“ثروة مهددة بالضياع إلى الأبد”.. عدم تجاوب حكومي بشأن استعادة آثار اليمن المنهوبة
تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT
الجديد برس:
أكد الخبير وباحث الآثار اليمني عبدالله محسن عدم تجاوب الحكومة اليمنية الموالية للتحالف السعودي الإماراتي بشأن استعادة آثار اليمن المنهوبة والمهربة إلى الخارج وعجزها عن استقدام بعض القطع الأثرية من المتبرعين الأجانب وورثتهم، جراء عدم قدرتها على تمويل النقل والتأمين، كاشفاً في الوقت نفسه عن تفاصيل ملفين وصفهما بالهامين لقطع يمنية ثمينة في “سويسرا” و”إسرائيل”.
وقال محسن في منشور على حسابه بموقع “فيسبوك”، تحت عنوان (إنكار عبري وتأكيد سويسري.. آثار اليمن): “كانت الأبواب مقفلة. لم تعد وزارة الثقافة تتجاوب مع أي بلاغ عن أي مزاد تباع فيها آثارنا، الأمر ذاته ينطبق على الكثير من سفاراتنا في الخارج. وبلغ الأمر إلى عجز الحكومة عن استقبال الآثار المقدمة لها من المتبرعين الأجانب وورثتهم، بسبب عدم قدرتها على تمويل النقل والتأمين”.
وأضاف محسن “أصبح وضع الآثار مأساوياً وقاتماً لدرجة أن إحدى سفاراتنا المتعاونة وقفت عاجزة عن توفير نسخة مترجمة لقانون الآثار وتعديلاته بشكل رسمي من وزارة الشؤون القانونية، تلبية لطلب جهة حكومية أجنبية في البلد المضيف”.
وتابع بالقول: “وسط كل هذا، كان هناك ملفان مهمان في الاتحاد السويسري وإسرائيل، ملف العروش الأثرية في الأولى ومزاد آثار من مقتنيات شلومو موساييف في الثانية”.
وعن تفاصيل عروش اليمن في سويسرا قال باحث الآثار عبدالله محسن إنه كان قد “نشر في أكتوبر 2021 عن عروش اليمن المهربة من الجوف، وذكر أن أحد النافذين قام بتهريبها في عام 2010م إلى سويسرا بتواطؤ من بعض الشخصيات الحكومية آنذاك، خصوصاً أن وزن كل عرش طن وارتفاعه 1.24 متراً، وعرضه 63 سم، وعمقه نصف متر، الأمر الذي يصعب إخفاؤه”.
وتابع محسن “وفي ديسمبر 2023م تلقيت اتصالاً من صديق يقدم خدمات بحثية بشكل رسمي لجهات شرطية وقضائية مختصة بجرائم الآثار في أوروبا، وأبلغني بمصادرة القضاء السويسري (جنيف) للعرشين الأثريين الذين نشرت عنهما، وأن التحقيقات مستمرة في مكتب المدعي العام، والعرشان من مقتنيات هشام وعلي أبو طعام المالكين لشركة (فينيكس للفن القديم) الشهيرة والتي تلاحقها الاتهامات بالاتجار بالآثار العراقية والمصرية وغيرها”.
وأشار الباحث محسن إلى “تواصل مندوب اليمن لدى اليونسكو مع السيدة كريستا بيكات مديرة هيئة الثقافة والطوارئ في مركز التراث العالمي التابع لليونسكو، لمخاطبة الجهات السويسرية المختصة للنظر في أفضل السبل للحفاظ على هذه الآثار اليمنية القيمة في الوقت الحاضر لحين دراسة إمكانية إعادتها إلى اليمن”.
وبيّن محسن أن “الرد جاء من رئيسة الخدمة المتخصصة لنقل الممتلكات الثقافية في سويسرا ليؤكد أن (الإجراءات مع المدعي العام في كانتون جنيف مفتوحة، والقضية الآن في أيدي العدالة)”، لافتاً إلى أنه “في نهاية الإجراء، سيتم مصادرة الممتلكات وإسنادها إلى الإدارة المتخصصة للنقل الدولي للممتلكات الثقافية داخل المكتب الفيدرالي للثقافة من أجل إعادتها إلى بلدها الأصلي، وستقوم الخدمة المتخصصة بالاتصال بالممثلية الدبلوماسية لليمن في سويسرا من أجل الاتفاق على الوقت المناسب لهذا النقل”.
وأوضح محسن أنه “من خلال التتبع المستمر، وجد أن غالبية آثار اليمن المعروضة في مزادات أوروبا تكون فرنسا هي نقطة التجميع لها قبل توزيعها”، مؤكداً أنه “في السنوات الماضية اكتشف المكتب المركزي لمكافحة الاتجار بالآثار في وزارة الداخلية الفرنسية 15 قطعة أثرية يمنية أثناء البحث في مستودع في منطقة باريس، وبدأ تحقيقاً أمنياً حولها واستعان بعدد من الخبراء الذين أفادوا بأنها من اليمن”.
وفيما يخص مزادات “إسرائيل” قال محسن: “منذ سنوات طوال بدون توقف، ومزاد المركز الأثري الذي ينظمه عالم الآثار الإسرائيلي الشهير والمثير للجدل الدكتور روبرت دويتش، على منصة المزادات العالمية بيدسبريت، يعرض العديد من آثار اليمن، تكاد تكون كلها من مجموعة شلومو موساييف”.
وحسب ما ذكره المختص في الآثار فإن “مندوب اليمن قد بعث خطاباً إلى أمانة اتفاقية 1970 في اليونيسكو بشأن مزاد يوم 25 أبريل 2024م، ودعت اليونسكو في 11 أبريل 2024م روبرت دويتش لتزويد السلطات اليمنية بأي وثائق داعمة فيما يتعلق بالبيع والتوصية بتعليقها المؤقت في انتظار هذه الوثائق”، مشيراً إلى أن المنظمة “تلقت رداً غريباً للغاية مكوناً من ثلاث نقاط، الأولى تتعلق بقانونية جمع القطع الأثرية تحت إشراف سلطة الآثار الإسرائيلية والأخرى عن اكتشاف العديد من الآثار اليمنية في عملية تنقيب خارج اليمن، والثالثة تطالب اليمن بأدلة ووثائق داعمة لإثبات أن هذه العناصر قد تم إزالتها بشكل غير قانوني من اليمن في السنوات الأخيرة”.
واختتم الباحث محسن منشوره بقوله “لقد تم الرد بشكل قانوني على ادعاءات دويتش، إلا أننا ما زلنا بحاجة إلى تفعيل دور قطاع قضايا الدولة في وزارة الشؤون القانونية وإلى تحرك حكومي فاعل”.
وسبق أن اتهم الخبير وباحث الآثار اليمني عبدالله محسن، قيادات المجلس الرئاسي والحكومة اليمنية التابعة للتحالف السعودي الإماراتي بالتورط في بيع آثار اليمن وتهريبها إلى الخارج.
وقال محسن في منشور على حسابه بمنصة “فيسبوك”، بتاريخ 12 مايو الجاري، تحت عنوان (بدون رتوش): “تباع الآثار وتهرب وتضيع بتوجيهات عليا شفهية من أعلى قمة في السلطة، بالتغاضي عن الحفر العشوائي والتهريب تحت مبرر أن اليمن في حرب، وأن الدولة لا تريد الدخول في صراع مع النافذين في المجتمعات المحلية. ولا تملك الموارد المالية الكافية للمتابعات القانونية في الخارج”.
وكان الخبير وباحث الآثار عبدالله محسن، كشف خلال الفترة الماضية، عن تعرض الآثار والمخطوطات اليمنية لعملية تجريف ونهب وتخريب وتهريب إلى خارج البلاد، ارتفعت وتيرتها خلال السنوات الأخيرة، كما نشر تفاصيل كثيرة عن آثار يمنية قديمة يتم عرضها وبيعها في العديد من بلدان العالم، أغلبها في دول عربية وغربية، ويدعو الحكومة اليمنية بشكل متكرر إلى استعادة هذه القِطع، التي يتم عرضها في المزادات بمبالغ زهيدة، والعمل على منع تهريب آثار اليمن أو خروجها من البلاد.
المصدر: الجديد برس
كلمات دلالية: عبدالله محسن آثار الیمن
إقرأ أيضاً:
دور اليمن في “طوفان الأقصى” .. التأثيرات والمكاسب الاستراتيجية
يمانيون – متابعات
منذ الوهلة الأولى لمشاركته في ملحمة طوفان الأقصى، قلب اليمن طاولة الحرب والمخططات الأمريكية الإسرائيلية رأساً على عقب، بعد أن نجح في تغيير المعادلة العسكرية الإقليمية لصالح بندقية المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ورجّح كفة وميزان دول وقوى محور المقاومة في مواجهتها المفتوحة مع محور الشر الصهيوني الغربي، وذلك عقب تمكنه من فرض حصاراً بحرياً شبه كاملاً على الملاحة الإسرائيلية والقوى الداعمة للكيان المجرم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
وبمسيرة عملياتية نوعية وخمس مراحل عسكرية تصعيدية، بدأت من قيام المسيّرات اليمنية بقصف مدينة أم الرشراش المحتلة “إيلات” رداً على مجزرة الاحتلال في مستشفى المعمداني في 17 أكتوبر 2023، ومن ثم الاستيلاء المباشر على سفينة “جلاكسي ليدر” الإسرائيلية من عمق البحر وجرها إلى السواحل اليمنية، ليبدأ مسلسل الحصار اليمني على الملاحة الإسرائيلية في ثلاث بحار ومحيط على حدود ثلاث قارات بدءاً من البحرين الأحمر والعربي غرب آسیا إلى المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح في أقصى أفريقيا وإلى البحر المتوسط جنوب أوروبا، انتهى بإغلاق ميناء إيلات بشكل كامل، قبل أن تنتقل القوات المسلحة اليمنية إلى تكثيف وتوسيع الضربات العسكرية في العمق الصهيوني والوصول إلى قلب “تل أبيب”، وذلك استجابةً لتطورات العدوان على غزة ومسار التصعيد على مستوى المنطقة.
وتلك مسارات مختلفة ومغايرة واستراتيجية، أتقن اليمن بفضل الله تعالى ورجاله المؤمنين المخلصين، من خلالها في إدارة شكل الصراع وتفاصيل المعركة التي يخوضها تحت راية طوفان الأقصى، على نحو فعّال وغير مسبوق؛ ما منح اليمن دوراً كبيراً في هذه المعركة كجبهة مؤثرة في عمليات الدعم والإسناد لغزة وعموم جبهات المقاومة، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال مراحله التصعيدية السابقة، حيث باشرت القوات المسلحة اليمنية أولاً باستهداف الاقتصاد الإسرائيلي من خلال فرض الحصار البحري على موانئ الاحتلال، قبل أن تتجه مؤخراً إلى فرض الحصار الجوي على سماء الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودك الأهداف العسكرية للكيان.
وبفضل الله تعالى وعونه ونصره وتأييده، حققت الجبهة اليمنية المساندة لغزة طوال عام من العمليات العسكرية المستمرة بمختلف مساراتها ومراحلها التصعيدية وميادينها البحرية والجوية؛ إنجازات كبيرة ومتنوعة على كافة الأصعدة العسكرية والأمنية والاقتصادية والاستراتيجية، والتي صبت أولاً في صالح الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في قطاع غزة، وفي صالح دول وقوى وشعوب محور المقاومة بشكل عام، وهي إنجازات نوعية تجسدت من خلال حجم التأثيرات البالغة لهذه الجبهة على الداخل الإسرائيلي من جهة، وعلى النفوذ الأمريكي الغربي على مستوى المنطقة من جهة أخرى.
وفيما يلي، نحاول أن نستعرض أبرز هذه التأثيرات التي شكلتها الجبهة اليمنية المساندة لغزة، إضافة إلى أهم المكتسبات الرئيسية التي حققتها وباتت في جعبة اليمن وفلسطين، وجميع قوى ودول محور المقاومة وشعوب الأمة العربية والإسلامية، من جراء المشاركة العسكرية اليمنية في ملحمة طوفان الأقصى :
■ أولاً، ضرب مقدرات الاقتصاد الإسرائيلي
تمكن الحصار اليمني المفروض بالنار والحديد على الملاحة الإسرائيلية منذ قرابة عام، من إلحاق أضرار كبيرة وبالغة في اقتصاد الكيان الصهيوني، خاصةً بعد نجاح الحصار في إغلاق ميناء “إيلات”، والذي يعد أهم شرايين التجارة الحيوية للاحتلال، فقد أدى الحصار إلى عرقلة خطوط الإمداد الداعمة لاستمرار حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها الكيان الصهيوني، وذلك بعد تأخُر وصول الشحنات سواء الغذائية أو العسكرية إلى الكيان، وارتفاع أسعار الشحن والنقل إلى عشرات الأضعاف، إضافة إلى تعطيل حركة التصدير من الداخل الإسرائيلي؛ ما تسبب بشلل شبه تام في السوق الإسرائيلية وفجّر أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة داخل المجتمع الصهيوني ومؤسساته السياسية والعسكرية والأمنية.
ووفقاً للإحصائيات الرسمية، فقد تمكنت القوات المسلحة اليمنية منذ مشاركتها في معركة طوفان الأقصى دعماً لغزة في منتصف أكتوبر 2023 وحتى مطلع أكتوبر 2024، من اصطياد وإغراق نحو 199 سفينة إسرائيلية ومرتبطة بالاحتلال، بينها أمريكية وبريطانية وفرنسية، وذلك في عدة بحار ومحيطات أبرزها البحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي؛ وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الحروب والمعارك البحرية على الإطلاق، ناهيك عن عشرات العمليات العسكرية التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية في العمق الإسرائيلي واستهدفت أهداف حيوية للاحتلال، الأمر الذي يجعل الجبهة اليمنية المساندة لغزة، من أكثر الجبهات فتكاً وتأثيراً على الاقتصاد الإسرائيلي.
وقد تضررت معظم القطاعات الحيوية والمؤسسات الاقتصادية في الكيان الصهيوني، لأضرار بالغة جراء الحصار اليمني، ومن بينها الموانئ البحرية والنفط والبورصة، كما ساهمت في ارتفاع معدلات الانفاق الحكومي.. ويمكن تحديد حجم ونوع هذه الأضرار من خلال النقاط التالية :
1_ قطاع التجارة البحرية والموانئ
أدى الحصار اليمني إلى إغلاق ميناء “إيلات” بشكل كامل، وتعطيل التجارة الإسرائيلية القادمة من البحر الأحمر كلياً، فأسهم ذلك في رفع تكاليف الشحن مع استخدام طرق بديلة أطول، وهو ما أقرت به الأوساط الإسرائيلية الرسمية، وما صرح به أيضاً الرئيس التنفيذي لميناء إيلات “غدعون غولبر” الذي أكد على لسانه في لقاء تلفزيوني مع إحدى القنوات الإسرائيلية، أن العمل في ميناء إيلات توقف كلياً لعجز السفن عن الوصول إلى الميناء بسبب الهجمات اليمنية في البحر الأحمر، وأنه تم تسريح العمال بعد عجز إدارة الميناء عن دفع مرتباتهم، مشيراً إلى أن حجم خسائر الميناء بلغ 50 مليون شيكل (14 مليون دولار)، وهي قابلة للزيادة إذا استمر الحصار.
وبعد إغلاق ميناء إيلات، انتقلت القوات المسلحة اليمنية لحصار كافة الموانئ الإسرائيلية، واستهداف كل سفن الشركات المتعاونة مع موانئ الاحتلال في أي مكان كانت، الأمر الذي أدى إلى خسائر باهظة في موانئ الاحتلال الواقعة على البحر الأبيض المتوسط، وعلى رأسها ميناء أسدود الذي فقد أكثر من 63 % من أرباحه بعد انخفاض حركة الملاحة من وإلى الميناء خوفاً من الاستهداف اليمني.
2_ لقد ساهم الحصار اليمني المفروض على الملاحة الإسرائيلية، في استهداف قطاع الاستثمار في الداخل الإسرائيلي، وذلك نتيجة تأخر وصول البضائع وارتفاع أسعار الشحن والنقل بشكل كبير، ما أثر على القدرة الشرائية، خاصةً مع انهيار الوضع الأمني جراء الحرب المستمرة في غزة وتهديدات الجبهة اللبنانية، الأمر الذي تسبب بشكل مباشر في إغلاق نحو 46 ألف شركة إسرائيلية أغلقت أبوابها منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر الماضي، مع توقعات بارتفاع العدد إلى 60 ألف شركة بحلول نهاية العام الجاري.
ووفقاً للإعلام الإسرائيلي، فإن قطاع الشركات الناشئة في الداخل الإسرائيلي، يعد القطاع الثاني الذي تضرر من تداعيات الحرب القائمة بعد هروب ما يعادل 44% من إجمالي الشركات الناشئة من الكيان الصهيوني.
3 _ التأثير على الهجرة العكسية للمستوطنين من الكيان الصهيوني لا شك أن الأزمة الاقتصادية التي خلفها الحصار اليمني في الداخل الإسرائيلي، إلى جانب تداعيات حرب غزة، وتأثيرات جبهة لبنان على نزوح المستوطنين من المناطق الشمالية لفلسطين المحتلة؛ تربك حسابات الاحتلال الإسرائيلي وجميع داعمي استمرار العدوان على غزة، وتشكل ضغطاً كبيراً على حكومة الاحتلال، خاصةً في ظل تصاعد حالة الغليان والسخط أوساط المستوطنين، جراء الأزمات والتحديات الاقتصادية والأمنية التي يعيشونها، وبدء انتشار حالة فقدان الثقة بحكومة الاحتلال، وبدولة “إسرائيل” بشكل عام.
وهذا ما يمكن ملاحظته، من خلال تزايد نسبة الهجرة العكسية للمستوطنين من الكيان، في المقابل انخفاض كبير في نسبة المهاجرين إلى “إسرائيل”، وذلك خلال الأشهر الماضية التي لحقت بطوفان الأقصى وتداعياتها الإقليمية المصاحبة لها من خلال تأثيرات جبهات الدعم والإسناد وعلى رأسها اليمن ولبنان والعراق.
ووفقاً لتقرير نشرته مجلة “زمان الإسرائيلية” مطلع العام الجاري، استناداً لمعلومات صادرة عن هيئة السكان والهجرة في حكومة الاحتلال، فإن “470 ألف إسرائيلي هاجروا بعد انطلاق عملية طوفان الأقصى، وليس معلوما ما إذا كانوا سيعودون إلى البلاد أم لا، علما بأن هذه الأرقام لم تشمل آلاف العمال الأجانب والدبلوماسيين الذين غادروا البلاد منذ اندلاع الحرب”.
من جانبها، كشفت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أن نصف مليون مستوطن إسرائيلي غادروا بالفعل دولة الاحتلال، ولم يعودوا في الأشهر الستة الأولى من الحرب، ولا يُعلم ما إذا ما كان ذلك قرارا مؤقتا أم أنه سيتحول إلى هجرة دائمة.
كما كشفت الأرقام التي ينشرها الإعلام الصهيوني والغربي، أن عدد المهاجرين اليهود إلى الكيان قد انخفض مع الشهر الأول بعد أكتوبر 2023، بنسبة 50% مقارنة ببداية العام، ثم انخفض العدد بنسبة 70% في نوفمبر 2023.
■ ثانياً، تداعيات العمليات اليمنية على اقتصاد القوى الغربية الداعمة لاستمرار العدوان الصهيوني على غزة
لم تقتصر تأثيرات الحصار البحري اليمني على الاقتصاد الإسرائيلي فقط، بل وصلت هذه التأثيرات بشكل مباشر إلى عمق اقتصادات كبرى الدول الغربية الداعمة للكيان الصهيوني، وهذا حدث نتيجة لسببين رئيسيين، هما :
• السبب الأول يتعلق بتأثير الحصار اليمني على الشركات الأوروبية والأمريكية المرتبطة بموانئ الاحتلال، وعلى رأسها كبرى شركات الشحن الأجنبية التي فقدت العميل الإسرائيلي بعد امتناعها عن تحميل بضائعه من وإلى موانئ الاحتلال، وذلك خوفاً من الاستهداف اليمني.
• السبب الثاني، توسيع اليمن حصاره على الملاحة الإسرائيلية في البحرين الأحمر والعربي ومضيق باب والمحيط الهندي، ليشمل الملاحة الأمريكية والبريطانية وبعض الدول الأوروبية، وذلك بعد انخراطها في التحالف الأمريكي الذي يشن عدواناً عسكرياً على اليمن منذ يناير 2024، رداً على العمليات العسكرية اليمنية المساندة لغزة.
وتكشف التقارير الصادرة من بعض سلطات الدول الغربية، عن حجم تأثيرات الحصار اليمني على اقتصاد هذه الدول، وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
ووفقاً لدراسة نشرتها صحيفة “الغارديان” البريطانية، نقلاً عن دراسة استقصائية أجرتها غرف التجارة البريطانية (BCC) في فبراير الماضي، فإن “أكثر من (53٪) من المصنعين وتجار التجزئة في بريطانيا قد تأثروا بأزمة البحر الأحمر، فيما ارتفعت أسعار استئجار الحاويات بنسبة 300%، وإضافة أربعة أسابيع إلى مواعيد التسليم”.
ويتداعى الاقتصاد البريطاني بشكل شبه يومي بعد قرار المملكة المتحدة مشاركتها في التحالف الأمريكي للعدوان على اليمن، ومثله اقتصاد الولايات المتحدة وفرنسا واليونان وغيرها من الدول سواء المشاركة في الحرب على اليمن أو المرتبطة بموانئ الاحتلال.
■ ثالثاً، تطوير القدرات العسكرية اليمنية والإطاحة بقوة الردع الأمريكية والإسرائيلية
لقد نجحت القوات المسلحة اليمنية من خلال عملياتها العسكرية المساندة لغزة، من إسقاط نظرية قوة الردع الأمريكية والإسرائيلية معاً، وذلك بعد تمكن الصواريخ والمسيّرات اليمنية من تجاوز الدفاعات الأمريكية والإسرائيلية أكثر من مرة والوصول إلى قلب الكيان الصهيوني، إضافة إلى نجاح التكتيكات العسكرية اليمنية خلال المعركة البحرية مع الأساطيل الأمريكية والأوروبية، من إفراغ قدرات هذه الأساطيل وإخراجها خارج دائرة المواجهة، كما حدث مع حاملات الطائرات الأمريكية وبوارجها الحربية التي فشلت في التصدي للعمليات اليمنية قبل أن تتحول إلى أهداف مباشرة للقوات اليمنية والتي أجبرتها على مغادرة مسرح العمليات الواحدة تلو الأخرى.
ولعل هذا ما دفع نائب قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، وقائد الأسطول الأمريكي الخامس، براد كوبر، للقول بأن المواجهة مع القوات المسلحة اليمنية هي أكبر معركة بحرية تخوضها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.
يذكر أن موقع “اكسيوس” الأمريكي، قد نشر بتاريخ 29 أغسطس 2014، صوراً التقطت بواسطة الأقمار الصناعية، وتظهر خلو البحر الأحمر من أي سفينة حربية أمريكية، وذلك للمرة الأولى منذ عقود، حيث يكشف ذلك حجم مخاوف القوات الأمريكية من تعرض قطعها الحربية لضربات يمنية، في ظل فشل أمريكي بالتعامل عسكرياً مع هذه الضربات.
إلى ذلك، فإن الصدق والإخلاص الذي جسده اليمن شعباً وقيادةً وجيشاً في مساندة الشعب الفلسطيني المظلوم ومقاومته الباسلة في قطاع غزة، والانتصار للقضية الأولى للأمة العربية والإسلامية؛ فتح الأفق أمام السواعد والأدمغة اليمنية لتطوير الأسلحة والقدرات الصاروخية للجيش اليمني، حتى تمكنت من الوصول إلى تقنيات حربية متقدمة وتصنيع أسلحة ردع استراتيجية كما حدث مع مسيّرة “يافا” التي دكت عمق الكيان الصهيوني في “تل أبيب”، خط الدفاع الأول والمتقدم للاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب صاروخ الفرط صوتي “فلسطين 2″ الذي يواصل ضرب الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد تجاوزه الدفاعات الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية على حد سواء.
إضافة إلى ذلك، فقد نجحت القوات المسلحة اليمنية في نسف التفوق الجوي للقوات الأمريكية، وذلك عقب الإسقاط المتكرر لطائرات MQ-9 في سماء اليمن، والتي تُعد أحدث المسيّرات التجسسية المقاتلة في العالم، وتصل قيمة الواحدة منها إلى نحو 30 مليون دولار أمريكي، حيث تمكنت القوات اليمنية من إسقاط نحو 11 طائرة أمريكية من هذا النوع منذ مشاركتها في معركة طوفان الأقصى، وهي أكبر خسارة يتعرض لها سلاح الجو الأمريكي على مر التاريخ، الأمر الذي يؤكد التطور الهائل في الدفاعات الجوية اليمنية.
بالتالي، إن امتلاك اليمن تقنيات حربية وعسكرية متطورة دفاعية وهجومية كهذه، خاصةً بعد أن بات أول دول تسقط هذه الكم الهائل من الطائرات الأمريكية في معركة واحدة، كما بات أيضاً أول دولة عربية تمتلك وتصنع صواريخ الفرط صوتية، ومن ضمن 5 دول فقط حول العالم لديها هذه الأسلحة الاستراتيجية؛ يضع اليمن في مصاف القوى الكبرى في المنطقة والإقليم والعالم، ما يساعده في تفكيك كل المعادلات العسكرية والأمنية والاقتصادية للقوى الغربية المناهضة لدول وقوى وشعوب محور المقاومة، ولعل هذا ما يفسر الجنون الأمريكي البريطاني والإسرائيلي على مستوى المنطقة بعد فشل المنظومات الدفاعية والهجومية للقوات الأمريكية وحلفائها في وقف العمليات العسكرية اليمنية المساندة لغزة أو تحييد جبهة اليمن، والتي لم تتوقف، وتتصاعد بوتيرة عالية كلما تصاعدت التطورات في غزة وجبهات الدعم والإسناد.
■ رابعاً، انعاكسات إنجازات الجبهة اليمنية على مستقبل المشاريع الصهيونية والنفوذ الأمريكي في المنطقة
لا شك أن الإنجازات العظيمة التي حققتها السواعد والعقول اليمنية خلال مشاركتها في معركة طوفان الأقصى، والوصول إلى امتلاك أسلحة نوعية واستراتيجية في خضم الحرب؛ سيكون لها تأثيرات عميقة في فرملة المشاريع الصهيونية التوسعية على مستوى المنطقة، فوجود قوة جديدة فاعلة في إطار محور المقاومة يعظم من قوة الردع الاستراتيجي للمحور في مواجهة هذه المشاريع، وهو ما قد تجسد فعلاً اليوم في الميدان من خلال نجاح التدخل اليمني العسكري المباشر لمناصرة غزة، وما أعقبه من معادلات ردع استراتيجية كنتاج مباشر عن هذا التدخل، والتي عصفت بقواعد الاشتباك وغيّرت توازنات القوى برمتها على امتداد الخارطة العربية والإسلامية والإقليمية، وهي معادلات تُشكل في أساسها حائط صدّ أمام المشاريع والأطماع التوسعية التخريبية للاحتلال وعلى رأسها، مشروع التطبيع ومشروع الحلف الأمريكي الجديد في المنطقة.
ببساطة متناهية، فإن نسف اليمن لقواعد الردع العسكرية والأمنية التي كانت تتكئ عليها الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” لفرض أشكال الهيمنة والوصاية على المنطقة؛ ينسف مشروع التطبيع الذي أعدّه الأمريكي لضمان توغل الكيان على مستوى المنطقة باعتباره يملك أسبقية الردع لحماية أنظمة التطبيع، وهو الأمر نفسه الذي حدث مع الحلف الأمريكي الجديد “ناتو عربي “، والذي كان الأمريكي يعُدّه أيضاً لإدراج الكيان الصهيوني على رأس هذا الحلف لإعادة تشكيل المنطقة وفق المصالح الأمريكية والأهواء الإسرائيلية، لكن هذه المشاريع والأحلاف قضت عليها طوفان الأقصى منذ وهلتها الأولى في 7 أكتوبر، وأكدتها لاحقاً التطورات الإقليمية المصاحبة لها وتداعيات جبهات الدعم والإسناد وعلى رأسها الجبهة اليمنية.. فمن هي الدول أو الأنظمة الحمقاء التي قد تنخرط في مسار التطبيع مع كيان هش غير قادر على حماية نفسه، أو الدخول في حلف لا يستطيع قادته حماية أنفسهم؟!.
علاوة على ذلك، فإن هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية في المعركة البحرية أمام القوات المسلحة اليمنية، التي نجحت في تجسيد مبدأ “وحدة الساحات” بين دول وقوى محور المقاومة، على أكمل وجه؛ سيكون لها تداعيات وانعكاسات واسعة وبالغة على مستقبل النفوذ الأمريكي الغربي في المنطقة؛ وهذا يعود إلى تهتك أسلحة الردع الأمريكية البحرية والجوية وكل وسائلها الدفاعية والهجومية الواحدة تلو الأخرى أمام الضربات العسكرية اليمنية التي فضحت هشاشة “سيدة البحار” وعرت قدرتها على الحفاظ على هيمنتها ووصايتها في أهم مناطق العالم حيوية، خاصةً بعد إحكام القوات المسلحة اليمنية سيطرتها على أبرز وأهم الممرات البحرية في العالم، وعلى رأسها مضيق باب المندب والمحيط الهندي والبحرين الأحمر والعربي، في ظل انسحابات واسعة للقطع البحرية الأمريكية من هذه الممرات بشكل غير مسبوق؛ ما يعني أن أي اتفاقات دولية قد تطرأ مستقبلاً بشأن طرق الملاحة الدولية في مضيق باب المندب والبحرين الأحمر والعربي، سيكون لليمن الأولوية والكلمة الأولى والأفضلية لفرض شروطه على هذه الاتفاقات وفقاً لمصالحه الوطنية.
■ خامساً، تأثيرات الموقف اليمني على مستقبل النظام العالمي الحالي “نظام القطب الواحد”
لا شك أن تأثيرات المشاركة العسكرية لليمن في ملحمة طوفان الأقصى، قد ساهمت بوضوح في تراجع الهيمنة الأمريكية الغربية في المنطقة العربية، وهي واحدة من أهم المناطق الحيوية التي يتحقق بها موازين القوى الدولية، ما قد يُنذر بسقوط مرتقب للنظام العالمي الحالي، نظام القطب الواحد الأمريكي، ويعزز إمكانية تغيير النظام العالمي برمته في المستقبل القريب.
فالأساطيل الأمريكية التي تضم حاملات الطائرات وعشرات البوارج والمدمرات الحربية، والتي فشلت اليوم في وقف العمليات العسكرية اليمنية البحرية والجوية، على مدى عام كامل؛ بالتأكيد لن تكون قادرة على حسم أي مواجهة مستقبلية سواءً مع اليمن أو أي جبهة أخرى في المنطقة، ناهيك عن مقارعة النفوذ الروسي الصيني الذي بدأ يتوسع على حساب المصالح الأمريكية والأوروبية في المنطقة والإقليم والعالم.
واستناداً لكل ما سبق، يمكن التأكيد بأن التدخل اليمني المؤثر والفعّال في مساندة غزة وأخيراً لبنان، إلى جانب جبهات الدعم والإسناد في محور المقاومة؛ سيشكل بفضل الله تعالى، أحد عوامل الضغط الرئيسية التي ستُجّبر الكيان الصهيوني والقوى الداعمة له على التراجع وإيقاف العدوان على غزة ولبنان، والقبول بشروط المقاومة بمختلف جبهاتها ومحاورها، كما سيكون لليمن المقاوم دوراً بارزاً في تقرير مصير النظام العالمي، وإعادة رسم الخارطة الدولية وفق عالم متعدد الأقطاب بعيداً عن الوصاية الأمريكية، والذي بدأ يتشكل في الأفق، وتحديداً منذ زلزال طوفان الأقصى في 7 أكتوبر.
————————————
حلمي الكمالي