في المسألة القبلية بمصر.. هل هو حميدتي جديد؟!
تاريخ النشر: 20th, May 2024 GMT
لأسباب يطول شرحها، فقد عقدت العزم على ألا أقحم نفسي في موضوع "اتحاد القبائل العربية"، مع ما يمثله من خطر على فكرة "الدولة الحديثة"، ومع انتمائي لواحدة من القبائل العربية العريقة بمصر، وقررت منذ البداية أن تكون كتاباتي على هامش الموضوع وليس في عمقه، وهو ما أفعله في هذه السطور!
ولعل الملاحظة المهمة، أنه بظهور الاتحاد فقد اختفى في ظروف غامضة حزب "مستقبل وطن"، على نحو كاشف أن اتحاد القبائل هو البديل السياسي لهذا الكيان الهلامي المسمى بأحزاب السلطة، التي شكلت تحالفا فيما بينها وخاضت الانتخابات البرلمانية بقائمة واحدة، وألقت للأحزاب الأخرى بفتات الموائد والذي تمثل في عدد من المقاعد لكل حزب، الأمر الذي يؤكد أن "اتحاد القبائل العربية" هو البديل السياسي للتشكيلات السابقة، وها نحن نراه يتمدد في المشهد العام، ويخاطب مجلس الأمن، الأمر الذي يؤكد أن تقنين وضع الاتحاد بحسبانه جمعية، تخضع لقانون تنظيم ممارسة العمل الأهلي، هو العبث بعينه!
فلن يكون هذا التقنين إلا بالمخالفة الصريحة للقانون، لنكون أمام كيان مثل نقابة الأشراف، وهو الكيان الذي حله عبد الناصر، فعاد من بعده بحكم قضائي لا أعتقد أنه يتفق مع صحيح القانون، مع الفرق الواضح بين هذا التشكيل وذاك، فنقابة الأشراف لا تقترب أبدا من السياسة، في حين أن الاتحاد أريد له أن يكون الذراع السياسي للنظام، بظهور الاتحاد فقد اختفى في ظروف غامضة حزب "مستقبل وطن"، على نحو كاشف أن اتحاد القبائل هو البديل السياسي لهذا الكيان الهلامي المسمى بأحزاب السلطة، التي شكلت تحالفا فيما بينها وخاضت الانتخابات البرلمانية بقائمة واحدة، وألقت للأحزاب الأخرى بفتات الموائد والذي تمثل في عدد من المقاعد لكل حزب، الأمر الذي يؤكد أن "اتحاد القبائل العربية" هو البديل السياسي للتشكيلات السابقة، وها نحن نراه يتمدد في المشهد العامكما أريد له أن يكون البديل لمؤسسات القوة، إنه "حمايتي" تماما كما كان يخاطب الجنرال السوداني عمر البشير، قائد قوات الدعم السريع "حميدتي" بـ"حمايتي"، وفي النهاية فإن حمايته غادر السفينة الغارقة، وانطلق يهاجم "الكيزان"، الوصف السوداني للإسلاميين، كما يهاجم العهد البائد، ويتصدر المشهد باعتباره زعيما سياسيا، ربما حلم في مرحلة من المراحل أن يكون رئيس السودان المتوج!
ولنكون قد وصلنا لـ"بيت القصيد"، فهل نحن أمام ظاهرة حميدتي في مصر، وما يشهده السودان الآن من تخريب وقتال مع الجيش، واستباحة المواطنين؟ هو ولا شك أمر يبعث الخوف في قلوب كل الوطنيين، وقد تقرر لاتحاد القبائل أن يكون له فرع في كل محافظات القطر المصري!
الدور السياسي للعائلات المصرية:
ربما لا يعلم الناس، أن تجربة توظيف آحاد الناس للقيام بمهام أمنية، لها جذورها التي بدأت بالمواجهة بين الأجهزة الأمنية والإسلاميين، وفي بداية التسعينات، وعلى يد وزير الداخلية عبد الحليم موسى، وعلى ذات قواعد اللعبة الحالية، ولكنها في مرحلة البدء كانت تقوم على أفراد على هامش مجتمعاتهم!
فقد كانت المواجهة على أشدها بين النظام وجماعة العنف، عندما تفتق ذهن وزارة الداخلية على الاستعانة بالمواطنين في مهمة المواجهة بالسلاح، وهي مهمة ثقيلة على العائلات التاريخية، لأنها وإن مثلت وجاهة ونفوذا للبعض، فإن القوم لا تنقصهم الوجاهة، ولا يحتاجون لنفوذ يفرض من جانب الأجهزة الأمنية، فضلا عن أن هذه العائلات فيها وفيها، ففيها ضابط الشرطة، ورجال القضاء، وممثلة في البرلمان، وفي الجانب الآخر قد يوجد فيها عضو أو أكثر في الجماعات الدينية، ومتمرد مطلوب لاستكمال شكل القبيلة، ففي الملمات تكون المواجهة من نصيب هؤلاء المتمردين، أو الفرع الفقير في العائلة، ليخلقوا التوازن المطلوب مع العائلات والقبائل الأخرى، وهي مهمة لا يقدر عليها الذين يشغلون الوظائف الكبرى، وضد طبائع الأشياء!
وهذه العائلات تمارس عملية الضبط الاجتماعي على أفرادها، ولن تكون أداة لمواجهتهم أو تسليمهم للشرطة، وأمام واحدة من هذه العائلات، التي فيها عددا كبيرا من ضباط الشرطة، وأخرجت عددا ربما مماثلا من المنتمين للجماعة الإسلامية، قام وزير الداخلية زكي بدر، الذي اشتهر بالحدة إذا تكلم والرعونة إذا تصرف، بوقف ضباط العائلة عن العمل، وهو القرار الذي تم العدول عنه بعد ذلك لعدم معقوليته!
وإزاء ذلك تمت في عهد عبد الحليم موسى، الوزير التالي له، الاستعانة بأفراد من خلفية اجتماعية متواضعة، والذين وجدوها فرصة ليحققوا بقوة السلاح وبجوار الشرطة؛ مكانة لم يحققوها بالتاريخ والأصل الطيب، فكانوا يقفون مع الشرطة في الأكمنة الليلية، ويقفون في المواجهة إذا استدعى الأمر، وهم يحصلون على منافع مقابل ذلك، وقاموا بزراعة المخدرات، والاتجار فيها، وكذلك الاتجار في السلاح، وهم في الحماية، وبعد انتهاء المواجهة وتسريحهم كانوا قد أقاموا في الجبال القريبة قلاعا حصينة.
عائلات أم قبائل؟
ومع نشر الصحف عن نفوذ نفر منهم، وجدت السلطة نفسها في حرج، ولم تكن مواجهتهم نزهة برية، وهم يتحصنون في قلاعهم، ويقاومونها ببسالة، وهذه المقاومة تذيعها الصحف، مما جعل الدولة في حرج، وتم التخلص منهم، وقُتل عزت حنفي بعد معركة دامية!
وإن أنتجت هذه المرحلة اتجاها جديدا للسلطة في التعامل مع "العائلات" فلا يجوز في الحالة المصرية أن تذكر "القبيلة"، لأن الأخيرة لا تتمركز في مكان واحد، فالقبيلة الواحدة منتشرة في أكثر من محافظة، وقد لا يحدث تواصل بين أفرادها سوى على مستوى فرد قد يكون في عائلة من عائلات هذه القبيلة يأخذ على عاتقه التواصل مع "أولاد عمه" في المحافظات، ولا يترتب على هذا سوى "التعارف" وحسن الضيافة والتذكير بالأمجاد!
وهذه العائلات تستمد مكانتها من التنافس على مقاعد البرلمان، أو الحضور المحلي، ليكون التنافس عائليا لا قبليا. وحرص نظام ثورة يوليو على أن يتعامل مع العائلات التاريخية على أنها جزء من منظومة الحكم في الأطراف فيما يختص بهذا الدور، لأنها قادرة على تزوير الانتخابات، وعلى الحضور القوي تحت لافتة الحزب الحاكم، وهي تدير أمورها بالتوافق الاجتماعي، فالعائلة التي لا تفوز بمقعد البرلمان يتم تمييزها في المحليات، أو في المواقع الجهوية الأخرى، لتسير الأمور في هذا الجو من التسامح، بعد احتدام المعارك الانتخابية!
فعرفت مصر العائلات السياسية، التي احتكرت عضوية البرلمان لسنوات طويلة، لكنها ضربت من داخلها بظهور طبقة المتعلمين، الذين عز عليهم أن تستمر الأمور على ما هي عليه، ومن حقهم التصعيد السياسي، فشهدت تنافس أكثر من شخص من عائلة واحدة، يكون نتيجته تفتت الأصوات. وجاء جمال مبارك بفكر جديد للسيطرة على الحزب الوطني، بإزاحة الحرس القديم، ولا يكون هذا إلا بخلق طبقة جديدة من قيادات الحزب الحاكم، فكان شرط القيادة داخل الحزب ولو في الوحدات الصغيرة هو الحصول على مؤهل جامعي الأمر الذي ينقص الزعامات التاريخية للعائلات، فكان حزب آخر هو حزب القادمين من الخلف، والذين قد يكون أحدهم أستاذا جامعيا أو في أي وظيفة مرموقة أخرى، لكنه في الحضور العائلي فإن جلوسه يكون حيث انتهى به المقام.
كم عائلة في سيناء؟ فهل تقبل العائلات أن يتسيد عليها من ينتمي لعائلة منافسة، فيصبح بقرار من السلطة هو "فخر السيناوية"؟.. في أي زمان حدث هذا؟! لنقف على أن السلطة تصنع احتقانا عائليا ضدها، هذا إذا استبعدنا الغضب المفترض داخل مؤسسات القوة
ولم يكن فريق جمال مبارك واعيا لما يفعل، فقد كان ما يهمه هو السيطرة الكاملة، ولا يضع احتمالا لأي أزمات قد تسحق ملك أبيه، فعندما قامت الثورة على والده، كان الحزب الوطني قد تبخر فعلا، والموجود هو حزب "الأفندية" والذي مثل من حيث التشكيل بذرة لمرحلة حزب مستقبل وطن!
نهاية زمن العائلات الكبيرة في العمل الانتخابي لم تبدأ مع هذه السياسة، ولكن بدأت بالإشراف القضائي على الانتخابات، وحدوث تمرد داخلها على القواعد القديمة، وما تملكه هذه العائلات لم تعد تمارسه في حضور القضاة في العملية الانتخابية، وهي التي كانت تغلق اللجان، وتزور الانتخابات، إما طوعا أو كرها، والموظف المشرف على اللجنة الانتخابية أوفد من محافظة مجاورة، ويتفهم طبيعة الأمور، فليس بعيدا عنها، وغالبا كانت لديه تعليمات من جهاز الأمن بأن يسمح بالتجاوزات لأسباب تخص السلطة ولمنع حدوث فتنة!
ومنذ مرحلة عزت حنفي بدأ الجهاز الأمني صناعة وضع اجتماعي لأفراد لا ينقصهم الطموح وينتمون لأسر هامشية، بفرضهم في مواقع محلية متقدمة، مثل العُمد وغير ذلك، لكنها بذلك قضت على الضبط الاجتماعي الذي كان يصب في مصلحتها، ومصلحة الاستقرار السياسي!
كم عائلة في سيناء؟ فهل تقبل العائلات أن يتسيد عليها من ينتمي لعائلة منافسة، فيصبح بقرار من السلطة هو "فخر السيناوية"؟.. في أي زمان حدث هذا؟! لنقف على أن السلطة تصنع احتقانا عائليا ضدها، هذا إذا استبعدنا الغضب المفترض داخل مؤسسات القوة!
لست قلقا من مصير السودان، فهذا الفرح المنصوب سينفض في لحظة، والمعادل الموضوعي لفخر السيناوية لن يكون حميدتي ولكن "عزت حنفي"!
فتدبروا يا أولو الألباب!
twitter.com/selimazouz1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اتحاد القبائل مصر العائلات مصر عائلات مليشيا القبلية اتحاد القبائل مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القبائل العربیة اتحاد القبائل هذه العائلات الأمر الذی أن یکون على أن
إقرأ أيضاً:
عائلات الأسرى الصهاينة تطالب بصفقة شاملة وانهاء الحرب لضمان عودة الأسرى
الثورة نت/..
أكدت عائلات الأسرى “الصهاينة ” بغزة، اليوم السبت، أن الأسرى لا يزالون في غزة بسبب “نتنياهو” ويجب إبرام صفقة شاملة، مطالبين بضرورة إنهاء الحرب من أجل ضمان عودة الأسرى الآن.
وقالت العائلات خلال مظاهرة في “تل أبيب” للمطالبة بإبرام صفقة شاملة:” على القيادة التوصل لاتفاق الآن يضمن الإفراج عن جميع المختطفين، وعلينا إنهاء الحرب من أجل ضمان عودة المختطفين الآن”.
وأضافت :” إنهاء الحرب ليس إخفاقا وليس ثمنا والأهم عودة أبنائنا المختطفين”، مطالبين الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بالضغط لإبرام صفقة شاملة فالأسرى لن يصمدوا حتى الشهر المقبل.
ودعت عائلات الأسرى “الإسرائيليين” في غزة، إلى المشاركة مساء اليوم في مظاهرة بمدينة “تل أبيب” للمطالبة بابرام صفقة تبادل أسرى مع حركة “حماس”.
وقالت العائلات في تصريح صحفي:” ندعو للتظاهر بتل أبيب ومدن عدة مساء اليوم للمطالبة بصفقة تعيد المخطوفين”
بدوره، قال زعيم المعارضة “الإسرائيلية” يائير لابيد: أدعو الإسرائيليين للتظاهر في تل أبيب مساء اليوم لإعادة الدولة لمسارها الصحيح
وتأتي دعوة العائلات للتظاهر، في ظل التقدم الحاصل في مفاوضات وقف اطلاق النار وتبادل الأسرى بين “إسرائيل” وحماس برعاية مصرية وقطرية وتركية وبدعم أمريكي، والحديث عن ابرام صفقة جزئية تشمل الافراج عن عدد من الأسرى وهو ما تعرضه عائلات الأسرى وتطالب بصفقة شاملة.
وكان مصدر مصري مطلع، أكد اليوم، أن الخلافات بين “المقاومة و”إسرائيل” خلال المفاوضات الجارية في الدوحة لوقف إطلاق النار بغزة توصف بـ”أصغر خلافات” منذ بداية المفاوضات وجولات التفاوض المختلفة”.
وقال المصدر المصري المطلع لـ العربي الجديد:”إن قيادة حماس والوسطاء شعروا بجدية حقيقية من جانب إدارة بايدن والرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للتوصل إلى اتفاق قبل نهاية العام”. وفق قوله.
وأضاف المصدر:” حماس والوسطاء يشعرون بأن هناك ضغوطا كبيرة تمارسها الولايات المتحدة على إسرائيل للتوصل إلى اتفاق، وليس فقط على حماس”. على حد وصفه.
وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على قطاع غزة، برا وبحرا وجوا، منذ السابع من أكتوبر 2023، ما أسفر عن استشهاد 45,206 مواطنين، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 107,512 آخرين، في حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.