«مسؤول أممي»: المدنيون يدفعون ثمناً باهظاً في «غزة»و«السودان»
تاريخ النشر: 21st, May 2024 GMT
قال مارتن غريفيثس: كان لدينا حلم ذات يوم أننا نستطيع أن نجتمع معا لإنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب”، وأضاف:حالت المنافسة المستمرة والعداء والعدوان بين الدول دون تحول هذا الحلم إلى حقيقة لعدد كبير جدا من الناس
التغيير:(وكالات)
أمام منتدى الأمن العالمي في العاصمة القطرية الدوحة، قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إن المدنيين في كل من غزة والسودان يدفعون ثمنا باهظا كل يوم في ظل الفشل في التوصل لتوافق في الآراء بشأن الحلول.
وفي المنتدى الذي أقيم تحت شعار “المنافسة الاستراتيجية: الترابط المعقد”، قال مارتن غريفيثس “كان لدينا حلم ذات يوم أننا نستطيع أن نجتمع معا لإنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب”، في إشارة إلى ما ورد في مـيثاق الأمم. وأضاف غريفيثس: “لكن حالت المنافسة المستمرة والعداء والعدوان بين الدول دون تحول هذا الحلم إلى حقيقة لعدد كبير جدا من الناس”.
وأشار كذلك إلى أنهم شهدوا كيف كانت المنافسة الاستراتيجية “هي اليد الخفية – أو ليست الخفية بشكل كبير – وراء اندلاع صراعات لا نهاية لها على ما يبدو. وكيف أعاقت الجهود المبذولة لمنع الصراعات وحلها”.
شهد العالم تفشي “المآسي والصدمات المدمرة التي لا يمكن تصورها” في غزة والسودان، وذلك في وقت تظل الحرب في أوكرانيا مصدر قلق كبير
ولفت غريفيتثس، نقلاً عن موقع الأمم المتحدة، إلى كيف شهد العالم تفشي “المآسي والصدمات المدمرة التي لا يمكن تصورها” في غزة والسودان، وذلك في وقت تظل الحرب في أوكرانيا مصدر قلق كبير.
كما أشار إلى أن الناس في سوريا يواجهون أسوأ وضع إنساني منذ أكثر من 13 عاما من الحرب الرهيبة، بينما “نقترب من عشر سنوات من الحرب في بلدي العزيز اليمن”.
الحيلولة دون الاستجابة الجماعية
ونبه المسؤول الأممي إلى أن المنافسة الاستراتيجية لا تقتصر على منع حل الصراعات فحسب، بل إنها تغذيها أيضا، من خلال قيام الدول القوية في كل منطقة بتسليح أو دعم الأطراف المتحاربة، أو حمايتها من الضوابط الدولية.
وأشار كذلك إلى كيف أن المنافسة الاستراتيجية والحمائية الاقتصادية حالت دون الاستجابة الجماعية الكافية لأزمة المناخ، وجائحة كوفيد-19، ومواجهة عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية.
وشدد على أن تغير المناخ الناجم عن النشاط في البلدان المتقدمة والنامية له تأثير أكثر ضررا على أولئك الذين فعلوا أقل ما يمكن للتسبب فيه، وغالبا ما يكونون على بعد آلاف الأميال من أماكن التسبب فيه.
تزايد الاحتياجات الإنسانية
وأشار منسق الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ إلى تزايد الاحتياجات الإنسانية بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية.
وأضاف “تشير تقديراتنا هذا العام إلى أن 300 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية في جميع أنحاء العالم. وبطبيعة الحال، لم نقترب من هذا الرقم من قبل”.
وأشار إلى وصول النزوح وانعدام الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية إلى مستويات مرتفعة تاريخيا، فضلا عن الارتفاع في حالات الطوارئ الصحية، والإفلات من العقاب. وقال غريفيثس “كما ترون، أنا لا أبالغ في تقدير الوضع اليائس”.
الأمل والإنسانية
وأكد وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية أنه مازال هناك أمل، وأن “الإنسانية موجودة في كل مكان بنفس القوة التي كانت عليها دائما”.
وشدد على أهمية الدبلوماسية الإنسانية التي قال إنها أصبحت “شائعة ومهمة للغاية في هذه الأوقات المحفوفة بالمخاطر”.
الدبلوماسية الإنسانية تشتمل على ثلاثة عناصر بما فيها المفاوضات كما هو الحال الآن في السودان
وقال إن تلك الدبلوماسية الإنسانية تشتمل على ثلاثة عناصر بما فيها المفاوضات كما هو الحال الآن في السودان، لخلق الفرص للوكالات والمجتمعات للحصول على الرعاية الصحية وغيرها من أشكال المساعدات الإنسانية.
العنصر الثاني هو الوساطة التي تنهي المعارك والحروب، وفقا لغريفيثس الذي قال إن العنصر الثالث هو تعزيز المبادئ الإنسانية والذي يشكل أساس العنصرين السابقين. وأضاف “لدي أمل لأنه في أشرس الصراعات، كانت الدبلوماسية الإنسانية تتلمس تحقيق الصالح العام”.
وأوضح غريفيثس أن ما أعطاه أوضح دليل على وجود أمل على مدى السنوات الثلاث الماضية هو شجاعة وتصميم المجتمع الإنساني بمن فيهم العاملون الدوليون والوطنيون في المجال الإنساني.
وختم المسؤول الأممي كلمته بالقول “سوف تصمد الإنسانية أمام قرارات القادة السيئين. وتبقى الإنسانية هي المنارة التي سترشدنا جميعا”.
الوسومالأمم المتحدة المساعدات الإنسانية حرب الجيش و الدعم السريع قطاع غزةالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأمم المتحدة المساعدات الإنسانية حرب الجيش و الدعم السريع قطاع غزة المنافسة الاستراتیجیة الدبلوماسیة الإنسانیة إلى أن
إقرأ أيضاً:
رؤية نقدية لمؤتمر لندن للقضايا الإنسانية حول السودان
د. محمد عبد الحميد أستاذ مادة الحد من مخاطر الكوارث بالجامعات السودانية
لا ينطلقُ كاتب هذا المقال من أي موقف عدائي أو حتى متوجس نحو بريطانيا صاحبة الدعوة لمؤتمر لندن حول القضايا الإنسانية في السودان الذي عُقد في منتصف أبريل 2025م ... فالكاتب عمل ومايزال منذ العام 2013م ضمن فريق المدربين المشاركين بمنظمة RedR UK البريطانية وهي منظمة تعمل في تدريب الكوادر والأطر العاملة في الحقل الإنساني. كما أن الكاتب لا يشعر بالإنتماء النفسي أو الوجداني لمنظومة الحكم القائم الآن في السودان. وإنما يسعى لتسليط الضؤ من ناحية تخصصية لأوجه القصور التي شابت المؤتمر والدعوة له.
إن أهم ما نُركزُ عليه عادةً في تدريب الكوادر والطواقم الإنسانية في حالة أي تدخل إنساني هو عملية "تحليل السياق الكلي" للواقع الذي يُراد التدخل فيه. وذلك للتعرف على أصحاب المصلحة Stakeholders بإستخدام شكل فين Venn Diagram وهي الأداة التي تُحدد القوى أو الفاعِليّات المؤثرة والمتأثرة بعملية التدخل الإنساني إن كان مشروعاً إنسانياً أو برنامجاً تنموياً أو حتى دراسة مسحية... وتضمن هذه العملية عنصرين مهمين الأول: عدم ترك أي فاعل او صاحب مصلحة خلف المتدخلين. الثاني: مد جذور الثقة بين المتدخلين إنسانياً وأصحاب المصلحة لتحقيق أكبر فائدة مرجوة من عملية التدخل الإنساني.
إضافة لعملية تحليل السياق يتم التأكيد على الصبغة الإنسانية الخالصة لعملية التدخل والتي تحتكم في مجملها على مجموعة مبادئ وقيم يجب أن تُوضع في لُب عملية التدخل وهي الإلتزام بالمعايير الأخلاقية الأساسية لعملية التدخل الإنساني بعيداً عن المواقف السياسية أو التحيزات الفكرية أو العقائدية أو الإثنية أو ما إلى ذلك... وذلك بالتمسك الصارم بجملة قيم أهمها ما ورد في المبادئ الحاكمة للحركة الدولية لجمعيات الهلال والصليب الأحمر وهي مبادئ (الإنسانية، الحياد، عدم التحيز، الخدمة التطوعية والإستقلالية) فإذا كانت الإنسانية بشكل عام مفهومة وتقضِي أو تهدف لحماية الإنسان وحفظ كرامته، فمن الضروري التوقف سريعاً عند مبدئي الحياد وعدم التحيز... وهما المبدآن اللذان يصنعا الثقة في الفاعل الإنساني ويمهدا له ضمن إشتراطات أخرى ما يُعرف في أدبيات الإتحاد الدولي للصليب والهلال الأحمر بالوصول الآمن Safe Access... إن التَقيّدَ بجملة هذه المبادئ والإجراءات تُبعِد الفاعل الإنساني من "غُواية الموقف السياسي" وتجعله محلاً للثقة وتضمن بالتالي سلاسة التدخل وأمن المتدخلين وبلوغ عملية التدخل غاياتها وهي تقديم الخدمات الإنسانية اللازمة للمستفيدين.
يمكن القول إجمالا أن بريطانيا في دعوتها للمؤتمر لم تلتزم بكونها فاعل إنساني. فقد أهملت أصحاب المصلحة في النزاع لا سيما الحكومة السودانية بإعتبار أنها صاحبة مصلحة في عملية التدخل، وقد كان يقتضي التقيّد بمبدئي الحياد وعدم التحيز. كما كان جدير بها ألاَّ تتصرف مع حكومة السودان بموقف سياسي مُسبق حتى لو كانت الأخيرة متهمة بعرقلة عمليات الإستجابة الإنسانية... وما يُثير الدهشة أن بيان المؤتمر قد أوصى بضرورة فتح الممرات الإنسانية الآمنة لعمليات الإغاثة في المعابر وهذه توصية لا يمكن تحقيقها إلا عبر التفاهم مع أصحاب المصلحة في هذه الحالة هما الحكومة وقوات الدعم السريع. وهو الأمر الذي يفقد في المحصلة النهائية بريطانيا المصداقية في التدخل الإنساني ويؤكد طغيان الموقف السياسي على الدوافع الإنسانية.
إن قصور بريطانيا في كيفية الدعوة للمؤتمر لم تقتصر فقط على الناحية الفنية وما يرتبط بها من فقدان للمصداقية، وإنما أتبعته بقصور دبلوماسي كذلك، وهو الأمر الذي ما كان ينبغي أن يفوت على دولة عُظمى كبريطانيا صاحبة الخبرة الجمّة في المجال الدبلوماسي.
مهما يكن من شئ، فالمعروف أن عقد المؤتمرات من هذه الشاكلة يُعتبر محفلاً دبلوماسياً لا سيما وأن بريطانيا قد قصدت بأن يكون متعدد المسارات Mluti track، فقد وجهت الدعوة لِطيفٍ واسعٍ من دول جوار السودان والفاعلين الإقليميين والدوليين دولاً ومنظمات وحتى دولة الإمارات المتهمة بدعم أحد طرفي الحرب. فقد كان من المفترض أن تسعى بريطانيا لتنفيذ غايات المؤتمر عبر التفاوض والتقارب المباشر مع "الأطراف المعنية الحكومة والدعم السريع" بممارسة النفوذ عليهما إما بطرح الحوافز والمغريات، أو التلويح بالعقوبات والجزاءات كل ذلك في إطار دبلوماسي هادئ ورزين يُبيّنُ للطرفين المتنازعين ويشرحُ لهما عواقب ما قد يترتب على عدم السماح بتمرير المساعدات الإنسانية من المواقع التي يسيطران عليها في الميدان.. فقد كان جدير بالمحفل الدبلوماسي أن يكفل في نهاية الأمر وسيلة ناجعة للتواصل والتفاهم ويأخذ على طرفي الحرب ميثاقا غليظاً لمراعاة جوانب المعاناة التي تحيق بالمدنيين جراء نقص الحاجات الإنسانية. وهذا ما كاد يقوله وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي عند تأكيده بأن الحالة السودانية تتطلب (دبلوماسية صبورة)، فبرغم وجاهة هذا الطرح إلا أنه قد أُفرغ من محتواه تماماً بتغييب أطراف النزاع.. فلم تعد الدبلوماسية التي أنجزها المؤتمر سوى تظاهرة علاقات عامة جُمِعت فيها تبرعات وتعهدات والتزامات تماماً كما حدث في مؤتمر باريس في مايو من العام 2024م حيث أصبح مؤتمر لندن وكأنه deja vu لمؤتمر باريس.
ربما كان هذا القصور الدبلوماسي البريطاني ومن قبله الفرنسي مؤشران على أن الدبلوماسية الأوربية ليست في أحسن حالاتها. وأن إغفالها هذا الجانب المهم بهذه الطريقة وفي هذا الظرف الحرج الذي يموج بالتغيرات السياسية على الصعيد الدولي قد يقصي بها عن كونها فاعل قوي على الساحة السياسية السودانية ليفتح الأفق للاعبين آخرين لديهم أطماعهم ومصالحهم في منطقة القرن الأفريقي، كالصين وروسيا.
إن فشل بريطانيا ومن قبلها فرنسا الذريع في أحداث اختراق في الحالة الإنسانية في السودان عبر الدبلوماسية يؤكد صدقية رؤية ومقولة السياسي والدبلوماسي والمفكر السينغافوري كشور محبوباني بأن القرن الحادي والعشرين لم يعد غربياً وإنما آسيوياً.
د. محمد عبد الحميد
wadrajab222@gmail.com