اللامركزية واقتصاد المحافظات.. بين التقليد والابتكار
تاريخ النشر: 20th, May 2024 GMT
د. يوسف بن حمد البلوشي
yousufh@omaninvestgateway.com
تتبنَّى الرؤية الوطنية "عُمان 2040"، والتي انطلق العمل بها في العام 2021، توجُّهاتٍ إستراتيجية رامية لإنجاز تحوُّل نوعي في اقتصاد السلطنة، يضعها في مصاف الدول المتقدمة.
ويتمحور هذا التحوُّل حول منح دور محوري للقطاع الخاص في توليد فرص العمل في القطاعات الإنتاجية، وتعزيز مساهمته كرافد رئيسي للإيرادات الحكومية.
وفي سياق النهوض بالاقتصاد الوطني، تُعدُّ اللامركزية والتنمية الإقليمية للمحافظات أحد المسارات الاستراتيجية المحورية؛ حيث تضع هذه الاستراتيجية الأفراد والشركات في صلب عملية التنمية الشاملة والمستدامة على مستوى كل ولاية ومحافظة. ويجري في هذا الإطار توظيف المقومات المكانية وتفعيل مختلف الجوانب الاقتصادية بناءً على مكوناتها ونسيجها والمزايا النسبية لكل محافظة، بُغية تعزيز النشاط الاقتصادي في محافظات السلطنة الإحدى عشرة، وصولًا إلى تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة على المستوى الوطني.
ورغم النجاحات المحققة والجهود الكبيرة المبذولة من الجميع، إلّا أنَّه لا يزال أمامنا مسار طويل لتفعيل دور اللامركزية والتنمية الإقليمية وجني ثماره؛ فتوزيع الأدوار وإيجاد آلية للانسجام والتنسيق والتوازن -لا سيما فيما يتعلق بأدوار المحافظ والوالي والمجلس البلدي وعضو مجلس الشورى وعضو غرفة التجارة والصناعة ورؤساء مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات خيرية وأندية رياضية وثقافية وجمعيات المرأة- يُعدُّ أساسَ التقدم في هذا المسار؛ إذ لن يُحقِّق تجاذب الصلاحيات وتقاذف المسؤوليات النتائج المرجوة، وكما يُقال: "الفريق الذي لا يعمل معًا لا يفوز"، وهناك فجوة واضحة في هذا الشأن.
ومن المعلوم أنَّ نجاح أيِّ برنامج لإصلاح الاقتصاد يعتمدُ على مدى اتفاق أصحاب المصلحة وجميع المؤسسات والأطراف المعنية، بما فيها الحكومة، والقطاع العام، والقطاع الخاص المحلي والأجنبي. ونؤكد على ضرورة تعزيز قدرات المعنيين في مكاتب المحافظين والولاة في مجالات التطوير والتخطيط والتحليل الاقتصادي، وتعزيز مصفوفة المهارات لتمكينهم من اتخاذ القرارات المهمة واللازمة تجاوبًا مع الدور المنوط بهم.
إنَّ التحوُّل المنشود في الإدارة الاقتصادية للاقتصاد العُماني واقتصادات المحافظات مرتبط ارتباطًا وثيقًا بتحول في الأولويات والبعد الإستراتيجي بأنَّ دور الحكومة ينبغي أن يرتكز بدرجة كبيرة على تسهيل بيئة الأعمال، والتشجيع، والتأطير، وحشد الهمم والموارد لتستفيد منها شركات القطاع الخاص المعنية بملفات الإنتاج والتصنيع والتصدير. وهنا، لا بُد من التنويه إلى نقطة في غاية الأهمية، ألا وهي: تغافل الحكومات في فترات ازدهار أسعار النفط "السنين السِّمان" عن دور القطاع الخاص وضرورة تمكينه وتعزيز قدراته، وتمهيد الأرضية له للقيام بأدواره في "السنوات العجاف"، وانحسار القدرات المالية للحكومات جراء انخفاض أسعار النفط.
ولتحقيق هذا التحول، يتعين على الحكومة تبني نهج جديد يُركِّز على خلق بيئة تمكينية للقطاع الخاص، بحيث تكون الحكومة بمثابة المُيسِّر والمُنظِّم للأنشطة الاقتصادية، بينما يتولى القطاع الخاص زمام المبادرة في الاستثمار والإنتاج والتصدير. كما يجب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتبادل الخبرات والمعارف، وتحفيز الابتكار والريادة، لضمان تحقيق النمو الاقتصادي المستدام والتنمية المتوازنة والشاملة في كافة محافظات السلطنة.
وفي مضمار هذا التحوُّل المنشود، لا بُد من مُراعاة النسيج الاجتماعي والاقتصادي العُماني الذي ترتكز عليه خطط السلطنة وبرامجها وتوجهاتها الاستراتيجية. ولا مانع من الاستفادة من التجارب العالمية الرائدة في هذا المجال؛ بما يتناسب مع النسيج والفكر والتجربة التنموية العُمانية الفريدة، من أجل تطوير دور المحافظ والوالي وتمكينهما بالقدرات والصلاحيات اللازمة، لتحقيق قفزات نوعية على صعيد التنمية المحلية، وإيجاد الآليات الملائمة للتخطيط والمساهمة في صنع القرارات المرتبطة بالجوانب الاقتصادية والاستثمارية في محافظاتهم؛ لأنَّ إسقاط التجارب الأجنبية الناجحة في ملف اللامركزية على الواقع العُماني دون مراعاةِ خصوصياته، قد لا يحقق الأهداف المرجوة. لذا؛ يتعيَّن إدخال التعديلات والتكيفات الضرورية على هذه التجارب لضمان انسجامها مع النسيج الاجتماعي والاقتصادي العُماني.
ولا شك أنَّ النجاح في تطبيق نموذج اللامركزية يتطلب فهمًا عميقًا لمختلف الأبعاد. كما يجب إشراك جميع الأطراف المعنية -بما في ذلك السلطات المحلية والمجتمعات المحلية والقطاع الخاص- في عملية التخطيط والتنفيذ لضمان الملكية والقبول والاستدامة على المدى الطويل.
إنَّنا نتطلع للتسريع في ترتيب أوراق المنهج الجديد للتنمية المحلية واللامركزية، والاستفادة من المزايا التي يتيحها من سرعة في اتخاذ القرارات الإدارية والاقتصادية والاستثمارية على المستوى المحلي. ونأمل رؤية خارطة واضحة للميزة الاقتصادية النسبية لكل محافظة من محافظات السلطنة، تمهيدًا لوضع برنامج تنموي متكامل خاص بكل منها، والشروع في تنفيذ هذه البرامج والمبادرات لدعم النشاط الاقتصادي في المحافظات والولايات؛ مثل: الشركات المجتمعية، والعمل التطوعي... وغيرها.
وكأيِّ برنامج تنموي ناجح، يجب البدء بتشخيص دقيق للوضع الراهن في ولاياتنا ومحافظاتنا، وقياس جاهزيتها والمزايا النسبية ونقاط القوة والضعف والتحديات التنموية التي تواجهها. ثم إيجاد آليات للتبنِّي وحشد الموارد والهمم، وتكوين فرق العمل والترتيبات المؤسسية اللازمة، ومن ثمَّ الانتقال إلى مرحلة التنفيذ من خلال مبادرات واضحة المعالم وفق خارطة استثمارية محددة لكل ولاية ومحافظة، بدءًا بتأسيس الشراكات المجتمعية وفق مبادئ واضحة، والتجمعات الصناعية في الولايات. ويلي ذلك إيجاد آليات لتقييم ومراجعة مراحل التنفيذ، وإعادة النظر في بعض المشاريع والمبادرات إذا لزم الأمر؛ بما يضمن تحقيق الأهداف المرجوة من هذا البرنامج التنموي المحلي الطموح على نحو فعال ومستدام.
... إنَّ المستقبل مِلكُ من يصنعه، ونحن قادرون على صناعة المستقبل الذي يضمن الحياة الكريمة ويوفر الوظائف المنتجة لأبنائنا في هذا الوطن العزيز؛ فإعادة هندسة الاقتصاد تستلزم الاستفادة من الأدوات الجديدة وإعادة توظيف الموارد والإمكانيات في كل ولاية بالشكل الأمثل. ونؤكد على ضرورة إيجاد أنماط ونماذج شراكات مجتمعية اقتصادية جديدة بين شركات القطاع الخاص وأجهزة الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني، بما يتماشى مع التطورات والتحولات الاقتصادية المعاصرة.
ونقول: لقد آن الأوان لاستثمار طاقاتنا وإمكانياتنا المحلية بأسلوب مُبتكر، وتعزيز التكامل والتنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة في المجتمع لتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وتمكين القطاع الخاص من المساهمة الفعّالة في إحداث التحول الاقتصادي المنشود، عبر شراكات حقيقية مع الحكومة والمجتمع المدني. وهذا يتطلَّب تحولًا جوهريًّا في النماذج التقليدية وتبني أساليب إبداعية وفعالة، تستجيب لاحتياجات كل المحافظات والولايات، وتستثمر المزايا النسبية والقدرات المتاحة فيها. عندها، سنكون قادرين على ترجمة التطلعات إلى واقع ملموس، وصناعة مستقبل زاهر لأجيالنا القادمة في ربوع هذا الوطن الغالي.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بعد قرار صندوق النقد..برلماني: مصر حققت نجاحات كبيرة بفضل برنامج الإصلاح الاقتصادي
أكد الدكتور أيمن محسب، عضو مجلس النواب، ومقرر لجنة أولويات الاستثمار بالحوار الوطني، أن البيانات الصادرة مؤخرًا، تشير إلى وجود تحسن ملحوظ فى أداء الاقتصاد المصري سواء على صعيد تحقيق أكبر احتياطى من النقد الأجنبي فى تاريخ البلاد تجاوز 47 مليار جنيه، وكذلك انخفاض معدل التضخم لأدنى مستوى منذ مارس 2022، وهي الأمور التى تم تتويجها بموافقة صندوق النقد الدولى على صرف الشريحة الرابعة لمصر البالغة 1.2 مليار دولار، وهو ما يعكس نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، كونه اعترافا بقدرة الاقتصاد المصرى على الثبات والاستمرار، رغم تحديات التوترات الجيوسياسية بالمنطقة والتى أثرت سلبا على التجارة العالمية أيضا.
وأضاف "محسب"، أن الإصلاحات الاقتصادية التى تبنتها الدولة خلال السنوات الأخيرة أسهمت بشكل كبير فى تحقيق الاستقرار الاقتصادي، حيث تم تنفيذ سياسات مالية ونقدية تهدف إلى تقليل العجز بالموازنة العامة، وتعزيز قدرة مصر على جذب الاستثمارات الأجنبية، وزيادة الإنتاج المحلى، منوها عن أن هذه الإصلاحات، رغم صعوبتها فى بعض المراحل، إلا أنها ضرورية لضمان مستقبل اقتصادي أكثر استدامة.
وأشار عضو مجلس النواب، إلى أن مصر حققت نجاحات كبيرة فى عدة قطاعات بفضل برنامج الإصلاح الاقتصادي، حيث ساهم تحرير سعر الصرف فى تقليل الفجوة بين السوق الرسمي والموازي، ما أدى إلى تحسين كفاءة الاقتصاد المصري فى التعامل مع تدفقات النقد الأجنبي، وساعد على تعزيز القدرة التنافسية للصادرات المصرية فى الأسواق العالمية موضحا أن اتجاه البنك المركزي نحو مواجهة التضخم من خلال رفع أسعار الفائدة والسيطرة على المعروض النقدي، خطوة مهمة أسهمت فى تقليل الضغوط التضخمية التى أثرت على المواطنين.
وأوضح "محسب"، أن الإصلاحات لم تتوقف عند السياسات النقدية والمالية فقط، بل امتدت إلى قطاعات حيوية مثل الاستثمار، حيث تمكنت مصر من جذب استثمارات أجنبية مباشرة غير مسبوقة، أبرزها صفقة تطوير منطقة رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار ، مشددا على أن التحسن فى المؤشرات الاقتصادية يعكس نجاح الخطط التى وضعتها الدولة لتحفيز النمو، حيث ارتفعت تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 45.3% خلال عام 2024، مما يعزز احتياطي النقد الأجنبي ويدعم استقرار الاقتصاد، بالإضافة إلى زيادة إيرادات السياحة، والتي وصلت إلى 14 مليار دولار، بفضل الجهود المبذولة لتطوير البنية التحتية السياحية، وافتتاح المتحف المصري الكبير جزئيا، فضلا عن استمرار الحكومة مستمرة فى تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية لتعزيز مشاركة القطاع الخاص.
وشدد النائب أيمن محسب، على أن مصر تسير على الطريق الصحيح نحو تحقيق نمو اقتصادي مستدام، مشيرًا إلى أن توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى ارتفاع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 3.6% خلال العام المالي 2025، ثم إلى 4.1% في العام التالي، وهو ما يعكس فعالية الإصلاحات الاقتصادية التى يتم تنفيذها حاليا، مؤكدا أن الدولة تواصل جهودها لضمان الاستقرار الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة، و أن المرحلة القادمة ستشهد مزيدا من التحسن فى بيئة الأعمال، مع استمرار تنفيذ خطط الإصلاح الهيكلي، وتطوير القطاعات الإنتاجية، ما يضمن اقتصادا أكثر قوة وقدرة على مواجهة التحديات المستقبلية.