صدر مؤخراً عن مكتبة الإسكندرية ضمن سلسلة تراث الإنسانية للنشء والشباب كتاب «طلعت حرب... ومضات من حياته»، واستطاع الكاتب ببراعة شديدة ان يقدم لقطات حية من المشوار الكبير لطلعت حرب بصورة شيقة ومختلفة وبأسوب عذب وبسيط يجذب القارئ ويجعله متعطشاً لقراءة آخر صفحة فى الكتاب.

ولد محمد طلعت حرب فى 25 نوفمبر عام 1867م بمنطقة قصر الشوق بالقرب من مسجد الحسين فى حى الجمالية فى مدينة القاهرة.

وتنتمى عائلته إلى الطبقة المتوسطة التى تمتد جذورها إلى قرية ميت «أبوحلاوة »؛ إحدى قرى مركز منيا القمح بمديرية الشرقية آنذاك. حفظ القرآن الكريم فى سن مبكرة، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية، ومنها إلى مدرسة التوفيقية بحى شبرا العريق بمدينة القاهرة، وبعد ذلك اختار دراسة القانون. كما اهتم بالأمور الاقتصادية وأصبح على دراية كبيرة بعلوم الاقتصاد، ودرس اللغة الفرنسية وأجادها إجادة تامة.

اتسم طلعت حرب بهدوء الطبع، وكان شجاعاً ذكياً وعاقلاً، وعلى الرغم من أنه كان ينتمى إلى الطبقة الارستقراطية، الا انه لم ينفصل عن عادات وتقاليد وجذور الطبقى المتوسطة، ومع ذلك آمن بمفهوم الحداثة أو العصرنة، واستطاع تطوير وتغيير العديد من المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى اهتم بها.

قام طلعت حرب بدور كبير وفعال لإقناع 126 مساهماً، جميعهم من المصريين بالاكتتاب بمبلغ ثمانين ألف جنيه لإنشاء شركة مساهمة مصرية تسمى «بنك مصر» برأسمال مصرى خالص وإدارة مصرية وكوادر مصرية ولغة تعامل عربية. وألقى خطبة فى دار الاوبرا المصرية بمناسبة حفل الافتتاح الرسمى لبنك مصر فى 10 مايو 1920م. وأصبح بنك مصر منافساً قوياً للبنك الأهلى الذى كان يمثل سلطة الاحتلال الاقتصادى الإنجليزى لمصر فى حينه.

كان طلعت حرب عاشقاً للثقافة والأدب والفنون، فكان إنشاء أول مطبعة مصرية أمراً مهماً ليدعم من خلالها الفكر والأدب وهو حلمه الأول، فبعد إنشاء المطبعة بدأت رحلة بنك مصر فى القيام بدور كبير فى الاقتصاد المصرى؛ إذ أسهم فى تأسيس مجموعة كبيرة من الشركات فى كل القطاعات الاقتصادية. فتم إنشاء شركة مصر لحلج القطن، وفى عام 1925م تم إنشاء شركة مصر لصناعة السينما ثم شركة ترقية التمثيل العربى التى أقام لها مصرح الازبكية. وأسهم البنك فى إنشاء شركة مصر للطيران عام 1932 كأول شركة طيران فى الشرق الأوسط. كما أسهم البنك فى العديد من الشركات منها على سبيل المثال شركة مصر للغزل والنسيج، شركة بيع المصنوعات المصرية، شركة مصر للسياحة، شركة مصر للفنادق، شركة مصر للتأمين، شركة مصر للملاحة البحرية، شركة مصر لمصايد الأسماك، شركة مصر لغزل الحرير، شركة مصر للكتان، شركة مصر للنقل البرى، شركة مصر للنقل النهرى، شركة مصر لأعمال الاسمنت المسلح وشركة مصر للألبان والتغذية.

لم يكن طلعت حرب مناهضاً لفكرة تحرير المرأة، بل كان داعماً لفكرة تربية النساء وتعليمهن لإقامة مجتمع صالح ولكن دون إحلال. فاهتم بالمرأة فى مجالات عديدة؛ فدعم السيدة لطيفة النادى، وهى أول سيدة مصرية وعربية تقود طائرة عام 1933م، وأنشأ شركة مصر للتمثيل والسينما «ستوديو مصر» التى أنتجت عدداً من الأفلام الكلاسيكية المصرية.

إن مسيرة طلعت حرب فى الحياة المصرية فى النصف الأول من القرن العشرين لهى مسيرة مصر فى طريقها نحو الاستقلال الاقتصادى لرفعة ومصلحة وإعلاء شأن الوطن، كما أن أعمال طلعت حرب وإنجازاته لا تزال باقية، وستظل مستمرة، فقد حصل على العديد من الاوسمة والجوائز من مصر وخارجها، ففى عام 1905م منحة الخديوى عباس حلمى الثانى؛ حاكم مصر، رتبة البكوية. وفى عام 1931م منحة الملك فؤاد الأول لقب صاحب السعادة ورتبة الباشا عقب افتتاح شركة مصر لغزل الأقطان والنسيج، وفى عام 1960م قرر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر اطلاق اسم طلعت حرب على ميدان سليمان باشا سابقا ووضع تمثاله بوسط الميدان، وفى عام 1980م وفى الذكرى الستين لتأسيس بنك مصر، تم تكريم اسم طلعت حرب حين قام الرئيس الراحل محمد أنور السادات بمنحه قلادة النيل العظمى؛ تكريماً لمجهوداته الكبيرة والمتميزة فى الاقتصاد المصرى. ومن خارج مصر، فقد قام ملك السعودية الراحل الملك عبدالعزيز آل سعود بإهداء طلعت حرب كسوة الكعبة المشرفة عام 1937م؛ تقديراً لجهوده الكبيرة فى تأسيس ودعم اقتصاد المملكة العربية السعودية الناشئة حديثاً آنذاك. تعد شخصية طلعت حرب نموذجاً فريداً فى الاقتصاد والسياسة تحتذى به الأجيال على مر العصور فمنذ ولادته فى عام 1867م وحتى وفاته عام 1941 قدم بكل التفانى والإخلاص الدعم للاقتصاد المصرى وأسهم فى العديد من المشاريع الاقتصادية والفكرية والتنموية للنهوض بمصلحة مصر وتحريرها من أى قيود أوتبعية فرضتها عليها سنوات الاستعمار.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مكتبة الإسكندرية قصر الشوق طلعت حرب منيا القمح القران الكريم بنك مصر كسوة الكعبة إنشاء شرکة العدید من طلعت حرب شرکة مصر وفى عام بنک مصر فى عام مصر فى

إقرأ أيضاً:

حكومة الجنجويد ( الجزيرة نموذجا )

بعد ان منيت في الميدان بهزائم ساحقة يسعى داعموا ميليشيا الدعم السريع لنفخ الروح فيها بالايحاء لها بتكوين حكومة موازية لتلوك بها كلمات مثل المجتمع المدني والعدالة والديموقراطية والمساواة الى آخر الكلمات التي ليس لها وجود سجل الدعم السريع الفاشستى .
لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم يعلن الدعم السريع حكومته بولاية الجزيرة ؟ حينما سيطر على عاصمتها مدني و على خمس من محلياتها الثمانية وانتشر في ولاية سنار محتلا سنجة والدندر والسوكي.
(الدعامة) كما يحلوا للعامة ان يسموهم كانوا مشغولين بنهب الغنائم من المؤسسات والمصانع و سلب المركبات من المواطنين وسرقة منازلهم وشفشفة محاصيلهم.
لم يكن حكمهم الا خرابا للمرافق فقد دمروا المصانع وعطلوا حركة الناس بقطع الطرق ودمروا مرافق الكهرباء والمياه والاتصالات وحرموا المواطنين من التعليم والعلاج .
هل اكتفوا بهذا (لا) انهم شردوا المواطنين بكثرة الاعتداء عليهم بالقتل والتنكيل حيث هجر مواطنوا أكثر من ثلاثمائة قرية بالكامل تاركين بيوتهم وثرواتهم وخرجوا حفاظا على ارواحهم واعراضهم.
كان الشفشافة والنهابة هم السلطة العليا في كافة مناطق سيطرة الدعم السريع (والدعامى والشفشافى وجهان لعملة واحدة ) هى سلطة الدعم السريع.
هل يقبل الشعب بحكومة نفذ قادتها اكثر من مائة مذبحة في حق المدنيين العزل ، هذا غير الاعتقال القسري والاعتداءات الجسدية والتي طالت الآلاف من الأبرياء.
اما يخجل قادة الدعم حينما يتحدثون عن حكومة يعمها السلام والعدالة والمساواة وهم يرون الألوف من المواطنين يعودون الى مواطنهم وقراهم بعد طرد الدعم السريع منها وأصبحوا تحت حماية الجيش.
المواطن فر من المناطق التي سيطر عليها الدعم كما يفر الصحيح من الاجرب فهل يصدق المواطن دعاوى قادة الدعم السريع بحديثهم عن اقامة حكومة لجلب العدالة والمساواة والديموقراطية هذا لن يحدث أبدا لن تعيش الأغنام مع الذئاب لانها تعلم مصيرها المحتوم .

موسى محمد يوسف

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • "أبيض الشاطئية".. نموذج إماراتي رائد في الألعاب الجماعية
  • هل تُنهي انتخابات ألمانيا أزمة البلاد الاقتصادية غير المسبوقة؟
  • حكومة الجنجويد ( الجزيرة نموذجا )
  • العامة للاستثمار: مصر وجهة استثمارية رائدة بفضل الإصلاحات الاقتصادية والتحول الرقمي
  • المشاط: ترفيع العلاقات المصرية الإسبانية يفتح آفاقًا أوسع للاستثمار والشراكة الاقتصادية بين البلدين
  • شركة مصرية تدير "الفار" من الباطن.. أبو ريدة يتدخل والمسئول الإسباني يتهرب
  • المشاط: ترفيع علاقات مصر إسبانيا يفتح آفاقًا أوسع للاستثمار والشراكة الاقتصادية
  • أستاذ اقتصاد: الدبلوماسية الاقتصادية عززت شراكات مصر واستثماراتها
  • شركة دولية تعتزم إطلاق إنشاء مصنع للرادارات في الإمارات
  • شركة نداء للجميع الأردنية TeleTel تعلن عن تنظيم “Innovest Arab Forum” في الأردن