الشهيد محمد صديق.. الفداء لم يخن
تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT
ارتقى الملازم أول معاش، محمد صديق، شهيداً، مرفوع الرأس، أراد الله له الشموخ في حياته وعند مماته. ولعمري هذا مقام عليٌّ.
رأيته أول مرة؛ في الأيام الأولى لاعتصام ميدان القيادة.. كان فارساً نبيلاً مِقداماً، حمى المعتصمين حينها من الغدر، يحثهم على الثبات.
حينما كان الشهيد محمد صديق أيقونة للثورة؛ يقف تحت نفق الجامعة، رافضاً سحب قوته من ميدان الاعتصام؛ ويقول لأحد كبار الضباط (مخالف سعادتك.
وحينما اعتلى حميدتي بانتهازيته الفطرية؛ مقاليد السلطة نائباً لرئيس المجلس العسكري ومن بعدها نائباً لرئيس مجلس السيادة، يتلقّى التحية العسكرية من كبار الضباط، والمداهنة من السياسيين، كان الشهيد محمد صديق، على رأس قائمة الضباط الذين يتم تسريحهم من الجيش، في عز ريعان شبابه، ثمناً لذوده ودفاعه عن الشعب، الذي أدى القسم في الكلية الحربية على حمايته.. ولأن أمثاله يجب أن لا يكونوا في مؤسسة الجيش السوداني، الذي يسعى حميدتي وبعض الخونة من الضباط لتحطيمه وتركيعه وفقاً لمخططات إقليمية.
وعندما اندلع تمرد مليشيا الدعم السريع، وعلى قيادتها كبار من ضباط الجيش، اللواء عثمان عمليات وآخرون، لم يتردد بطل الفداء محمد صديق ولم يتلجلج، قدم نفسه لإحدى الفرق، وتم رفضه. هل اكتفى بذلك وقال أنا عملت العلي!. لا، وألف لا، حمل أب ضراعاً أخضر كلاشه والتحق بالمستنفرين في المقاومة الشعبية، عندها كانت المليشيا تهدد باجتياح شندي، وأقسم أب ضراع؛ اليمين، أنه سيذهب في أثر المليشيا إلى الجيلي، ولن يسمح لها بتدنيس شندي. وبر البطل بيمينه ولم يحنث به، فقسمه ليس قسماً غموساً مثل الغدار ولد دقلو – الذي يلحس اليمين الغموس كما يلحس أموال السودان والناس بالباطل – بل قسم ويمين راجل ود رجال تربى على حب الوطن مدافعاً عن أرضه وشعبه وعرضه. والآخر الغدار ولد دقلو، عَلَا في الأرض، كما فرعون، سفاحاً قاطع طريق همباتي شفشاف، يستضعف أهل السودان يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين.
رحل محمد صديق واقفاً كالنخيل، بعد أن نفد رصاص بندقيته، لم يجبن أو يجري ويرتعد أمام لصوص مليشيا الغدر.. ولكأنه يغني: (أخواتي البنات الجري دا ما حقي حقي المشنقة والمدفع الثكلي وحالف باليمن أعز بنات أهلي).
لقد أعز الله محمد، وأعز أهله، إذ اصطفاه شهيداً، مخلداً اسمه بأحرف من نور على جدار التاريخ، بطلاً أسطورياً تحكي عنه القصص والروايات لمئات السنين.
الشهيد محمد صديق، هو المثال الرائع في مخيلة الناس عن الجيش والمفترض أن يكون عليه، فداء وتضحية ونبلاء وفراسة، هو (العسكري أب قلباً حار ما بدور الحقارة وفي عيونه شرارة، وبنصر الغلابى).
وكما قال لي الأخ محمد فاروق (محمد صديق، من ناحية هو توضيح لنظرة المواطنين دائماً للجيش، إنه قابلٌ للإصلاح، ومن ناحية ثانية يوضح مدى استحالة إصلاح الدعم السريع).
رحم الله محمد صديق برحمته التي وسعت كل شيء.. سيظل شامة وهامة وعلامة في جبين الوطن، رمزاً للشجاعة والإقدام والتضحية، ولما يجب أن يكون عليه الجندي..
نحن جند الله جند الوطن
إن دعا داعي الفداء لم نخن
نتحدّى الموت عند المحن
نشتري المجد بأغلى ثمن
هذه الأرض لنا
فليعش سوداننا عَلَمَاً بين الأمم
يا بني السودان هذا رمزكم
يحمل العبء ويحمي أرضكم
عطاف محمد
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الشهید محمد صدیق
إقرأ أيضاً:
الشهيد الصماد .. الخالد في القلوب
في الثالث من شعبان من العام ١٤٣٩هجرية، الموافق التاسع عشر من إبريل من العام ٢٠١٨ ميلادية، شهد اليمن فاجعة كبرى، وحدثا جللا، بكل المقاييس وعلى مختلف المستويات، في ظل ظروف بالغة الخطورة والتعقيد يعيشها الوطن، حيث أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على استهداف سيارة الرئيس صالح علي الصماد ومرافقيه أثناء مرورها بشارع الخمسين بمدينة الحديدة بواسطة طائرة مسيَّرة من طراز إم كيو ناين، حيث ارتقى الرئيس الصماد شهيدا في سبيل الله مع مرافقيه، وهو الخبر الذي نزل على اليمنيين كالصاعقة عند الإعلان عنه مساء الإثنين عقب اجتماع استثنائي لمجلس الدفاع الوطني .
حيث كان الشهيد الرئيس صالح الصماد -رضوان الله عليه- يتحرك بشكل مكثف في تلكم الفترة لتسخير الطاقات وحشد الحشود للدفاع عن الحديدة، ومواجهة قوى العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي التي كانت ترعد وتزبد وتتهدد وتتوعد حينها بالزحف على الحديدة واحتلالها، حيث تعامل -رضوان الله عليه- مع تلكم التهديدات بمسؤولية وجدية، وبدأ عملية الإعداد والتجهيز بالتنسيق مع القيادة الثورية ومختلف مؤسسات وأجهزة الدولة لمواجهة أي حماقات قد يقوم بها أو يقدم عليها الأعداء تجاه الحديدة، والتي تمثل الشريان الوحيد المتبقي لليمن واليمنيين في المحافظات اليمنية الحرة في ظل الحصار المطبق على الموانئ والمنافذ البرية والبحرية والجوية .
واليوم تحل علينا الذكرى السنوية السابعة لاستشهاده، وما يزال الحزن يستوطن سويداء قلوب كل اليمنيين، سبع سنوات مرت على استشهاد رجل المسؤولية عن جدارة واستحقاق الشهيد الرئيس صالح علي الصماد -رضوان الله عليه-، سبع سنوات على الحزن الذي لن ينسى والجرح الذي لن يندمل، سبع سنوات على رحيل الزعيم الفذ، والقائد المحنك، والمثقف الحصيف، والمتحدث البليغ، والوطني الغيور، والمسؤول القدوة، والسياسي البارع، والمحاور المقنع، والمجاهد المقدام، والفارس الهمام، والرئيس الإنسان الذي حمل روحه على راحتيه، وتعامل مع المنصب باعتباره مسؤولية ومغرما لا مغنم، وظل متلمسا هموم ومعاناة الشعب حتى اصطفاه الله شهيدا، وأتذكر هنا موقفه من أزمة الغاز التي كانت مستعرة في البلاد، حيث التقى بكبار تجار الغاز وتناقش معهم حول الموضوع واستمع إلى شكاواهم وأبدى تفهمه بشأنها، وعلى إثر ذلك وجه السلطات المختصة بإلغاء رسوم الجمارك والتحسين على الغاز، مقابل إلتزام تجار الغاز بإنهاء الأزمة وتوفير الغاز في السوق المحلية لتصل الأسطوانة للمواطن بثلاثة آلاف ريال، بعد أن وصل سعرها في السوق السوداء إلى ما يقارب العشرين ألفا، والكثير الكثير من المواقف التي لا يتسع الوقت للحديث عنها.
وفي مناسبة كهذه يبرز الوفاء الرسمي والشعبي اليمني لهذا القائد الاستثنائي الذي يمثل تاريخا عريقا محفورا في ذاكرة كل اليمنيين، من خلال تلكم الفعاليات الرسمية والشعبية، التي تستعرض مناقبه ومآثره الخالدة وسيرته الحسنة، التي منحته محبة الناس، والتي نستلهم منها تلكم القيم الإيمانية السامية، والسجايا والأخلاق والخصال الحميدة التي كان يتحلى بها، والروح الجهادية المزدانة بقوة الإيمان والإرادة، وصلابة المواقف، والشجاعة والإقدام ورباطة الجأش والتي كانت تسكن داخله ومتجذرة في أعماقه، والتي عرف بها منذ بداية إنطلاقته الجهادية من شعب مران إلى دخوله القصر الجمهوري رئيسا للجمهورية اليمنية .
لقد أراد الأعداء باستهدافهم الشهيد الرئيس صالح علي الصماد وأد مشروعه الرائد الخاص ببناء الدولة المدنية اليمنية الحديثة، وظنوا بأن اغتيالهم له سيحقق لهم هذه الغاية، ولكنهم فتحوا على أنفسهم أبواب جهنم، فقد تحول السواد الأعظم من اليمنيين الشرفاء إلى براكين ثائرة ضدهم، وشكلت دماء الشهيد الرئيس ورفاقه وقودا ملهمة لهم لمواصلة المسار الوطني الجهادي التنموي الذي سار عليه، وشاهدنا بأم أعيننا تلكم الفتوحات والانتصارات الكبرى التي تحققت، والتحولات النوعية التي شهدها الوطن وخصوصا ما يتعلق بجانب البناء والتنمية، والدفاع عن الوطن، كترجمة عملية لمشروعه (يد تبني ويد تحمي)، وشاهدنا الشهيد الصماد وهو يرعب الأعداء من الجو من خلال طائرات صماد المسيَّرة بأنواعها المختلفة، ومن خلال الصواريخ البالستية والمجنحة والفرط صوتية التي توعد بها قوى العدوان في كلمته بمناسبة الذكرى الثالثة لليوم الوطني للصمود، وما يزال وسيظل يرعبهم وهم يشاهدون ضريحه ورفاقه بميدان السبعين قد تحول إلى مزار لكل الأحرار والحرائر من مختلف المحافظات اليمنية، الذين يأتون للسلام عليه، وقراءة الفاتحة على روحه الطاهرة ورفاقه، والتقاط الصور الفوتوغرافية المعبرة عن الفخر والاعتزاز بهذا القائد الفذ.
وهنا ينبغي الإشارة إلى أن الشهيد الرئيس صالح علي الصماد -رضوان الله عليه- وإن غادرنا جسدا، فإن روحه لا تزال تلازمنا وتحضر معنا وتشاركنا في كل اللحظات، نستلهم منها الشموخ والإباء والتضحية والفداء، وحسن السيرة والاقتداء، وصدق الولاء والانتماء .
لروحك الطاهرة الخلود في أعلى عليين يا أبا الفضل، ما نسيناك ولن ننساك، مهما تعاقبت الأيام والشهور والسنوات، ستظل أيقونة للنصر، وعنوانا للوفاء، ورمزا للشجاعة والبطولة والإقدام.