كيف ستنعكس وفاة الرئيس الإيراني على المحادثات الأميركية الإيرانية؟
تاريخ النشر: 20th, May 2024 GMT
طهران- في تصريحات رسمية يمكن اعتبار أنها الأولى من نوعها منذ فترة طويلة أكدت بعثة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الدائمة في الأمم المتحدة إجراء مفاوضات غير مباشرة بينها وبين الولايات المتحدة في سلطنة عمان.
ونقلت وكالة الأنباء الايرانية الرسمية (إرنا) عن المندوب الإيراني لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني تأكيده على وجود هذا النوع من المحادثات، موضحا أن هذه المفاوضات عملية مستمرة، حيث إنها لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة.
لكن من جانب آخر وبعد ساعات قليلة من إعلان هذه التصريحات ألقى خبر تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه -ومنهم وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان– بظلاله على أنباء المباحثات مع الولايات المتحدة.
من جهته، رأى خبير الأمن الدولي عارف دهقاندار في حديثه للجزيرة نت أن البرنامج النووي الإيراني والأوضاع المضطربة في منطقة الشرق الأوسط هما الموضوعان الرئيسيان اللذان تمت مناقشتهما في المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين.
وفي ما يتعلق بمسألة البرنامج النووي، قال دهقاندار إنه يجب الأخذ بعين الاعتبار إشارة طهران الأخيرة بشأن إمكانية مراجعة العقيدة النووية في حال الهجوم على المنشآت النووية وتهديد البلاد، والتي صدرت على لسان قائد هيئة حماية وأمن المراكز النووية أحمد حق طلب ورئيس مجلس العلاقات الإستراتيجية كمال خرازي.
ويبدو أن الهيئة الحاكمة في إيران تهتم بالنظام المتغير للنظام الدولي، وهو الأمر الذي أدى إلى التوتر بين القوى العظمى والدول الفوضوية، بحسب الخبير الأمني ذاته الذي أضاف أن بيئة منطقة الشرق الأوسط -خاصة بعد المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل في 13 أبريل/نيسان الماضي، واحتمال اتساع نطاق الصراعات، فضلا عن احتمال تولي ترامب الرئاسة في أميركا- اتخذت إستراتيجية "الردع النووي على الأرض" أو "الردع النووي الكامن".
واعتبر أن هذا يعني أن إيران تمتلك المعرفة والتكنولوجيا والمواد المخصبة اللازمة لصنع أسلحة نووية، لكنها -لبعض الأسباب- لا تملك القرار السياسي لصنع أسلحة نووية، وعليه فهي مستمرة بالالتزام بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (إن بي تي)، وتواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بموجب الضمانات.
واستبعد المتحدث ذاته بناء على تحليل رحلة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي الأخيرة إلى طهران أن تقوم الأخيرة بمقايضة ورقة "الردع النووي الكامن" مع الولايات المتحدة في هذه المفاوضات.
ورأى أن طهران تحاول توظيف هجومها على إسرائيل في المجالين الدبلوماسي والاقتصادي باتفاق محدود أو ما يسمى "الأقل مقابل الأقل" مع واشنطن، وبقبولها زيادة مراقبة الوكالة تحاول إظهار حسن نيتها، وفي المقابل ستحصل على امتيازات اقتصادية من أميركا.
أثر وفاة الرئيسوأكد الخبير الأمني دهقاندار أن نبأ وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان قد يوقف عملية المفاوضات غير المباشرة لبضعة أيام، لكنه من غير المرجح أن يكون هناك خلل في العملية على المدى القصير، وبالنظر إلى انتخاب علي باقري كني وزيرا للخارجية بالوكالة فإن إستراتيجية "الردع النووي الكامن" سوف تستمر على الأقل حتى تتولى الحكومة الجديدة مهامها.
وأضاف أنه بحسب الدستور فإن الأرضية لإجراء الانتخابات يجب أن تجهز خلال 50 يوما ستعرف إيران خلالها رئيسها الجديد، وبعد ذلك ستتم عملية نقل المسؤولية خلال أسابيع قليلة.
وفي السياق، تابع دهقاندار أنه إذا تم انتخاب الرئيس الجديد من المعسكر السياسي المقرب من إبراهيم رئيسي و"الأصوليين" فمن المرجح أن تستمر الإستراتيجية نفسها، وقال إنه لن نشهد سوى تغييرات صغيرة في الأدبيات والتكتيكات المعتمدة، فيما إذا تم انتخاب الرئيس من المعسكر السياسي للمعتدلين أو الإصلاحيين فقد يكون هناك قدر أكبر من المرونة من جانب الحكومة الجديدة في تبني سياسات كلية بشأن القضية النووية.
ورغم ذلك فإن الخبير اعتبر أنه لا ينبغي نسيان أن السياسات العامة للنظام تحددها قيادة الجمهورية الإسلامية ومرشدها الأعلى آية الله خامنئي نفسه، ومن غير المرجح أن يحدث ذلك حتى مع وصول الإصلاحيين إلى السلطة، وهو ما يبدو أنه ذو احتمالية ضعيفة، لذا فإن القيادة الإيرانية -وبحكم تجربتها في مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015- لن تسمح بالتغاضي بشكل كبير عن الإنجازات التقنية النووية، وسيكون الحفاظ على هذه الإنجازات أحد خطوطها الحمراء.
وفي ما يتعلق بالقضايا الإقليمية، قال المتحدث نفسه إن طهران والحكومة الديمقراطية في البيت الأبيض تسعيان إلى خفض مستوى التوتر في منطقة الشرق الأوسط، موضحا أن الشرط الأساسي الذي تفرضه إيران في هذه المفاوضات هو أن تستخدم أميركا نفوذها في إسرائيل وأن ترغم حكومة نتنياهو على قبول وقف إطلاق النار في غزة.
من ناحية أخرى، فإن مطلب أميركا الرئيسي من إيران هو استخدام نفوذها بين حلفائها في المنطقة والسيطرة على تصرفاتهم تجاه إسرائيل والمواقف الأميركية مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله اللبناني الذين يتمتعون باستقلالية في أفعالهم.
وأوضح دهقاندار أن هذا الاستقلال في العمل لدى الجماعات العراقية مثل كتائب حزب الله وحركة النجباء وكذلك الحركات العربية المتحالفة مع إيران في سوريا وغيرها من هذه الجماعات لا يتفق بالضرورة مع إيران في جميع القضايا، ولا ينبغي الافتراض أنها تنسق جميع أعمالها معها، لكنها على المستوى العام -خاصة في القضية الفلسطينية- تمتلك توافقا إستراتيجيا، ويمكن لإيران التأثير على المعادلات الإقليمية من خلال التنسيق بين هذه المجموعات.
النتائج في مجلس المحافظينبدوره، قال أستاذ العلاقات الدولية هادي محمدي إن تصريح مندوب إيران في الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني بأن وضع المحادثات ليس بالأمر الجديد أمر صحيح، لكن هناك ما جعل هذه المحادثات مختلفة عما كانت عليه سابقا.
وأوضح محمدي للجزيرة نت أن إيران أوقفت أي مباحثات مباشرة وغير مباشرة مع أميركا منذ الحرب الإسرائيلية على غزة، أي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهذا أضفى أهمية على الأنباء عن استئناف المباحثات في الأيام الأخيرة.
وتوقع محمدي أن تكون هذه المحادثات قد بدأت مع زيارة رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إلى إيران مطلع مايو/أيار الجاري، كما توقع أن تظهر نتائج هذه المحادثات الإيرانية الأميركية بعد أسبوعين في اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية المرتقب.
وفي سياق الحديث عما ضاعف أهمية هذه المحادثات، أشار أستاذ العلاقات الدولية إلى الأنباء التي تحدثت مؤخرا عن أن مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة هو من كان قد تولى المحادثات مع واشنطن بالنيابة عن طهران، حيث اعتبر تصريح إيرواني تأكيدا على هذه الأنباء.
وبرأي محمدي، فإن ملف الاتفاق النووي هو الموضوع الرئيسي للمحادثات الإيرانية الأميركية، مستبعدا أن تكون الأحداث الإقليمية تشكل محورا رئيسيا، وأشار إلى أن الرسائل بشأن قضايا المنطقة يتم تبادلها عن طريق بلد وسيط مثل الدوحة.
لكنه في الوقت ذاته لم يقلل من مستوى تأثير الأحداث الأخيرة في المنطقة بشكل متزايد، حيث فرضت الحرب على غزة ضرورة الحوار بشأن القضايا الإقليمية، وتوقع أن تؤثر هذه المباحثات في قضية غزة وعدوان الاحتلال الإسرائيلي عليها.
كما توقع أن تبحث إيران مع الولايات المتحدة ضرورة توقف الحرب في قطاع غزة "وقد تعزف إيران على وتر الانتخابات الأميركية المرتقبة" على حد وصفه، مشيرا إلى أن طهران وواشنطن قبل الحرب على غزة كانتا قد وصلتا إلى تطورات جيدة في علاقاتهما مثلما جرى في قضية تحرير الأموال المجمدة وتبادل المعتقلين.
وبخصوص وفاة الرئيس والطاقم المرافق له بحادث الطائرة، قال محمدي إن السياسة الخارجية لطهران لا يرسمها رئيس الجمهورية ووزير خارجيته وحدهما على الرغم من دورهما في اتخاذ القرار، بل تقرر السياسة الخارجية على مستوى جميع أركان النظام، وعلى رأسهم المرشد الأعلى.
وعليه، استبعد المحلل أن يؤثر رحيل الرئيس ووزير خارجية على ملفات السياسة الخارجية بشكل عام، بما فيها المفاوضات مع الولايات المتحدة والملف النووي..
وأضاف أنه ينبغي الانتظار لمعرفة من سيحكم البلاد بعد المرحلة الانتقالية، وهو الأمر الذي سيحدد كيفية تنفيذ السياسة الخارجية التي يقررها النظام والمرشد الأعلى.
لكنه أكد في الوقت نفسه أن وفاة الرئيس ووزير خارجيته وبدء المرحلة الانتقالية في إيران ثم إجراء الانتخابات في كل من إيران وأميركا سيبطئان عملية المباحثات بين البلدين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الدولیة للطاقة الذریة مع الولایات المتحدة السیاسة الخارجیة الأمم المتحدة هذه المحادثات الردع النووی وفاة الرئیس إیران فی
إقرأ أيضاً:
“أكسيوس” يكشف تطورات وتفاصيل المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة
الولايات المتحدة – كشف موقع “أكسيوس” الإخباري عن تطورات وتفاصيل المفاوضات التي عقدت بين وزير خارجية إيران عباس عراقجي والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف يوم السبت الماضي، بشأن التوصل لاتفاق نووي جديد.
وفي التفاصيل، أبلغ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف، خلال المحادثات النووية يوم السبت الماضي في روما، أنه قد لا يكون من الممكن التوصل إلى اتفاق نووي نهائي وفق الجدول الزمني الذي اقترحه الرئيس دونالد ترامب، وتساءل عما إذا كان ينبغي على الجانبين التفاوض أولا على اتفاق مؤقت، وفقا لما ذكره مصدران مطلعان على المسألة لموقع “أكسيوس”.
الرئيس ترامب كان قد حدد مهلة شهرين للمفاوضات مع إيران، وأمر بتعزيز القوات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط تحسبا لفشل الدبلوماسية. وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق، قد يأمر ترامب بشن ضربة عسكرية أمريكية على المنشآت النووية الإيرانية أو يدعم هجوما إسرائيليا عليها، حسب “أكسيوس”.
وأفاد مصدران لـ”أكسيوس” بأن عراقجي طرح اقتراح الاتفاق المؤقت، فيما نفت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة ذلك في بيان لها: “هذا ببساطة غير صحيح ولا دقيق”. ورفضت وزارة الخارجية التعليق.
وكان “أكسيوس” قد ذكر سابقا أن الإيرانيين يدرسون اقتراح اتفاق مؤقت.
وأورد “أكسيوس” أن عراقجي أبلغ ويتكوف أنه بالنظر إلى الطبيعة التقنية التفصيلية لأي اتفاق نووي، سيكون من الصعب للغاية إتمام المفاوضات خلال 60 يومًا.
في حين رد ويتكوف أنه لا يريد مناقشة اتفاق مؤقت في الوقت الحالي، وبدلا من ذلك، يريد التركيز على التوصل إلى اتفاق شامل خلال 60 يوما.
وصرح ويتكوف، وفقا للمصدرين، بأنه إذا رأى الطرفان أن هناك حاجة إلى مزيد من الوقت مع اقتراب الموعد النهائي، فيمكنهما إعادة النظر في فكرة الاتفاق المؤقت.
وأضاف المصدران أن عراقجي وويتكوف عقدا محادثات غير مباشرة في روما، توسط فيها وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، كما التقيا بشكل مباشر.
جدير بالذكر أن ترامب لم يحدد موعد انتهاء مهلة الستين يوما، لكن المسؤولين الأمريكيين يصرون على أن الوقت يمر بسرعة.
وقال مسؤول أمريكي كبير لـ”أكسيوس” إن ويتكوف وعراقجي “حققا تقدما جيدا للغاية” خلال محادثات روما.
من جهته، صرح عراقجي يوم الأربعاء خلال زيارته لبكين أن إيران والولايات المتحدة توصلتا إلى تفاهم أفضل حول مبادئ اتفاق محتمل، وأن هناك الآن “فرصة لإحراز تقدم”.
وأعلنت وزارة الخارجية العمانية في بيان لها عقب المحادثات أن الطرفين اتفقا على “الدخول في المرحلة التالية” من المفاوضات.
ووفقا للبيان العماني، اتفقت إيران والولايات المتحدة على العمل على “اتفاق عادل ودائم وملزم يضمن خلو إيران تمامًا من الأسلحة النووية والعقوبات، ويحافظ على قدرتها على تطوير الطاقة النووية السلمية”.
وسيجتمع المفاوضون الأمريكيون والإيرانيون على مستوى العمل مجددا يوم السبت في عُمان لإجراء جولة أولى من المفاوضات الفنية. وستكون هذه هي المرة الأولى التي يناقش فيها الطرفان القيود الفعلية التي ترغب الولايات المتحدة في فرضها على البرنامج النووي الإيراني، وخاصة فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم.
ويقول مسؤولون أمريكيون إن مايكل أنطون، كبير مسؤولي تخطيط السياسات في وزارة الخارجية، سيقود الفريق الأمريكي.
وأفادت مصادر لـ”أكسيوس” بأن ويتكوف وعراقجي قد يلتقيان في عُمان نهاية هذا الأسبوع بعد انتهاء المحادثات الفنية.
وصرح مسؤول أمريكي بأن ويتكوف التقى يوم الأربعاء في واشنطن بالمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي.
وكان هذا ثاني اجتماع لهما في أقل من أسبوع. ومن المرجح أن تقود الوكالة الدولية للطاقة الذرية أي عمليات مراقبة وتحقق للمنشآت النووية الإيرانية في حال التوصل إلى اتفاق.
وصرح غروسي، الذي زار طهران الأسبوع الماضي، للصحفيين في واشنطن يوم الأربعاء بأن انطباعه هو أن إيران تريد التوصل إلى اتفاق، وأنه شجع كلا من ويتكوف وعراقجي على مواصلة المحادثات المباشرة مضيفا: “المحادثات جادة… نحن في لحظة حاسمة”.
كما أن فريقا فنيا من الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيسافر إلى طهران قريبا لمناقشة إعادة تركيب الكاميرات وقضايا المراقبة الأخرى.
وأوضح غروسي قائلا: “الأمر ليس مرتبطا، ولكنه متعلق” بالمحادثات، مضيفا أنه غير متأكد من أن إيران كانت ستسمح لفريقه بالدخول لو لم تكن المحادثات قائمة.
وقال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، وهو من الأكثر تشددا داخل إدارة ترامب، لباري وايس في بودكاستها يوم الثلاثاء الماضي: “نحن بعيدون كل البعد عن أي نوع من الاتفاق مع إيران”.
في حين أكد روبيو على التزام ترامب بمحاولة التوصل إلى اتفاق لأنه “يفضل ألا تكون هناك حاجة للجوء إلى القوة العسكرية”.
وأضاف روبيو أن الولايات المتحدة ستوافق على احتفاظ إيران ببرنامج نووي مدني، ولكن بشرط ألا “تصرّ” إيران على تخصيب اليورانيوم محليا.
كما أوضح روبيو أن العمل العسكري ضد البرنامج النووي الإيراني سيكون أكثر تعقيدا مما كان عليه قبل خمس أو عشر سنوات، لأن البرنامج النووي الإيراني وقدرات إيران العسكرية أكثر تطورا.
المصدر: “أكسيوس”