صفا

وثق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان اليوم الثلاثاء، شهادات لنحو 100 معتقل فلسطيني مفرج عنهم تظهر ارتكاب سلطات الاحتلال الإسرائيلي جرائم مروعة بالاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية والحاطة بالكرامة بحق آلاف المدنيين الفلسطينيين ممن جرى اعتقالهم في إطار جريمة الإبادة الجماعية التي ينفذها جيش الاحتلال في قطاع غزة منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي.

وأبرز الأورومتوسطي في تقريره الذي جاء بعنوان "رهائن الانتقام الإسرائيلي في قطاع غزة"، أن قوات الاحتلال نفذت حملات اعتقال تعسفية جماعية وفردية واسعة بحق المدنيين في غزة، شملت حتى النساء والأطفال وكبار السن والنازحين، خلال هجماتها العسكرية البرية واقتحامها للمدن والمخيمات والأحياء السكنية المختلفة في القطاع.

واستند التقرير إلى إفادات وشهادات ومقابلات شخصية أجراها فريق الأورومتوسطي مع معتقلين تم الإفراج عنهم من الرجال والنساء والأطفال، والذين كان جيش الاحتلال اعتقلهم خلال هجماته البرية على مناطق مختلفة من قطاع غزة، نصفهم من الرجال تحت سن 50 عامًا، و17 شخصًا من كبار السن، و22 امرأة، و4 أطفال.

وتخلص المقابلات إلى ارتكاب جيش الاحتلال جرائم الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والقتل العمد والعنف الجنسي والحرمان من المحاكمة العادلة على نطاق واسع ومنهجي ضد المعتقلين الفلسطينيين المدنيين، واستخدام جيش الاحتلال وسائل متعددة من التعذيب الجسدي والنفسي العنيفة بحقهم.

وشمل ذلك الضرب بقصد القتل، وإحداث إصابات وإعاقات دائمة، والعنف الجنسي، والشبح والصعق بالكهرباء، وتعصيب الأعين وتقييد الأيدي والأرجل لفترات طويلةوممتدة، والحرمان من الطعام والرعاية الطبية، بما في ذلك الرعاية الضرورية والمنقذة للحياة، والبصق والتبول عليهم، وغيرها من الممارسات القاسية والحاطة بالكرامة الإنسانية، إلى جانب أساليب متعددة من التعذيب النفسي، ومن ذلك التهديد بالقتل للمعتقل أو أفراد عائلته، وتوجيه الإهانات والشتائم الحاطة بالكرامة الإنسانية، والتهديد بالاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي.

وقال عبد القادر جمال طافش (33 عامًا)، والذي اعتقله جيش الاحتلال من مستشفى كمال عدوان بعدما نزح إليه في شمالي قطاع غزة، "اعتقلتني قوات الاحتلال يوم 12 ديسمبر 2023 واحتجزتني في أحد المعسكرات التابعة لهم شمال قطاع غزة، وحققت معي داخل فيلا عائلة البراوي في شارع بيت لاهيا، التي حولتها إلى ثكنة عسكرية. لحظة دخولي مع معتقلين آخرين لساحة هذا المنزل المجرفة عرضنا على أجهزة لعمليات التفتيش وأجهزة متخصصة لبصمة العين وكنا مجردين من ملابسنا ومقيدين ويتم مرورنا كل 5 أشخاص أمام الكاميرات ومن ينادون عليه بالتقدم والجلوس على ركبتيه وإنزال رأسه بالأرض وكنتُ من ضمن الأشخاص الذين تم النداء عليهم".

وأضاف: "قام أحد الجنود بعد نزولي على الأرض بعصب عينيّ ووضع رقم على كتفي ولاصق، وبعدها أجبروني على الجري ما يقارب 500 متر وبعدها ألقوني على الأرض وقام أحد الجنود بضربي وتعذيبي وتغيير وضعية تقييد يدي من الأمام إلى الخلف رغم إبلاغي له أنني مصاب وقمت بعمل عمليه بلاتين في كتفي الأيسر وكان ذلك واضحًا له لأنني عاري الجسد. ورغم ذلك استمر في ضربي بحذائه، لدرجة وصولي إلى الإغماء عدة مرات وكذلك ضربي على مكان العملية من الخلف مما أدى لتفاقم الألم. ورغم استنجادي بإحضار طبيب إلا أنهم رفضوا ذلك. بعدها أتى أحد الضباط وقال لي: هل تريد الموت؟ وقام برفع سلاحه الشخصي وسحب أجزاء السلاح وإطلاق النار بجوار رأسي".

كما أفاد  المواطن (م.ق) وهو من سكان مدينة غزة ويعمل مهندسًا في إحدى الشركات المحلية، بأن جيش الاحتلال اعتقله من منزله وعرضه للتعذيب والمعاملة اللاإنسانية، مضيفًا "انهالوا عليّ بالضرب المبرح لما يزيد عن نصف ساعة متواصلة، ثم أجبروني على الجلوس على كرسي الحمّام المجاور للغرفة، وطلب مني أحد الجنود نطق الشهادتين (تقليد ديني يفعله المسلمون عندما يعتقدون أنّهم على وشك الموت)، ثم أطلق النار مباشرة على الحائط المجاور لي. بعد ذلك ألقى الجنود عليَّ حجارة فيما كنت مكبلًا ومقيدًا في مكاني، وبعدها بنحو 15 دقيقة، سحبني الجنود ورموا بي على أرضية الغرفة ودعسوا على رأسي وتبوّل أربعة منهم عليَّ وهم يشتمونني بألفاظ نابية وشنيعة".

وأبرز الأورومتوسطي تعرض المعتقلين الفلسطينيين للاحتجاز وتمديد الاحتجاز دون عرضهم على الجهات القضائية أو أي من الإجراءات القانونية الواجبة، على نحو يخالف القوانين الدولية ذات العلاقة، حيث كانوا يُحتجزون ويعذبون في قواعد عسكرية ومنشآت احتجاز إسرائيلية، بما في ذلك محتجزات سرية وغير رسمية، وتحديدًا تلك المقامة قرب حدود قطاع غزة.

وسلط التقرير الضوء على صنوف التعذيب والمعاملة القاسية والمهينة واللاإنسانية المُمارسة ضد المعتقلين الفلسطينيين، بما في ذلك تعرية الرجال والنساء بالقوة، والتفتيش العاري المتكرر، وتقييد الأيدي والأرجل لمدة طويلة، وتعصيب الأعين، والقتل العمد، والقتل تحت التعذيب، والضرب العنيف حد تكسير العظام والأسنان والصعق بالكهرباء والشبح والحرمان من الطعام والماء وغيرها.

وحتى 2 مايو/أيار 2024، ارتفع عدد الأسرى والمعتقلين الشهداء في سجون الاحتلال الإسرائيلي المعلن عنهم رسميًّا إلى 18 معتقلاً منهم 6 من قطاع غزة، في حين تؤكد معطيات أخرى أن العدد الرسمي للشهداء هم أكبر من ذلك بكثير.

وأكد المرصد الأورومتوسطي أن "إسرائيل" تمارس جريمة الاختفاء القسري ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة على نحو منهجي وواسع النطاق منذ تشرين أول/أكتوبر الماضي. إذ ترفض عقب الاعتقال الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم، أو بإدلاء أي معلومات حول أسمائهم أو مصيرهم، أو مكان وظروف احتجازهم، وتمنع أي جهة خارجية، بمن في ذلك المحامون واللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارتهم أو اللقاء بهم.

وشدد الأورومتوسطي على أن الاعتداءات الوحشية ضد المعتقلين الفلسطينيين تصل حد ارتكاب جرائم التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، وبحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإنها جرائم حرب قائمة بذاتها، وكذلك جرائم ضد الإنسانية قائمة بذاتها حيث تم ارتكابها كجزء من هجوم واسع ومنهجي في الحرب على قطاع غزة. 

ونبه إلى أن استهداف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين داخل مراكز الاعتقال يعتبر من قبيل جرائم القتل العمد والإعدام خارج نطاق القانون والقضاء التي يحظرها القانون الدولي، وبخاصة القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والقانون الجنائي الدولي، الذي يعتبر قتل المدنيين عمدًا جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، وذلك وفقًا لنظام روما الأساسي.

وطالب المرصد الأورومتوسطي المجتمع الدولي بالاضطلاع بالتزاماته القانونية الدولية بوقف جريمة الإبادة الجماعية وكافة الجرائم مكتملة الأركان التي ترتكبها "إسرائيل" ضد جميع سكان قطاع غزة بما في ذلك المعتقلين، وتفعيل أدوات الضغط الحقيقية لإجبارها على التوقف عن ارتكاب هذه الجرائم فورًا، والضغط عليها للامتثال لقواعد القانون الدولي وحماية المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة. 

ودعا الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بالوفاء بالتزاماتها لوقف الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها "إسرائيل" ضد المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، بموجب المواد 146 و147 و148 من الاتفاقية، بما في ذلك جرائم التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والحاطة بالكرامة الإنسانية المرتكبة ضد المعتقلين الفلسطينيين. 

وحث جميع الدول على تحمل مسؤولياتها الدولية ووقف كافة أشكال الدعم السياسي والمالي والعسكري لـ"إسرائيل" في جرائمها المرتكبة ضد السكان المدنيين في قطاع غزة، وبخاصة التوقف الفوري عن عمليات نقل الأسلحة إلى "إسرائيل"، بما في ذلك تراخيص التصدير والمساعدات العسكرية، وإلا كانت هذه الدول متواطئة وشريكة في الجرائم المرتكبة في قطاع غزة، بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية. 

كما دعا إلى الضغط على "إسرائيل" للتوقف فورًا عن ارتكاب جريمة الاختفاء القسري ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من قطاع غزة، والكشف الفوري عن جميع معسكرات الاعتقال السرية، والإفصاح عن أسماء جميع الفلسطينيين الذين من تحتجزهم من القطاع، وعن مصيرهم وأماكن احتجازهم، وبتحمل مسؤولياتها كاملةً تجاه حياتهم وسلامتهم. 

وأوصى الأورومتوسطي جميع المستويات بضرورة العمل المشترك والجاد على تقديم بلاغات متخصصة إلى المحكمة الجنائية الدولية حول الجرائم التي يتعرض لها الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون ومراكز الاحتجاز الإسرائيلية، وبخاصة بعد السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي، والضغط على المحكمة الجنائية الدولية لإنجاز التحقيق الذي تم فتحه منذ 2021 في ملف الحالة في فلسطين، ووضع ما يجري في قطاع غزة على رأس أولويات عملها، وإصدار أوامر إلقاء قبض على جميع المسؤولين عن ارتكاب هذه الجرائم، بما في ذلك المرتكبة ضد الأسرى والمعتقلين، وتقديمهم إلى العدالة ومحاسبتهم. 

وبهذا الصدد استغرب الأورومتوسطي تجاهل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية "كريم خان" جرائم التعذيب التي ترتكبها "إسرائيل" بشكل منهجي وواسع النطاق ضد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وخاصة أسرى ومعتقلي قطاع غزة، وذلك لدى إعلانه أمس الاثنين عن الطلب الذي قدمه إلى الدائرة التمهيدية لإصدار مذكرتي إلقاء قبض على كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش الإسرائيلي يوآف غالات، للاشتباه بتورطهم في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، دون أن تكون جريمة التعذيب من ضمنها رغم توافر الأدلة اللازمة لإثبات وقوعها. 

كما طالب المرصد الأورومتوسطي بضرورة الضغط على "إسرائيل" للإفراج عن جميع المحتجزين الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم تعسفًا، وفي حال تم تقديمهم إلى المحاكمة أن يتم ضمان جميع إجراءات المحاكمة العادلة، وإعادة رفات الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الذين قضوا في سجون ومراكز الاحتجاز الإسرائيلية.

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: الأورومتوسطي اعتقال اسرى قطاع غزة جرائم تعذيب سجون الاحتلال المعتقلین الفلسطینیین المرصد الأورومتوسطی الجنائیة الدولیة الفلسطینیین فی ضد المعتقلین جیش الاحتلال من قطاع غزة فی قطاع غزة بما فی ذلک

إقرأ أيضاً:

الاحتلال الإسرائيلي يفرض سياسة العطش على أهالي غزة.. ورئيس سلطة المياه: نواجه كارثة مائية وإبادة جماعية لـ2 مليون فلسطيني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يحتفل العالم سنويًا في يوم 22 مارس من كل عام باليوم العالمي للمياه، في حين تتجه الأنظار نحو غزة التي لا يمكننا أن نغفل عنها، فالمياه هنالك ليست رفاهية، بل هي صراع من أجل البقاء، خاصة بعدما تحول منع المياه إلى لعنة تضاف إلى معاناة مليوني إنسان، وبات الحصار والعدوان يطوقان كل شيء، لم تعد المياه مصدرًا للحياة، فهي الآن أصبحت تهديدًا يضاف إلى قائمة التحديات التي لا تنتهي، ففي غزة كل قطرة ماء لها ثمن، حيث يتصارع الأطفال والنساء والشيوخ من أجل الحصول على جرعة ماء نظيفة، بعدما دمر الاحتلال الإسرائيلي البنية التحتية للمياه، وأصبح الصرف الصحي أزمة تهدد بكارثة إنسانية وصحية، من أجل ذلك تسلط "البوابة نيوز"، الضوء على الوضع المائي المأساوي في قطاع غزة.

أصبحت المياه قضية وجودية بالنسبة للشعب الفلسطيني، وذلك بسبب سياسات الاحتلال التي لا تقتصر على إحكام قبضته على المصادر المائية، بل تمتد لتدمير البنية التحتية المتعلقة بالمياه والصرف الصحي بشكل متعمد، مما يزيد من صعوبة الحياة ويجعل غزة مكانًا غير قابل للحياة.

وتشير التقييمات الأولية لحجم الأضرار التي تكبدها قطاع المياه والصرف الصحي في غزة إلى أن أكثر من 85% من مرافق وأصول المياه والصرف الصحي قد خرجت عن الخدمة بشكل كامل أو جزئي، وذلك في المناطق التي تم حصر الأضرار فيها، وفي الوقت ذاته، فإن مجمل ما هو متوافر من المياه لا يتجاوز 30% مما كان عليه قبل العدوان، مما يعكس حجم الكارثة الإنسانية التي يعاني منها أهالي القطاع، وفق تقديرات سلطة المياه الفلسطينية.

آلاف المصلين في الأزهر يتضرعون بالدعاء لنصرة غزة وفلسطين في ليلة القدر وسط مراوغات الاحتلال.. القاهرة تسارع الزمن لإنقاذ غزة

وتعيش الأسر الفلسطينية في غزة أزمة مائية حادة، حيث يحصل الفرد في اليوم على ما يتراوح بين 3-5 لترات فقط من المياه، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى الذي يعتبر ضروريًا للبقاء على قيد الحياة، والذي يبلغ 15 لترًا للفرد يوميًا، وهو لا تتجاوز نصف الكمية المقدرة للحد الأدنى الإنساني المطلوب في حالات الطوارئ، وهذا ينعكس بشكل واضح على تأمين احتياجات المواطنين من مياه الشرب، النظافة، الغذاء، الزراعة، وحتى الاحتياجات الطبية في المستشفيات، حيث تواجه المؤسسات الصحية في غزة صعوبات بالغة في توفير المياه النظيفة، وتعد هذه النسبة أقل من الحد الأدنى المطلوب للبقاء على الحياة في حالات الطوارئ وفقاً لمؤشرات منظمة الصحة العالمية، والمقدرة بـ15 لترا للفرد في اليوم، ويعود ذلك أساساً إلى الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية، وانقطاع التيار الكهربائي التام واللازم لضخ المياه من الآبار، وتشغيل المرافق المائية ذات العلاقة من خزانات ومحطات للضخ، والقيود المفروضة على توفير الوقود والمواد اللازمين لتشغيلها.

من جهة أخرى، أدى التوقف شبه الكامل لأنظمة الصرف الصحي في قطاع غزة إلى تدفق المياه العادمة بشكل غير مسبوق، مما يهدد بكارثة بيئية وصحية واسعة النطاق، إذ إن المياه العادمة تلوث الأراضي الزراعية والمياه الجوفية، مما يعرض حياة المواطنين والمجتمع بأسره لمخاطر صحية كبيرة، فضلا عن تزايد الأمراض المعدية بشكل ملحوظ، لا سيما في ظل غياب الأنظمة الصحية السليمة والمرافق الضرورية لتوفير مياه نظيفة لأهالي غزة.

تعد الأضرار التي لحقت بمنظومة الصرف الصحي في قطاع غزة من أبرز المخاطر التي تهدد حياة السكان وصحتهم، حيث كان النظام قبل العدوان يشمل شبكة متكاملة من المرافق والبنية التحتية التي تغطي نحو 73% من السكان، وكان النظام يحتوي على شبكات متنوعة بمجموع أطوال تقارب 2.250 كيلومتر، مع 79 محطة ضخ و29 حوضًا لتجميع مياه الأمطار، بالإضافة إلى خمس محطات معالجة لمياه الصرف الصحي بقدرة تصل إلى 154.600 متر مكعب يوميًا ولكن مع استمرار العدوان، تعرضت هذه المنظومة لأضرار جسيمة، حيث توقفت جميع محطات الصرف الصحي عن العمل، ما أسهم في تفاقم الأزمة، ومن تاريخ وقف إطلاق النار، كانت الشبكات بحاجة إلى تقييم مفصل للأضرار، وهو ما يصعب تحديده بسبب الظروف الأمنية السائدة، كما تعرضت نحو 1545 كيلومترًا من الشبكات للتدمير الكامل، فيما تضرر 8.6 كيلومتر أخرى بشكل جزئي.

نتيجة لذلك، شهد قطاع غزة تدفق المياه العادمة في الشوارع والأحياء السكنية المأهولة، مما شكل تهديدًا بيئيًا وصحيًا كبيرًا للسكان، وأدى تدمير 47 محطة ضخ مياه صرف صحي، منها 20 محطة دُمّرت بشكل كامل و27 محطة جزئيًا، إلى تفاقم الوضع، مما يتطلب تدخلًا عاجلا لإصلاح المنظومة وإعادة تأهيلها لحماية صحة المواطنين والبيئة.

نتنياهو يتحدى الهدنة في غزة| انقطاع الكهرباء والخدمات تحدٍ سافر للقرار الدولي.. ومقررة حقوق الإنسان الأممية في فلسطين تنذر بإبادة جماعية بالقطاع المصادر المائية في القطاع

تعاني المصادر المائية في قطاع غزة من خسائر فادحة نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر، حيث انخفضت كميات المياه المتوافرة بنسبة تصل إلى 35% عن مستوياتها قبل بدء العدوان، ويعتمد قطاع غزة على 3 مصادر رئيسية للمياه، وهي المياه الجوفية، محطات التحلية، والمياه المشتراة من شركة "ميكروت" الإسرائيلية، وقد تكبدت جميع هذه المصادر أضرارًا جسيمة جراء الهجمات اللاإنسانية.

وفيما يتعلق بالمياه الجوفية، يوجد في قطاع غزة 300 بئر موزعة في أنحاء القطاع، منها 290 بئرًا تابعة للبلديات و10 آبار تابعة للأونروا، وكانت هذه الآبار توفر نحو 262.000 متر مكعب من المياه يوميًا لكل الاستخدامات، إلا أن معظم هذه الآبار تعرضت لأضرار بالغة بسبب العدوان، وقد تمكنت سلطة المياه من تحسين الوضع بشكل طفيف بعد التدخلات العاجلة، ليصل معدل الإنتاج إلى حوالي 93.000 متر مكعب يوميًا.

أما محطات التحلية، التي تمثل مصدرًا رئيسيًا للمياه العذبة في القطاع، فقد تكبدت أيضًا خسائر كبيرة، وتوقفت محطة تحلية المياه في الشمال تمامًا نتيجة الأضرار التي لحقت بها، بالإضافة إلى تعمد الاحتلال الإسرائيلي تحويل المحطة إلى ثكنة عسكرية، كما عملت محطة الوسط بطاقة إنتاجية لا تتجاوز 30% من طاقتها الأصلية بسبب الأضرار التي لحقت بها وشح الوقود، أما محطة تحلية المياه في الجنوب، فكانت تعمل بطاقة إنتاجية منخفضة جدًا لا تتجاوز 20% حتى منتصف نوفمبر 2024، ولكنها تمكنت من تحسين الوضع إلى حوالي 70% بعد توصيل خط الكهرباء المغذي لها؛ وبالنسبة للمياه المشتراة من شركة "ميكروت"، فقد كانت تزود قطاع غزة بكميات تصل إلى 52.000 متر مكعب يوميًا قبل العدوان، وهو ما يمثل حوالي 52% من احتياجات القطاع من المياه الصالحة للشرب، وبعد بداية العدوان أوقف الاحتلال الإسرائيلي الوصلات الثلاث التي تربط قطاع غزة بشبكات المياه الإسرائيلية بشكل كامل، إلا أنه تم إعادة فتح الوصلات بعد أعمال الصيانة، وبدأت المياه تتدفق من جديد بكمية تبلغ حوالي 40.000 متر مكعب يوميًا، ولكن هذه الكمية انخفضت لاحقًا نتيجة الأعطال في الخطوط المغذية لبعض المناطق.

من ناحية أخرى، تكبدت شبكات المياه في غزة خسائر فادحة، حيث تم تدمير حوالي 2263 كيلومترًا من الشبكات، منها 1622 كيلومترًا تم تدميرها بالكامل، و9 كيلومترات دمرت بشكل جزئي، وقد أدى هذا التدمير إلى تفاقم الأزمة المائية في القطاع، مما جعل تلبية احتياجات السكان الأساسية من المياه أمرًا بالغ الصعوبة، وفي ظل هذا الوضع، أصبح الحديث عن تلبية احتياجات الزراعة أمرًا مؤجلًا، على الرغم من أن الوضع الزراعي في غزة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن الغذائي، وهو أحد التحديات الكبيرة التي يواجهها سكان القطاع.

وسط مراوغات الاحتلال.. القاهرة تسارع الزمن لإنقاذ غزة الخارجية الفلسطينية: نوثق انتهاكات الاحتلال ونعمل لحشد دولي لكشف جرائمه  المياه كأداة للعقاب الجماعي

منذ اللحظات الأولى للعدوان على قطاع غزة، برزت إسرائيل بشكل واضح بأنها تتبع استراتيجية مغايرة تمامًا عن الحروب السابقة، حيث استخدمت المياه كسلاح لزيادة معاناة المواطنين الغزيين، إذ قامت بقطع إمدادات المياه التي تقدمها شركة "ميكروت" الإسرائيلية، وركزت جهودها على تدمير المصادر المحلية للمياه مثل الآبار ومحطات التحلية، وخاصة في مدينة غزة، أكبر مدن القطاع، فمنذ بداية العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023 وحتى اليوم، حول الاحتلال المياه من مصدر للحياة إلى سلاح يستخدمه للإبادة الجماعية، فمن خلال التحكم في مصادر المياه، يتعمد الاحتلال الإسرائيلي قطع المياه عن السكان الفلسطينيين في قطاع غزة، ما يساهم في زيادة معاناتهم اليومية، ويمارس الاحتلال سياسة ممنهجة لزيادة المعاناة من خلال تعطيش المواطنين وتجويعهم، وكذلك نشر الأوبئة بهدف دفعهم إلى النزوح والتهجير.

ولم يقتصر العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فقط، بل امتد ليشمل الضفة الغربية، وخاصة في مخيمات اللاجئين في جنين وطولكرم ونور شمس والفارعة، حيث قام الاحتلال بتدمير البنية التحتية في هذه المناطق، بما في ذلك شبكات المياه والصرف الصحي، وقد شرد الاحتلال الآلاف من سكان هذه المخيمات، والذين يعانون الآن من نقص حاد في المياه، وهو ما يزيد من المعاناة الإنسانية لهذه الفئة من اللاجئين. 

وأدى ذلك العدوان علي قطاع غزة إلى نسف جميع الجهود التي بذلتها الحكومة الفلسطينية وباستثمارات فاقت المليار دولار على مدى سنوات عديدة، لتفادي الكارثة التي كانت تحدق بغزة جراء ملوحة وتلوث 97% من مياه الخزان الجوفي، المصدر المائي الوحيد هناك.

ووفقًا للتقارير المحلية والمنظمات الإنسانية، يواجه عشرات الآلاف من النازحين من هذه المخيمات تحديات كبيرة في الحصول على المياه في أماكن نزوحهم، ويعتمدون بشكل رئيسي على المعونات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الدولية.

وزير الري: الوصول إلى الماء بالأراضي المحتلة بقطاع غزة من أبرز التحديات السيسي: الماء حق لكل إنسان ويجب إعلاء قيمة المياه بالأجندة الدولية خطة الطوارئ لقطاع المياه والصرف الصحي 

في ظل هذه الكارثة، تم إعداد خطة عمل طوارئ وخارطة طريق للتعافي من العدوان على قطاع المياه والصرف الصحي في غزة، والتي تهدف إلى إعادة خدمات المياه والصرف الصحي إلى القطاع، واستعادة القدرة على توفير المياه النظيفة للمواطنين، ولكن لتنفيذ هذه الخطة يتطلب من المجتمع الدولي العمل على توفير منصات دفاعية دولية مخصصة للدفاع عن الحقوق المائية للشعب الفلسطيني، والضغط على الاحتلال الإسرائيلي لوقف سياساته التعسفية، وخصوصًا في ظل الجرائم المستمرة التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي في نهب المصادر المائية الفلسطينية وتدمير البنية التحتية الخاصة بالمياه والصرف الصحي تستدعي تحركات عاجلة على جميع الأصعدة بالإضافة إلى التمويل الذي قد يتجاوز الـ1.5 مليار دولار تقريبًا، وذلك فقط للمناطق التي تم حصر الأضرار فيها، ويشمل ذلك محطات معالجة الصرف الصحي، ومحطات تحلية المياه، ومحطات الضخ، والآبار، وخزانات المياه، وخطوط النقل الرئيسية، وشبكات المياه والصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار، ومختبرات الرقابة على المياه، وغير ذلك.

وتتضمن خطة عمل طوارئ وخارطة طريق للتعافي من العدوان على قطاع المياه والصرف الصحي في غزة، إعادة تأهيل محطات المياه والصرف الصحي المتضررة، وزيادة قدرة محطات تحلية المياه، بالإضافة إلى مشاريع إعادة تأهيل شبكات المياه والصرف الصحي في المناطق الأكثر تضررًا.

السلطات الإسرائيلية تسيطر على 75% من مصادر المياه في غزة

وفي السياق ذاته، حذر بيدرو أروجو، المقرر الخاص المعني بحق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي بالأمم المتحدة، من الأزمة الإنسانية الخطيرة التي يعيشها سكان قطاع غزة، مشيرًا إلى أن الوضع يتفاقم بسبب استهداف الاحتلال الإسرائيلي للبنية التحتية للمياه، وأن إسرائيل دمرت أكثر من 1000 بئر مياه و113 من مصادر المياه الفرعية في القطاع، ما أسهم بشكل كبير في تفاقم الأزمة المائية.

وأشار المقرر الأممي في تصريحات له عبر فضائية "القاهرة الإخبارية"، إلى أن السلطات الإسرائيلية تسيطر على 75% من مصادر المياه في غزة، مما دفع السكان إلى الاعتماد على مصادر مياه محدودة وغير آمنة، ما يزيد من معاناتهم، وأن استمرار تدمير مخزونات المياه في القطاع عبر القصف العنيف ساهم في تفاقم الوضع الإنساني، موجهًا أصابع اللوم إلى إسرائيل لتسببها في تفشي هذه الأزمة الحادة.

وفي ختام تصريحاته، طالب أروجو إسرائيل بوقف الهجمات على البنية التحتية للمياه والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وأكد أن ما يحدث في القطاع يشكل إبادة جماعية بحق السكان المدنيين، داعيًا المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل للحد من المعاناة الإنسانية وإنقاذ الوضع المائي في غزة.

بيدرو أروجو ـ المقرر الخاص المعني بحق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي بالأمم المتحدةجرائم الاحتلال الإسرائيلي

وطالب الدكتور زياد الميمي، رئيس سلطة المياه الفلسطيني، المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لوقف استئناف الاحتلال الإسرائيلي لعدوانه المستمر على قطاع غزة، وكذلك الاعتداءات المتواصلة على مخيمات الضفة الغربية، وضرورة إنهاء جميع الانتهاكات التي تهدف إلى قطع الخدمات الأساسية ومنع وصول المساعدات الإنسانية، مؤكدًا على أهمية دعم جهود الحكومة الفلسطينية في توفير مقومات الحياة الأساسية، وعلى رأسها المياه، لضمان صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة التحديات على أرضه.

وقال الميمي، إن يوم المياه العالمي يأتي هذا العام في ظل كارثة إنسانية كبيرة نتيجة استهداف الاحتلال الإسرائيلي لقطاع المياه في فلسطين، حيث عمد الاحتلال إلى قطع المياه عن المواطنين الفلسطينيين بشكل ممنهج، وأن هذا الفعل يمثل نوعًا من الإبادة الجماعية لأكثر من 2 مليون فلسطيني، ويزيد من معاناتهم بشكل غير مسبوق.

وأشار الميمي، إلى أن المجتمع الدولي في الوقت الذي يركز اهتمامه على حل مشكلات مثل "الحفاظ على الأنهار الجليدية"، يجد فلسطين في مواجهة كارثة مائية وصحية تتفاقم بشكل يومي بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر، وذلك يثير عدة تساؤلات حول كيفية معالجة الأزمات المائية الناتجة عن الحروب والصراعات المسلحة التي لا تقل خطورة عن مشكلات تغير المناخ التي يواجهها العالم.

وأكد الميمي، أن المجتمع الدولي يجب أن يولى اهتمامًا أكبر للكوارث المائية والإنسانية الناتجة عن الحروب، خاصة في مناطق مثل فلسطين التي تشهد نزاعات مستمرة، وأن آثار هذه الحروب تصبح أكثر تدميرًا عندما يتعمد الاحتلال الإسرائيلي تدمير الموارد الطبيعية وقطع الخدمات الأساسية عن الفلسطينيين، كما أن جرائم الاحتلال الإسرائيلي المستمرة في نهب المصادر المائية وتدمير البنية التحتية للمياه قد أفضت إلى أوضاع إنسانية مأساوية، وأكد أن هذه الجرائم تحتاج إلى تحركات عاجلة على الصعيد الدولي، ودعوة لمنصات دولية متخصصة للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في المياه ووقف الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال بحقهم.

وقال الميمي، إن العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، بالإضافة إلى توسيع الاقتحامات العسكرية في مخيمات الضفة الغربية، قد أدى إلى تفاقم المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة، وأن هذه الممارسات الإسرائيلية قد تسببت في أضرار كبيرة لقطاع المياه والصرف الصحي، مما يهدد حياة المواطنين الفلسطينيين بشكل حاد.

وطالب رئيس سلطة المياه الفلسطيني، المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه هذه الأزمة الإنسانية المتفاقمة، مشددة على ضرورة اتخاذ إجراءات فورية لوقف العدوان الإسرائيلي، ودعا إلى تأمين إدخال المساعدات الإنسانية الأساسية، بما في ذلك توفير المياه والكهرباء والوقود إلى قطاع غزة، التي يعاني فيها السكان من نقص حاد في تلك الموارد الأساسية.

وشدد رئيس سلطة المياه الفلسطيني، على ضرورة توفير الحماية الدولية العاجلة للشعب الفلسطيني في جميع المناطق، بما في ذلك قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، وأن توفير الحماية هو واجب أساسي لحماية المدنيين الفلسطينيين في ظل الظروف القاسية التي يواجهونها، مشددة على أهمية أن يتحمل المجتمع الدولي مسئولياته لحماية حقوق الإنسان الفلسطيني.

وأشار رئيس سلطة المياه الفلسطيني، إلى أنه يجب على المجتمع الدولي إلزام إسرائيل باحترام القوانين والمعاهدات الدولية، وخاصة تلك المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق المياه، وتطبيق القوانين والاتفاقيات الدولية الخاصة بالمياه، وتفعيل آليات المساءلة والمحاسبة الدولية، مشيرًا إلى أن تدمير البنية التحتية لأنظمة المياه والصرف الصحي يعد جريمة حرب وفقًا للقوانين الدولية.

الدكتور زياد الميمي ـ رئيس سلطة المياه الفلسطيني 1000066590

مقالات مشابهة

  • تحذيرات أممية من انعدام الغذاء في غزة بالتزامن مع جرائم الاحتلال الوحشية
  • رئيس "دعم حقوق الفلسطينيين": القضاء الإسرائيلي يشرعن جرائم الاحتلال
  • رئيس دعم حقوق الفلسطينيين: القضاء الإسرائيلي يشرعن جرائم الاحتلال
  • إعلام فلسطيني: شهيدان ومصابون بقصف الاحتلال منزلا في بلدة الفخاري بخان يونس
  • ارتفاع عدد شهداء قصف الاحتلال منزلًا في بيت لاهيا إلى 11 فلسطينيًا
  • الاحتلال الإسرائيلي يفرض سياسة العطش على أهالي غزة.. ورئيس سلطة المياه: نواجه كارثة مائية وإبادة جماعية لـ2 مليون فلسطيني
  • منذ استئناف الإبادة الجماعية.. المرصد الأورومتوسطي:326 فلسطينيا تقتلهم وتصيبهم إسرائيل يوميا في غزة
  • القصف والهدم والاستيطان والضم.. (البلاد)ترصد: الاحتلال يبدأ تهجير الفلسطينيين تحت ستار العمل في الخارج
  • المرصد الأورومتوسطي: العدو الصهيوني يقتل أكثر من 103 فلسطينيين كل 24 ساعة
  • أسوشيتد برس: إسرائيل تغيّر أماكن تعذيب الأسرى الفلسطينيين