تغريد بومرعي تكتب: فيلم «الرجل الذي باع ظهره» الجسد تذكرة عبور المهاجر
تاريخ النشر: 2nd, August 2023 GMT
أخبار متعلقة
«ملتقي القاهرة السينمائي».. يسري نصر الله ينافس بـ«أسطورة زينب ونوح» وكوثر بن هنية بـ«بنات ألفة»
«صندوق سند» يمنح التونسية كوثر بن هنية 41 ألف درهم لـ«زينب تكره الثلج»
تسافر بنا الكاتبة والمخرجة التونسية كوثر بن هنية فى فيلمها الجديد «الرجل الذى باع ظهره» نحو عالم من السوريالية الممزوج بتراجيديا نعيشها يومياً فى عالمنا العربى، حيث تطرح فكرة معاناة الشباب فى هجرتهم اللااختيارية.
تغريد بومرعى
تبدأ أحداث الفيلم عندما يهرب سام على من وطنه سوريا إلى لبنان، ويتعرض سام للتوقيف الاعتباطى، ثم يلتقى برسام بلجيكى يعقد معه صفقة تقضى بأن يوشم ظهره بتأشيرة «شينجن»، ويعرضه كلوحة أمام الجمهور، ثم يبيعه فى الفضاءات الفنية، لقاء تحقيق حلمه بالسفر إلى حبيبته «عبير».
لقد استوحت الكاتبة والمخرجة بن هنية فيلمها من أعمال الفنان البلجيكى المعاصر «ويم ديلفوى» المحملة بالرسائل والدلالات، حيث تجسد معاناة اللاجئين ومبدأ حرية التنقل، لا سيما اللاجئين الذين ينتمون للعالم الثالث، وتستعرض الكيفية التى يُجرّد من خلالها من صفته الإنسانية، حيث لم يولد فى الجهة المناسبة من العالم، مما يفقده روحه وحريته فى ظل ظروف قاهرة، قد تجعل من أى شخص الموافقة على عقد أى عمل أو قبول أى عرض، ولو على حساب كرامته وإنسانيته.
الفيلم يأخذ المشاهد فى لحظات إنسانية قاسية عندما تواجه الشخصية صراعاً ذاتياً، يعيش داخل دوامة وجوده وتجربته الحياتية، وقد ورث حالة عدم المساواة تحت سلطة دكتاتورية.
فيلم الرجل الذى باع ظهره
وتتجسد هذه المشاهد وبشكل مؤلم لحظة وقوف البطل سام على أمام الآخرين فى المعارض والمزادات العالمية، باعتباره «لوحة»، وليس فردا بشريا فقد روحه وحريته بحثا عن مخرج نجاة، ستكون مشروطة بـ «النقص» فى سبيل الحصول على حياة أفضل.
وشاء القدر أن يلقى العمل الفنى المرسوم على ظهر سام نجاحاً كبيراً، ترجمته المبالغ الخيالية التى وفرتها مزادات السوق. وبالرغم من النجاح يواجه البطل المقايضة الإجحافية بالتنازل عن ثلث إيرادات مبيعاته، وفى هذا فلسفة تأملية لمغزى رمزى آخر فى الفيلم!!، وبين تفاصيل المقايضة، هناك بعض الرسائل المبطنة حول البضائع التى يمكنها أن تنتقل بحرية فى العالم، ولكن ليس هذا المسجون بين جدران جسده أن يتجاوز واقعه الذى سجن فيه.
أحداث الفيلم كثيرة، وفِى كل حدث هناك فكرة شديدة الأثر عظيمة التأمل. وثمة فكرة تدور حول ثيمة الرجل الذى باع نفسه للشيطان، وهى فكرة مأخوذة من مأساة الدكتور فوستس فى مسرحية تراجيدية إليزابيثية بقلم كريستوفر مارلو، حيث يعطى بطل تلك المأساة روحه لأبليس كثمن مقابل تلك الحياة. وهكذا هو حال بطل الكاتبة والمخرجة التونسية كوثر بن هنية الذى أعطى جسده مقابل حرية التنقل التى يعانى منها كل اللاجئين وغيرهم من الذين ينتمون للعالم الثالث. وإذا تطرقنا لهذا المشهد من زاوية أخرى، لوجدناه شبيهاً بمأساة (الموديل)، أو الجسد الذى يتعرى كى يأكل أو كالمثل الفصيح القديم «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها». فالفكرة الدرامية واحدة والتناول مختلف وهى البيع والشراء، وبئس البائع وبئس المشترى.
سام على باع ظهره بالمعنى الحرفى، والمفارقة أنه أصبح جزءا من عالم الفن، حيث كشف جلدته، كما فضح المعتقدات الشخصية والداخلية فى ثلاثية معروضة بشكل متعمد أمام المؤسسات التى تسيطر وتتحكم بالعالم، سواء من خلال الفن أو من خلال أى شىء آخر(مشتر، متحف، ناقد).
فالفيلم يصور هذا الإنسان المتهالك تحت وطأة اللجوء والاستغلال، حين يبيع جلدة مستهلكة، سوف تختفى من الوجود يوما، وتخسر كل قيمتها المادية والمعنوية.
وعادة نتأمل رسومات على خشب أو خزف أو طين أو قماش، إما أن يغدو الجسد جدارا أو معرضا أو مرسما أو لوحة، بل ومشهدا سينمائيا من أجل أن يعبر إلى الحياة، هى قمة المعاناة، هى غربة إلى اللامكان حيث حوصرت المساحات فلم يبقَ مساحة لاحتلالها واستعبادها سوى جسد بشرى، ظهر رجل، شاشة استعراض، كما فى رواية «بريد الليل» للروائية اللبنانية «هدى بركات» الحائزة على جائزة البوكر عام 2019، والتى تحكى عن معاناة اللاجئين السوريين وهم يهاجرون إلى اللامكان.
* شاعرة ومترجمة لبنانية
الكاتبة والمخرجة التونسية كوثر بن هنية كوثر بن هنية فيلم الرجل الذى باع ظهرهالمصدر: المصري اليوم
كلمات دلالية: زي النهاردة شكاوى المواطنين زي النهاردة سام على
إقرأ أيضاً:
نجاة عبد الرحمن تكتب: التوحد
كثيرون يعتقدون أن التوحد إعاقة ذهنية، يجهلون انه ليس مرضا بل اضطرابا عصبيا يصيب الجهاز العصبي خلال سنوات النمو الأولي للطفل، و للبنين النصيب الأكبر من تلك الإصابات، و مازال يعجز العلم حتى الآن عن اكتشاف سبب ذلك الاضطراب العصبي الذي بنفسم إلى ثلاث مستويات :
المستوى الأول يطلق عليه متلازمة اسبرجر، وأصحاب ذلك المستوى تكون درجة ذكائهم حادة للغاية و يتقنون الحفظ بكافة أشكاله، لكنهم يفتقدون التفاعل الاجتماعي و انعدام المهارات الحياتية، بشكل اشبه بالروبوت الآلي الذي يتم تحريكه بالريموت كنترول.
المستوى الثاني: يواجه طفل التوحد ذات الدرجة المتوسطة صعوبة كبرى مع البيئة المحيطة في التواصل فيقتصر حديثه على عبارات بسيطة، كما ينخرط في سلوكيات متكررة، ويحتاج إلى رعاية ودعم نفسي و اجتماعي كبير.
المستوى الثالث: هو أشد درجات التوحد وفيه يحتاج الطفل إلى رعاية متكاملة شاملة، لما يعانيه أصحاب ذلك المستوي من صعوبة شديدة في التواصل، وعدم القدرة على التحدث بوضوح بل يصدر أصوات همهمات و زائير يشبه زائير الأسد، ونادرًا ما يتفاعل مع الآخرين، كما تظهر عليه الأعراض السلوكية بصورة أكثر حدة، خاصة تجاه نفسه حيث يميل لإيذاء نفسه بعض كلتا اليدين و ضرب الرأس في جسم صلب عند التعبير عن الغضب أو الفرح لعدم تلقيه لغة تعبير أخرى.
و مؤخرا أصبح التوحد يصيب الأطفال في سن العاشرة بسبب التعمق في استخدام السوشيال ميديا و الانغلاق و الانعزال التام بعيدا عن جو الأسرة.
نصائح للتعايش مع التوحد و تعد خلاصة تجربتي و دراستي مع أصحاب اضطراب طيف التوحد.
توجد بعض الإجراءات التي يمكن للوالدين القيام بها التي تقدم الدعم والرعاية للطفل المصاب، وتتضمن هذه الإجراءات ما يلي:
التركيز على الإيجابيات: يستجيب صاحب اضطراب طيف التوحد للتعزيز الإيجابي، مثل المكافآت وتقديم الهدايا عند القيام بسلوك جيد، ويساعد مدح الطفل على زيادة شعوره بالرضا.
الحفاظ على روتين محدد: يفضل اصحاب اضطراب طيف التوحد الروتين وعدم التغيير؛ لذا يفضل الالتزام بروتين محدد ليسهل على الطفل تطبيق ما تعلمه.
اللعب: تساعد مشاركة الأنشطة واللعب مع الطفل في تحسين مهارات التواصل.
منح الطفل الوقت اللازم للاستجابة: قد يحتاج الطفل تجربة عدة طرق علاجية لاكتشاف الطريقة المناسبة له؛ لذا ينبغي على الأهل التحلي بالصبر وعدم الاستسلام إذا لم يستجب الطفل لأسلوب علاجي معين.
اصطحاب الطفل خارج المنزل: يساهم اصطحاب الطفل عند الخروج من المنزل أثناء القيام بالمهام اليومية، مثل التسوق في اندماج الطفل مع العالم الخارجي.
تمت دعوتي كضيف متحدث في عدد من الندوات حول التوحد خلال الأيام الماضية، وجدت أنه أصبح هناك اهتماما كبيرا من الدولة و المجتمع تجاه البحث و المعرفة حول التوحد و كيفية التعايش معه، و كانت من اكثر الندوات ثراءً ثلاث ندوات الأولي بمؤسسة إيزيس للخدمات الاجتماعية لدعم و تدريب و تعليم و تأهيل و توظيف ذوي القدرات الخاصة بالتعاون مع الجمعية المصرية العلمية للعلاج التنفسي التي يرأسها أ.د محيي الدين عبد الظاهر خليفه، ثم ندوة تم تنظيمها بالمجلس الأعلى للثقافة دعاني لها آ.د عماد محجوب أستاذ و رئيس قسم علم النفس بجامعة القاهرة و أستاذ علم التفس الإكلينيكي فئات خاصة، ثم ندوة بحزب حماة وطن أمانة شرق القاهرة دعاني لها د. جمال حمدان أحد قيادات الحزب.
سعدت كثيرا بالندوات الثلاث و الحفاوة بأصحاب اضطراب طيف التوحد و مدى حرص و اهتمام الحضور بمعرفة كل تفصيله تتعلق بأولادنا من اصحاب اضطراب طيف التوحد، و لكن ما أثار إستيائي ما صدر عن أحد الأساتذة دكتور جامعي ربما كان رئيسا لجامعة عريقة ذات يوم عندما قال " ربنا خلق المعاقين ليه؟ علشان أهاليهم تتعذب بيهم؟ ! هذه كانت كلمته خلال الندوة.
لا أنكر أنني لم أندهش لان كثيرا ما أسمع ذلك من الجهلاء و عديمي الثقافة و المعرفة و مسطحي الفكر و الأميين، و لكنني صعقت عندما سمعته من قامه كبيرة و قدوة عليها واجب تجاه المجتمع و يجب عليها تثقيفه و توعيته و ليس العكس.
الذي صدر عن ذلك الأستاذ هو نتاج جهل مجتمعي تجاه أولادنا من ذوي القدرات الخاصة.
بالرغم من الطفرة العلمية و التقدم و اهتمام الدولة المصرية بذلك الملف إلا إنه مازال هناك تقصيرا كبيرا تجاه توعية المجتمع و تثقيفه بأهمية الاهتمام بأولادنا من ذوي القدرات الخاصة، الأزهر الشريف يجب أن يتدخل بسلسلة ندوات إرشاديه حول الصبر على أولادنا و حسن التعامل معهم و فضل ذلك عند رب العالمين.
و لا أنكر التقصير الصحفي و الإعلامي تجاه ذلك الملف الهام، فلا يعقل أن تنتفض الدولة المصرية من أجل حقوق هؤلاء الأبناء و في الوقت ذاته يتجاهل الإعلام و الأزهر حملات التوعية و التثقيف.
و هنا يجب أن أنوه لفضل وجود ملاك في بيتنا انه منحه من الله و ليس محنة، منحة اختارنا الله حتى ندخل بها الجنة دون عناء.
ليس كل متعلم مثقف و ليس كل جاهل أعمى، المقصود بالأعمى هو أعمى البصيرة و الفطنة و الثقافة و القناعة و الصبر على أولادنا، كم من أم غير متعلمة بل أمية تحسن إلى أولادها من ذوي القدرات الخاصة، و خير مثال أحب أن أحدثكم عنه هي " ماما زوزو " تلك المرأة الحديدية الصبورة الحنونة، التي تجاوزت السبعين عاما و كان قد رزقها الله بأبن معاقً ذهنيا صبرت عليه و كبرته و رعته خير رعاية ثم زوجته من فتاة من نفس ظروفه لترزق بثلاث أبناء معاقين ذهنيا تقوم على رعايتهم جميعا تلك البطلة " ماما زوزو " النموذج الذي استمد منه قوتي و أدعو القادرين و أصحاب القلوب الرحيمة لتقديم المساعدة لتلك المرأة الحديدية بتوفير مسكّن آدمي لها و لأحفادها و ابنها و زوجته المعاقين ذهنيا حيث أنهم يعيشون في غرفة متواضعة ذات سقف من الخوص و بقايا الكرتون و الخشب بحمام مشترك مع الجيران، و دعمها ماديا و تحقيق أمنيتها بزيارة بيت الله الحرام.