الدكتور عبدالله علي إبراهيم ، ناقد ثقافي سوداني يرتقي جالسا في ذروة الفكر المفضي إلى ثورة الإبداع .

صاحب مشروع فكري حداثي ، يتأبى على التسليم الخانع ، والاتباع القانع والتقليد العاجز .
تنظر متأملا في مشروعه الأكاديمي الدارس للثقافة السودانية ، أو ، في منجزه الكتابي الإبداعي المسرحي ودراساته النقدية ، تجد أنه يزرع روح التمرد والمغامرة والتطلع إلى المستقبل ، ضد إجماع الإذعان لسرب الصفوة في السودان .

يرى أن الإنتاج الذهني ، ليس دوائر مغلقة بقدرما هي إجابات مفتوحة لأسئلة أخرى أيضا ، لذا نجد في إنتاجه محاولات لمحاورة نفسه ، ، بذات القدر الذي يحاور غيره .

ففي كل ما يكتبه عبدالله علي إبراهيم لن تجد إلا الأسئلة المعرفية المفتوحة ، والإجابات التي لا تعرف حدود الإنغلاق .

فالسلطة عنده هي سلطة الوعي ، وأن الثقافي الثوري المبدع يجب أن يكون غير أحادي البعد ، ولا المحدود ، ولا الجامد المتكلس ، فالثورية عنده ، أعمق وأوسع وأشمل من المعنى الإيديولوجي .

تلك هي الحالة الإنفعالية العقلية التي نستنتجها من الإبداع الكتابي للدكتور عبدالله علي إبراهيم الذي نرى أنه يفرض علينا وباستمرار تفكيك الأشياء وإعادة تركيبها ، والنظر إلي التاريخ من أبعاده البعيدة بمنظورات الحادثة في حوار مع الذات من جهة ، ومع الآخر من جهة أخرى .
والنظر إلي حقائق الواقع الموضوعي ، دون الاتكاء علي منهج المكابرة القليظة وفق مقتضى الكسب الآني .

وبتلك المنظورت تفرد الدكتور عبدالله علي إبراهيم برؤية خاصة في المسألة السودانية وأزمات السودان إذ يرى أن ” الصفوة ” هي أصل البلاء والمحن إذ قال ” صفوتنا ضيوف ثقلاء على الواقع ” .. وفي مقالته : ” الصفوة والمكشن بلا بصل ” قال :

( من غضب الله علينا أن الصفوة – وهذا ما يسمي خريجو المدارس والمهنيون أنفسهم – طالقة لسانها في الآخرين ولم تجد بعد من يطلق لسانها فيها بصورة منهجية .
فهي تصف جماعات غمار الناس ، بالأمية ، أو البدائية ، أو المتخلفة ، أو بالمصابة بالذهن الرعوي ، أو ببله الريف أو انها مستعربة أو متأسلمة .

واحتكرت حق تبخيس الآخرين أشياءهم . واحتكرت حتى نقدها لنفسها ، ولكن برفق . فهي فاشلة أو مدمنة الفشل بما يشبه التوبيخ على حالة عارضة تلبستها وستخرج منها متى صح منها العزم ،
وقليلاً ما عثرت على نقد للصفوة تخطى ما تواضعت عليه من الرأفة بنفسها والعشم في صحوتها إلى نقد جذري يطال فشلها بالنظر إلى اقتصادها السياسي :
إلى مناشئها الثقافية والاجتماعية ومنازلها من العملية الإنتاجية ) ..

ويرى الدكتور عبدالله علي إبراهيم أن الصفوة السودانية خالية من ” الحمية ” وذلك أن الغرب قد أفرغها في مدارسها ، وجعل منهم طائفة بلا أدنى شغف بأهلهم وثقافتهم ، أطلقوا ألسنتهم فيهم ” يا بدائي ” يا ” أمي ” يا ” متخلف ”
وقال في استدراكته :
( كنت أستغرب مثلاً لماركسي يقول ، تأسياً بلينين ، إن الأمي خارج السياسة وحزبه في قيادة معظم نقابات العمال واتحادات المزارعين التي قوامها أميون .
أو تسمع من يقول لك ” بالله الحاردلو دا لو قرأ كان بدّع “.
وكأن ما قاله الحاردلو شفاهة ناقص ) ..

وفي تعميق آخر لمعنى الصفوة كتب الدكتور عبدالله علي مقالة أخرى بعنوان ( مفهوم الصفوة : إننا نتعثر حين نرى ) قائلا :

( فأعيد النظر في صلاح مفهوم الصفوة لتشخيصها . وهو المفهوم الذي نقلناه إلى خطابنا السياسي عن الفكر الغربي ، ولم نستأنسه بتحر يدني به زمامه لنا لمعرفة أوثق بهذه الحلقة الأثيمة .
ومن الجهة الثانية سأرد ، على بينة مَخْضي لمفهوم الصفوة ، هذه الحلقة إلى ” الثورة المضادة ” الغائبة في تحليلنا السياسي .

فلما قَصَر المفهوم فهمنا لفشل الفترة الانتقالية على تنازع الصفوة أوحى كأنه كان بالوسع ألا تتنازع لولا سوء خلقها .
وخلافاً لذلك سأوطن الصفوة ذاتها في خضم صراع اجتماعي واسع هية طرف فيه وفي حرب بين أطرافها كذلك .
باتت هذه الحلقة الجهنمية مثل دورات الطبيعة في حياتنا السياسية ” أو في اعتقادنا عنها من فرط تكرارها فينا ” تكرر الحيض عند النساء في قول منصور خالد .

وهي ليست كذلك بالطبع . ولم نجعلها كذلك إلا لأننا لم نحسن تشخيص هذا التعاقب ناظرين إلى صراع قوى مجتمعنا حول مصالحها .

وحال دوننا ومثل هذا التشخيص أنه لم ينشأ بيننا علم للسياسة مستقل عن الناشطية السياسة يكفل لنا الترقي من الإثارة إلى الفكر .
فظل الانقلاب فينا ، نظرياً ، من جرائر صفوة أنانية فاشلة تستدرج العسكريين لارتكابه .
وتقع مثل هذه نظرية في باب الأخلاق بجعلها الانقلاب حطة نفس .

ولا تقع في باب السياسة التي يتدافع الناس فيها حول مصالح استراتيجية بتكتيكات مختلفة سلمية وعنيفة ) ..
تأسيسا على ذلك يمكن القول أن الدكتور عبدالله علي إبراهيم في مذهبه هذا ، هو أقرب إلى التيار الذي يرى أن الأيديولوجيا في فضاءاتنا الثقافية العربية قد أنتجت مثقفين سيكولوجيين ، لهم في كل وجه عين واحدة ، وليس أكثر .
والعين الواحدة لا تدرك إلا لونا واحدا ، ولا تعترف إلا بحقيقة واحدة موحدة ..

فالإيديولوجيا مسكونة بالنوايا وبالأهواء ، هي وجهة نظر لا تعرف ولا تعترف بأنها مجرد وجهة نظر ، قد تكون صائبة وقد تكون خاطئة ، وقد تكون مجرد هلوسات ذهنية ولا شيء أكثر – كما قال الدكتور عبدالكريم برشيد – هذه الإيديولوجيا بتمركزها على الذات ، قد أضرت كثيرا بثقافتنا .
تلك هي الحالة الإنفعالية العقلية التي نستنتجها من الإبداع الكتابي للدكتور عبدالله علي إبراهيم الذي نرى أنه يفرض علينا وباستمرار تفكيك الأشياء وإعادة تركيبها ، والنظر إلي التاريخ من أبعاده البعيدة بمنظورات الحادثة في حوار مع الذات من جهة ، ومع الآخر من جهة أخرى .
والنظر إلي حقائق الواقع الموضوعي ، دون الاتكاء علي منهج المكابرة القليظة وفق مقتضى الكسب الآني .

الدكتور فضل الله أحمد عبدالله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: من جهة

إقرأ أيضاً:

اللواء الدكتور سعد معن..وخارطة طريق انطلاقة الإعلام الامني العراقي

يناير 22, 2025آخر تحديث: يناير 22, 2025

حامد شهاب

كاتب وباحث إعلامي

كتابي الجديد عن اللواء الدكتور سعد معن حمل عنوان (اللواء الدكتور سعد معن..وخارطة طريق انطلاقة الإعلام الامني العراقي ) صدر مع إطلالة عام 2025 وهو يعد أحد الشواهد المهمة التي تم من خلالها إنصاف الرجل ومكانته وما قدمه من تجارب ناجحة في الإعلام الأمني العراقي كانت محط تقدير وثناء قيادات أمنية وإعلامية وعسكرية وهو الذي أسهم بوضع خارطة طريق لانطلاقة الإعلام الأمني العراقي في وزارة الداخلية حقا وحقيقة.

وقد أهلته كفاءته العلمية والإعلامية والعسكرية لتبوأ مراكز متقدمة في قيادة عمله ضمن دائرة العلاقات والإعلام بوزارة الداخلية لسنوات طوال وفي إعادة ترؤسه لخلية الإعلام الأمني وتوليه مهاما أمنية كثيرة أخرى قبل سنوات منها الناطق الإعلامي باسم وزارة الداخلية والمستشار الأمني لوزير الداخلية عبد الأمير الشمري .

وأرى ككاتب وباحث إعلامي أن تجربتي في ميدان البحث الإعلامي في الإعلام والكتب التي أصدرتها من خلال دور نشر عربية وعراقية في مجالات الدعاية والحرب النفسية وتسريب الأخبار طوال أربعين عاما هي من شجعتني للكتابة عن سيرة اللواء الدكتور سعد معن وقد كتبت عنه العديد من المقالات الصحفية التي نشرت في مواقع وصحف ومجلات عربية وعراقية مرموقة وهي تبرز ما قدمه الرجل من إنجازات وما أسهم به من أدوار نوعية في خدمة مسيرة الإعلام الأمني والنهوض بها قدما الى الأمام.

وتصدرت موضوعات الكتاب قرار مجلس الوزراء العراقي بإنشاء (جامعة العراق للعلوم الأمنية) نظرا لما يمثله هذا القرار من أهمية كبرى من خلال إرساء دعائم أكاديمية أمنية عراقية للإعلام الأمني سبق وإن اقترحنا إقامتها كصرح أمني متخصص يخرج الكفاءات الامنية والعسكرية ويسهم بوضع لبنات الإعلام الأمني العراقي في الجانب الأمني والدعائي والإعلامي والاستخباري في كل المؤسسات الامنية والعسكرية العراقية .

وقد عرض الكتاب قرار رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بإعادة تكليف اللواء الدكتور سعد معن برئاسة خلية الإعلام الأمني التي ترأسها الرجل لسنوات، ومن ثم عقدها لأول اجتماع لها بعد إعادة هيكلتها برئاسة الفريق أول الركن قيس المحمداوي وبمشاركة ضباط وكوادر أمنية إعلامية تمثل الجهات الأمنية العراقية والعسكرية العراقية بمختلف صنوفها وتوجهاتها الأمنية والعسكرية والاستخبارية حيث بحثت الطرق الامثل لإبتكار وسائل عمل أكثر تقدما مستفيدة مما شهده التقدم التكنولوجي العالمي من تطورات كبرى في هذا المجال ومن طرق وأساليب الإعلام الرقمي وعمليات الذكاء الاصطناعي التي طغى استخدامها في الميدان الإعلامي والدعائي وفي مجالات الحرب النفسية بأساليب متقدمة وبالتنسيق المشترك مع كل القيادات الامنية الإعلامية والعمل على توحيد الخطاب الإعلامي الأمني العراقي بين كل تلك المؤسسات ذات الطبيعة الامنية والإعلامية التي أنيطت بها هذه المهمة.

وتناول كتابي (اللواء الدكتور سعد معن..وخارطة طريق إنطلاقة الإعلام الامني العراقي)   كذلك اللقاء المهم الذي جمع بين رئيس خلية الإعلام الأمني اللواء الدكتور سعد معن و مؤيد اللامي نقيب الصحفيين العراقيين لوضع آليات للتعاون المشترك بين الإعلام الأمني والمؤسسات الصحفية وهو ما وسع من قاعدة الإعلام الأمني ليكون للنخب الصحفية والإعلامية والأمنية والثقافية والعلمية دور ومكانة كبرى في إنجاح هذه التجربة ومدها بمعالم التقدم والنهوض من أجل القيام بتلك المهمة الكبرى على أكمل وجه بحضور عدد من صناع المحتوى الهادف الذين سيرفدون بأفكارهم مضامين عملية وواقعية لبناء المجتمع وصناعة المحتوى الهادف للإسهام بتقدم البلد وإعلاء شأنه ونهضته.

كما استعرض الكتاب العلاقة الوثيقة التي تربط بين وزير الداخلية عبد الأمير الشمري واللواء الدكتور سعد معن منذ ان كان الشمري قائدا لعمليات بغداد ومن ثم توليه منصب وزير الداخلية قبل سنوات، وكيف أسهم وزير الداخلية في إنجاح مهام وزارته وعقده لاتفاقات أمنية مع دول عربية وبخاصة مع المملكة العربية السعودية أسفرت عن تعاون أمني مشترك على أكثر من صعيد.

وتطرقت في الكتاب الى سمات الإعلام الأمني..تعريفه ومهامه ووظائفه وكيف وضع اللواء الدكتور سعد معن خارطة الطريق للإعلام الأمني المتخصص في وزارة الداخلية وأمام كليات وأقسام الإعلام في الجامعات والكليات العراقية وخلاصة تجربته الميدانية الناجحة في العمل الأمني الإعلامي والحرب النفسية.

وأشرت كذلك الى أن من شأن هذه التجربة أن تفتح الباب أمام طلبة الدراسات العليا لإغناء مهمة الناطق الإعلامي الأمني والكتب التي أصدرها اللواء سعد معن ضمن تجربة الإعلام الأمني العراقي.

واستعرضت بإسهاب المهمة الكبيرة والدور الهام الذي لعبته دائرة العلاقات والإعلام بوزارة الداخلية من خلال نشاطها الدؤوب والفاعل لضباطها وكوادرها ومنتسبيها منذ تولى اللواء الدكتور سعد معن مهام إدارتها من أجل إنجاح مهام الإعلام الأمني حيث كانت الميدان الرحب لأفضل تجربة أمنية إعلامية عراقية أرست معالم خطط إعلامية وأمنية طموحة لاقت نجاحا شهد لها الكثيرون بأنه كان تجربة فاعلة ومؤثرة في الميدان الأمني والإعلامي وهي تواصل مهامها وفق الخطط الموضوعة لها.

وكل أمل بأن يكون كتابي ( اللواء الدكتور سعد معن..وخارطة طريق إنطلاقة الإعلام الامني العراقي ) باكورة إنتاج إعلامي وأمني متقدم كانت فيه تجربة هذا الرجل  ومسيرته على مدى سنوات طوال حافلة بالمآثر والنجاحات وحققت الكثير من أهدافها وخططها في إرساء دعائم إعلام أمني وإستخباري سيكون مجالا خصبا لكل المهتمين بالعلوم الامنية مستقبلا أن يضعوا تلك التجربة بما تستحقه من إهتمام..والله الموفق.

مقالات مشابهة

  • “الدكتور البطل” حديث الشارع التركي
  • الأمير الدكتور فيصل بن عياف يتفقد مشروع حدائق الملك عبدالله “كاقا”
  • بعد أنباء انفصالهما.. من هو الدكتور فادي زوج نانسي عجرم؟
  • الدكتور عبدالرحيم الفرحان: “قطارات الاتحاد” نقلة نوعية في قطاع النقل
  • سودانايل تنعي الدكتور الباقر العفيف
  • عبدالله: العقد التي تواجه مسار التأليف متعددة
  • اللواء الدكتور سعد معن..وخارطة طريق انطلاقة الإعلام الامني العراقي
  • حفل تأبين الدكتور محمد شفيق البيطار في مجمع اللغة العربية بدمشق
  • اليوم.. الدكتور فاروق الباز ضيف نقابة المهندسين
  • الدكتور بن حبتور يعزي الدكتور جعفر حامد في وفاة زوجته