جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-24@18:12:11 GMT

مُتسوِّلو الثَّناء

تاريخ النشر: 20th, May 2024 GMT

مُتسوِّلو الثَّناء

 

 

محمد بن حمد البادي

Mohd.albadi1@moe.om

في السياق العام؛ وفي نطاق المشهد الاجتماعي؛ عندما يأتي أحدهم -مثلاً- بفعل متهوِّر أو سلوكٍ طائشٍ أمام العامة، تنهال الكثير من التعليقات الساخرة؛ كأنْ يقول أحدهم متهكماً: "علشان حد يمدحه"، وهذا من التعابير المجازية التي تدلُّ على أنَّ هذا السلوك غير مقبول.

إنَّ حُبَّ عبارات الإطراء والمديح من الأمور التي جُبِلَت عليها النفس البشرية، فالناس -على اختلاف أجناسهم وأعمارهم وثقافاتهم- لديهم غريزة فطرية تجعلهم يتُوقون لرؤية الإعجاب والتعظيم في عيون من حولهم، ويحبُّون سماع تعداد مناقبهم ومحاسنهم من الآخرين؛ مما يدفعهم بقوة لبذل المزيد من الجهد والعطاء، ويعزِّز رغبتهم في تطوير قدراتهم الفكرية والعقلية، كما أنَّه يزيد من طاقتهم وحيويتهم، وينمي مهاراتهم في مجالات شتى لمواجهة تحديات المستقبل، ويطور من سلوكياتهم المرغوب فيها؛ فيجعلهم هذا الثناء يحلقون عالياً في سماء التميز والإبداع.

وقد يختلف تأثير الإطراء والثناء على الناس، وهذا الاختلاف يعتمد بشكل رئيسي على مدى قدرتهم على ضبط هذه الغريزة وتهذيبها وتنقية القلب مما قد يختلط به من شوائب، فنجد فيهم المغرور الذي يقطع الإعجاب ظهره؛ ويجعله يتعالى على من حوله، وصنف آخر كلما كَثُرت العبارات التي تُثنِي عليه تشكَّك في قدراته وتضاءلت ثقته في نفسه. أما العاقل العارف بطبائع نفسه وغريزتها، فيتعامل مع الثناء بمنطقية، فلا يحمله على الغرور، ولا يقلل من ثقته بنفسه، بل كلما زاد إعجاب الناس به عمل على أن يكون عند حُسن ظنهم.

 وبعض الناس -هداهم الله للحق- يتزلَّفون بإطراء الممدوحين، وقد يتخذون الثناء على الرؤساء وذوي الجاه تجارة لهم وطريقاً لعيشهم، ويجعلون التملُّق الممزوج بالكذب والنفاق رأسمالهم الذين يتكسَّبون من خلاله! فبئس هذا المدح الذي قد يصنع من الممدوح شخصاً نرجسيًّا، يملؤه الغرور والعُجْب.

لقد كان المدح والثناء جُزءاً أصيلاً من الثقافة العربية من العصر الجاهلي إلى يومنا هذا، وقد طالعتنا كتب الأدب العربي -على مر العصور- بكثير من نماذج الثناء؛ سواءً كان بالشِّعر أو الخطب أو حتى المقالات، يتسابق منتهجو هذا الأسلوب في مدح الملوك والسلاطين والأمراء وسادة البلاط في الممالك العربية، متسولين المال أو خطب الود أو قضاء مصلحة معينة، ليس هذا وحسب، بل إنَّ تسوُّل الثناء يأتي من متلقيه أيضاً، فنجد بعض الأمراء والسلاطين -على سبيل المثال- يتسولون المدح والثناء من الشعراء الذين ذاع صيتهم في الآفاق، فيُغدِقون عليهم العطايا؛ ويجزلون لهم الهبات من أجل الثناء عليهم أمام العامة وعلى رؤوس الأشهاد.

ولا يزال تسوُّل الثناء أسلوباً للبعض، ينشط عند قيامهم بكل أمر ظاهره ابتغاء الخير، ليضعهم دائماً في دائرة الضوء، أما الأعمال التي تبقيهم في الظل ولا تظهرهم للعلن فلا يحبذون المشاركة فيها، لأن نظرتهم القاصرة لا تدرك أن الله يجازي على صدق العطاء، وسلامة القلب وصفاء النية وتمني الخير للغير.

وأيضًا هناك من يُتاجر بفرحة البسطاء من أجل كسب أكبر قدر من عبارات الإطراء، مُستَغِلاً حاجة هؤلاء المساكين لما تجُود به أيادي المحسنين من العطاء، فيهتك ستر المتعففين من الفقراء، ويتسلق على أكتاف الضعفاء؛ فتراه يعطي باليمنى ويشهر عطاؤه باليسرى، يحشد كاميرات وسائل الإعلام ووكالات الأنباء لتوثيق الحدث الأبرز على مستوى الأرض وكأنه ظاهرة كونية لم يأتِ بها الأولون ولا الآخرون، ليخبر العالم بأسره أنه أكرم الناس، وأنه أجود من الريح المرسلة، وأنه من أشد الناس حرصاً على العطاء، وأنه محب للخير، لن يرضي غروره إلا إذا عرف العالم بأسره أنَّه نصير الضعفاء، وأنه شارك في بناء المدارس والشوارع والجوامع، وأنه في كل يومٍ يُطعم ألف جائع، وأنه أعطى وتصدق وأنفق الكثير من المال، ولا نراه بهذا الفعل إلا مُحِبًّا للمدح متسولًا للثناء.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

وجه شبه بين حميدتي وأوليائه من المدنيّين

التصريحات المنسوبة لجعفر تقدم، بخصوص روسيا، لفتت نظري لوجه شبه ما كنت منتبه ليه بين حميدتي وأوليائه من المدنيّين:
إنّه الاتنين “ناس ساي”، لقوا حظ من الأهمّيّة أكبر كتير من محتواهم؛
ما بقول ما اجتهدوا، بالعكس، نموذج في الاجتهاد؛
لكن مجهود غير منتج، يفتكر للكفاءة يعني؛
ولك أن تسأل كيف لقوا اللقوه برغم خواهم؟
السر، في الحقيقة، بيكمن تحديداً في الخواء، لمن يتلمّ مع “جنون العظمة”؛
النوع دا من الشخصيّات قادر على كسب شعبيّة وخلق أثر كبير، هدّام بطبيعة الحال؛
تحديداً، بيجذبوا نوعين من الناس:
١- أصحاب النفوذ والمصلحة بيستغلّوا النوع دا لتمرير أجندتهم عبرهم، باعتبار إنّهم صوتهم عالي لكن ما عندهم محتوى، فبيصلحوا كمكبّرات صوت لتمرير المحتوى الانت دايره؛
ودونك ضجيجهم العالي بشعارات “لا للحرب” و”حرب عبثيّة” و”تفاوض” ومش عارف، بدون وجود محتوى موضوعي مترابط لهذه الشعارات؛
وعادي بغيّروا ليهم الشريحة طوّالي بدوّروا في النغمة الجديدة!
٢- الناس الخاوين زيّهم لكن ما لاقين حظوتهم، بشوفوا ديل تجسيد لأحلامهم بالوصول لمقام عالي بالاجتهاد رغم تواضع الإمكانات؛
ديل ناس الحمدوكات الصغار البسبّحوا بالشكر لحمدوك ويرفعوا من مقامه على أمل بلوغ مقام كبير لأنفسهم بدون ما يقدّموا فايدة للناس؛
عقليّة “يا نصيب”؛
“يحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا”؛
وانا حسّة بكتب مرّ من أمامي عدد من النماذج للناس الخاوين من أيّ محتوى مفيد، العاطلين عن المواهب، البستشعروا أهمّيّتهم من خلال التصفيق لناس خاوين زيّهم نجحوا في الوصول لدائرة الضوء وجذب الاهتمام!
رجوعاً لموضوعنا؛
قحت\تقدم بتضم ناس نجحوا في إكمال تعليمهم في جامعات عالميّة معتبرة والحصول على شهادات “رفيعة”؛
بس “الشهادة” الجامعيّة هي مجرّد “وعد بالإنجاز، وليست إنجازاً في حد ذاتها”، أو كما وصفتها قبل ٢٤ سنة؛
وكذلك بنلقى فيهم ناس نجحوا في تصدّر تنظيمات سياسيّة، قدروا من خلالها يلقوا طريقهم لمقابلة شخصيّات اعتباريّة عالميّة؛
لكن في الحقيقة، هم على تنظيماتهم، ما عندهم محتوى “substantial” زي ما بقولوا؛
يعني ما عندهم حاجة جوهريّة يعرفوا بيها أو منتوج يُذكروا بيه أو إرث يخلّفوه وراهم؛
لا كتب؛
لا نظريّات؛
لا عبارات ملهمة؛
لا مبادئ محفوظة؛
لا تلاميذ لامعين؛
لا شيء!
فلا غرابة إذن في إنّه يتلقّوا تمويلهم من المنظّمات؛
ولا عجب لمن تلقاهم بياخدوا مصروفهم من القوني، بعد شهادة هارڤارد!
زي كلامي دا طبعاً ممكن يؤثّر في أجندة المجموعة الراعية الذكرناها دي، لكن الناس ديل ما بي أهمّيّة إنّه يتعبوا فيهم ويدافعوا عنّهم؛
لكن الكلام الزي كلامي دا بيهدّد سلام المجموعة التانية: القاعدة البستندوا عليها الناس الساي ديل؛
فيمكن يجوا حسّة يهاتروا ويشاتموا ويبتذلوا في التعليقات؛
حبابهم؛
باعتباري ما عندي إنجازات تذكر يعني، فممكن تعتبرني صفر تقيس عليه؛
وتعال عدّد لينا بعض الناس القطعوا خط الصفر دا بين قيادات وكوادر قحت\تقدم، من أصغر جدادة لأكبر حمدوك؛
تعال ورّينا قدّموا شنو مفيد للبشريّة يعني يذكروهم بيه؟!

Abdalla Gafar

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • حمدان بن محمد لمكتوم بن محمد: نحتفي بك قائداً في مسيرة العطاء وبناء المستقبل
  • العشري: فرصة "ميشالاك" كانت نقطة التحول في لقاء الزمالك والمصري
  • طارق العشري: فرصة ميشالاك نقطة التحول في لقاء الزمالك والمصري
  • وزير الثقافة يفتتح معرض “أهل العطاء” بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد بصنعاء
  • افتتاح معرض “أهل العطاء” بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد بصنعاء
  • الصحة تنعى علام: عرف بقربه من الناس وخسارة كبيرة
  • ثمار الشهادة في سبيل الله
  • الحيرة القاتلة
  • وجه شبه بين حميدتي وأوليائه من المدنيّين
  • شخصيات وقيادات تنفيذية لـ«الثورة»: نبارك التفاعل اليماني المليوني الرافض للاستكبار والهيمنة