بينما كان من المتوقع أن تحظى دراسة قدمت أول دليل جيولوجي على طريقة بناء الأهرامات، بتأييد قطاع عريض من الأثريين، كانت المفاجأة أن كبير الأثريين المصريين زاهي حواس يرفضها رفضا قاطعا، بل إنه قال لـ"الجزيرة نت" بلهجة لا تخلو من حدة واضحة: "هذه الدراسة سرقت العلم كله".

وتقدم الدراسة المنشورة في دورية "إنفيرومنت آند كومينيكيشنز إيرث" التابعة لدار النشر "نيتشر"، والتي قادتها الأستاذة بقسم علوم الأرض والمحيطات بجامعة نورث كارولينا ويلمنغتون "إيمان غنيم"، أدلة جيولوجية على أن 31 هرما من أهرامات مصر -من بينها أهرامات الجيزة- شُيدت على امتداد فرع يبلغ طوله 64 كيلومترا من نهر النيل، دُفن منذ فترة طويلة تحت الأراضي الزراعية والصحراء، وأن موقع البناء اختاروه قريبا من هذا الفرع الذي أسماه الباحثون باسم "فرع الأهرامات" لتسهيل نقل الحجارة عبر المراكب إلى مواقع البناء.

الباحثة الرئيسية إيمان غنيم درست التضاريس السطحية للفرع المنقرض من نهر النيل الواقع أمام الأهرامات (إيمان غنيم)

ورغم اعتراف الفريق البحثي في دراستهم بأن ما قدموه ليس كشفا جديدا بقدر ما هو محاولة لتقديم أدلة جيولوجية على ما هو معروف تاريخيا، فإن كبير الأثريين ووزير الآثار الأسبق زاهي حواس رفض هذه الدراسة رفضا باتا.

ويقول: "هذه الدراسة سرقت العلم كله، وتُكرر ما سبق وذكرتُه منذ 30 عاما في أوراق بحثية وكتب منشورة، بأدلة أيضا مادية، كان من بينها اكتشاف ميناء الملك خوفو وميناء الملك خفرع".

وتابع: "إذا نظرت على خرائط قديمة ستجد ما يعرف ببحر الليبيني، وهو النهر الذي قطعه الفراعنة غرب النهر الحالي، وكان متفرعا منه قنوات تتصل بموانئ كانت ترسو فيها السفن، وهي موانئ خوفو وخفرع التي قدتُ فرقا بحثية اكتشفتها".

وأضاف أن "هناك أيضا بردية شهيرة تسمى بردية وادي الجرف، تحكي بالتفصيل كيف حدث البناء وعملية نقل الحجارة إلى الموانئ القريبة من الأهرامات".

وخلص حواس من ذلك إلى القول: "لدينا أدلة تاريخية، وأخرى مادية تتمثل في الموانئ المكتشفة، ولذلك فإن هذه الدراسة لا تحمل أي قيمة تذكر، وسأصدر مع عالم الآثار الأميركي المتخصص في منطقة الأهرامات مارك لينر؛ بياناً نعبر فيه بشكل واضح عن رأينا في هذه الدراسة التي لا علاقة لها بالعلم".

الخط الأزرق في الخريطة التي نشرها الباحثون يوضح قرب مواقع بناء الأهرامات من فرع النيل المنقرض (دورية إنفيرومنت آند كومينيكيشنز إيرث) أول دليل جيولوجي

ولا يدعي أستاذ الجيولوجيا بجامعة طنطا المصرية والباحث المشارك بالدراسة محمد صبحي فتحي، أنهم توصلوا إلى اكتشاف غير معروف بشأن وجود نهر قديم بجوار الأهرامات، لكنه قال في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت": "المميز في دراستنا والذي دفع دورية تابعة لنيتشر إلى نشر بحثنا، أننا قدمنا توصيفا متكاملا لهذا النهر المدفون باستخدام مجموعة تقنيات علمية حديثة".

وأضاف أن "ما كان الأثريون يتحدثون عنه استطعنا تحديده جيولوجيا على أرض الواقع، فأصبحنا نعرف الآن أين يقع فرع النيل الذي كان يُستخدم في نقل حجارة الأهرامات، وما هي أبعاده، ومدى ارتباطه بمعابد الوادي القريبة من الأهرامات، والتي كانت بمثابة موانئ تحط فيها السفن التي تنقل حجارة الأهرامات".

واستخدم الباحثون للتوصل لهذه الأدلة، بيانات الأقمار الصناعية والرادارية، وتأكدت صحة هذه البيانات بالعثور على عينات لرواسب قنوات النهر، والتي تؤكد وجود فرع نهري نشط بالقرب من موقع الأهرامات في الماضي.

ويوضح فتحي أن موجات الرادار كشفت قنوات الأنهار المدفونة، ثم جاء بعد ذلك دور الحفر العميق للتربة والمسح الجيوفيزيائي في الميدان ليؤكد صحة ما جاء في خرائط الأقمار الصناعية الرادارية، ويثبت بما لا يدع مجالا للشك وجود فرع النيل القديم الذي أسميناه "فرع الأهرامات".

ويشير إلى أنه "على طول هذا الفرع الذي بلغ 64 كيلومترا وكان عرض قناته نحو 500 متر، أوضحنا سبب وجود 31 هرما على شكل سلسلة تمتد من منطقة لشت جنوبا حتى الجيزة شمالا، وحددنا أن بعض هذه الأهرامات بنيت على ضفاف النهر القديم مباشرة والبعض الآخر على مشارف خلجان صغيرة متفرعة منه".

زاهي حواس: الدراسة لم تأت بجديد وسأصدر بيانا مشتركا مع عالم أميركي لانتقادها (غيتي) زواج جيولوجي تاريخي

ومن جانبه، لا يرى عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية والكاتب في علم المصريات "بسام الشماع"، مبررا لانتقاد الدراسة، حتى ولو لم تكشف عن جديد لا يعرفه المهتمون بعلم المصريات.

وقال الشماع في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت": "نعم نحن نعرف أنه كان هناك فرع لنهر النيل بالقرب من الأهرامات، وصور الأهرامات القديمة كانت تُظهر ذلك بوضوح، ولكن الدراسة تقدم شرحا جيولوجيا رفيع المستوى لما كنا نعرفه، لتُحدِث بذلك زيجة كانت مستحيلة بين التاريخ والجيولوجيا".

بسام الشماع: الدراسة أحدثت زواجا كان مستحيلا بين التاريخ والجيولوجيا (الجزيرة)

 

وعادة ما كان يقع تعارض بين التاريخ والجيولوجيا في تفسير كثير من الأمور، ولكن هذه المرة جاءت الجيولوجيا مؤيدة لما هو معروف في التاريخ، وأجابت بشكل واضح عن أسباب اختيار أماكن بناء الأهرامات، كما يوضح الشماع.

ويضيف أن "هذه الدراسة بالأدلة الجيولوجية التي قدمتها والمسح الراداري الذي أجرته به، تغلق باب الاجتهادات الغربية التي كانت تطل علينا من حين لآخر بنظريات غير منطقية عن بناء الأهرامات".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: ترجمات حريات بناء الأهرامات هذه الدراسة

إقرأ أيضاً:

مطالبات “إسرائيلية” بتابوت النبي موسى من مصر.. “دفن تحت الأهرامات”

#سواليف

بثّت وسائل إعلام إسرائيلية، في تقرير مثير للجدل نشره موقع “واللا”، مزاعم غير مدعومة بأي دليل علمي أو تاريخي، تدّعي وجود #تابوت عهد #النبي_موسى وقبر السيد المسيح أسفل #الهرم الأكبر في منطقة الجيزة.

واستند التقرير إلى تصريحات منسوبة لعالم أنثروبولوجيا بريطاني يُدعى بول وارنر، دون إرفاق أي وثائق أو قرائن يمكن التحقق منها علمياً.

وبحسب المزاعم التي أوردها وارنر، فإنه اكتشف ما وصفه بـ”السر الأعظم في التاريخ” داخل نفق تحت الأرض في محيط الأهرامات، مدّعياً أن السلطات المصرية تتعمد التعتيم على ما سماه بـ”الحقيقة الثورية”.

مقالات ذات صلة “حفريات القرآن الكريم”.. اقتراح بتأسيس علم جديد في مصر 2025/04/26

غير أن هذه الادعاءات تتعارض بشكل صارخ مع الحقائق التاريخية الراسخة، إذ يعود بناء الهرم الأكبر إلى ما يقرب من 4500 عام، أي إلى حقبة تسبق ظهور اليهودية والمسيحية بقرون طويلة.

ووفقاً للتقرير، فقد زعم وارنر أنه قدم صوراً ومسوحات ضوئية للسلطات المصرية، إلا أن أياً من هذه المواد لم يُنشر في دوريات علمية محكمة أو يُعرض على هيئات أكاديمية مستقلة، وهو ما يُفقدها المصداقية العلمية.
واتهم الباحث البريطاني السلطات المصرية، وعلى رأسها عالم الآثار الشهير زاهي حواس، بعرقلة ما أسماه بـ”التقدم المعرفي”، بينما تؤكد وزارة الآثار المصرية على التزامها بالتعاون مع البعثات الأجنبية ضمن أطر منهجية وقانونية معتمدة دولياً.

وتبرز تناقضات كبيرة في هذه الادعاءات، حيث أشار التقرير ذاته إلى أن بناء الهرم اكتمل قرابة العام 2560 قبل الميلاد، في حين يُعتقد أن تابوت العهد – وفق الرواية اليهودية – صُنع في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، ما يعني أنه يعود إلى ما بعد تشييد الهرم بأكثر من 1200 عام.

أما في ما يخص السيد المسيح، فإن الرواية المسيحية تُجمع على أن موقع دفنه في القدس، لا في مصر.

وتُعد هذه المزاعم امتداداً لسلسلة من النظريات غير المثبتة التي تحاول الربط بين الآثار المصرية القديمة وبعض الروايات الدينية، رغم غياب أي أدلة موثوقة تدعمها.

وقد أكدت الجهات الأثرية المصرية مراراً بطلان هذه الادعاءات، مشيرة إلى أن الأهرامات خضعت لدراسات دولية مكثفة، لم تسفر عن أي اكتشافات مشابهة.
وفي سياق متصل، يذكر أنه في حزيران/ يونيو 2019، أعادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية إثارة الجدل حول تابوت العهد، الذي يُعتقد – وفق الموروث اليهودي – أنه يحتوي على الألواح التي أنزلها الله على النبي موسى متضمنة الوصايا العشر.
ونقلت الصحيفة عن بروفيسور إسرائيلي عاد من جولة في إثيوبيا قوله إن “إسرائيل” ينبغي أن تطالب السلطات الإثيوبية بالحصول على نسخة من الصندوق الموجود في كنيسة السيدة مريم بمدينة أكسوم.
ووفقاً للتقاليد المحلية، فإن التابوت محفوظ تحت حراسة مشددة داخل مبنى مغلق أسفل الكنيسة، ولا يُسمح لأي شخص برؤيته، كما أنه يتم تغيير الحارس المسؤول عنه دورياً، نظراً لما يُشاع عن وقوع وفيات غامضة بين من يتولون هذه المهمة.

مقالات مشابهة

  • مسؤول أمريكي كبير: المحادثات النووية مع إيران في مسقط كانت إيجابية وبناءة
  • مطالبات “إسرائيلية” بتابوت النبي موسى من مصر.. “دفن تحت الأهرامات”
  • مفتي الجمهورية: نبذل جهدًا كبيرًا في نشر الوسطية ومواجهة الأفكار المنحرفة
  • لهذا السبب.. محمد خميس يتصدر تريند "جوجل"
  • مطالبات إسرائيلية بتابوت النبي موسى من مصر.. دفن تحت الأهرامات
  • الروقي: عاد كبير القارة الذي ترتعد منه الخصوم
  • محافظ شمال سيناء الأسبق: حرب الاستنزاف كانت جزءا أساسيا من إعادة بناء الجيش
  • أحمد الشناوي: لدينا طموح كبير للتتويج بدوري أبطال أفريقيا وهدفنا تحقيق إنجاز تاريخي
  • ما يعجب بوتين وما يرفضه تماما بطرح ترامب لإنهاء الحرب بأوكرانيا.. محلل يوضح لـCNN
  • أزمة تشغيل الأهرامات.. حواس يطالب بتدارك أي مشاكل