته بروكسل يوم 16 فبراير/شباط 2025، كما فتحت سويسرا تحقيقا جنائيا ضد "مشتبه فيه إسرائيلي بارتكاب جرائم حرب" مقيم في البلاد، في الشهر ذاته.
إعلانوأكد المختص في الشؤون الإسرائيلية عماد عواد أن "استقلال القضاء" هو الحجة التي تستخدمها إسرائيل أمام أي طلبات لفتح تحقيقات أو ملاحقات ضد جنودها ومسؤوليها الأمينين والسياسيين.
وأضاف أن ما يحدث من خطوات ائتلاف نتنياهو لاستكمال الانقلاب القضائي يعني أن هذا القضاء بات مسيسا وغير مستقل، مما يفتح الباب أمام الملاحقات للجنود والضباط المسؤولين عن جرائم الحرب التي ارتكبت بحق الفلسطينيين.
وفي الختام، فإن التحولات العميقة في إسرئيل والتي تمس بالدرجة الأولى المنظومة القضائية لا يتوقف تأثيرها على داخل إسرئيل وعلاقتها الإقليمية والدولية، بل ستسفر عن تحطيم "سردية واحة الديمقراطية التي عملت على بنائها عبر أدوات دعايتها المختلفة لأكثر من سبعة عقود".