سودانايل:
2025-03-04@06:04:57 GMT

حول السلوك الطبقي في ثورة اللواء الأبيض

تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT

عبد الله علي إبراهيم
(وقع فصلي لعام من جامعة الخرطوم في 1963 ضمن لجنة اتحاد طلابها التي كنت سكرتيراً لها عن الجبهة الديمقراطية. وهي السنة التي تعرفت فيها على المرحوم التهامي محمد عثمان، العامل بالري المصري، ومن قادة اللواء الأبيض ليقضى سنتين حكماً بالسجن لقيادته مظاهرة لها. وبدأت العلاقة بعد حضوري لمحاضرة له في القاعة 102 بكلية الآداب عن ثورة 1924 رتبت لها جمعية الثقافة الوطنية بإرشاد من فاطمة أحمد إبراهيم التي لا اعرف كيف عرفت عنه.

وكان التهامي مثيراً إذ اصطحب ابنتيه الطالبتين، ثريا وسعاد، إلى المحاضرة. ولتعلقي بالتاريخ دعوته ليحاضر تلاميذي بمدرسة الجمهورية الوسطى لصاحبها عبد الحفيظ هاشم التي كانت عند مقابر حمد النيل بأم درمان وبأعلى فريق الصقور. وكنت تعينت بها خلال سنة الإيقاف لتدريس الإنجليزية بها. وبالفعل جاءنا. وحاضرنا. وأذكر أنني رتبت مع تلاميذي أن نقدم له هدية في ختام المحاضرة عبارة عن علم جمعية اللواء الأبيض الذي كنت أخذت تفاصيله عنه في محاضرة الجامعة. ثم جلست إليه مراراً في داره أدون عنه روايته كممارس في الثورة وشاهد عيان. ولا تسألني ما جرى لأوراق ذلك التدوين. لا. ولكن استنقذت منها الكلمة التي ستجدها أدناه وعنوانها "حول السلوك الطبقي في ثورة 1924" ونشرتها في مجلة "صوت المرأة" التي حررتها فاطمة أحمد إبراهيم. وظني أنها واحدة من اثنتين ولم أجد الأخرى في أرشيف المجلة الناقص في دار الوثائق. وربما أطلب بشيء من اليأس ممن امتلك أرشيفاً للمجلة لسنة 1963 أن يفتش عن مقالي الثاني (الذي أتمنى ألا يكون متوهماً).
واتصل الود بيني وبين الأسرة إلى يومنا. بل وفرت لي ملاذاً في السبعينات حين كنت في طي الاختفاء كادراً تحت الأرض بالحزب الشيوعي. وتوثقت العلاقة بزواج صديقي المرحوم محمد عبد الله عجيمي من سعاد. وتكلمت إلى ابنته حفيدة التهامي تونا منذ أيام. ورحم الله ثريا التي ترقت في الاتحاد النسائي حتى صارت في قيادته. فجزاهم الله عني كل خير: أطعموا العقل والقلب والخاطر والفم).
ما يعيب الدراسة التاريخية في بلادنا هو نزوعها الدائم للتعميم الذي يقعد بها عن استبطان الأحداث والتغلغل في أعماقها واستبصار حركتها المتطورة وتحديد اتجاهات وسلوك القوى الاجتماعية المختلفة فيها. هذا العيب فيما اعتقد يرجع إلى أن الحركة الوطنية في كل مراحلها
كانت تنبهر أمام تاريخ بلادنا وانتفاضات شعبنا فتستلهم كل ذلك بروح إثارية تستهدف تذكير الناس بماضيهم لتحرضهم وتستحثهم وتملأهم حماسة ولسان حالها يقول: "فيما الرقاد! انظروا إلى سلفكم العظيم". كان هذا هو أفق الدراسة التاريخية وقد صاحبتها حركة تسجيل للتاريخ لم ترق لمضمون هذا الأفق، بل غاصت في بطون مؤلفات الاستعمار عن تاريخنا ولم تخرج عن هذه الحدود.
كان السؤال الذي يلح على وأنا استمع للعم المجاهد، التهامي محمد عثمان أحد أبطال جمعية اللواء الأبيض، هو: ما علاقة القوى الاجتماعية المختلفة باللواء الأبيض، وما هو سلوكها السياسي خلال هذه الحركة؟ هل عبر مثقفو العشرينيات، طلائع البرجوازية الوطنية، عن سمات السلوك السياسي التقليدي لهذه الطبقة أم أن الأمر غير هذا؟ كان مبعث سؤالي أنني استمع ولأول مرة لوجهة نظر عامل، والعم التهامي ما يزال عاملا بالري المصري، أسهم في ثورة ١٩٢٤ ومكث بكوبر مدة خمس سنوات وطارده الاستعمار من بعد. فقلما كان يبقى مع مقاول أكثر من شهر يتشرد بحجة أن العمل. قد انتهى وكان العم التهامي يدرك حقيقة الأيدي التي تلاحق وتأمر.
حادث صفير ذكره لي العم التهامي فأضاء متاهات التعميم التي غلفت تاريخ اللواء الأبيض وأبان الطريق لتساؤلاتي.
هذا الحادث هو اجتماع قيادة فيما بين مظاهرة ٢٣ يونيو و٢٦ يونيو. أعقب مظاهرة ۲۳ یونیو ١٩٢٤ اعتقال قادتها وزج بهم في كوبر. فاجتمعت قيادة اللواء الأبيض لمناقشة الموقف ولاتخاذ ما تراه مناسباً في تلك الظروف. برز في ذلك الاجتماع اتجاه يقوده المثقفون، طلائع البرجوازية الوطنية، لفرملة العمل السياسي وإيقاف المظاهرات بحجة التريث لمعرفة مصير قادة مظاهرة ٢٣ يونيو، ولأن اللواء الأبيض قد عبرت عن الشعور العام وهذا يكفي حتى تلتقط أصداء هذا التعبير في مصر وفي حكومة السودان. وكاد هذا الاتجاه أن يسود حيث رحبت به الأغلبية حتى وقف العم التهامي محمد عثمان وشن حملة مركزة على هذا الاتجاه. وذكّر قادة اللواء بقسم المنظمة القائل بأن أعضاء اللواء ملزمون بإدراك زملائهم مهما كلف ذلك، وأن الانتظار تقاعس ما بعده تقاعس. هنا تغير الموقف لصالح الاتجاه الذي تبناه التهامي ووقف أحمد "أقف؟" المهندس بالري المصري، وشد على يد العم التهامي الذي تطوع بقيادة المظاهرة القادمة التي حدد لها يوم ٢٦ يونيو رغم أن دوره في القيادة لم يأت بحكم وضعه في القيادة الرابعة. بارك الاجتماع هذا الاتجاه وطلب منهم العم التهامي أن يذيعوا وسط الناس أن مظاهرة مسلحة ستندلع من غابة بحر أبيض. وشاع ذلك بين الناس وسارعت الحكومة وحشدت كل قوى البوليس بالعاصمة في الغابة وزودتها بالسلاح. وخابت تقديراتها حين اندلعت المظاهرة في السوق ووفرت لها تلك الظروف الاستمرار لمدة أطول.
ما أثارني من جديد هو تغيب الذين باركوا ذلك الاتجاه في الاجتماع بعد أن تنازلوا عن حجج التريث والانتظار من قيادة المظاهرة حيث لم يكن في قيادتها سوى العم التهامي وعبد الكريم السيد (عامل ). وما أثارني أكثر هو اتجاه المظاهرة نحو الأحياء الشعبية حيث فُرقت في مكان موقف باصات الحلة الجديدة الآن بالسوق العربي. واعتقل العم التهامي وحُمل إلى كوبر وهو يحتضن علم اللواء الأبيض حتى دخل السجن وقدمه (أي العلم) لمأمور السجن المصري الجنسية كأمانة ترد إليه عند خروجه من السجن. والمؤلم أن العلم ما يزل في أمانات كوبر لم تجد محاولات العم التهامي لاسترداده ذكرى لأيام مضت.
إن هذا الطور من أحداث اللواء الأبيض ليلقي أكثر من ضوء على السؤال الذي افتتحت به الحديث.
لقد كشف مثقفو العشرينيات، طلائع البرجوازية الوطنية، عن الجوانب السلبية التقليدية في طبقتهم الاجتماعية وهي التردد وأعمال الفرامل في الحركة السياسية حين تصطدم بالسلطة اصطداماً مباشراً. وانبثقت تبعا لذلك نغمة التريث والانتظار والتي كادت أن تسود لولا أن برز عنصر عمالي حمل الراية، وقاد المظاهرة، وتمرد على ضيق حلقات المثقفين. فانبرى ليلتصق بقاعدة شعبية عريضة وذلك حين تحرك بمظاهرته نحو الأحياء الشعبية. فوضع ذلك العنصر بذرة صغيرة لدور اضطلعت به الطبقة العاملة في نضال الأربعينيات. ولم يكن اتجاه مظاهرة ٢٦ يونيو ١٩٢٤ سوى الرمز لواجب تهيأت له الظروف فيما بعد.
على الدراسة التاريخية الجادة أن تثري وجدان الناس لا بالتعميم، أو بتقديس العمل السياسي الوطني وأخذه بالإجلال. ليست دراسة للتاريخ تلك تملأ الناس حماسا أجوفًا بإغفالها سلبيات العمل الوطني. إن الدراسة التاريخية الرشيدة هي التي تبصر الناس أكثر وتضيف لحركة الحياة حيوية النمو، لا التي تدفعنا إلى أن نبكي على تعاسة الأحياء حين تبهرنا قداسة السلف الصالح.
عبد الله علي إبراهيم
مدرسة الجمهورية الوسطى (1963)
التهامي محمد عثمان

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: اللواء الأبیض

إقرأ أيضاً:

ثورة الذكاء الاصطناعي في الصين.. DeepSeek يثير جدلا في القطاع الطبي

انتشرت حمى الذكاء الاصطناعي في الصين لتصل إلى القطاع الطبي، حيث أصبح المزيد من المواطنين يعتمدون على نموذج DeepSeek للحصول على التشخيصات الطبية، وهو ما أثار مشاعر متباينة بين القبول والتخوف من تدخل الذكاء الاصطناعي في القرارات الطبية.

طبيب في مأزق بسبب DeepSeek

في مقطع فيديو قصير انتشر على منصة Douyin، النسخة الصينية من تيك توك، ظهر طبيب يعبر عن صدمته بعدما قام مريض بالتشكيك في علاجه بناءً على استشارة الذكاء الاصطناعي. 

وبعد مراجعة الدليل الطبي، اكتشف الطبيب أن إرشادات العلاج قد تم تحديثها بالفعل، مما جعله يدرك خطأه.

هذه الحادثة ليست فريدة من نوعها، ففي ظل مساعي الصين للهيمنة على مجال الذكاء الاصطناعي، أصبح الأفراد يتعاملون بشكل متزايد مع موظفين حكوميين افتراضيين، معلمين رقميين، مذيعين آليين، وحتى مساعدين طبيين يعتمدون على الذكاء الاصطناعي.

«DeepSeek» تُشعل سباق الذكاء الاصطناعي.. هامش ربح 545% يهز الأسواق وسهم NVIDIA ينهارمخاوف أمنية وتهديدات جديدة.. هل سيواجه Deepseek الحظر في الولايات المتحدة؟ول هاتف في العالم يدعم الذكاء الاصطناعي DeepSeekبعد هواوي.. شركة جديدة تضيف نموذج Deepseek لهواتفهالا تخافوا ولكن احذروا.. قانون يهدد مستخدمي Deepseek بغرامات وسجن طويلالمستشفيات تتبنى الذكاء الاصطناعي وسط مخاوف من فقدان الوظائف

بحسب تقارير إعلامية، أعلن قرابة 100 مستشفى في الصين بحلول فبراير 2025 عن استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك DeepSeek، في مهام مثل اتخاذ القرارات الطبية، تحليل الصور الشعاعية، ومراقبة جودة السجلات الطبية.

في مستشفى بمدينة شينزين، تم إصدار مذكرة داخلية الأسبوع الماضي تفيد بأن المستشفى سيبدأ قريبًا باستخدام DeepSeek "لأغراض بحثية فقط"، وهو ما أثار مخاوف لدى بعض الأطباء، حيث قالت جراحة بالمستشفى: "في المستقبل، قد نفقد وظائفنا، على الأقل ما زلت قادرة على إجراء العمليات الجراحية."

تقنيات مساعدة أم تهديد لمهنة الطب؟

في المقابل، يرى بعض الأطباء أن الذكاء الاصطناعي قد يسهم في تخفيف الأعباء الطبية. طبيب أعصاب في نانجينج صرح بأن DeepSeek يساعد في تسريع تسجيل الحالات المرضية، حيث قال: “عند العمل في العيادة الخارجية، يكون لديك وقت محدود مع كل مريض، لذا، إذا كان بإمكان الذكاء الاصطناعي إنشاء السجل الطبي بكلمات مفتاحية، فإنه يوفر الكثير من الوقت”.

لكن الطبيب شدد على أن اتخاذ القرارات الطبية يجب أن يظل بيد الأطباء أنفسهم.

بين الابتكار والمخاطر.. الصين تفرض قيودًا على استخدام الذكاء الاصطناعي

رغم الحماس المتزايد لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي، إلا أن بعض الجهات الحكومية تتخذ نهجًا أكثر حذرًا، ففي مقاطعة هونان، تم حظر استخدام الذكاء الاصطناعي في إصدار الوصفات الطبية الشهر الماضي، بسبب المخاوف المتعلقة بالدقة والمسؤولية القانونية.

البروفيسور ماركو سكوريتش، المتخصص في الإعلام والاتصال بجامعة مدينة هونج كونج، أشار إلى أن معظم أنظمة الذكاء الاصطناعي تعمل بطريقة "الصندوق الأسود"، مما يعني أنه يمكن تتبع المدخلات والمخرجات، ولكن لا يمكن فهم كيفية اتخاذ القرارات داخليًا.

كما تساءل عن مسؤولية الأخطاء الطبية، قائلًا: "عندما تسوء الأمور، من سيُحاسب؟، الأطباء، أم المستشفيات، أم الشركات التقنية؟"

أما البروفيسور جوناثان زو، رئيس قسم العلوم الاجتماعية الحاسوبية في نفس الجامعة، فقد شدد على ضرورة وجود ضوابط تنظيمية صارمة، مقترحًا أن يتم تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي بناءً على أدلة علمية موثوقة، مع تعزيز الرقابة من قبل الحكومة والمجتمع الطبي.

الذكاء الاصطناعي يتجاوز الطب إلى التربية والتنشئة

لم يتوقف استخدام الذكاء الاصطناعي عند المجال الطبي، بل امتد إلى مجال التربية والتنشئة. فوفقًا لمنشور شهير على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، استخدمت إحدى الأمهات روبوت الدردشة Doubao، المطور من قبل شركة ByteDance (مالكة تيك توك)، لتهدئة طفلها عندما كان يبكي بسبب لعبة.

وعلق أحد المستخدمين مازحًا: “الذكاء الاصطناعي أكثر صحة نفسية من 90٪ من البشر، وربما يكون أفضل في التربية من كثير من الآباء”.

دعم حكومي قوي لتعزيز الهيمنة الصينية في الذكاء الاصطناعي

تحظى DeepSeek بدعم كبير من الحكومة الصينية، التي اعتبرتها رمزًا للابتكار المحلي في ظل العقوبات الغربية التي تحدّ من وصول الصين إلى الرقائق المتطورة، حتى أن مؤسس الشركة، ليانج وينفنج، كان من بين رواد الأعمال القلائل الذين دُعوا لحضور ندوة خاصة مع الرئيس شي جين بينج الشهر الماضي، حيث شجعهم على مواصلة الابتكار لتعزيز قوة الصين الاقتصادية.

فيما تبنت مدن كبرى مثل شينزين، هوهوت، جانزو، و ووشي تقنيات الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية، مما يعكس توجه الصين نحو دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب الحياة اليومية.

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يقود ثورة في الأسواق.. فرص استثمارية واعدة بمبلغ 200 دولار
  • التهامي و"أريج" و"المرعشلي" ضمن "أمسيات الإنشاد والمديح" بدار الأوبرا السلطانية
  • مشروع Taara من جوجل.. ثورة في الإنترنت عبر أشعة الضوء
  • روبرت كينيدي: ثورة صحية طال انتظارها
  • ثورة مرتقبة في كرة القدم| فيفا يدرس 4 تعديلات جزرية منها التسلل وVAR
  • ثورة الذكاء الاصطناعي في الصين.. DeepSeek يثير جدلا في القطاع الطبي
  • موعد وتفاصيل حفل ياسين التهامي بدار الأوبرا
  • من هو الصحفي الذي أشعل الحرب داخل البيت الأبيض بين ترمب وزيلينسكي؟
  • سبيلك إلى السلوك القويم.. 3 ركائز أساسية في الإسلام لا تغفل عنها
  • نص الجدال الذي دفع ترامب للطلب من زيلينسكي لاحقا مغادرة البيت الأبيض