جلسة تناقش راهن القصيدة الحديثة في الإمارات واليونان
تاريخ النشر: 20th, May 2024 GMT
سالونيك، اليونان (الاتحاد)
أخبار ذات صلةاستضافت «هيئة الشارقة للكتاب» ضمن فعاليات احتفاء اليونان بالشارقة أول ضيف شرف عربي على معرض سالونيك الدولي للكتاب، الشاعر الإماراتي محمد الخالدي والشاعرة اليونانية مالاماتي بيتريذو، في جلسة نقاشية شعرية بعنوان «القصيدة الحديثة والتجارب الشابة»، أدارها كونستانتينوس بوراس، لاستعراض تيارات القصيدة الحديثة وتجارب الشعراء الشباب.
وقال الشاعر الخالدي حول مرجعيات الشعراء الشباب في دولة الإمارات: «إن العالم الذي يتفاعل الشاعر معه سواء كان مرئياً أو مسموعاً أو مقروئاً، ينعكس بصورة أو بأخرى على تجربة الشاعر، ويظهر ذلك في قاموسه اللغوي، وموقفه من الأشياء والقيم، وعلاقته بالإنسان والمكان من حوله»، لافتاً إلى أن الشاعر أبي العلاء المعري يشكل بالنسبة له واحد من العلامات والمرجعيات الشعرية والفلسفية التي يستند إليها في تجربته الشعرية.
وحول رؤيته للشعر، أوضح أن أكثر ما يجسد مفهوم الشعر بالنسبة له هو «الرهافة»، مؤكداً أنها تشكل مفتاح الشاعر لالتقاط التفاصيل البسيطة والمهملة التي تحمل مقومات شعرية عالية، يمكن الانطلاق منها لكتابة قصائد مميزة ونادرة.
وأشار الخالدي إلى أنه على مستوى الموضوعات، انشغلت القصيدة الإماراتية بموضوعات عديدة، والكثير منها تبدو وكأنه اشبعت شعراً، إلا أن المهمة المركزية للشاعر الشاب اليوم أن يجد مساره الخاص الذي يمكنه من تناول الموضوعات نفسها لكن برؤى جديدة ومن زوايا لم يسبق طرقها.
مسار الشعر
ومن جانبها، قالت الشاعرة مالاماتي بيتريذو حول تجربتها الشعرية: «درست العلوم السياسية وأكملت الدراسات العليا في الفلسفة السياسية، وكان لذلك أثر على تجربتي الشعرية، خاصة على مستوى الموضوعات التي أتناولها، واللغة التي استخدمها»، مشيرة إلى أنها تنتمي إلى جيل الشباب اليوناني الذين اختبروا وعاشوا الأزمة الاقتصادية التي مرت بها اليونان.
وعن علاقتها بالكتابة، أوضحت أن الشعر بالنسبة لها هو المساحة التي تفرغ فيها مشاعرها وأفكارها، ولا يمكن أن تتخيل شكل حياتها من دون هذه المساحة، لافتة إلى أن الشعر كان مسارها للاجابة على الكثير من التساؤلات حول الوجود، والذات، والآخر.
وقرأت الشاعرة مالاماتي بيتريذو قصيدة من ديوانها الشعري الأول الصادر حديثاً، حملت عنوان «البحر في موسم الشتاء»، كشفت فيها عن قاموسها اللغوي، وقدرتها على إحداث المفارقة داخل القصيدة، مقدمة صورة حيّة لواحدة من الأصوات الشابة اليونانية المعاصرة.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: معرض سالونيك الدولي للكتاب الإمارات اليونان إلى أن
إقرأ أيضاً:
سامح قاسم يكتب | "أم كلثوم.. من الميلاد إلى الأسطورة".. سيرة على مقام القصيدة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ليس من السهل أن تكتب عن صوتٍ صار وطنًا. أن تروي حكاية امرأةٍ تجاوزت جسدها وصارت تجسيدًا لعصر، وذاكرة جمعية لعشاقٍ، وثوّار، وملوك، ومهزومين. لكن حسن عبد الموجود لم يدخل إلى أم كلثوم من بوابة التوثيق، بل من نوافذ الحنين، ومن ممرات الحكاية، ومن شرفات اللغة. في كتابه "أم كلثوم: من الميلاد إلى الأسطورة"، لا نجد السرد التقليدي لسيرة فنانة، بل نصًا هجينًا بين الأدب والتاريخ، بين القصيدة والأرشيف، بين النشيد والمناجاة.
هذا الكتاب لا يسير على خطى الزمن، بل يعيد ترتيبه على إيقاع خاص، كما لو أن الكاتب أعاد توزيع حياة أم كلثوم على خمسين مقامًا سرديًا، حيث يتكرر اللحن، لكن لا تتكرر الحكاية. إنه لا يكتب عن سيدة الغناء العربي بقدر ما يستحضرها كأيقونة تتقاطع فيها العاطفة والفن والسياسة والقدر.
لا يبدأ حسن عبد الموجود من القاهرة، ولا من الميكروفون، بل من الطمي. من قريتها طماي الزهايرة، كأنه يبحث عن بذور الصوت، عن الماء الأول الذي شربته الحنجرة، عن الحقول التي سمعت ترتيلها الطفولي. لا يتعامل الكاتب مع الريف كمعلومة، بل كفضاء شعري، كأرضٍ تمهّد لقدَر. وهناك، في الحكايات الأولى، تبدأ أم كلثوم كامرأة لا تعرف أنها ستحكم السمع والمزاج العربي لعقود، بل كابنة إمام، تسكنها البدايات لا النهايات.
ومع تقدم الفصول، يتغير الإيقاع، لكن لا تفقد اللغة شغفها. يرصد الكاتب لحظات التحوّل: انتقالها إلى القاهرة، مواجهتها الأولى مع الذكور الذين يحرسون الميدان الفني، توترها بين الشرقي الأصيل والتجديد، وقبل كل ذلك، حذرها من الحب، من الرجل، من الضعف.
يأخذ عبد الموجود على عاتقه تفكيك صورة أم كلثوم الأسطورية دون أن يمسّ بهالتها، يعريها ليزيدها رهبة. يقترب منها لا كناقد بل كعاشق، يشكّك أحيانًا، يندهش غالبًا، ويترك الباب مفتوحًا للتأويل دائمًا. يظهر الجانب الإنساني الذي نادرًا ما يُرى: صرامتها، حساباتها الدقيقة، حسّها السياسي، وربما حتى وحدتها. يكتب عنها لا ليُحاكمها، بل ليجعلنا نفكر فيها على نحوٍ أعمق: ماذا يعني أن تكون صوتًا لجيل؟ كيف تحتمل امرأة أن تصبح رمزًا بلا لحظة ضعف علني؟
ومن هذا المنطلق، لا يفصل الكاتب بين أم كلثوم الفرد وأم كلثوم المؤسسة. هي التي غنّت للثورة كما غنّت للغرام، غنّت للزعيم كما غنّت للدمعة التي تنام على خدّ أرملة في قريةٍ لا تعرف أسماء الوزراء. بذلك، تصبح أم كلثوم مرآة عصرها، لا مجرد موسيقاه.
ما يميز هذا العمل ليس فقط ما يقوله، بل كيف يقوله. اللغة هنا ليست وسيلة نقل، بل أداء فني بحد ذاته. جملٌ طويلة كجملة موسيقية تتهادى، واستعارات تنبت من قلب الحكاية، وصور تتراكم مثل نغمات "ألف ليلة وليلة". لا نجد الحياد الصحفي، بل التورط الأدبي، ولا نجد الخطابة، بل همس عاشق يعرف أن الأسطورة لا تكتب بمداد الحبر فقط، بل بارتجاف القلب.
يتركنا الكتاب كما تتركنا أم كلثوم في نهاية كل حفل: مشبعين، لكن غير مكتفين. نغلق الصفحة، ونشعر أن الصوت لا يزال في الداخل. ربما لأن الكاتب لم يكتب النهاية، بل ترك الأسطورة مفتوحة. وربما لأن أم كلثوم نفسها لا تنتهي: كلما ظننا أننا سمعناها بما يكفي، فاجأتنا مرة أخرى من عمق الذاكرة.
"من الميلاد إلى الأسطورة" هو كتاب لا يُقرأ مرة واحدة، ولا يُقرأ كوثيقة، بل يُقرأ كما يُستمع إلى أغنية طويلة تُحيا كلما أُعيد غناؤها. حسن عبد الموجود كتب شيئًا لا نعرف كيف نصنّفه، لكنه كتب ما يشبه أم كلثوم: لغزًا، صوتًا، ذاكرة، ومقامًا لا يُعاد.