قواعد الإشتباك جنوبا باقية حتى إشعار آخر
تاريخ النشر: 20th, May 2024 GMT
أعلن وزير الدفاع الإسرائيليّ يوآف غالانت قبل فترة، أنّ تل أبيب انتقلت من الدفاع إلى الهجوم، في معاركها القائمة مع "حزب الله" منذ 8 تشرين الأوّل الماضي. ولكن، بحسب ما يجري في الميدان، فإنّ ما صرّح به الوزير الإسرائيليّ ليس دقيقاً، إذ إنّ "المقاومة" في لبنان هي التي تُبادر هجوميّاً، وتزيد من وتيرة قصفها للمستوطنات في شمال فلسطين المحتلة.
ولعلّ أبرز دليل على أنّ "حزب الله" هو الطرف المُهاجم، قيامه بفتح جبهة الجنوب في 8 تشرين الأوّل لمُساندة حركة "حماس" في غزة. ويقول محللون عسكريّون، إنّ إسرائيل لا تزال تفصل بين ما يحدث في جنوب لبنان، وبين ما يحصل في فلسطين، وتركيزها حاليّاً ينصبّ على الحرب في غزة، ورغبتها بدخول مدينة رفح، للقضاء على الفصائل المقاوِمة هناك، وفق تعبيرها.
ويُشير المحللون العسكريّون إلى أنّ إسرائيل غير قادرة على فتح جبهتين في الوقت عينه، لذا، هي مستمرّة بالهجوم في غزة، وتستعدّ للمعركة في رفح، فيما لا تزال تُدافع في الشمال، وتنتظر إنتهاء الحرب في فلسطين، كيّ تنتقل إلى الوضع الهجوميّ في جنوب لبنان، إنّ فشلت المساعي الدبلوماسيّة بالتهدئة.
ويرى المحللون أنّ ما تقوم به إسرائيل من قصف مُكثّف على المناطق الجنوبيّة، يُوضع في خانة الدفاع، إذ إنّ المتحدثين باسم جيشها، يقولون بصراحة خلال عرض مشاهد الإستهداف، إنّهم دمّروا على سبيل المثال منصات إطلاق صواريخ لـ"حزب الله"، أو ضربوا مواقع نفّذت "المقاومة" إنطلاقاً منها عمليّات عسكريّة ضدّ المواقع الإسرائيليّة.
ويُضيف المحللون العسكريّون أنّ مئات الآلاف من المستوطنين فرّوا من مستعمراتهم قرب الحدود مع لبنان، بسبب القصف العنيف من قبل "حزب الله"، بينما يتّهمون حكومتهم بأنّها غير قادرة على حمايتهم، وليس لديها خطّة واضحة للتعامل مع ما يجري مع "المقاومة الإسلاميّة". ويقول المحللون إنّ إسرائيل ضعيفة حتّى في الدفاع عن مواطنيها في الشمال، و"الحزب" يستغلّ عدم قدرتها على فتح جبهتين، ويزيد من وتيرة قصفه لها، إنّ بالصواريخ، وإنّ بإدخال طائرات مسيّرة جديدة إلى الميدان، وخصوصاً تلك المسلّحة بصواريخ ثقيلة.
وبرز من جانب العدوّ الإسرائيليّ، قيامه بعمليّات إغتيال لافتة لعناصر بارزين في "حزب الله" ومن "حماس" وغيرهم من الفصائل المقاومة في لبنان، وكان آخرها ما حصل في منطقة مجدل عنجر يوم الجمعة الماضي. ويعتبر المحللون العسكريّون أنّ هذه الإغتيالات تُنفّذها إسرائيل للدفاع عن نفسها، عبر الحدّ من قوّة وخبرة "الحزب" وحركة المقاومة الفلسطينيّة، لإضعاف قدراتهما لعدم استهدافها، والقضاء على أبرز الشخصيّات التي تُخطّط لإطلاق صواريخ باتّجاهها.
ويوضح المحللون أنّ هناك عمليّات هجوميّة لافتة يقوم بها "حزب الله"، منذ بدء الحرب على غزة، والمعارك في جنوب لبنان، وهي استهدافه مواقع الرادار التابعة للعدوّ الإسرائيليّ، وكلّ ما له علاقة أيضاً بالتجسس ومراقبة المناطق الجنوبيّة، وآخر هذه الإستهدافات قصف "المقاومة" المنطاد الإسرائيليّ في الجليل الغربيّ. ويُتابع المحللون أنّه بإسقاط هذا البالون المُخصّص للتجسس ومراقبة المسيّرات التي يُطلقها "الحزب"، فإنّ الأخير أصبح مرتاحاً أكثر في القيام بعمليّات جويّة هجوميّة، وإلحاق خسائر أكبر في صفوف العدوّ.
ويتوقّع المحللون العسكريّون أنّ يبقى الوضع في جنوب لبنان على ما هو عليه في الوقت الراهن، أيّ أنّ "حزب الله" يُهاجم وفق "قواعد الإشتباك"، والعدوّ الإسرائيليّ يردّ بالطريقة عينها. ويُشيرون إلى أنّه حين تُقرّر إسرائيل الهجوم، فإنّ ذلك سيكون قد أتى بعد فشل المفاوضات الدبلوماسيّة، وانتهاء الحرب في غزة، وتوجّه الحكومة الإسرائيليّة إلى التصعيد مع لبنان، عبر إعلان الحرب.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شعبان يكتب: نظرية العصر الإسرائيلي
لا خلاف في أن ما يمر بالمنطقة العربية من تطورات خلال العام الأخير، ومنذ انطلاق طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023، جد خطير وغير مسبوق، وإذا قلنا إنه خريف عربي مفعم بالمآسي والأزمات فلن نبتعد كثيرا عن واقع الحال.
والحاصل، أن طوفان الأقصى الذي انطلق لتوجيه لطمة لإسرائيل على ما أتصور، ومقايضتها بآلاف الأسرى الفلسطينيين الموجودين في السجون الإسرائيلية، وإحداث "تحريك" في الملف الفلسطيني بعد أكثر من 17 عاما من الجمود التام وعقب سيطرة حركة حماس على القطاع، قد انقلب إلى كارثة كبرى أو سيل يجرف أمامه البلدان العربية، وأول ضحاياها قطاع غزة نفسه، الذي يشهد حتى اللحظة، أكبر مهزلة إنسانية في التاريخ، بعشرات الآلاف من الشهداء وعشرات الآلاف من المصابين ودمار ليس له نظير ووضع على حافة المجاعة.
لكن قضيتنا اليوم، ليست فيما حدث في غزة وهو وضع بالغ الصعوبة وكارثة يراها العالم بأجمعه، ولا يمكن استمراره أكثر من هذا، وإنما المقصود بمقال اليوم هو تداعيات هذا "الطوفان"، والأطراف التي استغلت هذه اللحظة على الأمن القومي العربي والتداخلات الغريبة في المنطقة، والتي من المنتظر أن تشهد تدخلات أكبر وأكثر شراسة مع قرب بدء ولاية ترامب واستلام مهام منصبه رسميا في يناير.
ويمكن إجمال ما حدث من هزّة شديدة في الأمن القومي العربي انطلاقا من دراما غزة في نقاط شديدة الوضوح كالتالي:-
-قطاع غزة تعرض لدمار شديد، ولم ينجح الطوفان في إحداث اللطمة التي كانت مطلوبة لمقايضة الأسرى والتحريك، ولكنه ساعد إسرائيل على مد يدها الطويلة لتمزيق القطاع إربا إربا والتصريح علانية باستمرار القوات الإسرائيلية فيه، يعني إعادة احتلاله بشكل كامل، ونسف كل ما سبق من تفاهمات بعد قيام إسرائيل باغتيال صف كامل من قيادات حماس بدأت بإسماعيل هنية وحتى يحيى السنوار، فالطوفان أطلق يد إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، وأصبح حلم الدولة الفلسطينية نفسه على المحك، ومع وصول ترامب وتأييده الشديد لخطوات إسرائيل فإن هذا الحلم قد أصبح بعيدا جدا.
-جاءت تداعيات الطوفان على لبنان، بعدما تدخل حزب الله في المعادلة، وقال إنه يدافع عن غزة أو يقوم بعملية إسناد جبهة غزة، وكانت النتيجة كارثية أيضا، فلم ينجح حزب الله بانتماءاته الإيرانية المعروفة في وقف الحرب على غزة، بل لم ينجح في الدفاع عن نفسه، وتعرض للتدمير شبه التام واغتيال كامل قيادة التنظيم وأولهم حسن نصر الله، والأسوأ أن تدخل حزب الله في الحرب، أطلق يد إسرائيل في لبنان، ما أدى لسقوط 4 آلاف عنصر ودمار شديد في جنوب لبنان ودمار مروع في بيروت، واستمر ذلك حتى وقف اطلاق النار قبل ثلاثة أسابيع، مع ضمان حق اسرائيل في القصف والضرب حال مخالفة حزب الله أو حكومة لبنان ما تم الاتفاق عليه.
-تداعيات الطوفان، لم تقف عند حدود لبنان ولكنها انتقلت لسوريا، فبعد الضربات العنيفة التي وجهتها إسرائيل لحزب الله في لبنان وطرق الإمداد السورية لأسلحته وتواصل هذه الضربات ضد معسكراته في ضواحي دمشق وغيرها من المدن السورية، ما أدى لانهيار منظومته في دمشق، فإن هيئة تحرير الشام مدعومة بقوة إقليمية، رأت أن ذلك مناسب للهجوم المضاد في أضعف حالات النظام السابق وترنح حليفه حزب الله، ما أدى لسقوط النظام في دمشق خلال 12 يوما فقط لا غير، ولم تكن هذه المشكلة، ولكن استغلال إسرائيل للوضع الذي تمر بها سوريا كان فادحا، بعدما قامت اسرائيل وبتوجيهات مباشرة من نتنياهو، باقتحام المنطقة العازلة في هضبة الجولان السوري المحتل وأعلن نتنياهو سقوط الاتفاقية والسيطرة على قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، وقام سلاح الجو الإسرائيلي بمسح الأسطول البحري السوري من الوجود، وتدمير كافة مواقع وثكنات الجيش السوري تدميرا ممنهجًا وكافة المراكز البحثية، وأصبحت إسرائيل على بعد عدة كيلو مترات من العاصمة دمشق.
نتنياهو، لم يترك الفرصة وإنما اعترف علانية وفي ظل غياب تحرك عربي قوي وموحد أمامه، أن تل أبيب تغير منطقة الشرق الأوسط، وأن لبنان لم يعد لبنان الذي نعرفه، يقصد وقت وجود حزب الله، ولا سوريا التي نعرفها، يقصد وقت وجود الجيش السوري الذي جرى تفكيكه وتدمير أسلحته وطائراته، ولا كذلك قطاع غزة.
المثير للدهشة، أن جماعة الحوثي في اليمن، لم تتعظ من كل ما حدث وكذلك المجموعات الإيرانية المسلحة في العراق، فاشتعلت الصواريخ والمسّيرات القادمة من البلدين نحو إسرائيل، ما ينذر بحملات جوية عنيفة على البلدين انطلقت منها واحدة اسرائيلية بالفعل نحو اليمن، لتكسير مقدرات الحوثي و"الأشياء الضئيلة" التي يمتلكه الشعب اليمني الذي يعيش خارج العصر، منذ الربيع العربي الأسود في عام 2011.
وهو ما يدفع للسؤال مجددا عما تسبب فيه طوفان حماس؟ وعما إذا كان ذلك قد جرنا بالفعل للعصر الإسرائيلي وهيمنة تل أبيب على مقدرات عدة دول عربية وتغيير أوضاعها، وضربها لتحقيق مصالحها المباشرة، وهو ما دفع رئيس وزراءها للقول علانية أن بلاده تقوم بتغيير الشرق الأوسط وستستمر في ذلك؟!!
فهل هذا معقول أو مقبول او يمكن الاستمرار فيه؟! أعتقد أن الدول العربية عبر مؤسساتها الجامعة وفي مقدمتها الجامعة العربية، مطالبة بالتحرك لمواجهة العصر الإسرائيلي وإيقاف نزيف الخسائر والتفتيت والتقسيم عند هذا الحد.