ناصف بشير الأمين
إن توقيع إعلان نيروبي، 18 مايو 2024، بين رئيس تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية "تقدم"، د. عبد الله حمدوك، ورئيس حركة جيش تحرير السودان الأستاذ عبد الواحد محمد نور، ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال القائد عبد العزيز الحلو يشكل اختراقا لصالح جهود وقف الحرب ودعم مشروع التغيير والتحول السياسي.
إن توحيد قوى التغيير الديمقراطي هو قضية استراتيجية في ظل استمرار الحرب المفروضة على السودانيين، وانهيار مؤسسات الدولة، وخطر التقسيم الذي يواجه السودان. وتوحيد قوى التغيير هو الشرط الضروري لوقف الحرب وللمحافظة على وحدة السودان، ومن ثم إعادة وضع البلاد في مسار التحول المدني الذي قطعته الحرب وقبلها انقلاب 25 أكتوبر 2021. وحتى إذا نجحت مساعي وقف الحرب، في ظل انقسام قوى التغيير الديمقراطي، فإن ذلك لن يشكل حلا مستداما، ولن يعدو كونه هدنة مؤقتة وهشة، وذلك لأن وحدة قوى التحول المدني الديمقراطي هي الشرط الضروري للوصول إلى حلول مستدامة عبر مخاطبة الأسباب الجذرية التي انتجت الحرب الدائرة الآن والحروب التي سبقتها، والذي لا يتحقق إلا عبر وضع البلاد مجددا في مسار التحول السياسي المدني والتوافق على أسس دولة المواطنة المتساوية بلا تمييز.
لقد ظللنا - قبل وبعد اندلاع الحرب - نعمل ونطالب دون كلل بضرورة منح الأولوية لوحدة قوى التحول الديمقراطي، وحتى إذا تعذرت وحدة الإطار الجبهوي لقوى التغيير في تحالف واحد، يجب العمل على خلق إطار تنسيقي بينها كحد أدنى. وظلت قناعتنا أنه، وفي ظل الأخطار التي تواجه بلادنا وتواجه مشروع التغيير، وعودة فلول المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية للواجهة، فإن الأفضل والأكرم لقوى التغيير الديمقراطي هو أن تقدم كل التنازلات المطلوبة لبعضها البعض من أجل تحقيق الأهداف المشتركة المشار إليها، بدلا عن تقديم التنازلات للانقلابيين أعداء مشروع التغيير والتحول المدني.
ولكن بالمقابل هناك عناصر داخل تحالف "تقدم" ليس لديها رغبه حقيقية في توسيع جبهة تقدم وفتح الباب لضم كل قوى التغيير الديمقراطي، مثلما أن هناك أطرافا أيضا في قوى التغيير خارج "تقدم" لا رغبة لديها في وحدة قوى التحول الديمقراطي، وإن اختلفت الأسباب. وتوحيد قوى التغيير يتم عبر الجهود المشتركة "للأغلبية" صاحبة الرغبة والمصلحة في الوحدة في الجانبين، واحتواء الممانعين في كل طرف، والوحدة المستدامة لا تتم بالشعارات أو العواطف، وإنما عبر خلق جبهة واسعة لوقف الحرب والحفاظ على وحدة السودان، والتوافق على مشروع ذي مصداقية للبناء الوطني وعقد سياسي واجتماعي واقتصادي جديد أساسه حقوق المواطنة المتساوية بلا تمييز، وحكم القانون، وتصفية تركة التمكين وإعادة هيكلة الدولة السودانية ومؤسساتها المدنية والعسكرية على أسس مهنية مستقلة، واستعادة مسار التحول المدني. وقد اثبت إعلان نيروبي أن توحيد قوى التغيير الديمقراطي ممكن متى ما توفرت الإرادة والجدية لدى الأطراف المعنية.
لقد احتوى إعلان نيروبي قضايا مهمة شملت، من بين قضايا أخرى، التأكيد على وحدة السودان، ووقف الحرب، وتحقيق التحول المدني الديمقراطي، ومدنية الدولة، وإصلاح وإعادة هيكلة القطاع الأمني، وتحقيق العدالة ...إلخ، وهي قضايا تكاد تكون محل إجماع بين قوى التغيير الديمقراطي ومضمنة في كل الوثائق الأساسية للفترة الانتقالية كالوثيقة الدستورية واتفاقية السلام 2020. وهذه القضايا التأسيسية ستظل مطروحة للمزيد من الحوار والنقاش حولها بين مختلف القوى السياسية والمدنية إلى أن يتم التوافق على دستور دائم للسودان.
إن قضية مدنية الدولة وحيادها تجاه كل المكونات الدينية والثقافية هي من القضايا التي توافقت حولها قوى التحول الديمقراطي منذ إعلان اسمرا للقضايا المصيرية 1995، ويجب ألا تكون موضوعا للمزايدات السياسية، والمهم في هذا الصدد هو التوافق حول محتوى وجوهر القضية وهو فصل الدين عن الدولة وحياد الأخيرة تجاه المكونات المجتمعية والثقافية المتنوعة، وليس الدخول في خلاف شكلاني حول المصطلحات علمانية/دولة مدنية. وينبغي التذكير هنا بأن التوافق حول مبدأ فصل الدين عن الدولة وتضمينه في الدستور هو الطريق الوحيد للمحافظة على وحدة السودان، واسكات الأصوات المطالبة بحق تقرير المصير.
نؤكد على أن إعلان نيروبي يمثل خطوة مهمة وهو يجد منا كل التأييد والدعم، وندعو جميع الأطراف للعمل على تطويره إلى اتفاق نهائي يشمل كل القضايا غير المتفق عليها بين أطرافه، والاستمرار في عملية توحيد قوى التغيير الديمقراطي لتشمل كل القوى المدنية الأخرى خارج تحالف تقدم لبناء أوسع تحالف للقوى المدنية الديمقراطية.
ناصف بشير الأمين
كاردف – 20 مايو 2024
n.bashir@asylumjustice.org.uk
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوى التغییر الدیمقراطی على وحدة السودان التحول المدنی إعلان نیروبی وحدة قوى
إقرأ أيضاً:
هل يعزز فوز ترامب فرص التوصل لاتفاق سياسي في السودان
رحب طرفا الحرب السودانية، الأربعاء، بفوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسة الأميركية التي جرت، الثلاثاء، فيما توقع خبراء تغيرا في النهج الأميركي حيال ملف الحرب المستمرة في السودان منذ منتصف أبريل 2023.
التغيير _ وكالات
وهنأ قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان ترامب، وأعرب في تغريدة على حسابه على منصة “أكس” عن تطلعه لبناء علاقات متطورة مع الولايات المتحدة.
من جانبه، أكد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو استعداده للتعاون “الوثيق” مع الإدارة الأميركية الجديدة في أي جهود تهدف إلى تحقيق سلام حقيقي في السودان يبنى على مبادئ الشمول والعدالة والاحترام المتبادل.
وقال خبراء ودبلوماسيون وسياسيون إن فوز ترامب بانتخابات الرئاسة، سيغير طريقة تعامل الولايات المتحدة مع ملف الحرب في السودان وفقا لسيناريوهين مختلفين.
وبعد 9 أشهر من تعيينه من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لم يتمكن المبعوث الخاص للسودان توم بيريللو، من تحقيق الهدف الأساسي من المهمة التي أوكلت إليه وهو وقف الحرب.
ويرى المحلل السياسي شوقي عبدالعظيم أن الملف السوداني مرشح لتغييرات سريعة وكبيرة في ظل إدارة ترامب.
وقال عبد العظيم بحسب “موقع سكاي نيوز عربية” : أتوقع أن تزيد التحولات الجديدة في الولايات المتحدة من وتيرة الضغط الدولي التي اتسمت بالضعف خلال الفترة الماضية.
ويتفق الباحث الأمين بلال مع ما ذهب إليه عبدالعظيم، معبرا عن اعتقاده بأن الإدارة الجديدة ستهتم بشكل أكبر بملف الحرب السودانية، وستسعى لممارسة ضغط اكبر لدفع طرفي الحرب للذهاب إلى طاولة المفاوضات.
ويشير بلال إلى أن ترامب أعلن خلال حملته الانتخابية أن مسألة وقف الحروب تشكل هدفا أساسيا له، وأضاف : لا استبعد أن يدعم ترامب أي اتجاه لتدخل دولي أو فرص حظر للطيران او عقوبات أكثر قوة على أطراف الحرب والعناصر الداعية لاستمرارها.
الوسومأمريكا الانتخابات السودان ترامب فوز