قمة المنامة .. وضرورة تماسك الموقف العربي !
تاريخ النشر: 20th, May 2024 GMT
في الوقت الذي تمثل فيه المواجهة الشرسة وغير المسبوقة في قطاع غزة بين حركة حماس وإسرائيل منذ السابع من أكتوبر الماضي حرب استنزاف عالية الخسائر للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي من ناحية ونقطة تحول متعددة الأبعاد بالنسبة للقضية الفلسطينية وللواقع السياسي لاحتمالات الحل السياسي ولمستقبل الأوضاع في الشرق الأوسط من ناحية ثانية، فإن الحرب الهمجية التي تشنها إسرائيل والسعي إلى توسيع رقعة الحرب في رفح واستمرار العمليات حتى تحقيق أهداف الحرب وتحرير الرهائن الإسرائيليين حسبما أعلن نتانياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي «جالانت» الذي قرر زيادة عدد القوات الإسرائيلية بمقدار لواء وهو ما يكفي عند استكماله لشن هجوم واسع النطاق في رفح بغض النظر عن تعهدات وتأكيدات نتانياهو أن حجم الهجوم على رفح سيظل محدودًا من حيث النطاق والاتساع وآخرها قبل أيام بأن المخاوف التي أثيرت بشأن اجتياح رفح «لم تحدث ولن تقع على حد زعمه» ولكن الحرب على الأرض لها منطقها وخطواتها التي تهتم عادة بتكتيكات وسير العمليات وما يمكن أن تحققه دون النظر إلى أي تصريحات أو تعهدات سابقة تلتهمها نيران العمليات بشكل أو بآخر ولا يهتم بها أحد في الواقع!!.
وإذا كانت إسرائيل قد دأبت على شن عملياتها ضد الفلسطينيين بالتزامن مع اجتماعات أو فعاليات عربية كنوع من التحدي والضغط على الموقف العربي العام، والأمثلة في هذا المجال أكثر من أن تحصى على مدى السنوات الأخيرة، فإنه يمكن القول إن قمة المنامة العربية الثالثة والثلاثين هي في أحد جوانبها بمثابة الرد العربي على التحدي الإسرائيلي وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي:
أولًا: إن قمة المنامة تكتسب أهميتها في الظروف الراهنة ليس فقط من أنها تمثل أول قمة عربية منذ أكتوبر الماضي تتناول بالبحث المواجهة بين حماس وإسرائيل، وكذلك مجمل الأوضاع العربية، وهو ما يعني وضع التطورات الجارية في غزة أمام أعلى مستوى عربي، بغض النظر عن أنه تم تناول الحرب في غزة في اجتماعات وزراء الخارجية الخليجيين والعرب في الفترة الماضية في اجتماعات مجلس التعاون واجتماعات الجامعة العربية، يضاف إلى ذلك أن استضافة المنامة للقمة العربية من شأنها أن تتيح إمكانية الاستفادة من الدبلوماسية الهادئة للبحرين الشقيقة ومن علاقاتها الطيبة مع كل الأشقاء العرب، ومن ثم كانت القمة بمثابة التقاء عربي تتطلع إليه الشعوب العربية لتحديد موقف عربي جماعي مما يجري في غزة، وهو الأخطر منذ أكثر من سبعة عقود وذلك بحكم عوامل عديدة فلسطينية وعربية وإقليمية ودولية، ولم يعد ممكنًا ولا مقبولًا إلقاء المسؤولية في حدوثها على عاتق الأطراف الخارجية حتى في أحلك وأسوأ المواجهات بين الفلسطينيين وإسرائيل.
وبالرغم من الحالة العربية التي تبعث على الرثاء على المستويين الفردي والجماعي إلا أن قمة المنامة شهدت أول لقاء سوري سعودي رفيع المستوى بين الرئيس السوري بشار الأسد وبين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وهو مؤشر على اتجاه العلاقات السعودية-السورية نحو الانفراج، ويدعم ذلك أيضا تنازل سوريا عن استضافة القمة العربية القادمة ليستضيفها العراق للتهيئة لمزيد من الإدماج العراقي في الشؤون العربية. وبالرغم من أن هناك أكثر من دولة عربية باتت ضمن الدول الفاشلة سواء بسبب الحروب الأهلية أو الانقسامات الداخلية أو الارتهان لعلاقات تبعية بشكل أو بآخر لقوى إقليمية تسعى إلى التمدد على حساب الجغرافيا العربية على عكس أي ادعاءات معلنة، إلا أن التآم القمة العربية في المنامة والتوافق الواضح بين الأشقاء حول أكثر من قضية عربية يبعث على الأمل في إمكانية تمتين أو دعم الموقف الجماعي العربي للسير نحو ما يحقق المصالح الجماعية العربية. وكان من المأمول في الواقع أن يكون التآم الصف والوحدة الوطنية الفلسطينية في المقدمة في مثل هذه الظروف العربية الحرجة، ولكن المؤسف أن السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة حماس تبادلتا الاتهامات قبل أن يجف مداد البيان الختامي للقمة وهو أمر مؤسف برغم تعدد وتنوع الاجتماعات بين الفصائل الفلسطينية.ثانيًا: إنه في ظل الجدل الذي صاحب التراجع الإسرائيلي المتعمد عن مشروع الاتفاق حول صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والمحتجزين بين حماس وإسرائيل وما صاحبه من تحميل واشنطن يحيى السنوار مسؤولية إفشال المحادثات من ناحية، وما صاحبه أيضا من تبادل القاهرة وتل أبيب الاتهامات وإلقاء كل منهما على الأخرى تبعات ومسؤوليات ازدياد معاناة الفلسطينيين في غزة ورفح، فإن وضوح المسؤولية الإسرائيلية المتمثل في إغلاقها للمعابر البرية مع غزة بعد احتلالها للجانب الفلسطيني من معبر رفح ومطالبتها الوقحة لمصر بفتح معبر رفح أمام تدفق الفلسطينيين إلى الجانب المصري هربا من الحرب وهو في الحقيقة محاولة لتسهيل عملية تهجير الفلسطينيين إلى سيناء وقد رفضته القاهرة أكثر من مرة ونفت أي تنسيق مع إسرائيل بشأن معبر رفح، مع تأكيد القاهرة تمسكها القوي والحاسم برفض تهجير الفلسطينيين خارج أرضهم ورفض تصفية القضية الفلسطينية وهو ما أكدته أيضا قمة المنامة هو في الواقع صدى للخلافات المكتومة بين مصر وإسرائيل ولعل مما له دلالة في هذا المجال أن تعلن القاهرة انضمامها إلى جنوب إفريقيا في الدعوى المقامة أمام محكمة العدل الدولية حول ممارسة إسرائيل للإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، يضاف إلى ذلك أن مصر أكدت مسؤولية إسرائيل في فتح المعابر وفي تيسير نقل المساعدات الغذائية إلى قطاع غزة. ومن منطلق واقع أنها دولة احتلال وأنها مسؤولة بحكم قواعد اتفاقيات جنيف وقواعد القانون الدولي الإنساني عن تيسير الأوضاع في غزة ورفح وليس تأزيمها -كما يحدث الآن- وبينما تم تشغيل الجسر البحري بين قبرص وغزة لنقل أول شحنة مساعدات إلى غزة -نحو 300 طن- في نهاية الأسبوع الماضي ، إلا أن هذا الجسر لن يوفر بديلا كافيا عن معبر رفح حتى لو تمت زيادة حجم المساعدات التي سيتم نقلها بإشراف إسرائيل والتحكم في توزيعها.
ومع الوضع في الاعتبار ما تردد حول احتمال خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل، أو حتى احتمال انسحاب مصر من الإسهام في الوساطة بين حماس وإسرائيل، فإن ذلك أمر يصعب حدوثه لاعتبارات سياسية وعملية وكذلك بالنظر إلى أن استمرار مصر في الإسهام بدور نشط في الوساطة هو أمر مهم وتشعر مختلف الأطراف بأهميته وقيمته، ولا يتعارض ذلك مع وجود خلافات بين مصر وإسرائيل وهو ما حدث من قبل، خاصة أن واشنطن تحرص على استمرار الدور المصري الإيجابي في الوساطة، وتسعى إلى التوصل إلى صيغة ما لإعادة فتح معبر رفح، ولكن مصر رفضت أكثر من اقتراح إسرائيلي في هذا المجال حيث أكدت أن إعادة فتح معبر رفح يجب أن يكون بإدارة فلسطينية كاملة وهو ما لا تريده إسرائيل خشية سيطرة حماس عليه وهي -إسرائيل- تريد التخلص منها.
ثالثًا: لعل مما له دلالة أن قمة المنامة أكدت على التمسك العربي بخيار السلام وحل الدولتين كمخرج لا غنى عنه لتحقيق السلام والاستقرار والأمن لكل دول وشعوب المنطقة، وبينما دعا القادة العرب إلى نشر قوة حفظ سلام أممية -دولية- في قطاع غزة وهي دعوة تعود إلى عدة سنوات مضت حيث ناشدت منظمة التحرير الفلسطينية الأمم المتحدة مرارا حماية الشعب الفلسطيني من البطش الإسرائيلي ووضعه تحت حماية دولية حتى يتم تنفيذ حل الدولتين وفق خطة دولية محددة، ووفق سقف محدد يتم تحديده، كما دعا إعلان المنامة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام، تشارك فيه مختلف الأطراف المعنية للتوصل إلى حلول تمهد الطريق إلى مرحلة استقرار تعود بالخير على كل دول وشعوب المنطقة؛ نظرًا لأن البديل هو الانزلاق نحو مواجهات وحروب تضر بدول وشعوب المنطقة في الحاضر والمستقبل ولم يكن مصادفة أن يتحدث نتانياهو في الأيام الأخيرة عن أن إسرائيل تخوض «حرب وجود» وأنه لا مناص من وجهة نظره عن إبعاد حماس عن حكم غزة، وهو ما فتح المجال أمام جدل كبير - لا يزال مستمرًا حول إدارة غزة برغم أن واشنطن نفسها لا تثق في إمكانية انتصار إسرائيل في الحرب كما تريد، ليس فقط بسبب الخلافات في حكومة نتانياهو ولكن أيضًا بسبب صعوبة وقف القتال خاصة أن حماس تخطط لإطالة حرب الاستنزاف لأطول مدة ممكنة حتى لو كانت الدول العربية لا تريد حربًا مع إسرائيل وهو ما حسمه العرب منذ سنوات عديدة فهل ستكون قمة المنامة بداية لتضامن عربي نحتاجه بشدة الآن وفي المستقبل؟
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حماس وإسرائیل قمة المنامة قطاع غزة معبر رفح أکثر من فی غزة فی هذا وهو ما
إقرأ أيضاً:
أستاذ علوم سياسية: إسرائيل تقدم مبررات واهية للإبادة الجماعية في غزة
قال الدكتور رامي عاشور، أستاذ العلاقات الدولية، إنه منذ وقوع أحداث 7 أكتوبر 2023، توقع إراقة للدماء ومجزرة بمعنى الكلمة، مشيرًا إلى أن المجتمع الإسرائيلي لا يصمت على أي اعتداءات، وتم توظيف هذه الأحداث باعتبارها «جريمة إرهابية» ضد الشعب الإسرائيلي، للترويج لذلك أمام المجتمع الدولي بشكل مكثف.
استغلال حق الدفاع الشرعيأكد عاشور، خلال مداخلة ببرنامج «عن قرب مع أمل الحناوي»، وتقدمه الإعلامية أمل الحناوي، المذاع على قناة القاهرة الإخبارية، أن إسرائيل استغلت مبدأ الدفاع الشرعي عن النفس لتبرير سياسات الإبادة الجماعية والأرض المحروقة، موضحًا أن الهدف الأساسي لإسرائيل ليس مواجهة حركة حماس أو الشعب الفلسطيني، بل السيطرة على الأراضي الفلسطينية وضمها تحت السيادة الإسرائيلية.
حماس ذريعة لتحقيق الأهداف الإسرائيليةبيّن عاشور أن حماس ليست سوى ذريعة لفرض الأجندة الإسرائيلية تجاه الأراضي الفلسطينية، مشيرًا إلى أن هذه السياسات جزء من خطة ممنهجة تم الاتفاق عليها منذ المؤتمر الأول للحركة الصهيونية العالمية.
التوسع الاستيطاني والسياسة الصهيونيةاستعرض عاشور الخلفية التاريخية للتوسع الإسرائيلي، مذكّرًا بمؤتمر الحركة الصهيونية العالمية عام 1898 بقيادة هرتزل، والذي حدد تأسيس الدولة الإسرائيلية بعد 50 عامًا، مضيفًا أن إسرائيل تعتمد على أداة القوة لتحقيق حلمها الإمبراطوري في التوسع الاستيطاني.