نتسم في عُمان بالسماحة حاضرًا وتاريخًا، فقد تشربنا توجيه المأثور الإسلامي: «الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق». وهذه السماحة تعززت وقويت لدينا بفضل القيادة السياسية الحكيمة التي عدت التطرف نباتات سامة لا تقبلها التربة العُمانية الطيبة، فعملت وتعمل جاهدة عبر القوانين والخطب والمراسيم السلطانية على نبذ التطرف والتشدد، وتأصيل خط السماحة، وأضحت السماحة سمةً عُمانيةً مميزةً.
أصبحت سلطنة عمان بلدًا يرتاح فيه الغريب، ولا يشعر بأي غربة أو نبذ أو ترفع أو تكبر عن التعامل معه، ونستشعر مدى حبه لمفردة «صديق» التي يستخدمها الشباب العُماني معه مهما كانت مهنته ضعيفة، ونرى امتنانه لهذه المفردة التي تشعره بمدى السماحة والقبول والانفتاح والأريحية.
لو نظرنا إلى أصل المجتمعات الإنسانية لوجدنا أن وجدان وفطرة الإنسان بشكل عام تميل إلى السماحة والانفتاح، وأتت القيم الدينية لتعزز هذه السماحة الفطرية، وترسخها في النفوس على مدى تاريخ الأديان الإلهية.
ومع قيام المنظمات الدولية أصبح الأمر توجهًا إنسانيًا عامًا يتناسب مع فطرة ووجدان البشر في كل مكان.
لكن عندما نرى ونشاهد قومية ينادي كبار علمائها بأن «لا تُحيي كل نفس»، ويُشدد أن الأمر مستمد من التوراة، فندرك أنه تحريف بشري نال هذا الكتاب المقدس، فهو الرب الإله تعالى اسمه نفسه الذي أنزل التوراة والإنجيل والقرآن الكريم، ولا يمكن أن تتعارض تعاليمه في الكتب المقدسة التي أنزلها، فبعضها يكمل بعضها الآخر ويتماهى معه.إن «لا تُحيي كل نفس» حسب خاماتهم لا تقتصر على إبادة شباب ورجال غزة وفلسطين فقط، وإنما الأطفال والنساء والحوامل والأجنة وكبار السن والعجزة كما نشهد يوميًا في غزة.
بل وكل نفس إنسانية على الكرة الأرضية، هي فقط مسألة وقت ودور، لتدور الكأس على العالم العربي القريب منه، ثم على كل نفس بشرية، فلا يبقى على الأرض إلا رواد وأصحاب هذا الفكر الصهيوني الأعوج.
فهل ضاقت الكرة الأرضية عن استيعاب البشر وإطعامهم حتى يسارع هذا الفكر المنحرف إلى إنهاء وإلغاء الآخر الذي لا يشبهه، فكر منحرف كبر وتعشش على مر التاريخ في صدور قوم اتبعوا الضلال وشياطينه، فما أخطره من فكر على الإنسانية! وما أخطره من علو لهذا الفكر المنحرف إذا استقوى وسيطر وساد !
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: کل نفس
إقرأ أيضاً:
قراءة في الفكر الاستراتيجي لليهود.. أحدث إصدارات هيئة الكتاب للواء محمد الغباري
أصدرت وزارة الثقافة، من خلال الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، كتاب «قراءة في الفكر الاستراتيجي لليهود من كتبهم المقدسة لإقامة الدولة اليهودية» للواء الدكتور محمد الغباري.
يتناول هذا الكتاب دراسة الفكر الاستراتيجي اليهودي من خلال النصوص الدينية اليهودية، مثل التوراة والتلمود، ويوضح كيف تم استخدامها كإطار أيديولوجي لتحقيق الأهداف الصهيونية وإنشاء دولة إسرائيل. يسعى المؤلف إلى تحليل المبادئ الدينية التي اعتمد عليها اليهود عبر التاريخ في بناء مشروعهم، ومدى تأثيرها على السياسات الإسرائيلية الحديثة.
يدور الكتاب حول عدة محاور اساسية، منها الأسس الدينية والتاريخية للفكر الصهيوني حيث يوضح كيف استند المشروع الصهيوني إلى مفاهيم دينية مثل "شعب الله المختار" و"أرض الميعاد"، ويناقش كيف تم توظيف النصوص الدينية لتبرير احتلال فلسطين وتهجير سكانها.
أما المحور الثاني التخطيط الاستراتيجي لإنشاء الدولة الصهيونية، ويتطرق إلى الأدوار التي لعبها رجال الدين والمفكرون اليهود في تشكيل الوعي القومي اليهودي عبر العصور، ويوضح الكتاب كيف تم توظيف التعاليم الدينية لدعم مشروع الاستيطان والتوسع.
أيضا دور التوراة والتلمود في صياغة العقلية الصهيونية، ويناقش الكتاب كيف استُخدمت هذه الكتب في ترسيخ مفاهيم مثل الهيمنة الدينية، والتوسع الجغرافي، وإقامة الدولة اليهودية على حساب الشعوب الأخرى، ويوضح كيفية تبرير العنف والاستيطان والتمييز العنصري من خلال تفسير معين للنصوص الدينية.
وكذلك التطبيقات السياسية والعسكرية للفكر الصهيوني، حيث يرصد الكتاب السياسات الإسرائيلية الحديثة من منظور الفكر الديني الصهيوني، ويدرس مراحل الحروب الإسرائيلية والتوسع الاستيطاني في إطار العقيدة اليهودية.
وانعكاسات الفكر الاستراتيجي اليهودي على الصراع العربي الإسرائيلي، حيث يوضح كيف أثر الفكر الديني اليهودي على سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين والعرب، ويتناول العلاقة بين الديانة اليهودية والتوجهات السياسية والعسكرية للدولة الصهيونية.
يقدم الكتاب رؤية تحليلية عميقة لكيفية استخدام النصوص الدينية في تشكيل الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، مما يجعله مرجعًا هامًا لفهم طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي من منظور أيديولوجي، ويساعد الكتاب القارئ على إدراك الدوافع الفكرية والعقائدية التي توجه السياسات الصهيونية، ما يسهم في فهم أعمق للقضية الفلسطينية.
يقدم اللواء محمد الغباري في هذا الكتاب دراسة متعمقة حول الفكر الاستراتيجي اليهودي، معتمدًا على النصوص الدينية، ومبينًا كيفية تطويعها لخدمة الأهداف الصهيونية.
الكتاب يمثل إضافة مهمة لفهم جذور الصراع في المنطقة، ويكشف عن البعد الديني الذي لعب دورًا رئيسيًا في إقامة الدولة الصهيونية.