ابنة رئيس بلدية غزة الأسبق تسرد حكايتها من القدس
تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT
القدس المحتلة- خلف باب رصاصي اللون، بشارع نابلس القريب من باب العامود، أحد أبواب البلدة القديمة، يقع منزل ابنة غزة والقدس، إخلاص منير الريّس نسيبة، وخلف هذا الباب يسير الزائر بين مجموعة من الأشجار المثمرة، ويستقبله في الواجهة منزل جميل أُنشئ في العهد العثماني لعائلة نسيبة التي تضرب جذورها عميقا في المدينة المقدسة.
بابتسامة تُخفي وراءها إخلاص ألما عميقا؛ استقبلت الجزيرة نت في غرفة المعيشة الهادئة التي لا يتحرك فيها شيء سوى الأخبار العاجلة على شاشة الجزيرة، التي تتبدل كل لحظة للإعلان عن مجزرة جديدة في مدينة أو حي أو مخيم غزّي، فتحدق بكلمات هذه الأخبار ويتجدد الألم ويتعمق الحزن.
ولدت إخلاص في السادس من يناير/كانون ثاني عام 1954، في منزل عائلتها بشارع المختار بمدينة غزة، لكنها لم تعش فيه سوى عامين بسبب نسفه بالقنابل التي أُلقيت عليه إبان العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، عقابا لوالدها الذي كان يشغل منصب رئيس بلدية غزة آنذاك، وكان أحد المقربين من رئيس مصر جمال عبد الناصر، الذي اندلعت الحرب بسبب تأميمه قناة السويس.
والد إخلاص منير الريس مع مجموعة تلاميذ في مدرسة البلدية بغزة في ستينيات القرن الماضي (الجزيرة) ذاكرة مزدحمةواعتقل منير الريّس إبان الحرب بسبب رفضه التعاون مع القوات الإسرائيلية المحتلة لقطاع غزة، وبعدما وضعت الحرب أوزارها وانسحبت إسرائيل من غزّة التي سيطرت عليها مصر؛ حُرر والدها.
"عندما خرج والدي من السجن كنا نعيش في أرض زراعية عند أقاربنا، فاستأجر منزلا وشرع ببناء منزلنا الجديد في حي الرمال الذي أُحرق بالكامل خلال الحرب الحالية، واحترقت معه ذكرياتنا في كل زاوية".
ولأن لا شيء يمضي وينتهي ولا ذكرى تخبو وتُمحى، انساب على لسان إخلاص سيل من الذكريات في المنزل تحدثت عنها بفخر وتسلسل دقيق، لكنها لم تتمالك نفسها عندما أتت على ذكر بيتين من الشعر كتبهما والدها الراحل بخطّ يده وثبتهما أسفل صورة له في غرفة المعيشة وهما:
إن غبت عن أهلي وجمعوا أحبتي.. فليبقَ رسمي عندهم تذكارا
كي يذكروا روحي لرؤية صورتي.. فالجسم يدفن بالثرى ويوارى
بكت إخلاص وغرقت في بحر من الهموم التي راكمتها الحروب على مدينتها المنكوبة التي غادرتها عام 1979، لتتزوج في القدس من المدرس المقدسي زكي نسيبة وتنجب كلّا من حسن ومنير وسحر.
ومنذ ذلك الحين تقول السيدة الفلسطينية إنها تعلقت بالقدس وعشقتها، إلا أن غزة ظلّت مهوى قلبها ومتنفسها، فكانت الوجهة الأولى لها ولأطفالها خلال سنوات طفولتهم لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، وعن تلك الرحلات قالت: "كنا نتنقل بسيارتنا الخاصة من أمام منزلنا في القدس إلى منزل عائلتي في غزة حتى عام 1994، عندما وُقّعت اتفاقية أوسلو وأقيم حاجز إيريز العسكري وحُرمت من غزة".
إخلاص (يمين) في صورة مع والدها داخل البيّارة الزراعية في غزة (الجزيرة) بحر وبيارة وقبربحر غزة ومنزل وبيارة (بستان) والدها منير الريّس، هي أكثر الأماكن التي جاء على ذكرها لسان إخلاص، وقالت إن البيارة تقع في منطقة بيت حانون وتعجّ بالأشجار المثمرة التي تتربع الحمضيات على عرشها كالبرتقال والليمون والجريب فروت والخشخاش، بالإضافة لأشجار اللوز والزيتون وشجرة الجُميز التي دفن تحت ظلالها والدها عام 1974 ووالدتها عام 1999.
"دُمرت البيارة في الحرب الحالية، ونخشى أن قبرَي والديّ و3 آخرين من العائلة نُبشت، وبحرق المنزل حُرقت مكتبة والدي وأرشيف ضخم جمعه خلال عمله، كما حُرقت أشعاره ودراسات أعدّها في التاريخ والأدب"؛ أضافت إخلاص.
كثيرة هي الشواطئ التي سارت هذه السيدة الغزّية المقدسية على رمالها داخل فلسطين وخارجها، لكنها تقول إن شاطئ الرمال في غزة أجملها، وبينما بدأت بسرد الأسباب التي تجعله أجمل شواطئ العالم انتقلت إلى عالم آخر وهي ترسم بيديها ملامحه ورونق الجلوس عليه.
"الرمل لونه ذهبي مميز والصدف الذي تقذفه الأمواج إلى الشاطئ مميز الشكل واللون.. لا أدري ربما هي الذكريات التي عشناها في المكان جعلته استثنائيا بالنسبة لي".
إخلاص نسيبة تحمل صورة والدها ووالدتها (الجزيرة) نزوح يعزز حلم العودةصمتت إخلاص للحظات وكأنها استفاقت من حلم وصف الشاطئ، وتبدل الحلم إلى ذكرى أشعلت فيها الألم عندما قالت إنه في خِضمّ سعادة العائلة بالجلوس على البحر كان والدها يسترسل في النظر إليه ويردد دائما الدعوة ذاتها "اللهم آمِنّا في أوطاننا".
"لم أفهم حينها لماذا كانت هذه الغصة ترافق والدي، وأدركت لاحقا أنه بعيد النظر ويعرف أن الاحتلال سيظلمنا لسنوات طويلة.. كان عربيا قوميا وتمنى أن يتوحد العرب ولا يتشرذموا.. لكنه رحل وما زال العرب متشرذمين منذ عقود، وندفع جميعا أثمان ذلك".
نزح أقارب إخلاص خلال الحرب الحالية التي اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم مرات عديدة داخل القطاع، ثم اضطُر معظمهم لمغادرته، لكن حلم العودة إلى المنزل المحروق ظلّ يراودهم بل ويراودها هي أيضا.
"لدي حنين كبير للعودة إلى بحر غزّة ولبيارتنا ولمنزلنا المحروق، ولا ألتفت لمن يقول إن غزة بحاجة إلى عقود لإعادة بنائها لأنني أعرف أبناء مدينتي بعنادهم وإصرارهم وبقدرتهم على إعادة بناء كل ما دمرته هذه الحرب خلال 4 أعوام، على أبعد تقدير"؛ تضيف إخلاص.
إخلاص بين أشجار بستانها الصغير بالقدس تستنشق عبق ثمارها (الجزيرة) في انتظار المعجزةستظلُّ الدُقّة الغزاوية، وهي طبق حار مكون من مجموعة حبوب وبهارات تطحن تؤكل كالزعتر بالخبز والزيت، تتربع على عرش مائدة إخلاص كل صباح ومساء، وستظلُّ أكلة السُماقيّة، وهي طبق أساسها السماق واللحم والبصل والسلق، التي يشتهر بها القطاع، تفوح من مطبخ منزلها في القدس، لكنها تتمنى لو أن معجزة إلهية توقف هذه الحرب لتتمكن من الخلود إلى النوم مطمئنة كما كانت قبل اندلاعها، لأنه "لا ينام الليل من ذبحوا بلاده"، وهذا ما تبوح به ملامح وجهها وعيناها اللتان اغرورقتا مرارا بالدموع.
رافقتنا إخلاص الريّس نسيبة خلال مغادرتنا لمنزلها وبين أشجار بستانها الصغير، الذي لا يقارن بحجم بيارة والدها في بيت حانون، وقفت في ظلال شجرة الليمون واستنشقت عبق ثمارها قبل أن تقطف إحداها وتغسلها ثم تقول: "الله كريم.. ستنتهي الحرب وسنعود".
العودة إلى مسقط رأسها، ترى إخلاص أنها حتمية، فكما اعتُقل والدها خلال حرب عام 1967 وأبعد إلى لبنان بعد اتهامه بمساعدة الفدائيين وتمويلهم، عاد إلى غزة عام 1971 وعاش فيها 3 سنوات إضافية قبل أن يوارى الثرى تحت رمالها الناصعة كالذهب، كما تقول ابنته.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الری س ة التی
إقرأ أيضاً:
من غزة إلى لبنان: معاناة الأطفال التي لا تنتهي بين نارين
عندما وصلت عائلة ظريفة نوفل إلى بيروت مع ابنتها حليمة لإجراء عملية جراحية في رأسها، كانت أول رغبة لها هي التوجه إلى البحر الأبيض المتوسط. بالنسبة لها، كان البحر رفيقاً دائماً في حياتها في غزة قبل أن تجتاحها الحرب.
اعلانوقالت ظريفة: "في اللحظة التي شممت فيها رائحة البحر، شعرت بالسلام الداخلي، كما لو كنت في غزة". لكن سرعان ما تحولت هذه اللحظات الهادئة إلى مذكرات مريرة عن الدمار الذي جلبته الحرب إلى حياة الطفلة ومن حولها.
وأما حليمة، التي كانت في السابعة من عمرها، كانت قد أصيبت بشظايا صاروخية شديدة في غزة. وعندما تم نقلها إلى المستشفى، ظن الأطباء أنها قد فارقت الحياة. كانت حالتها مروعة: جمجمتها مكسورة، وجزء من دماغها مكشوف. لكن بعد أيام من الاحتجاز في المشرحة، اكتشفت العائلة أنها على قيد الحياة، رغم الجروح البالغة. ثم تم نقلها لاحقاً إلى لبنان لتلقي العلاج، حيث أُجريت لها عملية جراحية ناجحة في المركز الطبي للجامعة الأمريكية في بيروت.
أطفال من غزة ينضمون لمخيم صيفي في لبنانBilal Husseinومع تحسن حالتها في لبنان، بدأ الوضع يتدهور في هذا البلد أيضاً. فقد اندلعت المواجهات بين إسرائيل وحزب الله في أكتوبر 2023، مما جعل العائلات الفلسطينية التي كانت تأمل في العثور على السلام في لبنان، تجد نفسها في حرب جديدة. قالت ظريفة: "لبنان ليس مجرد بلد آخر بالنسبة لنا، إنه أخت لغزة. نحن نعيش أو نموت معاً." كان أطفال غزة، الذين كانوا يهربون من الحرب، يجدون أنفسهم مرة أخرى في خضم صراع لا يرحم.
في تلك الأيام، بدأت عائلة نوفل وأطفال آخرون يعانون من الضغط النفسي الناتج عن القصف المستمر بالهرب إلى غرفة المعيشة في الفندق لحماية أنفسهم من الزجاج المتناثر بفعل الانفجارات. وكانت أصوات القصف تُعيد لهم ذكريات الحرب في غزة، مما جعلهم يتنبهون إلى ما هو قادم، لكنهم كانوا عاجزين عن الهروب من هذا المصير. حليمة، التي كانت قد بدأت في التكيف مع حياتها الجديدة، عادت لتعيش الخوف ذاته الذي عاشت فيه في غزة.
حصيلة ضحايا الحرب في غزة بحسب تقرير يعود للأمم المتحدةورغم هذه الظروف الصعبة، تمسك الأطفال بحلم العودة إلى حياة طبيعية. ومن خلال دعم الأطباء اللبنانيين، الذين كانوا يتعاملون مع جروحهم بكل خبرة، بدأ الأمل يعود إلى قلوب هؤلاء الأطفال المكلومين. قالت ظريفة: "في بيروت، كان لدينا الأمل في الشفاء، لكن الوضع في لبنان أصبح صعباً جداً. كنا نريد فقط أن نعيش بسلام".
ومع تصاعد القتال في لبنان، توقفت حملة العلاج التي كان يقودها الدكتور غسان أبو سيتة، وهو جراح بريطاني فلسطيني، من أجل علاج أطفال غزة. قال أبو سيتة: "الجروح التي يعاني منها الأطفال في لبنان تشبه تماماً تلك التي عانوا منها في غزة. الحرب لا تستثني الأطفال".
أطفال غزة يتلقون العلاج في لبنانHussein Mallaفي الوقت عينه، استمرت العائلات الفلسطينية في بيروت في التمسك بالأمل، عازمة على البقاء في لبنان رغم كل ما يواجهونه، عسى أن يعود السلام يوماً ما.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية قتل ويُتم وجوع وتداعيات مدى الحياة.. هكذا سلبت الحرب حقوق أطفال غزة للعام الثاني.. أطفال غزة بلا مدارس والحرب تُلقنهم دروس البقاء وسط حالة طوارئ وحرب مدمرة.. أطفال غزة يتلقون لقاح شلل الأطفال في خان يونس غزةضحاياإسرائيلجرحىأطفاللبناناعلاناخترنا لك يعرض الآن Next مباشر. غارات على الضاحية الجنوبية بعد مقتل 7 جنود إسرائيليين.. وحزب الله يضرب قاعدة الكرياه وسط تل آبيب يعرض الآن Next الاتحاد الأوروبي بصدد إنهاء اتفاقية الصيد البحري مع السنغال وسط انتقادات محلية يعرض الآن Next روسيا تحذّر من اجتياح إسرائيلي لسوريا وتقول إن قواتها حاضرة مقابل مرتفعات الجولان يعرض الآن Next بوينغ تواجه صعوبة في الوفاء بموعد تسليم الطائرات لزبائنها.. وإضراب العمال يعقّد من المهمة يعرض الآن Next فرحة الزفاف تتحول إلى كارثة.. مصرع 18 شخصاً بسقوط حافلة في نهر السند بباكستان اعلانالاكثر قراءة لا مجال لكسب مزيد من الوقت.. النيابة العامة الإسرائيلية ترفض تأجيل شهادة نتنياهو بقضايا الفساد بين السماء والأرض: ألمانيان يحطمان الرقم القياسي في التزلج على الحبل المتحرك بارتفاع 2500 متر مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز تقرير: تحقيق إسرائيلي يشتبه في كون نتنياهو زوّر وثائق للتملص من تقصيره في 7 أكتوبر/تشرين الأول من بينها رئيس الوزراء.. أصوات إسرائيلية تقايض ترامب بوقف الحرب مقابل ضم الضفة الغربية اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومكوب 29إسرائيلدونالد ترامبالصراع الإسرائيلي الفلسطيني لبنانغزةروسياالحرب في أوكرانيا معاداة الساميةحكم السجنمحكمةسورياالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024