7 محطات يستعين بها الرسول في تعامله مع زوجاته
تاريخ النشر: 20th, May 2024 GMT
استطاع رسول الله ﷺ، وهو قائد المسلمين؛ أن يُدخل السعادة لنفوس زوجاته كلهن، وتمكن بفطنته ولينه ولطفه وحكمته من التوغل في أعماق نفوسهن، ورؤية خباياهن وفهم مشاعرهن وأفكارهن، لذا كان نعم الزوج الحنون المدلل، فكيف والله قد أزال من قلبه أي غلظة، حيث قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران 159.
ويمكننا استعراض بعض من صور معاملة الرسول ﷺ مع زوجاته فيما يلي: اللطف والاحترام كان الرسول ﷺ يدلل زوجاته ويعاملهن بلطف.
نرى ذلك في العديد من المواقف الحياتية له مع زوجاته، فقد كان ﷺ ينادي زوجاته بأحب الأسماء إليهن؛ فيقول لأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: “يا عائش، هذا جبريل يقرئك السلام. فترد عليه: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته “. وكان يناديها أيضًا بـ “يا حميراء”، وهي تصغير حمراء، وتعني البيضاء المشربة بحمرة.
وكان الرسول يسمع زوجاته ما يحبون من كلام، فعن أم المؤمنين عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: ” أما ترضيْنَ أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرةِ ؟ قلتُ: بلى واللهِ ! قال: فأنتِ زوجتي في الدنيا والآخرةِ”. أو حين جاءت زوجة رسول الله ﷺ السيدة صفية -رضي الله عنها-، تزوره في اعتكافه في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت معه قرابة ساعة ثم قامت لتذهب، فقال لها: “لا تعجلي حتى أنصرف معك”، وكانت تسكن في دار أسامة، فخرج الرسول ﷺ معها فقابله رجلان من الأنصار، فنظرا للرسول ﷺ ثم أجازا، فقال لهما النبي: “تعاليا، إنها صفية بنت حيي”، قالا: سبحان الله يا رسول الله، قال: “إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يلقي في أنفسكما شيئًا”، فكم كان الرسول يتمتع باللطف واللين والاحترام لزوجاته وللناس جميعًا.
حسن المعاشرة كان رسول الله ﷺ جميل العشرة مع زوجاته، فكان يداعبهن، وينفق عليهن ويضاحكهن ويتودد إليهن. وحسن معاشرته هذه تتضح في العديد من المواقف؛ فعن عائشة قالت: “سابقني رسول الله فسبقته، فلبثت حتى أرهقني اللحم -أي سمنت- سابقني فسبقني، فقال: هذه بتلك (إشارة للمرة الأولى التي سبقته فيها). كما كان يجمع نساءه في بعض الأحيان في بيت التي يبيت عندها، ويتناول معهن العشاء، ثم تنصرف كل واحدة إلى بيتها.
ومن حسن عشرته وكرم خلقه ما أفادت به السيدة عائشة -رضي الله عنها-، حين قالت إن الرسول كان يشرب وراءها وهي حائض من نفس الموضع الذي شربت منه. الحلم والصبر على الإساءة كيف كان يعامل رسول الله النساء؟ كان رسول الله صبورًا حليمًا مع نسائه، فكيف لا وهو رسول الله مثل البشرية الأعلى وقدوتهم، فعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: “كنا معشر قريش قومًا نغلب النساء.
فلما قدمنا المدينة وجدنا قومًا تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، قال: وكان منزلي في بني أمية بن زيد بالعوالي. قال فتغضبت يومًا على امرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني. فقالت: ما تنكر أن أراجعك، فوالله إن أزواج النبي ﷺ ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل. قال: فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت: أتراجعين رسول الله ﷺ قالت: نعم. قلت: وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل، قالت: نعم. قلت: قد خاب من فعل ذلك وخسر، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله”. بل كان الرسول ﷺ يلاطفهن وقت الغضب، فكان يقول للسيدة عائشة -رضي الله عنها-: “إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى، قالت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم، قالت: قلت أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك”. وكان رسول الله يصبر على الإساءة والغيرة ويضحك، ففي صحيح البخاري: ” كانَ النَّبيُّ ﷺ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فأرْسَلَتْ إحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتي النَّبيُّ ﷺ في بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فجَمَع النَّبيُّ ﷺ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الذي كانَ في الصَّحْفَةِ، ويقولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ. ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حتَّى أُتِيَ بصَحْفَةٍ مِن عِندِ الَّتي هو في بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إلى الَّتي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ في بَيْتِ الَّتي كَسَرَتْ”. يقال إن السيدة أم سلمة -رضي الله عنها- هي التي أرسلت الطعام، وأن السيدة عائشة -رضي الله عنها- هي التي غارت. الوفاء إذا ضربنا مثلًا في الوفاء؛ فلن نجد أكثر وفاءً من رسول الله ﷺ، لا سيما لزوجته السيدة خديجة -رضي الله عنها-. وقد كانت السيدة عائشة تقول إنها ما غارت على رسول الله ﷺ من امرأة كما غارت من السيدة خديجة، لكثرة ما كان يذكرها الرسول ﷺ. وكان إذا ذبح الشاة يقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة، فكان وفيًا لها حتى بعد وفاتها. العدل كان رسول الله ﷺ عادلًا مع كل أزواجه، لا يفضل بعضهن على بعض في الأيام التي يمكث فيها عندهن، وكان إذا تزوج ثيبًا -امرأة سبق لها الزواج-؛ مكث عندها ثلاث ليال ليؤانسها، ثم يقسم لها الأيام كسائر نسائه، حتى في مرضه ﷺ كان يتحرى العدل، وكان يطوف على نسائه في بيوتهن، حتى ثقل، فاستأذن منهن أن يمرّض في بيت عائشة، فأذنَّ له. وكان الرسول ﷺ يعدل فيما يقدر عليه ويملكه، ويعتذر من الله فيما ليس بيده. كم قالت السيدة عائشة إنه قال: “اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك”. وقد فسر هذا أبو داود أنه يعني بهذا الحب والمودة، لأنها شيء ليس له عليه سلطة، وأنه أمر خارج حدود قدراته وإرادته. الاستشارة وطلب النصح كان الرسول ﷺ لا يخجل من استشارة زوجاته في أدق الأمور. ومن أشهر المواقف التي تدل على هذا استشارته لأم سلمة وقت صلح الحديبية، لما دخل على أم سلمة، فذكر لها المشكلة بينه وبين مشركي قريش، وأنه قال لأصحابه: قوموا فانحروا واحلقوا، فلم يقم منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فقالت له أم سلمة: يا
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الرسول قائد المسلمين رسول الله کان رسول الله رضی الله عنها کان الرسول ﷺ السیدة عائشة رسول الله ﷺ مع زوجاته إذا کنت
إقرأ أيضاً:
الشيخ ياسر مدين يكتب: في الصوم
قال سيدُنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدِنا جبريلَ عليه السلام حين سأله عن الإسلام: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقيمَ الصلاة، وتُؤتي الزكاة، وتصومَ رمضان، وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلا». سبقت الإشارة إلى أن قَصْر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فى هذه الخمس ليس معناه أنّ الإسلام عبادات فقط، فقد سبق أن أشرنا إلى أثر الشهادة والصلاة والزكاة في حياة المسلم، وما تستلزمه منه.
وسوف نشير -إن شاء الله تعالى- إلى أثر الصيام والحج، فالحديث إذن لا يدل على انحصار الإسلام في العبادات فقط، وإنما هو ذِكرٌ للأركان الكبرى التي تُؤصّل لحياة مستقيمة في العبادات والمعاملات. وبدَيهيٌّ أن يبدأ الحديث بشهادة «أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم» لأنها إعلان الإسلام والالتزام به عقيدة وسلوكا.
وقد سبقت الإشارة إلى أنّ الواو العاطفة بين الصلاة والزكاة والصيام والحج تقتضي الجمع بدون ترتيب؛ أي: صار المرء بمجرد إسلامه مطالبا بهذه العبادات كلها، إلا إذا سقطت عنه لعدم القدرة. فالواو إذن لا تقتضي ترتيبا، لكن هذا لا ينفي أن يكون لترتيب هذه الأركان حِكمةٌ، وذلك ليس من حيثُ اقتضاء الواو ترتيبا معينا، ولكن من حيث إن المتكلم بها قدَّم بعضها على بعض وأخّر بعضها عن بعض.
وإذا نظرنا سنجد أنّ الزكاة والصيام لا يفرضان كل عام، بخلاف الصلاة التي تتكرر خمس مرات في اليوم والليلة، فتقديم الصلاة تقديم لما يكثر تكراره، والزكاة والصيام يسقطان عن غير القادر، فالذي لا يملك النِصاب يسقط عنه أداء الزكاة، وغير القادر على الصيام لا يصوم، هذا بخلاف الصلاة التي يؤديها المسلم ولو بالإشارة إن لم يقدر على الركوع والسجود، وهذا داعٍ ثانٍ لتقديمها عليهما.
ثم تأتي الزكاة بعد الصلاة، وهي كذلك في كتاب الله جاءت تالية للصلاة في ستة وعشرين موضعا، ومن الجهة الاجتماعية نجد أن الصلاة شأنها أن تجمع المسلمين خمس مرات فى اليوم والليلة فيقترب بعضُهم من بعض، ويعرف بعضهم بعضا، وهذا يُوقفهم على أصناف مستحقي الزكاة بينَهم، وهنا يأتي دور الزكاة لمساعدة أولئك المحتاجين، وهذا يقتضي أن تأتي الزكاة بعد الصلاة.
ثم إن الزكاة رِفْدٌ بالمال [أي عطاء وصِلة]، وهذا العطاء هو الذي يعين المحتاج على ضروريات حياته، فيقدرُ على شراء الطعام الذي يتسحر به ويُفطر عليه إذا صام، وبعض مصارفه قد يُجعل لحج بعض المحتاجين، فسبق الزكاة للصيام والحج أمر منطقى.
وإذا كانت الزكاة قد عوّدت المسلم الواجد أن يُخرج قدرا من ماله للمحتاجين، فإنّ ما يذوقه في الصيام من سَغَبٍ [أي: جوعٍ] يحمله على مزيد من الجود والإطعام، وكما طهّرته الزكاة من البخل وحب المال والاستئثار به، يأتي الصيام ليرقى به مرتبة أعلى فيجعله يستغني في يومه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس عن الطعام والشراب والشهوة، وهذه الأمور هي أسباب استمرار الحياة، وطغيان شهوتي البطن والفرج سبب لارتكاب الموبقات والاعتداء على الحرمات، فالصيام يجعل الإنسان يستعلى عن أن تسوقه الشهوات، فهو قادر على قمعها وتوجيهها وفق ما أمر الله تعالى به، وباستقامة هذا الشأن يستقيم أمر الإنسان في سائر حياته في العبادات والتعاملات.
والصيام إذن عبادة تؤصّل لاستقامة شأن الحياة في جميع مناحيها، حيثه إنه يرجى من وراءه تحقيق التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والتقوى هى أن يقي الإنسان نفسه من الوقوع فيما حظره الشرع الشريف، فبها يستقيم شأن الحياة وفق مراد الله تعالى.
ثم بعد ذلك يأتي الحج، فهو عبادة مالية بدنية، يحتاج فيها المرءُ إلى مالٍ كافٍ للذهاب والعودة وترك ما يكفي لأهله حتى عودته، كما يحتاج إلى قوة بدنية يستطيع بها أداء مناسك الحج المختلفة، وهو بهذا لا يتهيأ لكل مسلم، ولذا قيده سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستطاعة فقال: «وتحجَّ البيت إن استطعتَ إليه سبيلا»، وهذا يقتضي تأخره عما قبله.
ثم إنه عبادة تجب مرةً في العمر، وهذا الوجه أيضا يقتضي تأخره عما قبله.