استضافت “هيئة الشارقة للكتاب” ضمن فعاليات احتفاء اليونان بالشارقة أول ضيف شرف عربي على معرض سالونيك الدولي للكتاب، الشاعر الإماراتي محمد الخالدي والشاعرة اليونانية مالاماتي بيتريذو، في جلسة نقاشية شعرية بعنوان “القصيدة الحديثة والتجارب الشابة”، أدارها كونستانتينوس بوراس، لاستعراض تيارات القصيدة الحديثة وتجارب الشعراء الشباب.

وقال الشاعر الخالدي حول مرجعيات الشعراء الشباب في دولة الإمارات: “إن العالم الذي يتفاعل الشاعر معه سواء كان مرئياً أو مسموعاً أو مقروئاً، ينعكس بصورة أو بأخرى على تجربة الشاعر، ويظهر ذلك في قاموسه اللغوي، وموقفه من الأشياء والقيم، وعلاقته بالإنسان والمكان من حوله”، لافتاً إلى أن الشاعر أبي العلاء المعري يشكل بالنسبة له واحد من العلامات والمرجعيات الشعرية والفلسفية التي يستند إليها في تجربته الشعرية.

وحول رؤيته للشعر، أوضح أن أكثر ما يجسد مفهوم الشعر بالنسبة له هو “الرهافة”، مؤكداً أنها تشكل مفتاح الشاعر لالتقاط التفاصيل البسيطة والمهملة التي تحمل مقومات شعرية عالية، يمكن الانطلاق منها لكتابة قصائد مميزة ونادرة.

وأشار الخالدي إلى أنه على مستوى الموضوعات، انشغلت القصيدة الإماراتية بموضوعات عديدة، والكثير منها تبدو وكأنه اشبعت شعراً، إلا أن المهمة المركزية للشاعر الشاب اليوم أن يجد مساره الخاص الذي يمكنه من تناول الموضوعات نفسها لكن برؤى جديدة ومن زوايا لم يسبق طرقها.

ومن جانبها، قالت الشاعرة مالاماتي بيتريذو حول تجربتها الشعرية: “درست العلوم السياسية وأكملت الدراسات العليا في الفلسفة السياسية، وكان لذلك أثر على تجربتي الشعرية، خاصة على مستوى الموضوعات التي أتناولها، واللغة التي استخدمها”، مشيرة إلى أنها تنتمي إلى جيل الشباب اليوناني الذين اختبروا وعاشوا الأزمة الاقتصادية التي مرت بها اليونان.

وعن علاقتها بالكتابة، أوضحت أن الشعر بالنسبة لها هو المساحة التي تفرغ فيها مشاعرها وأفكارها، ولا يمكن أن تتخيل شكل حياتها من دون هذه المساحة، لافتة إلى أن الشعر كان مسارها للاجابة على الكثير من التساؤلات حول الوجود، والذات، والآخر.

وقرأت الشاعرة مالاماتي بيتريذو قصيدة من ديوانها الشعري الأول الصادر حديثاً، حملت عنوان “البحر في موسم الشتاء”، كشفت فيها عن قاموسها اللغوي، وقدرتها على احداث المفارقة داخل القصيدة، مقدمة صورة حيّة لواحدة من الأصوات الشابة اليونانية المعاصرة.

يشار إلى الشارقة تحل أول ضيف عربي على معرض سالونيك الدولي للكتاب، ويأتي اختيارها لهذا اللقب تقديراً لمساهمتها في النهوض بواقع الثقافة العربية والعالمية، ودورها في دعم مسار التنمية القائمة على الاستثمار بمقومات المعرفة من مؤلفين، وناشرين، ومترجمين، وفنانين، ومكتبات، ومؤسسات، وهيئات ثقافية، وتنظم الشارقة خلال مشاركتها في المهرجان سلسلة فعاليات ثقافية وإبداعية وعروض فنية تجسد ثراء الثقافة المحلية والعربية أمام جمهور المعرض من اليونان وكافة أنحاء العالم.


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

عن موت الشعراء في فلسطين

قبل ساعة عدت من جنازة الشاعر الصديق محمد دلة، غريبة هذه الأيام في فلسطين، لا افكر فقط في نزف شهداء غزة المدوي، أفكر في موت الشعراء والكتّاب المتعاقب: محمد دلة، وضاح زقطان، أحمد يعقوب، زهير زقطان، عزت غزاوي، علي الخليلي، أحمد حرب، وآخرين، أهي مجرد صدفة أن يموت الشعراء في فلسطين بصورة ملتفتة،؟ أم أن قلب الشاعر الفلسطيني لا يستطيع تحمل ما يجري في غزة فيختار التوقف على النبض المتعب تفاديا من حرج العجز عن الكتابة الصافية صفاء الشهيد؟؟ يذهب الشعراء الفلسطينيون الى نهاياتهم تاركين القصيدة خلفهم كشهيدة او شاهدة، ليس موتا عاديا هذا الذي يغطي فلسطين كلحاف شتوي، ليس غيابا مفهوما لكنه سؤالا مكثقا على سؤال: من سيكتب موت البلاد أيها الشعراء حين تختارون الموت تباعا؟، أتذكر تجربة الشاعر الأب والملهم علي الخليلي، الذي مات قبل سنوات، أتذكره حزينا يمشي في شوارع يستطيع جندي صهيوني عمره 19 عشر عاما أن يقفلها، أتذكره وهو يهرب مع الهاربين تتساقط منه أغراضه، في حمى عتمة منع تجوال فرضه الاحتلال فجأة على رام الله، سمعت صوته وهو يهرب: القصيدة تهرب معي يا زياد هل تراها،؟ ها هي معي، وأشار الى ظله. مقهورا توقف قلب علي الخليلي، لكن قصائده ظلت وما زالت تركض داخلنا، محدثة فضاء من الحب ومصدرا للالهام ودافعا للمقاومة.

أين ذهب شارب علي الخليلي المميز ؟ كنت أنتظره بفضول حزين في التاسعة صباحاً بالضبط، يومياً من نافذة أحد طوابق عمارة الحرباوي، في الرام، في أول تسعينيات القرن الماضي، حيث مقر جريدة الصدى، كنت أعمل هناك في وظيفتين: محررا لغوياً ومراقباً لشارب علي الخليلي شديد الترتيب، كنت أتقاضى مقابل الأولى أجراً مالياً، أما الثانية فقد كنت أتقاضى مقابلها أجراً حلمياً، دفعات من الأحلام والتأملات، كانت بداياتي في التحرش بلهب الإبداع من هناك، في حريق تلك المرحلة الملتبسة وطنياً وإنسانياً، التي تفجرت من رحمها أجنة الكتابة الجديدة، كانت الكتابة الفلسطينية آنذاك، على مفترق طرق فني، إما أن تستمر في الرقصة الجماعية المكررة والدوران الفارغ حول ثيمات فقدت معناها وضرورتها، وإما أن تفتح لها درباً جمالياً جديداً تلاؤماً مع معطيات وجودية وسياسية وإنسانية فرضت نفسها.

ولدت فنياً عند ذلك المفترق ووجدت نفسي أختار مع زملائي جمال القواسمة وإيمان البصير وغيرهم، درباً مغايراً، عنيف الانعطاف. قصاصين خجولين كنا، نحاول أن نكتب منطلقين من ذواتنا المستعبدة والمستبعدة، بعد أن أشبع أدباء الانتفاضة المكرسون ذاتهم بعداً عن ذاتهم وفرديتهم المضطهدة؛ لسبب واهٍ وغير مقنع هو أن فلسطين أكبر منا جميعاً أو أنها هي ذاتنا الكبرى التي لا مجال لظهور ذوات صغيرة أمامها. كانت الذات في ذهننا غير المطحون بعد بِرَحَى التجارب الحياتية والقراءات هي أن نكتب عما يلامس حواسنا ويستفز رغباتنا، فيما بعد، بعد مرحلة نضوج كانت كافية لأن ننظر بفخر إلى نتاجاتنا، عثرنا على طريقنا وعرفنا أن الذات الصغيرة هي سطح القمر الذي من فوق أرضه نطير إلى العالم هموماً وألغازاً وأفكاراً، وأنها ليست العالم أبداً.

كان علي الخليلي يقطع الشارع تحت نظراتي قوي البنية بمشية رمحية وعيني صقر يعرف ماذا ينتظره في الأعالي، فيواصل التحليق أعلى فأعلى، كان شاربه مجازاً مناسباً لحلمي أن أصبح ابن الدرب الجديد في الكتابة، مرتباً وقوياً ومعتداً بذاته وشديد النظافة، ويحلق أعلى فأعلى، إلى أين كان يذهب؟ أظل أراقبه ماطاً رقبتي على وسعها من النافذة حتى أكاد أسقط، ستمضي الأيام بي وبتجربتي، لأجد فجأة أن علي الخليلي يقدم كتابي الأول: (موعد بذيء مع العاصفة)، قال عني كلاماً شعرياً وحميماً وحزيناً سوف أظل أزهو به حتى اللحظة، كنت ما أزال أنظر شاربه الذي وخطه قليل من الشيب وأذبله قليل من التعب، كتب علي الخليلي عشرات الكتب موزعة بين شعر وقص ونقد وتراث، وصل عددها مع آخر مجموعة شعرية صدرت قبل أسابيع عن اتحاد الكتاب الفلسطينيين (شرفات الكلام) إلى ثلاثة وأربعين كتاباً. ورئس تحرير مجلة (الفجر الأدبي) فترةً طويلةً مشجعاً فيها ومنتجاً عشرات الأسماء المبدعة التي ما زال بعضها يكتب حتى اللحظة.

ابن الفران (أبو سري) الذي خبز الشعر في فرن الحلم وقدمه لنا أرغفة شهية، ما زال وفياً لقصيدة التفعيلة، على الرغم من كل انفجارات وانتصارات النثر الشعري هنا وهناك من حوله، على الرغم من كل الجدل حول هذا الموضوع، فإنني أحترم خيار أبي سري الفني وأقدّر شعريته التي حفرت لها مكاناً خاصاً في حقل الكتابة الشعرية الفلسطينية..

في رام الله كنت ألتقي بالشاعر في الشارع أحياناً، أسلم عليه بحرارة مرتبكاً أمام شاربه الذي لم يعد أسود ومرتباً ومعتداً بذاته، أتذكر بداياتي الهشة والخجولة ورقبتي الملوية وهي تلحق بظله فيما هو يقطع الطريق إلى الرصيف الآخر ليوقف سيارةً ويذهب إلى حيث لا أدري، لماذا أكتب هذا النص؟ أهي رثاء متجدد لأجمل من كتب قصائد البلاد؟ أم هي مجرد تحية امتنان وحب وتكريم إلى رجل جميل أعطانا الكثير من المتعة والجمال على حساب صحته وعمره؟ أم هي اعتذار من رجل جميل لم نقم كما يجب بتكريمه بعد كل هذا العطاء الذي ما زال متواصلاً على الرغم من خبو بريق الشارب والخطوة والنظرة؟. أم كلاهما معا؟. لا أعرف حقاً.

يموت الشعراء الفلسطينيون بتوقف مفاجئ في القلب، ونحيا نحن القراء داخل حياة مستمرة، حياة تسمى قصائدهم، هل يموتون حقا ونصوصهم تشرق في دروبنا بل وتحولها؟؟ لا ينتهي الفلسطينيون ولن ينتهوا..

مقالات مشابهة

  • الشارقة والوصل يسيطران على ألقاب زوجي الشباب والأشبال في «الطاولة»
  • مجلس الأعمال الإماراتي المغربي يبحث تعزيز العلاقات الاقتصادية
  • الشرع ووزير خارجيته يتوجهان إلى الإمارات.. صورة تجمعهما داخل الطائرة
  • التراث الشعري في مرايا المبدعين الشباب
  • الشارقة تجسد تتويجها ضيف شرف "الرباط الدولي للكتاب 2025" بأكثر من 52 فعالية تجمع مبدعي الإمارات والمغرب
  • قصور الثقافة تحتفي بسيرة وإبداع الشاعر رفعت سلام بالقليوبية
  • كأنك العيد والباقون أيام.. الأعياد الإسلامية في الشعر العربي
  • الشارقة تجسد تتويجها ضيف شرف “معرض الرباط للكتاب 2025” بـ 52 فعالية
  • أكثر من 52 فعالية تجمع مبدعي الإمارات والمغرب في «الرباط الدولي للكتاب»
  • عن موت الشعراء في فلسطين