الخَلْط عند التنويرييِّن.. وفتنةُ "تكوين"!!
تاريخ النشر: 20th, May 2024 GMT
مؤخراً ظَهَرت جماعةٌ يرى أعضاؤها في أنفسِهِم تَميزاً وتعالياً على الناس يُطلِقون علي أنفسِهم (تَنويرييِّن)، يدعون لإعْمالِ العَقل والاجتهاد في إعادة تفسير القرآن والأحاديث النبوية بالتشكيك في تفسيرات الأئمة (دون غيرهم من الكتب السَماويِّة)
يُرَدِد أعضاءُ هذا التكوين المُضَلِّل أن حرية الفكر تكْفُل لكلِ فردٍ تفسير القرآن والأحاديث ويجب ألا يكون ذلك منوطاً بدارسين متخصصين فقط حتي لو كانوا من شيوخِ الأزهر وعُلمائِهِ، جاهلين أو مُتَناسين قول الله تعالى: { فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } التوبة ١٢٢.
وفي قول الله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} والذكر يعني القرآن.
ويقول عز وجل: {واسْألُوا أهْلَ الذِّكرِ إنْ كُنْتُم لا تَعلَمُونْ}. وهذا دليل على أن للقرآن أهلا يخْتصُّون بتفسيرهِ وتبيينهِ للناس ولكن هؤلاء الضَّالِّين يَشطَحون ويهْرُفون بما لا يَعرِفون بغرض التشكيك في تفسيرات الأئمةِ والعُلَماء الذين بذلوا جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً في البحثِ والاستقصاء و الإسناد الصحيح للأحاديث قولاً وفعلاً. فتطاولوا على الصحابةِ وآل بيت النبي بل وتناولوا أعراضَهم بوقاحةٍ وسوءِ أدب.
فهؤلاء المُرٰجِفون من أَتْباعِ الشَّيطان يَتَدثَّرون بما يعتَبرونه تنويراً وتجديداً يتماشىَ مع مُتغيراتِ الحياة للتَّخَففِ من تكاليف الإسلام مُتذَرِّعينَ بمقولاتٍ أساءوا فَهمها فاخْتَلطَت عليهم المفاهيم.. فالإسلام يَمنحُ الإنسان حريةَ الاعتقاد فمَن شاءَ فليؤمِن ومَنْ شاءَ فليكفُر.. أَمَّا إذا آمَن بمحمدٍ ﷺ فعليهِ الالتزام بأُصولِ الدِّين الذي اتبعه جُملةً وتفصيلاً، قال تعالى: { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}.
وفي وجوبِ الرِّجوعِ للكتاب والسنة قال تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}..
فالاجتهاد والتجديد لا يعنيان هَدْم ثوابتِ القرآن والسنة بل التَذْكيِرُ بها وتصحيحُ ما طَرَأ عليها مِن إهمالٍ وتقصيرٍ من المسلمين أو تحريف أحدثه المستشرقون مِمَنْ لا يتحدثون لُغةَ القرآن فاسْتعصىٰ عليهم فَهْمُ الآياتِ ودلالاتها ونصوص بعض الأحاديث. ومنها مثلا "استفت قلبك" اعتبروه رخصةً ليفعل الإنسان ما يهواهُ ويميلُ إليه دون قيود.وهذا خطأ فالمسلم لا يسّتَفتِ قلبه (مثلا) في الصَلواتِ المفروضة وعدد ركعاتها ولا يجتهِد في اختيار شهر الصِّيام أو مواقيت الحَج.. الخ. ويشير البعضُ الى قولهِ ﷺ "أنتم أعلمُ بشئونِ دُنياكُم" ونَسَوا أنه كان أمرا دنيويا يخصُ أهل المدينة. ويستدلون بقول الله "أفلا تعقلون" و"أفلا تتفكرون" وجَهِلوا أنهما بقصدِ التوبيخ لعدم تَدَبُرِهِم ما بلَّغَهم بهِ الرسول لا ليأتوا بمفهومٍ جديد.فالدِّين لمْ يترك صغيرةً ولا كبيرةً إلاّٰ أحصاها وفي حَجَّةِ الوداع نَزَل قولُ الله: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا".
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: الفتن سببها العبد عن مراد الله في التلاعب بالألفاظ
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، انه في محاولة للبحث عن المخرج من الفتن التي تحيط بنا، والتي أرى أن سببها الأساسي البعد عن مراد الله في التلاعب بالألفاظ، والاستخفاف بأمر الطعام، ومعاجزة الله في آياته وكونه، وتقديم الإنجاز على الأخلاق.
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان نبحث عن النخبة كمحاولة للخروج من الفتن، تلك النخبة التي أرشدنا الله للاستفادة من خبرتها فقال تعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) , فالله تعالى أمرنا أن تكون لنا نخبة، فضيعنا النخبة، والنخبة قد تكون طاغية، وقد تكون صاغية.
أما الطاغية فالتي تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف وتتجبر في الأرض وتكفر بالله رب العالمين، وأما الصاغية فالتي صغت قلوبها لذكر الله لا تريد علوا في الأرض ولا فسادا، لقد استبدلنا بالصاغية الطاغية، أهلكنا الصاغية وأخرناهم عن القيادة وعن العمل في الحياة الدنيا وقدمنا الطاغية ثم بعد ذلك اختلط الحابل بالنابل، فلا الطاغية بقت ولا الصاغية حلت محلها وأصبح الناس شذر مذر لا ملأ لهم ولا أهل ذكر يرجعون إليهم ويلتقون حولهم.
كان هذا بدعوى الشعبية والديمقراطية، وأن العصر هو عصر تلك السماتالتي تخالف سنن الله في خلقه، ولا يقوم بها المجتمع ولا تستقر بها نفس ، فالتساوي المطلق الذي تدعو إليه الديمقراطية، هو أحد إفرازات النسبية المطلقة، وهو أمر مرفوض.
وأن القضاء على النخبة والدعوة إلى التساوي المطلق، قد تتضمن في طياتها هلاك العالم، وهناك مجموعة من النصوص التي يمكن أن تكون أساسًا لهذا المعنى، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِى المَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ، وقال تعالى : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ) ، وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الأَمْرِ مِنكُمْ) ، فجعل الله للناس رؤوسًا، وجعل ذلك طبقا لكفاءاتهم، ورغبتهم في الإصلاح دون الإفساد، ونعى على ذلك التصور الذي يكون فيه جميع الناس في تساو مطلق فقال : (لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا) ، وقال : (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
وعدم التساوي لا يعني أبداً عدم المساواة، فربنا يقول : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً).
وقال النبي ﷺ : (الناس كأسنان المشط) [رواه القضاعي في مسند الشهاب، والديلمي في مسند الفردوس] وقال ﷺ : (يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى) [رواه أحمد والطبراني في الأوسط والكبير].