سواليف:
2025-02-17@04:44:17 GMT

العشيرة في الجامعة

تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT

العشيرة في الجامعة

#مثنى_قاسم_المصري
إنَّ المجتمع الأردني في سمته العامة وتركيبتيه الثقافية والاجتماعية مجتمعٌ قَبَليّ مبني على قاعدة أنَّه “جَماعيّ التوجهات”. فالملامح الأولى لهذه الظاهرة يمكن رؤيتها في اللحظات التي تسبق تَشكّل المجالس الطلابية في معظم الجامعات الأردنية، وخصوصًا جامعة اليرموك الأردنية التي تقع في محافظة إربد شمالي المملكة.

وذلك عندما يبدأ الطلبة الذين ينتمون إلى تجمعات في مناطق مختلفة من الأردن بالتعبير عن أحقيتهم في امتلاك السلطة داخل الجامعة. فهم يعتقدون أنه من الطبيعي أن يجلبوا معهم موازين القوى التقليدية التي تشكلت خارج الحرم الجامعي، إلى الجامعة. وهذه المعتقدات وما يتفرع عنها من سلوكيات تتعارض مع مفهوم التعددية والتمثيل العادل الذي يستند إلى بناء جسد طلابي بعيد عن الهياكل الاجتماعية التقليدية التي تحكم العلاقات والتفاعلات الاجتماعية في القرى ومناطق العشائر. فهدف المجالس الطلابية بشكل عام هو بناء شخصية متكاملة عند الطلاب تهتم أساسًا بتعزيز الانتماء للجامعة والمجتمع وليس للقبلية الواحدة أو للمنطقة الواحدة. كما يهدف اتحاد الطلبة إلى رفع مستويات الوعي بمفاهيم المواطنة والانتماء والعمل التشاركي. وهدف الجامعة كمظلة واسعة تشجيع الطلاب على التفكير، فقد احتلت الجامعة فضاء التفكير داخل المجتمع وحدَّدتْ دورَها ومفاعيلها بناءً على هذا الدور الذي انتخبته لنفسها، فالتفكير هو ما يميز الجامعة عن غيرها من فضاءات المجتمع، وهو تفكيرٌ في مختلف الوسائط والأشياء، مما يؤدي إلى إنتاج معرفةٍ في مختلف الاختصاصات، لكن العلاقة التي تربط الجامعة بمحيطها تبقى علاقة إشكالية على أقل تقدير؛ فهي تنتمي إلى المجتمع ولا تنتمي إليه في نفس الوقت.
في هذا السياق، هل يمكن بالفعل بناء الشخصية الطلابية المتكاملة في ظل حضور المفاهيم والممارسات العشائرية والقبلية من المجتمع المحيط إلى داخل الجامعة؟
لطالما لعبت النزعة العشائرية والمناطقية في جامعة اليرموك دورًا محوريًا في تشكيل المجلس الطلابي؛ إذ نلحظ هنا أنَّ أغلبية الطلبة في الجامعة قُبيل بدء الانتخابات تبرز لديهم مشاعر الفزعة والحماس للعودة إلى الانتماءات الأولية، وهي هنا الانتماءات التي نشأ عليها الأفراد في مراحل تبلور وعيهم وهي أولوية العشيرة والقبيلة وأهمية وضرورة البقاء والتموقع داخل المنظومة القبلية وجعلها الإطار الذي يحدد الفرد بها سلوكه. وقد يتجسد ذلك في الحرص الشديد على انتخاب الشخص الأقرب له، مثل: ابن العم أو ابن العشيرة. ولا يتوقف الأمر عند الإدلاء بصوته وإنما يتحوَّل إلى داعية متحمس ومتطرف للدعوة إلى انتخاب أبناء العشيرة في مقابل العشائر الأخرى، وهنا نلحظ بشكل واضح جدًا كيف ينتقل إطار التفكير الذي تخلقه القبيلة وتجعله بمثابة دستور لها واجب على أبناء العشيرة اتباعه ومن يتجاوز هذه الأطر بالطبع يتعرض إلى نوع من الوصم. ومن الأمثلة على ذلك، انتقال شكل التحالف أو الصراع بين القبائل والمناطق المُختلفة الموجود داخل المجتمع إلى الجامعة. وهنا تعيد هذه التشكيلات إنتاج نفسها داخل الجامعة، وقد تُصبح الجامعة مُلتقى للصدام ومركزًا للصراع من جديد. ولا يكون الصراع هنا بين الطلبة فقط، إنما باستحضار الأقارب من خارج الجامعة لتصبح الجامعة مركزًا جغرافيًا جديدًا للصراع بين الأطراف، الذي ينتمي كل منهما إلى تحالف جديد داخل الجامعة.
وبالطبع، تخلق مثل هذه القناعات الراسخة صراعات بين الطلبة ومشاجرات حقيقية تؤدي إلى انقسامات في الجسد الطلابي بصورة عامة. وفي ظل احتدام هذا الصراع ما بين هذه الأطراف لا مشكلة لدى الطرفين في تمويل الطلبة بمبالغ عالية جدًا لتحقيق النجاح في الانتخابات، من غير أهمية لكفاءة الطالب نفسه.
وهكذا تساهم النزعة العشائرية في إضعاف فرص المشاركة العادلة، وبالتالي زعزعة أسس العملية الديمقراطية. وهذا لا يحدث في الإطار الجامعي وحسب، بل في المجتمع الخارجي. وإن تواجده في العادة داخل الجامعة، ما هو إلا انعكاس لأشكال الصراع القائمة داخل المجتمع. لقد تسببت مثل هذه الممارسات داخل جامعة اليرموك إلى إيصال ممثلين لا يتمتعون بالكفاءة، الأمر الذي خلق تشوهات في عملية التمثيل ذاتها، وتقصير واضح في نقل هموم الطلبة إلى الإدارة، وفي إحداث أي تغيير إيجابي. وهكذا، تستطيع منظومة التفكير المبنية على أساس العشيرة أن ترحَّل قيم عشائرية من خارج الجامعة إلى داخلها وتظل تسعى دائمًا إلى تكريسها.
لقد أدركت بفعل الملاحظة والمشاركة في انتخابات اتحاد الطلبة في الدورة السابعة والعشرين 2019-2020 وهو آخر مجلس طلابي أنتخب هيئته الإدارية، قبل أن تتعطل الانتخابات الجامعية بسبب أزمة كوفيد، أنَّ كثيرًا من أبناء العشائر الكبيرة التي تتمتع بحضور فعال في المجتمع نجحوا في الوصول إلى مجلس الاتحاد بسبب دعم العشيرة. ولما نجحتُ وأصبحتُ في الهيئة الإدارية، بدأت أدرك مواطن الخلل ورغبت في العثور على أجوبة شافية لهذه الأزمة. فقد حوَّلت اصطدامي بالواقع الصعب إلى موضوع للبحث. وهكذا ولدت فكرة كتابة هذا المقال. وفي حدود علمي لم يتطرق الباحثون إلى دراسة مثل هذه الظاهرة في جامعة اليرموك، ولذا فإن هذا المقال يُشكل دعوةً إلى طلبة الدراسات العليا وخصوصًا طلبة قسم السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا في جامعة اليرموك إلى تفحص هذا الموضوع ودراسته بشكل جاد منهجيًا ونظريًا. وهنا قد يشكل هذا المقال أحد المداخل المهمة لدراسة مثل هذه المواضيع.
في العادة، عندما يحل موعد انتخابات جامعة اليرموك تحدث جلبة حقيقية في أروقة الجامعة، وتبدأ التحركات لإيصال أبناء العشائر إلى المجلس. إذ تبدأ النقاشات حول مؤهلات المرشحين وأهدافهم وبرامجهم. غير أن مثل هذه النقاشات سرعان ما تبدأ بالتلاشي ليحل محلها نقاشات تتعلق بإيصال أبناء العشيرة، وكأن مراكز القوى العشائرية في المجتمع الخارجي لابد لها أن تتمدد داخل الجامعة، وبهذا يصبح الوصول إلى مجلس الاتحاد وإلى قيادته انعكاسًا آليًا لموقع العشيرة في المجتمع الخارجي، وهنا تبدأ صراعات على أسس متعددة. فالذي يطغى هو الصراع الذي يدور بين أبناء عدة عشائر متنفذة. يتصارعون فيما بينهم من أجل ترسيخ الحضور القبلي في الفضاء الأكاديمي. وهناك فئة أخرى من الطلبة تعارض مثل هذه الطريقة في التفكير، وتطالب بأن يظل التركيز على نقل تطلعات الطلاب إلى الإدارة من أجل تحقيق مصالحهم وألا يكون الممثلون أصداء لصراعات قوى خارجية.
وهكذا تجد هذه الفئة نفسها في صراع مع فئات أخرى. تحاول هذه الفئة في الكثير من النقاشات التمسك ببرامج انتخابية واضحة قابلة للتحقيق وقادرة على تحسين العملية التعليمية. ولكن، لهذه الفئة حضور ضعيف في سياقات الصراعات بين أبناء العشائر.
كيف تتصرف إدارة الجامعة حيال هذا الواقع؟
إن هذه الصراعات العشائرية، وبمنطق الدولة الحديثة لا يمكن أن تُحل إلا عبر المؤسسات الشرعية المخولة بذلك، ومن بينها الجامعة أساسًا. وإن أي تراجع عن هذا الدور الذي تقوم به الجامعة يمكن أن يضع العديد من القيم ومن أهمها الديمقراطية في خطر التحلل والارتهان إلى الأمر الواقع، وهو ما ينسحب على المجتمع بدوره، باعتباره ذا طبيعة منجزة بشريًا، وليس معطى طبيعيًا، فأي اهمال للمؤسسات الدولة الشرعية الفاعلة ومنها الجامعة يمكن أن يضع الديموقراطية أمام موت عنيف.
لقد لاحظت أن وصول أبناء العشائر لم يترجم إلى خطط فعلية وحراك حقيقي لتحقيق طموحات الطلاب وأهدافهم. فبعد نجاحهم، يشعرون بأنَّ المهمة تحققت بمجرد وصولهم ووضع أبناء العشيرة في مراكز السلطة، أرى أن الإدارة في الجامعة يروق لها مثل هذا الوضع. إنَّ غياب أي مساندة حقيقية لطموحات الطلبة يعني عدم إدخال الإدارة في مواجهة مطالبة طلابية قد تبدو من وجهة نظرها باهظة الثمن. هنا، يدخل الناجحون من أبناء العشائر في علاقة تواطئية مع الإدارة. يبدو لي من تجربتي الشخصية القائمة على الملاحظة من خلال المشاركة أنَّ مثل هذا الوضع مفيد للجهتين وغير مكلف. غير أنَّ الخاسر الكبير في ظل هذه السياقات المتكررة هو الطالب نفسه الذي طالما يطمح إلى إحداث تغيير حقيقي، ولكنه أيضًا ينخرط أحيانا في هذه المنظومة العشائرية عبر مشاركته فيها. ولذلك يصبح الطالب الذي يعجز الاتحاد عن تحقيق أهدافه جزءًا من المشكلة وليس جزءًا من الحل. نظريًا، يظهر الطالب مقتنعا بأهمية إيصال المؤهلين إلى مجلس الاتحاد وبضرورة وجود برامج انتخابية واضحة وقابلة للتحقيق، ولكن على أرض الواقع سرعان ما يتزعزع هذا الاعتقاد عندما تنهال الضغوط على هذا الطالب وتجبره على العودة إلى القاعدة العشائرية والمناطقية وانتخاب ابنها. وهكذا يعود الطالب من منظور عملي واقعي خالص إلى الانتماءات الأولية.
في الحقيقة، إنَّ أثر هذه النزعة العشائرية لا تتوقف عند نجاح أبناء العشائر، بل تؤثر في المراحل اللاحقة. فكثيرًا ما تقع شجارات ضخمة وعنيفة بين الطلبة من أبناء العشائر أو المناطق. وهذه الممارسات طالما أدَّت إلى إشاعة الرعب بين صفوف الطلبة والأساتذة، وسبيل النجاة الوحيد هو إيقاف المحاضرات وتعطيل العملية التعليمية.
أيضًا، لقد لاحظت وجود علاقة عميقة بين النزعة العشائرية والنزعة الذكورية. فثمة تشابهات كبيرة وكثيرة بين النزعتين. منها أن سلطة الرجل، كما يتصورها هو، طبيعية وناتجة عن استحقاق بيولوجي، بسبب اعتقاد الرجل أنه أقدر من المرأة على تحقيق الرعاية أو الإدارة بصورة عامة. ونزعة العشيرة في أحد جوانبها ذات طابع ذكوري، لأن لابن العشيرة في الجامعة سلطة طبيعية مستمدة من سلطة عشيرته في المجتمع. والنزعتان لا تساعدان المجتمع على التطور الحقيقي.
أحاول أن أسأل نفسي دائما هذا السؤال: ما هو الجانب الإيجابي للفزعة؟
السؤال صعب في حد ذاته. إنَّ فهمي، ببساطة شديدة، لهذا المفهوم يأتي من سياق بلدتي التي نشأت فيها. فالفزعة تعني لي إغاثة الملهوف ومد يد العون إلى أبناء العائلة الكبرى وغير العائلة ممن يحتاجون إلى مساعدة. فالفزعة كما أفهمها مرتبطة دائمًا بقيم التسامح والمساعدة والشهامة وهي قيم ومبادىء نبيلة تنبع من ثقافتنا.
إنَّ وجود العشائر جزء أساسي من الاستقرار والأمن المجتمعي. هذا ربما صحيح، وخاصة عندما تتحقق المنافع السياسية المتبادلة بين العشائر أو القبائل من جهة، وبين الدولة من جهة أخرى. في مقابل الاستقرار السياسي، هناك منافع يحصل عليها زعماء العشائر وخاصة في مناصب حكومية مهمة. أرى أن ما يحدث في الجامعة يشبه إلى حد ما، الذي يحدث في المجتمع العام. فالمسألة في صميمها مرتبطة بصراع القوى وبالتضامن لتحقيق المصالح. إنني أرى أن انتشار هذه الظاهرة وتغلغلها في الجامعة يمثل عقبة حقيقية أمام أي تغيير إيجابي. سلطة العشيرة في المجتمع عقبة أمام التحديث الحقيقي، كما أنَّ النزعة العشائرية في الجامعة عقبة أمام خلق مجلس طلابي فاعل.
في النهاية ومن منظور مختلف، وكما وصفتها حنا آرندت إن المؤسسات ومن بينها الجامعة هي تجسيد لإرادة البشر ومجهوداتهم من أجل بناء العالم كفضاء يصلح للعيش والوجود والتفكير، وليست هذه المؤسسات طبيعية بمعنى أنها معطاة، وإنما هي نتاج خلق مُتأني، وتسميها “بمؤسسات الحقيقة” institutions of truth. إن الجامعات والمحاكم هي أكثر أشكال مؤسسات الحقيقة شيوعاً، فهنالك تربُضُ الحقيقة، والأساتذة والقضاة هم حراسُها. في هذا السياق، هل تكون الجامعة في الأردن إحدى مؤسسات الحقيقة بوصف آرندت؟

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: أبناء العشائر جامعة الیرموک داخل الجامعة فی المجتمع فی الجامعة مثل هذه

إقرأ أيضاً:

ماذا يجري على الحدود بين سوريا ولبنان؟ محاولة لضبط الأمن أم تصفية حسابات مع حزب الله وعهد بشار الأسد

في حديثه مع "يورونيوز"، نفى الشيخ نافذ علي عبد العلي، أحد وجهاء عشيرة آل جعفر الشيعية، أن تختزل الاشتباكات الأخيرة بقضية تهريب مخدرات، قائلًا إن الطرف الآخر يحاول الترويج لهذه السردية عبر وسائل الإعلام، لكن ما حدث ميدانيًا مختلف، مؤكدًا عدم وجود علاقة تربطهم بحزب الله.

اعلان

خلال الأيام الماضية، شهدت الحدود اللبنانية السورية توتراً أمنياً ملحوظاً، حيث اندلعت اشتباكات دامية بين القوات التابعة للنظام السوري، والتي تتألف بشكل رئيسي من عناصر هيئة تحرير الشام من جهة، الجماعة السنية التي أطاحت بنظام بشار الأسد، والعشائر اللبنانية الشيعية التي تسكن منطقة الهرمل من جهة أخرى.

أسفرت المعارك عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، وشهدت المنطقة عمليات خطف، فضلاً عن تبادل إطلاق النار باستخدام الأسلحة الثقيلة والمتوسطة. كما شارك الجيش اللبناني بالمعركة جزئيًا، حيث رد على مصادر النيران القادمة من الأراضي السورية.. فما القصة؟

بعد أيام من الاشتباكات، بعث الجيش اللبناني بتعزيزاته على الحدود مع سوريا، إثر ورود أنباء عن مكالمة هاتفية بين الرئيس اللبناني جوزاف عون والرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، المكنّى سابقا بأبو محمد الجولاني، لاحتواء الوضع المتأزم ومنع وقوع فتنة طائفية، وانتشرت الجيش اللبناني في النقاط التي وقعت فيها المعارك. إلا أن الأحداث الماضية تثير تساؤلات حول ما جرى، خاصة مع التضارب في السرديات وظهور مخاوف من تصاعد الصراع بين الطرفين اللذين تجمعهما خلفية طويلة من التوترات.

ما خطورة المسألة؟

خصوصية منطقة الهرمل: تعدّ الهرمل الواقعة، شمال شرق لبنان، واحدة من المناطق التي يغلب عليها الطابع القبلي، حيث تقطنها مجموعة من العشائر المنتمية للطائفة الشيعية مثل زعيتر، جعفر، نون، شمص، وجمال وغيرها. وتواجه الهرمل تحديات في ترسيم الحدود الفاصلة بين الأراضي اللبنانية والسورية، إذ لا يزال الترسيم غير واضح المعالم. كما أن لهذه العشائر اللبنانية امتدادا إلى القرى السورية الحدودية، حيث تسكن هناك منذ مئات السنين.

وتتمتع الهرمل بنوع من الاستقلال الأمني والإداري، وهو ما يُعزى جزئيًا إلى تهميشها من قبل الدولة المركزية على مرّ الزمن. كما أنها، ونظرًا لموقعها، تُستغلّ من قبل تجار المخدرات.

جنود من الجيش اللبناني يقفون بجانب سيارة مدمرة في موقع الغارة الجوية الإسرائيلية يوم الاثنين في قرية إيطو، شمال لبنان، الثلاثاء، 15 أكتوبر/تشرين الأول 2024Hussein Malla/ AP

تاريخ من الدماء بين جبهة النصرة والعشائر: قبل نحو 9 سنوات، شنت جبهة النصرة التي كان يتزعمها أبو محمد الجولاني المعروف حاليا باسم أحمد الشرع، مع تنظيم "داعش"، حملة شرسة على جرود لبنان خلال الحرب الأهلية السورية، سيطروا خلالها على جزء من القرى الحدودية. واشتعلت في تلك الفترة معارك لتحرير الأراضي من النصرة وداعش، عُرفت في لبنان باسم "فجر الجرود" شاركت فيها العشائر المسلحة وحزب الله إلى جانب الجيش اللبناني الذي كان يقوده آنذاك جوزاف عون وقد أسفرت تلك المعارك عن دحر جبهة النصرة وداعش، وساهمت في تعزيز الروابط ما بين الجيش وحزب الله والعشائر.

الوضع اختلف: يأتي توقيت الاشتباكات الحالية في ظرف شديد الحساسية بالنسبة للبلدين. فقد خرج لبنان للتو من حرب طاحنة مع إسرائيل ناهيك عن انشغاله بتحديات اقتصادية وسياسية أولها تشكيل الحكومة.

أما حزب الله، الذي شارك في الحرب الأهلية السورية، فقد قرر عقب الحرب الأخيرة، أن يعتكف عن ممارسة نشاطاته العسكرية ويسلم الملف الأمني للدولة اللبنانية التي يرى البعض أنها عاجزة عن السيطرة عليه، خاصة في ظل تواجد الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان.

وبالنسبة لسوريا، فقد تغيّر الحكم بعد أن أطاحت المعارضة المسلحة بقيادة أحمد الشرع بنظام بشار الأسد نهاية العام الماضي. ولا تزال البلاد تواجه صعوبات في الإمساك بزمام الأمور من الناحية الأمنية، لاسيما فيما يتعلق بحل الفصائل المسلحة وتشكيل جيش وطني جامع.

وتخشى العشائر أن تكون الاشتباكات الحالية، في ظل تراجع قوة حزب الله العسكرية، وانشغال الجيش بجنوب لبنان، محاولة للانتقام منها من قبل هيئة تحرير الشام، رغم إعلان الشرع عن حل جميع الفصائل المسلحة، واختلاف الراوية الرسمية السورية بشأن أصل الاشتباكات.

ما سردية الطرفين حيال الاشتباكات الحالية؟

من جانبها، قالت قوات الأمن السورية إن المعارك على الحدود مع لبنان تأتي في سياق محاولتها لضبط الأمن في تلك المنطقة وأن عملياتها كانت تستهدف "مهربين وأفراد مطلوبين للدولتين وأشخاص تابعين لحزب الله"، ولم تكن مع العشائر اللبنانية.

منشور سانا بخصوص الاشتباكات على الحدود اللبنانية

في المقابل، أصدرت العشائر بيانًا قالت فيه إن "قوات النظام السوري بادرت بإطلاق النار على بيوت المدنيين في القرى اللبنانية المتاخمة للحدود مع سوريا"، وهو ما استدعى ردًا ناريًا منها. وأكدت على عدم وجود علاقة تربطها بحزب الله، أو بتجّار المخدرات الذين يعدون حالات فردية لا يصح تعميمها.

Relatedسبقت هيئة تحرير الشام إلى دمشق وزعيمها يفوق الشرع طموحًا.. ما مصير الفصائل الجنوبية في سوريا؟وُلدت تحت الأنقاض ونجت بأعجوبة.. كيف تعيش الطفلة عفراء بعد عامين على زلزال سوريا الكارثي؟توحيد السلاح في سوريا: رغبة السلطة وتناقضات الواقعكيف بدأت الاشتباكات؟

في حديثه مع "يورونيوز"، نفى الشيخ نافذ علي عبد العلي، أحد وجهاء عشيرة آل جعفر الشيعية، أن تُختزل الاشتباكات الأخيرة بقضية تهريب مخدرات، قائلًا إن الطرف الآخر يحاول الترويج لهذه السردية عبر وسائل الإعلام، لكن ما حدث ميدانيًا مختلف، مؤكدًا عدم وجود أية علاقة تربطهم بحزب الله.

وشرح عبد العلي أن العلاقة مع دمشق بدأت تتوتر حديثًا، وقد تضررت على إثرها بعض العائلات اللبنانية التي تسكن القرى السورية الحدودية.

ولفت عبد العلي لـ"يورونيوز" إلى أن عشيرته، على غرار عائلات شيعية أخرى كزعيتر ونون، كانت تسكن المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا "منذ مئات السنين". وبعد اتفاقية "سايكس بيكو" التي قسمت منطقة الشرق الأوسط عام 1916، بقيت تلك العشائر مستقرة في القرى الحدودية السورية مثل جرماش ووادي الحوراني ومراح البدوي، وحافظت على علاقة طيبة مع الجانب السوري.

اعلانالشيخ عبد العلي يقرأ البيان الصادر عن عشيرة آل جعفر فيما يخص الاشتباكات

أما بعد سقوط نظام الأسد، قال عبد العلي إن عشيرة آل جعفر طلبت من أقربائها الشيعة الذين يسكنون القرى السورية الانسحاب باتجاه الحدود اللبنانية، خشية حدوث توترات مع النظام الجديد ووقوع فتنة طائفية قبيل إعادة تشكيل الدولة، وهو ما استجابت له العشائر، على حد تعبير الشيخ.

وبعد انسحاب العشائر إلى الجانب اللبناني، قال عبد العلي لـ"يورونيوز" إن النظام السوري الجديد "باشر بقصف القرى اللبنانية، بالمدافع والطائرات المسيرة، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من المدنيين، وهو ما دفع العشيرة للرد بإطلاق النار على قوات النظام.

وتابع الشيخ قائلا:"وصلنا إلى هذا الواقع ولم نكن نتمناه"، مؤكدًا على عدم وجود رغبة لدى العشائر اللبنانية بوقوع فتنة طائفية، نظرًا لحساسية المرحلة التي تمر بها سوريا.

وشدد عبد العلي على رغبة العشائر بالتوصل إلى حل يقضي بالعيش المشترك ويحافظ على حقوق العائلات اللبنانية التي تسكن القرى السورية الحدودية، لأنّ "شرعيتها تأتي من تواجدها التاريخي في تلك المنطقة".

اعلانفصيل تابع لهيئة تحرير الشام يدخل على الخط ويشتبك مع العشائر اللبنانية

في هذا السياق، قال محمد عواد، مستشار في العلاقات السياسية، وأحد الوسطاء الذين اطلعوا على الملف وتواصلوا مع الطرفين، إن القرى التي جرت فيها الاشتباكات كان يسكنها بعض المهرّبين، لكنهم "لا يمثلون سوى أنفسهم ولا يمكن تعميم الاتهام على جميع المواطنين".

وتابع لـ"يورونيوز" أنه بعد سقوط نظام الأسد "تعاملت بعض القوات السورية مع سائر العشائر على أنهم مطلوبون"، وذلك بعدما دخل لواء "علي بن أبي طالب"، إحدى الكتائب التابعة لهيئة تحرير الشام، قرية حاويك في ريف حمص."

وشرح الوسيط الذي تواصل مع النظام السوري، أن الكتيبة، و"بسبب عدم إلمامها بطبيعة المنطقة"، ظنت أن أهالي القرية على صلة بحزب الله، فأخطأت التقدير وجرت الاشتباكات، قبل أن يتراجع النظام ويسحبها من المنطقة.

أفراد من قوات الأمن الجديدة يقفون للحراسة عند نقطة تفتيش تقع بالقرب من الحدود مع لبنان، في بلدة سرغايا، سوريا، الثلاثاء، 7 يناير/كانون الثاني 2025Leo Correa/APما مصير العشائر اللبنانية في سوريا؟

بعد هدوء الوضع نسبيًا، يلفت عواد إلى ضرورة توصل السلطات من كلا الجانبين إلى حل عادل للعشائر اللبنانية التي تسكن الأراضي السورية منذ مئات السنين.

اعلان

ويردف: "لا يمكن للدولة اللبنانية التعامل مع هذه القرى على أنها ملك لها، كما لا يمكن للجانب السوري التعامل مع هذه العائلات على أنها عدوّ له".

كما شدد الشيخ عبد العلي على ذات المطالب، قائلًا إنهم في انتظار أن يستتب الأمن في سوريا حتى يتمكنوا من التوصل إلى صيغة مع الدولة السورية يستطيعون من خلالها الحفاظ على نظام حياتهم السابق والعيش بشكل آمن.

قضية ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا من أولويات المرحلة الجديدة

يُذكر أن رجل دمشق القوي أحمد الشرع ، وفي أول لقاء له مع رئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي، أكد على موضوع ترسيم الحدود يعدّ أولوية لإدارته، واتفق مع ميقاتي على أن يتابع الملف لجنة مختصة، كما شدد على مسألة مكافحة التهريب، قائلاً: "هناك ضرورة لتعزيز الإجراءات المتبادلة والمشتركة على الحدود لحماية أمن البلدين وسيادتهما ومنع أي أعمال تضرّ بهما وبأمنهما واستقرارهما".أما بعد الأحداث الأخيرة، فيبدو أن الطرفين سيكونان أمام تحديات صعبة.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية هل تخلت واشنطن عن محاربة داعش؟ حديث عن نهاية وشيكة للوجود العسكري الأمريكي في سوريا الشرع يدعو أردوغان لزيارة سوريا في أقرب وقت ويقول "الدم السوري اختلط بالدم التركي في معارك التحرير" سوريا: إصلاحات اقتصادية جذرية.. خطة لتسريح ثلث العاملين بالقطاع العام وخصخصة شركات مملوكة للدولة تهريبسوريابشار الأسدأبو محمد الجولاني اشتباكاتلبناناعلاناخترنا لكيعرض الآنNext تصعيد أمني ونزوح جماعي وخطط لإقامة معسكرات إسرائيلية دائمة.. ماذا يجري بالضفة الغربية؟ يعرض الآنNext مهندس "خطة الجنرالات": إسرائيل فشلت بتحقيق أهدافها في غزة يعرض الآنNext زيلينسكي: هجوم روسي بطائرة مسيرة يستهدف محطة تشيرنوبيل النووية يعرض الآنNext بوادر توتر في واشنطن.. طريقة عمل إيلون ماسك تثير تذمر كبار الموظفين في البيت الأبيض يعرض الآنNext مجلس الشيوخ الأمريكي يقرّ تعيين روبرت كينيدي الابن وزيراً للصحة.. فمن هو؟ اعلانالاكثر قراءة ألمانيا: 28 إصابة في حادث دهس بميونيخ والمنفذ لاجئ أفغاني دراسة جديدة تكشف: أدوية السمنة قد تساعد في تقليل الرغبة في الكحول والتدخين زيلينسكي: كييف لن تقبل أي اتفاق بين موسكو وواشنطن دون مشاركتها شح المساعدات يدفع سكان غزة للركض وراء شاحنات الإغاثة علّهم يظفرون ببعض الغذاء والدواء تايوان: انفجار في متجر بتايتشونغ يخلف 4 قتلى وعشرات المصابين اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومدونالد ترامبإسرائيلقطاع غزةالصحةإيلون ماسكالصراع الإسرائيلي الفلسطيني فلاديمير بوتينضحاياقصفالضفة الغربيةالاتحاد الأوروبيحريقالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

مقالات مشابهة

  • «الارتباط بين العقد والسلوك» ندوة لتجديد الخطاب الديني لمفتي الجمهورية بجامعة مدينة السادات
  • مفتي الجمهورية يحذر طلاب جامعة الإسكندرية من المنصات المروجة للانحلال الأخلاقي
  • جامعة عين شمس تنظم «مهرجان العطاء» لدعم المجتمع وتنمية البيئة.. اليوم
  • افتتاح معرض أهلا رمضان في جامعة عين شمس.. غدا
  • “أهلًا رمضان” في جامعة عين شمس الأحد المقبل
  • افتتاح معرض أهلًا رمضان بجامعة عين شمس
  • الأحد .. مهرجان شريان العطاء بجامعة عين شمس
  • ماذا يجري على الحدود بين سوريا ولبنان؟ محاولة لضبط الأمن أم تصفية حسابات مع حزب الله وعهد بشار الأسد
  • جامعة قناة السويس تناقش تأثير الذكاء الاصطناعي على المجتمع بندوة توعوية
  • جامعة قناة السويس تعزز ثقافة البيئة الخضراء بندوة توعوية لطالبات مدرسة الشاطئ الإعدادية