ألقى  أحمد عيسى وزير السياحة، منذ قليل، خلال مشاركته، نيابة عن رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، في المنتدى والمعرض الأفريقي المصري للسياحة Africa Tourism Forum Egypt بمدينة شرم الشيخ، والذي يتم انعقاده لأول مرة في مصر.

وقال وزير السياحة، في كلمته: 
السيد اللواء/ خالد فودة ... محافظ جنوب سيناء
معالي السادة الوزراء وسفراء الدول المختلفة .

..
الحضور الكريم من ضيوفنا المشاركين بالمنتدى ...
السادة الصحفيين والإعلاميين الكرام ... 
السيدات والسادة ... 
اسمحوا لي في البداية، أن أُرحب بحضراتكم جميعاً في مدينة السلام "مدينة شرم الشيخ"... التي تحتضن فعاليات "المنتدى والمعرض الإفريقي المصري للسياحة" والذي يتم انعقاده لأول مرة في مصر... فهذه المدينة ليست فقط وجهة سياحية مُميزة تتمتع بمقومات سياحية فريدة ... بل أصبحت أيضًا مركزاً هاماً للمؤتمرات والفعاليات المحلية والدولية ... فمن خلال استضافتها لمثل هذه الفعاليات، تؤكد شرم الشيخ على مكانتها كمركز عالمي للتبادل الثقافي والاقتصادي وكمنصة للحوار العالمي والتعاون المشترك في مجالات عدة.
يشرفني أن أكون بينكم، اليوم، نيابة عن دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي ... لأنقل لحضراتكم تحيات سيادته وتمنياته لكافة القائمين والمشاركين، بأن يشهد هذا المنتدى نجاحاً مثمراً ... وأن يحقق الأهداف المرجوة منه.
إن هذا المنتدى، يعد بمثابة تجمع مهني ومنصة تشاركية فعالة، لتسليط الضوء على المقومات والمنتجات السياحية المتميزة والفريدة في قارتنا الأفريقية العريقة... وفرصة لتعزيز التعاون السياحي المشترك بين الدول الأفريقية ... وتشجيع الخبراء والمهنيين والمستثمرين في قطاع السياحة نحو تضافر الجهود لتنمية صناعة السياحة في إفريقيا... وتعظيم دورها في قطاع السياحة العالمي.  
وهنا أود أن أُشير إلى أن هذا المنتدى والمعرض يأتي في الوقت الذي تشهد فيه قارتنا الإفريقية نجاحاً كبيراً في استعادة معدلات الحركة السياحية الوافدة إليها حيث استعادت 96% من حجم الحركة الوافدة إليها خلال عام 2019، وفقاً لتقرير منظمة السياحة العالمية... والذي وصفت فيه السياحة في قارة إفريقيا بالأسرع نمواً خلال عام 2023.
وهذا الأمر يدفعنا جميعاً للفخر ... ولمواصلة العمل على تعزيز مزيد من آليات التعاون والتكامل الإفريقي المشترك لرسم خارطة طريق لصناعة السياحة في قارة إفريقيا.
وفي هذا الإطار، أود أن أؤكد على أهمية وضع وتنسيق سياسات موحدة تهدف إلى تعظيم المصالح المشتركة وتعزيز السياحة البينية بين الدول الأفريقية المختلفة ... والاستفادة من فرص الاستثمار في هذه الدول والترويج لبرامج ومنتجات سياحية إفريقية مشتركة... مع بذل أقصى الجهود بشكل يعكس رؤيتنا لمستقبل قارتنا... وبما يحقق طموحات شعوبنا نحو مزيد من النمو والتقدم في ضوء ما تمثله صناعة السياحة من أهمية حيوية فى برامج التنمية الاقتصادية لدولنا.

السادة الحضور ...

 

إن صناعة السياحة في مصر حققت نتائج إيجابية خلال الفترة الماضية، في ضوء تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتنمية السياحة بها... والتي تتضمن مجموعة من السياسات والخطط العامة لتطوير الصناعة بما يساهم في تحقيق مستهدفاتها بنمو سنوي يتراوح ما بين 25% إلى30% وصولاً إلى 30 مليون سائح بحلول عام 2028.... وقد جاءت المحاور الرئيسية الثلاث لهذه الاستراتيجية لمواجهة أبرز التحديات التي تواجه الصناعة وتحول دون الوصول إلى المستهدفات من زيادة أعداد الحركة السياحة الوافدة إليها... والتي تضم العمل على زيادة عدد مقاعد الطيران القادمة لمصر بالتعاون مع وزارة الطيران المدني... وتحسين مناخ الاستثمار السياحي في مصر ولاسيما الفندقي ... بالإضافة إلى العمل على تحسين التجربة السياحية في مصر ورفع جودة الخدمات السياحية المُقدمة بها.

وهنا ... أود أن أُشير إلى دور مؤسسات العمل المدني المُمثلة للقطاع السياحي الخاص والتي تتمثل في الاتحاد المصري للغرف السياحية والغرف السياحية المختلفة، في دفع عجلة العمل بالصناعة ... ومع صدور القانون الجديد لإنشاء الغرف السياحية وتنظيم اتحاد لها سيكون لهذه المؤسسات دوراً وتمثيلاً أكبر حيث يعطيها القانون سلطات واسعة بوصفها المحرك الرئيسي للصناعة... وهو ما يأتي في إطار حرص وزارة السياحة والآثار على تعزيز ورفع درجة الحوكمة... ودورها كرقيب ومنظم ومُرخص للعمل داخل صناعة السياحة في مصر...وبما يحافظ على مصلحة السائحين وتلقيهم الخدمة التي يستحقونها خلال زيارتهم للمقاصد السياحية المصرية.
وفي ضوء تنفيذ هذه الاستراتيجية... فقد حققت مصر رقماً قياسياً في أعداد الحركة السياحية الوافدة إليها خلال عام 2023... حيث وصل عدد السائحين الوافدين إلى 14.906 مليون سائح... وهو الرقم الذي تعدى الأعداد السياحية لعام 2010، والذي يعتبر عام الذروة ... حيث حقق 14.731 مليون سائح.

وتستمر الدولة المصرية في تحقيق مستهدفاتها من هذه الصناعة على الرغم من الأحداث الجيوسياسية الجارية بمنطقة الشرق الأوسط... وذلك في ضوء السياسات والإجراءات السريعة التي تم اتباعها، وجهود القطاع السياحي الخاص مما له بالغ الأثر الإيجابي على صناعة السياحة في مصر... وساهم في الحفاظ على وجود المنتج السياحي المصري لدي منظمي الرحلات الدوليين...وكذلك الحفاظ على الحركة السياحية الوافدة إليها...
وأنتهز هذه الفرصة لتهنئة القطاع الخاص على هذا الأداء وطريقة تعاملهم المثالية والذكية في هذا الإطار.

فقد حققت السياحة في مصر خلال الأربعة أشهر الأولي من العام الجاري 4.6 مليون سائح... وهو ثاني أعلى رقم في الحركة السياحية الوافدة لمصر بعد عام 2010 والذي حقق 4.7 مليون سائح خلال نفس الفترة .... كما حققت أيضاً خلال ذات الفترة أعلى رقم قياسي في الإيرادات السياحية نتيجة ارتفاع كل من عدد الليالي السياحية وقيمة الإنفاق بالدولار عن مستويات عام 2010...حيث تعتبر الايرادات هي الأعلى في تاريخ السياحة في مصر بقيمة وصلت إلى 4.3 مليار دولار مقارنة بـ 4.1 مليار دولار في عام 2023، و3.7 مليار دولار في عام 2010.

إن الدولة المصرية تضع صناعة السياحة في مصر على رأس أولوياتها .... وتبذل جهداً كبيراً لدعم هذه الصناعة والنهوض بها ... وفي هذا الإطار، أود أن أُشير إلى كلمة السيد عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية ... بمناسبة أداء فخامته اليمين الدستورية بمجلس النواب بالعاصمة الإدارية الجديدة ... والتي أشار خلالها إلى أهم ملامح ومستهدفات العمل الوطني خلال المرحلة المقبلة والتي من بينها تبنى استراتيجيات تعظم من قدرات وموارد مصر الاقتصادية ومن صلابة ومرونة الاقتصاد المصري في مواجهة الأزمات ... مع تحقيق نمو اقتصادي قوى ومستدام ومتوازن.. وتعزيز دور القطاع الخاص كشريك أساسي في قيادة التنمية.. والتركيز على قطاعات عدة منها السياحة ... وزيادة مساهمتها في الناتـج المحلـى الإجمالي تدريجيـاً ... وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية.

وأود هنا أن أشير إلى أنه من أهم الأسباب الرئيسية التي ساهمت في تحقيق النمو السريع في صناعة السياحة هو ما قامت به الدولة من تطوير كبير في البنية التحتية والتي شهدت تحسين في شبكة الطرق والمواصلات، والمطارات، والسكك الحديدية الجديدة، وتشغيل مطارات جديدة بما ينعكس إيجابياً على قطاع السياحة بها وسهولة انتقال السائحين... ويفتح أفاقاً جديدة لتنمية منتج التجربة السياحية المتعددة من خلال الربط بين المدن والمقاصد السياحية المختلفة بها... بالإضافة إلي تحقيق أعلى مستويات من الأمن والأمان بما انعكس إيجاباً على صناعة السياحة في مصر.

إن مصر تتمتع بالعديد من المقومات السياحية المتنوعة والمنتجات السياحية المختلفة والتي يتمتع المقصد السياحي المصري بميزة تنافسية كبيرة بها... وتركز الوزارة حالياً على مجموعة من بين هذه المنتجات هي السياحة الثقافية، وسياحة المغامرات، والسياحة الشاطئية، وسياحة العائلات، بالإضافة إلى السائحين الذي يبحثون عن التجربة السياحية المتكاملة ومتعددة التجارب والأنماط السياحية... وتمثل هذه المنتجات نحو 55 % مما يفضله إجمالي أعداد السائحين حول العالم ويسافر من أجلها حوالي 800 مليون سائح عالمياً.

كما تعمل الوزارة حالياً على الإعداد لمنتج القاهرة الثقافي الجديد Cairo City Break والذي سيجعل من مدينة القاهرة مقصداً سياحياً قائماً بذاته وسيعمل على زيادة أعداد الليالي السياحية بها ... والذي من المقرر إطلاقه خلال الفترة المقبلة. ومع الانتهاء من مشروع تطوير الخدمات بمنطقة أهرامات الجيزة وافتتاح المتحف المصري الكبير ستكون هذه بداية انطلاق حقيقية لهذا المنتج وخاصة مع تطور الطاقة الفندقية وافتتاح غرف فندقية جديدة في القاهرة الكبرى وتشغيل مطار سفنكس والسماح للطيران منخفض التكاليف بمطار القاهرة الدولي.
منتجات الـ Short City Break تعد من المنتجات السياحية الأسرع نمواً في العالم وخاصة بالنسبة للسائحين الذين يرغبون في البرامج السياحية القصيرة.
كما أود الإشارة إلى إجراءات الإصلاحات التشريعية التي تتبناها الوزارة ... ولا سيما في ظل دورها كرقيب ومنظم ومرخص للعمل داخل صناعة السياحة في مصر لتحسين وتطوير البيئة التشريعية المتعلقة بالصناعة... ومن أبرز القوانين التي صدرت مؤخراً ... قانون المنشآت الفندقية والسياحية ... وقانون إنشاء الغرف السياحية وتنظيم اتحاد لها.. وإصدار لائحتهم التنفيذية ... وجاري الآن العمل على تحديث قانون الشركات السياحية حيث إن الذي يتم العمل به حالياً يرجع تاريخ إنشاءه إلى سبعينات القرن الماضي.

وأود أن أشير أيضاً إلى ما تقوم به الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي من جهود لتنفيذ برامج التسويق والحملات الترويجية المشتركة بالتعاون مع شركاء المهنة من منظمي الرحلات وشركات الطيران.. وكذلك تنظيمها للعديد من الرحلات التعريفية الهامة Fam Trips.
السادة الحضور...
أود أن أُعرب عن كامل ثقتي في تضافر جهودنا جميعاً للنهوض بهذا القطاع باعتباره قاطرة التقدم الاقتصادي... وبما يحقق المصالح المشتركة لشعوبنا... وتعزيز أواصر الترابط والتقارب بين الشعوب فى قارتنا الإفريقية... فالسياحة هي أحد أهم أدوات القوة الناعمة وجسر للتواصل والتبادل الثقافي بين الشعوب.
وختاماً، أشكركم جميعاً ... وأدعو كافة المشاركين لإثراء فعاليات هذا المنتدى والمعرض... لتعظيم من كونه منصة تشاركية لتبادل الخبرات والتجارب الناجحة المليئة بالأفكار المبتكرة والدروس المُستفادة منها... حتى نصنع معاً مستقبلاً مزدهراً لصناعة السياحة في قارتنا العريقة... وليصبح هذا المنتدى والمعرض تقليدًا سنويًا يهدف إلى الاحتفال بالتنوع وتعزيز ازدهار صناعة السياحة في مصر وأفريقيا...وأتمنى للجميع التوفيق والسداد..  
أشكركم وأتمنى لكم منتدياً ناجحاً ... وإقامة سعيدة في مصر... وأدعوكم للاستمتاع بمقوماتها السياحية والأثرية المتنوعة. 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الحرکة السیاحیة الوافدة صناعة السیاحة فی مصر المنتدى والمعرض هذا المنتدى ملیون سائح العمل على أود أن أ عام 2010 فی ضوء

إقرأ أيضاً:

ترتفع الحرارة فيهرعون للبنادق.. كيف نفهم منطق حروب الساحل الأفريقي؟

في يونيو/حزيران 2019؛ نشرت مجلة "نيتشر" بحثا أجراه فريق من جامعة ستانفورد بالولايات المتحدة الأميركية، يُظهر أن ثمة علاقة طردية بين تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة وتفاقم خطر نشوب الصراعات المسلحة العنيفة داخل الدول.

وتُظهر الدراسة أن خُمس الصراعات الأهلية التي وقعت بين عامي 1950 و2004، والبالغ عددها 250 صراعًا، بدا أن ارتفاع درجات الحرارة قد أثر فيها بشكل ملحوظ. وبرغم اختلاف مستويات الفقر وحالة الديمقراطية وأعراق السكان؛ فإن هذا التنوع لم يُلغِ العلاقة السببية المركبة بين المناخ والصراع في كل الحالات.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"لن يقول لك وداعا".. هل يقع الإنسان في حب الروبوت؟list 2 of 2القنابل الخمس التي تستخدمها إسرائيل في إبادة غزةend of list

لا تظهر علاقة المناخ بالصراع في معادلة خطية ومباشرة؛ لكن التغيرات المناخية تنتج العديد من الأسباب التي تتداخل للتأثير في احتمال نشوب الصراع. وهنا تؤدي الأقدار الجغرافية دورها، إذ تكون بعض المناطق والأقاليم معرضة أكثر لتأثيرات التغيرات المناخية ومن ثم تصبح عرضة لخطر النزاعات.

ففي أفريقيا؛ وعلى الرغم من أن نسبة مساهمة القارة في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية تصل إلى قرابة 4% فقط، تعدّ البلدان خاصة دول الساحل الأكثر تضررا من التغيرات المناخية، التي أثرت بشكل مباشر في البيئة الأمنية هناك.

إعلان

تتعدد التعريفات الجيوسياسية لمنطقة الساحل الأفريقي، فمنها ما يحدد تلك المنطقة بأنها تمتد من إريتريا شرقا إلى السنغال غربا، لتكون بمثابة الحزام الأوسط الذي يفصل بين الصحراء الأفريقية الكبرى شمالًا والمناطق الاستوائية جنوبًا.

ورغم أنها تسمى دول الساحل، وقد يبدو للوهلة الأولى أنها دول بحرية، فإن أغلبها دول حبيسة، تقع عند التقاء منطقتين مختلفتين في المناخ والغطاء النباتي، ومن الدول الخمس الداخلة ضمن نطاق ما يسمى "تجمع الساحل الخماسي"، أربع دول لا شواطئ لها، وهي تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو، والدولة الوحيدة منها التي تقع على المحيط الأطلسي هي موريتانيا.

ومنذ بدء استقلالها في ستينيات القرن الماضي، تشهد دول الساحل بشكل متكرر عواصف من النزاعات العنيفة في ظل ضعف الحوكمة وهشاشة الشرعية السياسية لدول ما بعد الاستعمار، فضلا عن التدهور الاقتصادي وتراجع معدلات التنمية على نحو حاد، وهي نزاعات لا يمكن فصلها بحال عن التأثير الخارجي للدول التي تتصارع على موارد الطاقة والمعادن وغيرها من الثروات التي تنعم بها القارة السمراء.

وعلى الرغم من مركزية العوامل الموضوعية في فهم مسببات الصراع وطبيعته، إلا أن الالتفاتة إلى زاوية التغير المناخي كعامل مساهم في تأجيج الصراعات، تمنح المحلل والمتابع عدسة جديدة للنظر والتبصر في الواقع. فهل ثمة علاقة لهذه النزاعات المتكررة بالتغيرات المناخية في المنطقة؟ وكيف أثرت عمليات التحول المناخي في إنتاج وتعميق الصراعات الأمنية والسياسية؟

أفريقيا.. من يدفع الثمن؟

كشف تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية صادر في سبتمبر/أيلول 2024 أن القارة الأفريقية سجلت على مدار السنوات الستين الماضية اتجاهًا للاحترار أصبح أسرع من المتوسط العالمي، بنحو +0.3 درجة مئوية كل عشر سنوات بين عامي 1991 و2023. وفي عام 2023؛ شهدت القارة موجات حرّ مميتة وأمطارًا غزيرة، وفيضانات وأعاصير مدارية وموجات جفاف طويلة.

إعلان

كما أشار التقرير إلى أن عام 2023 كان أحد الأعوام الثلاثة الأعلى حرارة في أفريقيا منذ بدء تسجيل درجات الحرارة قبل 124 عاما، وغالبا يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة التبخر وتدهور الأراضي الزراعية، كما أن البلدان الأفريقية تخسر في المتوسط ما بين 2 و5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويحوِّل الكثير من هذه البلدان ما يصل إلى 9 في المئة من ميزانياتها لمواجهة الظواهر المناخية المتطرفة.

وبشكل أخص؛ يشير تقرير آخر صادر عن معهد ستوكهولهم الدولي لأبحاث السلام عام 2023 إلى أن متوسط درجة الحرارة في منطقة الساحل قد ارتفع بمقدار 1.5 درجة مئوية خلال القرن الماضي، ومن المتوقع أن يرتفع بمقدار 3-5 درجات مئوية بحلول نهاية القرن الحالي.

وحسب نفس المصدر، فإن التغيرات المناخية في هذه المنطقة تشمل ارتفاع درجات الحرارة، وتغير أنماط هطل الأمطار، وزيادة تواتر وشدة الظواهر الجوية المتطرفة (الجفاف، الفيضانات، العواصف).

وقد رصد الصليب الأحمر في تقرير صدر عام 2024، الآثار البيئية للتغيرات المناخية في دول الساحل، مشيرا إلى تأثر أكثر من 1.3 مليون شخص بالفيضانات بدولة النيجر، إلى جانب تدمير أكثر من 146 ألف منزل، وخسارة هائلة في الأرواح، وتدمير أكثر من 22 ألف هكتار من المحاصيل.

وفي دولة تشاد؛ تأثر أكثر من 1.9 مليون شخص، وجرى تدمير 217,779 منزلًا، و432,203 هكتارًا من الأراضي الصالحة للزراعة، ونفق أكثر من 72,000 رأس من الماشية.

ومن بين آثار التغيرات المناخية العديدة على المنطقة، تبدو ظاهرة تغير أنماط الأمطار ذات خصوصية بالنسبة للأوضاع الداخلية في المنطقة، حيث تزداد فترات الجفاف الشديد وتعقبها فيضانات مدمرة؛ مما يؤثر في الزراعة والثروة الحيوانية، ويشير تقرير للبنك الدولي إلى أن 75% من أراضي منطقة الساحل تعاني من الجفاف الشديد.

إعلان

وتذهب التقديرات إلى أن الجفاف الذي ضرب دولة النيجر قبل سنوات، تسبَّب في نفوق ما يربو على 4.8 ملايين رأس من الماشية، أي نحو 25% من قطعان الماشية هناك، وهو ما يمثِّل خسارة أكثر من 700 مليون دولار لاقتصاد هذا البلد.

وفي المجمل؛ تؤثر التغيرات المناخية في منطقة الساحل وشمال أفريقيا بصفة عامة، في تدهور الأراضي وزيادة التصحر، وتدهور التربة، وإجهاد المحاصيل، وانخفاض إنتاجية الثروة الحيوانية، إلى جانب عدم القدرة على التنبؤ بالمواسم الزراعية، وتدهور الأراضي الزراعية، وفقدان المحاصيل، ونقص المياه، ومن ثم المزيد من تدهور الأوضاع الاقتصادية وزيادة الفقر.

ولكن ما علاقة هذا كله بالنزاعات ذات الطابع السياسي؟ وما الديناميات التي تؤثر من خلالها التغيرات المناخية في إذكاء التوترات السياسية والعرقية في منطقة دول الساحل؟

الكاتب: للتغيرات المناخية وما خلفته من شح في الموارد الطبيعية مثل المياه والأراضي الزراعية، بمنطقة الساحل الأفريقي، تأثيرا في زيادة التنافس والصراعات (رويترز) صراع لاقتسام الموارد الشحيحة

يبدو أن للتغيرات المناخية وما خلفته من شح في الموارد الطبيعية مثل المياه والأراضي الزراعية، بمنطقة الساحل الأفريقي، تأثيرا في زيادة التنافس والصراعات بين السكان في دول تقوم على نظام قبلي، وخاصة بين الرعاة والمزارعين؛ مما يزيد من احتمال تفاقم النزاعات الإثنية المسلحة.

وفي ذلك يشير تقرير لمجموعة البنك الدولي إلى أن "الوضع ازداد تعقيدا في السنوات الأخيرة جراء فترات الجفاف الطويلة؛ مما أدى إلى تدهور متزايد لأحوال الأمن في بعض بلدان منطقة الساحل، واضطرار السلطات لفرض المزيد من القيود على تحركات الرعاة وقطعانهم بين بلدان الساحل، وقد تسبب هذا الوضع في نشوب منازعات أكثر تكرارا قد تكون أشد خطورة وأوسع تأثيرا مستقبلا".

من جهته، يشير المعهد السويدي للشؤون الدولية إلى أن هذه التغيرات السريعة والحادة تؤدي إلى زيادة التوترات والصراعات المحلية لاقتسام الموارد المحدودة أصلا، كما يدفع تفاقم الفقر والبطالة المتضررين من تدمير مواردهم إلى البحث عن تدبير سبل معيشتهم بكل الطرق المتاحة، وهو ما يوجِد تربة خصبة للجريمة المنظمة والعنف والانضمام إلى الجماعات المسلحة التي تمثل البديل الاقتصادي الأكثر ربحية.

إعلان

وعلى سبيل المثال، في دولة مالي أدى الجفاف وتدهور الأراضي الزراعية إلى نزوح العديد من المزارعين والرعاة إلى المدن؛ مما زاد من الضغط على الموارد والبنية التحتية، وساهم في تفاقم الأزمة الأمنية، كما أن مساحة بحيرة تشاد التي تشكل موردا حيويا لملايين الأشخاص في محيطها، تقلصت بشكل كبير بسبب الجفاف وتغير المناخ، وهو ما أدى إلى تفاقم النزاعات بين التجمعات السكانية التي تعتمد على البحيرة في معيشتها.

ما يبدأ نزاعا على الموارد يتحول صراعا مسلحا

تمثل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، الناجمة عن التغيرات المناخية في دول الساحل، رافدا إضافيا للنزاعات المسلحة رغم تعدد اتجاهاتها السياسية والدينية، وتشكل المظالم المحلية التي ينتجها شح الموارد بيئة محفزة لنمو التيارات المسلحة، في ظل هشاشة الدول والنظم الاجتماعية بهذه المناطق.

ففي السنوات الأخيرة؛ تحولت منطقة بحيرة تشاد إلى إحدى أكثر المناطق اضطرابًا في العالم، وصنف مؤشر الإرهاب العالمي بلدانها ضمن الدول العشر الأقل أمانًا في القارة الأفريقية، فتنظيم "بوكو حرام" المسلح، الذي استوطن الجزء الشمالي من نيجيريا، سرعان ما امتد نشاطه إلى جنوب غرب تشاد، وشرق النيجر، وشمال الكاميرون.

ومنذ عام 2015، أصبح تنظيم "داعش غرب أفريقيا" اللاعب الأبرز في بحيرة تشاد، وتقاسم مع بوكو حرام، السيطرة على المنطقة، قبل أن يحسم معركة الصراع في شمال شرق نيجيريا، إثر مقتل أبي بكر شيكاو زعيم بوكو حرام في مايو/أيار 2021.

ولا يمكن النظر لهذه العوامل دون النظر بالتوازي للمسببات والمحركات الدولية من دول وشركات ترى قارة أفريقيا بوصفها قارة ثروات ونفوذ، وتعتبرها مسرح شطرنج تدور فيه أحجار كل طرف لتعزيز ثرواته ونفوذه السياسي والاقتصادي على حساب منافسيه.

ضغط الهجرة المناخية

كما أدى تدهور الأراضي الزراعية وتناقص الموارد المائية إلى هجرة السكان من المناطق المتضررة، مما فاقم ظاهرة الهجرة في هذه البلدان التي تعاني أصلا من نزوح داخلي وخارجي بسبب النزاعات المسلحة.

إعلان

وساهمت موجات النزوح في زيادة الضغط على المدن وعلى البنية التحتية والخدمات الأساسية، مما يخلق تحديات اجتماعية واقتصادية جديدة مثل زيادة معدلات الجريمة، بما في ذلك السرقة والنهب، وبالتالي تنامي انعدام الأمن.

وتشير توقعات للبنك الدولي إلى أن القارة الأفريقية ستكون الأكثر تضررا من تغيّر المناخ، مع ما يصل إلى 86 مليون أفريقي سيهاجرون داخل بلدانهم بحلول عام 2050، ويمكن أن تظهر النقاط الساخنة للهجرة المناخية في وقت مبكر من عام 2030.

ويظهر تقرير آخر بعنوان "التحولات الأفريقية" أطلقته مبادرة التنقل من أجل المناخ في أفريقيا؛ أنه بحلول عام 2050، يُتوقع أن يتسبب تغيّر المناخ بانتقال 1.2 مليون شخص عبر الحدود الوطنية داخل القارة الأفريقية، ومن الممكن أن يرتفع عدد الأشخاص الذين ينتقلون بحثا عن الحماية وسبل العيش الأفضل داخل بلدانهم الأصلية بسبب تأثيرات المناخ في السنوات الثلاثين القادمة ليصل إلى 113 مليون شخص من سكان أفريقيا.

وغالبا ما تؤدي هذه الموجات من الهجرة إلى ضغط على دول الاستقبال، ونزاعات بينها وبين دول المصدر، وهو ما تعانيه دول شمال أفريقيا وجيرانها في الضفة الشمالية للبحر المتوسط، خلال السنوات الأخيرة، جراء تزايد تدفق المهاجرين من دول الساحل وجنوب الصحراء، بسبب النزاعات والأزمات الإنسانية.

وتشير تقديرات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أنه ما لم تُتخَّذ تدابير كافية للاستجابة لهذه الأوضاع، فإن ما يصل إلى 118 مليون شخصا يعانون من الفقر المدقع ويعيشون على أقل من 1.90 دولار أمريكي في اليوم، سيتعرضون للجفاف والفيضانات والحرارة المتطرفة في أفريقيا بحلول عام 2030، وهو ما سيضع أعباء إضافية على جهود التخفيف من حدة الفقر ويعرقل مسيرة التنمية، وبالتالي تفاقم النزاعات الناجمة عن التغيرات المناخية التي تزيد من مأساة القارة التي يستابق الكثيرون من دول العالم للسيطرة على مواردها وثرواتها.

إعلان

مقالات مشابهة

  • السياحة تُشكل غرفة عمليات خلال عيد الفطر لتلقي الشكاوى
  • العيد في الإمارات..السياحة تشهد حركة استثنائية وحجوزات قياسية
  • مصر للطيران تسير 92 رحلة إلى المطارات السياحية خلال أيام العيد
  • ترتفع الحرارة فيهرعون للبنادق.. كيف نفهم منطق حروب الساحل الأفريقي؟
  • برلماني: افتتاح المتحف المصري الكبير في يوليو 2025 خطوة تعزز السياحة المصرية
  • المدير التنفيذي لمجموعة «إفكو» لـ «الاتحاد»: 12.2% نمو سنوي لمبيعات الأغذية عبر الإنترنت خلال 2025 - 2028
  • الإسكندرية .. تعرف على خطة السياحة والمصايف خلال العيد
  • كيف أثرت الحوادث البحرية في البحر الأحمر على السياحة في مصر؟
  • كيف أثرت الحوادث البحرية في البحر الأحمر على السياحية بمصر؟
  • صناعة الطيران في المغرب تحقق مستوى قياسي في الصادرات خلال فبراير