#بينيات
#مصعب_البدور
سيول الحياة وفيضاناتها تخلق كهوفا في كل مكان وتخيط جيوبا، وسرعان ما تعلو أصوات الأحداث المتجمعة في جيوب الحياة، وتنشب تجمعات والتجاذبات، فبين فوارق الأعمار ومسافات الاهتمامات، واختلاف نقاط الجذب ترتسم طرق العائلة.
البينيّات دوما صعبة، فأن تنفرد من بين تسعة بالتوسط بين بنتين، ثم أن تنفرد بطول المسافة بين الشقيقين الأقرب من حيث العمر، فهذه بينية ثانية، وأن تسير مرافقا أحلام اليقظة بين شقيقين أحدهما يتقن فن العلاقات وبنائها بلحظات، والآخر يتقن فن الاستفزاز اللامتناهي، أحدهم يتعرف إلى الشجر والجر، والآخر يستفز الحضر والمدر.
وأنت عابث عالق في غلاف كتب عليه “عزازيل” يمرّ الناس دونك وصوت الترحاب من جهة وصوت التوتر من جهة أخرى، فهذه بينيّة من حالة خاصة.
والبينية الثقيلة أن تتوسط عائلة تحترف فن الهزل والضحك في كواليس الحياة من كنف وتترأس فن الجد على خشبة مسرحها، وأنت غارق في الحياد لا تتقن السباحة في الهزل، ولا تملك جسارة الوقوف على مسرح الجد.
أما البينية المحرجة أن تقع في بيئة حديثها في الطرف الأيمن عن النظرية النسبية وفي الأيسر حديث عن الثقوب السوداء، وأنت غاية نهاية الفيزياء عندك تتلخص في قانون السرعة = المسافة على الزمن.
والبينية غير الواضحة أن يكون أصدقاء أشقائك مهنيين (أطباء ومهندسين) أو أكاديميين وأن يكون أصدقاؤك شعبيين مِن صنّاع وحرفيين.
كان ما يخرجني من جو البينيات جولة الليل مع أحد اثنين منيف ملك العلاقات، أو أحمد ملك الاستفزاز لا تستغربوا لو قلت لكم إنني كنت أخرج معهما لأتعلم بعض المهارات التي ربما تخرجني من بينيتي، وكأنني أخط في تلك الروح لا بد أن تتلمذ على يدي أحدهما إما أن تنفتح على العلاقات أو تحترف الاستفزاز.
شكلت الحياة لي الجيب الثاني برفقتي للاثنين، في نهاية المطاف تعلمت أن أحن إلى رفقتهم وأحاديثهم وجولة المشي في شوارع القرية ليلا أو بعيد الفجر،
والحنين إلى سندويشة البطاطا مع منيف في الضيعة آخر الليل، وإلى المشاريع الاستثنائية والحوارات الفيزيائية من أحمد، وتعلمت أن البينية هي العلامة الفارقة التي شكلت خطوط الرحلة لدي.
#مذكرات_طفل_في_الأربعين.
#ناي_الحياة
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً: