حملة حوثية مسلحة تدشن التنكيل بالمئات من مُلاك المتاجر وصغار الباعة
تاريخ النشر: 20th, May 2024 GMT
شنّت الجماعة الحوثية حملات تعسف جديدة بحق صغار التجار وبائعي الأرصفة والباعة المتجولين في شوارع وأسواق محافظة صعدة اليمنية (المعقل الرئيسي للجماعة) بهدف الابتزاز، وفرض الإتاوات تحت أسماء مختلفة.
ونقلت صحيفة«الشرق الأوسط»عن مصادر محلية في،صعدة بـ ، أن عناصر حوثيين مدعومين بعربات مسلحة وجرافات وشاحنات نفذوا حملات ميدانية بغية التنكيل بالمئات من مُلاك المتاجر وصغار الباعة في مدينة صعدة عاصمة المحافظة وضواحيها، حيث تركزت الحملة في أسواق العند، والطلح، وسوق المدينة وعلى طول الشارع العام في المدينة وصولاً إلى المناطق المحاذية لمستشفى السلام.
وأسفرت الحملة الاستهدافية منذ أول يومين من انطلاقها عن تجريف 7 محال تجارية، ومصادرة ما يزيد على 19 عربة لبائعين متجولين، بما فيها من بضائع مختلفة.
وأفاد شهود بأن مسلحي الجماعة المرافقين للحملة التي نفذها ما يسمى مكتب الأشغال وإدارة فرع المرور بصعدة، اعتقلوا العشرات من صغار الباعة بعد رفض بعضهم الانصياع لأوامرهم، مع عجزهم على دفع مبالغ «تأديبية» فُرِضت عليهم.
واتهم الشهود قادة في الجماعة يديرون ما يسمى مكتب الأشغال بالعمل بطرق عشوائية دون أي خطط أو برامج واضحة ومدروسة. متوقعين أن هذه التعسفات ضد صغار الباعة، قد تكون مقدمة لحملة استهداف أخرى مقبلة تطال البقية في 15 مديرية تتبع المحافظة.
وبرّر الحوثيون استهدافهم الحالي لمصادر عيش السكان في معقلهم الرئيسي، بأنه يأتي للحفاظ على ما يسمونه المنظر العام للشوارع، وإزالة العشوائيات والازدحامات، مع زعمهم بوجود مخالفات.
جباية الأموال
وشكا مُلاك متاجر وباعة في صعدة، نالهم التعسف الحوثي من حملات ابتزاز غير مسبوقة تستهدفهم ومصادر عيشهم على أيدي مشرفين ومسلحين يجمعون إتاوات وجبايات نقدية بالقوة تحت أسماء كثيرة، أبرزها تمويل المجهود الحربي.
ووفقاً لعدد من الباعة، فإن الانقلابيين لم يتركوا المجال لأي بائع أرصفة أو متجول دون أن تلاحقه بالجبايات، وفرض الرسوم عليه، تحت أسماء مختلفة. مؤكدين أنهم طالبوا في أوقات سابقة سلطة الانقلاب بتوفير أسواق بديلة لهم، بدلاً من الحملات التي تُشن عند كل مناسبة بغية جمع أكبر قدر من المال.
ويأتي ذلك، بينما لا يزال مئات الآلاف من المدنيين بمحافظة صعدة يقبعون في دائرة القمع وأعمال التعسف والانتهاك غير المسبوقة، في ظل غياب تام لعمليات التوثيق والرصد لتلك الجرائم من قبل المنظمات المعنية بحقوق الإنسان.
وشكا خالد (28 عاماً)، وهو مالك عربة صادرها الحوثيون أخيراً، لـ«الشرق الأوسط»، من استمرار مضايقات الجماعة له ولآخرين عبر مزيد من شن حملات التعسف والابتزاز لمنعهم من طلب الرزق وتوفير لقمة العيش لأسرهم.
ولم يمض على ذلك الشاب، الذي اكتفى باسمه الأول، سوى أسبوع منذ هروبه من حملة ابتزاز نفذتها الجماعة في سوق العند في خارج مدينة صعدة، متجهاً إلى أحد الشوارع الواقع على مقربة من مستشفى السلام في وسط المدينة، حتى فاجأته الجماعة بتنفيذ حملة أخرى مماثلة ومباغتة أسفرت عن مصادرة عربته بما فيها من فاكهة المانجو بتهمة التهرُّب من دفع الجبايات.
إرهاب يومي
على وقْع استمرار التعسفات الحوثية، يتحدث عبد الله نعمان، وهو اسم مستعار لمالك محل تجاري، استهدفته جرافة بمديرية صعدة، ، عما وصفه بـ«الإرهاب اليومي» الممارس على أيدي مسؤولين يديرون مكاتب حكومية خاضعة لسيطرة الجماعة في صعدة.
وأفاد عبد الله، بأن المشرفين القائمين على تلك الحملة لم ينذروه ولو حتى برسالة بأنهم سينفذون حملتهم حتى يتسنى له القيام بأي شيء يحافظ على مصدر عيشه وأطفاله، مشبهاً ما حدث له من التعدي بأفعال الإسرائيليين ضد الفلسطينيين.
وكان تقرير صادر عن مسؤولي الجماعة المعينين بمكتب الصناعة والتجارة في صعدة، كشف في وقت سابق عن تنفيذ الجماعة حملة استهداف وتعسف وإغلاق طالت أكثر من 293 منشأة ومحلاً تجارياً متنوعاً في مناطق متفرقة بمحافظة صعدة.
وزعم التقرير أن إجمالي ما سماها بالمخالفات المسجلة ضد مُلاك المتاجر توزعت بين 46 مخالفة عدم إشهار الأسعار، و108 مخالفات رفع الأسعار، و69 مخالفة مواد منتهية و3 مخالفات عدم وجود ميزان، و53 مخالفة نقص وزن الرغيف، و3 مخالفات نقص عبوات و6 مخالفات مواصفات ومقاييس، ومخالفة اشتراطات صحية و4 مخالفات رفض تفتيش.
المصدر: مأرب برس
كلمات دلالية: فی صعدة
إقرأ أيضاً:
التنكيل بالغنوشي رمز الوسطية والنضال
شهور طويلة مرت على اعتقال العلامة الشيخ راشد الغنوشي، في تونس، بعد انقلاب قيس سعيد، والذي كان من أوائل ما قام به تلفيق قضية للغنوشي، وعلى مدار هذه الأشهر رأى الناس أعجب ما يمكن أن يروه من سخريات التاريخ والحياة في التعامل القضائي، مع شخص أهان معه مقعد الرئاسة التونسي.
ثم صدر مؤخرا حكم أشبه بما كانت تحكيه كتب السخرية والفكاهة عن قراقوش ذلك الحاكم المصري العادل، الذي تخيل الشاعر المصري ابن مماتي أحداثا لم تحدث، ليصور كيف يكون الحاكم التافه، الذي لا عقل له، ولا اتزان، فكان يصدر الأحكام جزافا، وبقضايا خيالية، واشتهرت عن قراقوش وهو منها براء، ولو كان يعلم ابن مماتي أن حاكما كقيس سعيد سيأتي في زمن بعد ذلك، ليصدر أحكاما على الغنوشي بالسجن (22) عاما، بتهم سياسية، لادخر ما لديه من كتابة، ليترك ذلك لأهل زمان قيس سعيد.
الغنوشي شخصية لسيت مجهولة، بل هي شخصية لها تاريخ محفور في ذاكرة العالم العربي والإسلامي والإنساني، يعرفه القاصي والداني من أهل الفكر الإنساني والإسلامي في الشرق والغرب، واشتهر بتاريخ عريق، جملة واحدة منه، تزن تاريخ قيس سعيد كله.
فالغنوشي على المستوى الفكري شخصية فريدة وفذة بين الإسلاميين، فقد كانت معظم كتابات الإسلاميين عندما يقبعون في سجون الظلمة، تنصب اهتماماتهم وكتاباتهم على فقه وثقافة المحنة، والاستغراق في هذا الجانب، وبخاصة إسلاميي المشرق، كمصر والشام والعراق، وغيرهم، ومن يطلع على أدب السجون في هذه البلدان سيجد جلها منصبا على هذه الجوانب، وهو تفكير يمكن تصنيفه بأنه مشغول بالماضي.
الغنوشي شخصية لسيت مجهولة، بل هي شخصية لها تاريخ محفور في ذاكرة العالم العربي والإسلامي والإنساني، يعرفه القاصي والداني من أهل الفكر الإنساني والإسلامي في الشرق والغرب، واشتهر بتاريخ عريق، جملة واحدة منه، تزن تاريخ قيس سعيد كله.بينما كان الغنوشي مشغولا في محبسه بالمستقبل الإسلامي، فأصدر في محبسه كتابا كان عبارة عن خطب جمعة في السجن، عن: (المواطنة)، فقد كان معنيا بالتنظير لحقوق المواطنة، وكيف يتم بناء مجتمع يحصل فيه المواطن على حقوقه، بل إن كتابه الأشهر: (الحريات العامة في الدولة الإسلامية)، وقد حدثني الشيخ راشد حفظه الله، أنه كتب مسودة الكتاب، وخطته، وهو في السجن، وقد تصور البعض أنه قام بذلك في لندن بعد خروجه من تونس، ولكنه فاجأني بأن الفكرة والتخطيط لها، والإعداد الكامل لها كانت في السجن أيضا.
وحين خرج من السجن، انصب جهده في بناء المجتمع القوي، فنشط في عدة اتجاهات، ورأينا دوره الأبرز في الحوار القومي الإسلامي، والأوراق التي كان يقدمها، كانت تدل على عقلية فكرية نادرة وفذة، فضلا عن مواقفه التي لا يجهلها أحد، وهذا ما جعل التوافق بعد الثورة التونسية، على رئاسة الدكتور المنصف المرزوقي، ليس مستغربا منه، أو من حزب النهضة، فقد كان مؤمنا بأن المرحلة لا تتحمل أن يتولى الحكم الإسلاميون.
كانت توجهاته في هذه المرحلة تميل إلى توافق الإسلاميين مع شركائهم في ثورات الربيع العربي، وقد اتجه إلى مصر أكثر من مرة لزيارة الإخوان، لنصحهم بهذا التوجه، وبخاصة عند صدور دستور 2012م في عهد الدكتور مرسي، وقابل عددا من المختلفين معهم، وبخاصة التيارات اليسارية والقومية، محاولا إزالة فتيل الأزمة والشقاق.
رغم مواقف الغنوشي المتوافقة، والمائلة إلى الاعتدال والتوسط في الفكر، والتوافق في السياسة، وعدم التصدر، ومع ذلك فقد تم التنكيل بالرجل، وترك وحيدا أمام تغول ثورة مضادة في تونس، وقد كان المخالفون للإخوان في مصر، في النقاشات الفكرية والسياسية، يذكرونهم بحكمة الغنوشي في توافقه، ومع ذلك كانت النتيجة واحدة: الانقلاب على من غالب ومن شارك، لأن الرفض كان للثورة أيا كان من يقوم عليها، وهو الدرس الذي ينبغي على الجميع فهمه، ليست المسألة مسألة إخواني متطور الفكر، أو إخواني متكلس الفكر.
والآن يصدر حكم قاس على الغنوشي في سنه الكبير، بسنوات طويلة، لو كان قاتلا ما حكم عليه القضاء التونسي بهذه المدة، فهو حكم غريب، لكن ليس من العقل أن نزنه بالعقل، فنحن أمام حالة لا عقلانية فيها، ولا قانون، ولا منطق، فمن العبث البحث أو السؤال: ماذا جنى الغنوشي حتى يحكم عليه بهذا الحكم القاسي؟ فجريمة الغنوشي معروفة، وهي جريمة لا يغفرها المستبدون لكل صاحب عقل ذكي، وقلب نقي، وسعي دؤوب للحرية والعدالة.
وهذا الحكم الجائر يقينا لن يفت في عضده، فقد مر عليه ما هو أقسى وأشد من ذلك، فقد حوكم في عهد بو رقيبة، وفي عهد ابن علي، فلن يكون قيس سعيد أشد بأسا عليه من هؤلاء، بل ستمر أحكامه كما مرت أحكام غيره، وسيظل الغنوشي رمزا إسلاميا، ووطنيا، وصاحب نضال يشهد له به القاصي والداني، إسلاميون وغير إسلاميين.
[email protected]