يتساءل الكثيرون في العالم العربي عن سر غياب الحس الإنساني في رؤية الغرب لمأساة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وعدم تحركه لوقف الإبادة الجماعية على أقل تقدير رغم مضي أكثر من 7 أشهر على بدء أبشع إبادة جماعية في القرن الحادي والعشرين.

يبدو الأمر معقدًا جدًا، لكنه ليس عصيًا على الفهم في ظل الانفصال الكبير بين الحقائق التي يعيشها الشعب الفلسطيني، سواء في مأساة غزة أو في كل المآسي التي عاشها الفلسطينيون طوال العقود السبعة الماضية، وبين التصورات التي يتبناها الكثير من الغرب بما في ذلك الكثير من النخب السياسية والفكرية.

هناك الكثير من التناقضات، وهي تناقضات لا يمكن تصنيفها في سياق الجهل أو حتى السهو؛ إنها نتيجة حتمية للسياقات والسرديات التاريخية والسياسية والثقافية التي جردت الفلسطينيين من إنسانيتهم بشكل منهجي وهمشت معاناتهم، وبنت على آلامها سرديات بديلة.

وحتى يتضح الأمر أكثر لا بد أن نفهم دور وسائل الإعلام الغربية، التي تختطف الوعي الجمعي في الغرب، وتصويرها للصراع.

تصور وسائل الإعلام الغربية الفلسطينيين في سياق يضفي عليهم صورة غرائبية، وتختزل إنسانيتهم في صورة نمطية مبسطة وسلبية في كثير من الأحيان. ويعمل هذا التمثيل المشوه على تسويغ وإدامة التحالفات السياسية والعسكرية الغربية وخصوصًا الدعم الثابت لإسرائيل. وما من شك في أن تصوير الفلسطينيين في سياق العنف وغياب المنطقية في الطرح والتصورات يعزز السرد القائل إن تصرفات إسرائيل هي مجرد إجراءات دفاعية، ما يحجب حقائق الاحتلال والعنف المنهجي، ويعلي من حضور السردية الغربية الموجهة.

لكن الصورة الإعلامية ليست وحدها هي التي تتحكم في توجهات المشاعر الغربية تجاه الفلسطينيين ومآسيهم التي لا تنتهي، فالمصالح والتحالفات السياسية تؤدي دورًا مهمًا في تشكيل المواقف الغربية. فالتحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، المتجذر في الاعتبارات الجيوسياسية والذي تدعمه جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، يضمن تجاهل معاناة الفلسطينيين أو التقليل من شأنها في أفضل الأحوال، ويعكس هذا التحالف نمطًا تاريخيًا أوسع للإمبريالية الغربية، حيث تتم حماية مصالح الأقوياء على حساب المضطهدين.

كما تؤدي التحيزات الثقافية والدينية إلى تفاقم هذه المشكلة، حيث رسّخ الإرث التاريخي للاستشراق الأحكام المسبقة ضد الشعوب العربية والإسلامية في الوعي الغربي، ويتجلى التحيز الثقافي في الافتقار إلى التعاطف الإنساني والفهم الحقيقي لمعاناة الفلسطينيين، وتطغى على إنسانيتهم صورة معادية في كثير من الأحيان للإسلام.

ولا بدّ من الإشارة هنا إلى نقطة مهمة جدًا تنطلق من فهم الطبيعة البشرية، فكل صراع تطول مدته يتحول إلى صراع طبيعي جدًا يتناغم -مع الأسف الشديد- مع تفاصيل الحياة اليومية، والقضية الفلسطينية تجاوز عمرها 7 عقود ما جعلها في نظر الغرب تفقد الكثير من الحساسية والاستجابة العاطفية لمن كان يشعر بها ولو عند الحد الأدنى، حيث تستمر دورة العنف والحرب والبحث عن السلام دون التوصل إلى حل ملموس.. ويصاب المتابع أو حتى المتعاطف مع القضية بنوع من الإرهاق، وهو إرهاق ليس ناتجًا عن طول الوقت فقط، وإنما نتيجة لسرد إعلامي يفشل في نقل حجم المأساة الفلسطينية وآنيتها.

لكن رغم كل ذلك فقد ظهر تحول ملحوظ بين طلاب الجامعات والأجيال الشابة في الغرب. وتعود أهم أسباب التحول التي برزت خلال هذه الحرب إلى وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات الأخبار البديلة، التي توفر إمكانية الوصول -دون قيود- إلى الحقائق المروعة على الأرض في غزة. الصور ومقاطع الفيديو من غزة التي يتم مشاركتها على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي مثل: منصة إكس وانستجرام وتيك توك تبطل الروايات التي تبثها وسائل الإعلام الغربية، وتثير شعورًا جديدًا بالغضب ومن ثم بالتضامن.

ويعود هذا التضامن إلى الوعي بالعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان التي يتحدث عنها الغرب في خطاباته وقيمه.. لقد حول هذا الوعي الجديد الجامعات إلى مراكز للفعاليات المؤيدة للفلسطينيين والمتضامنة معهم، ويستمد الطلاب إلهامهم من تاريخ النضال العالمي من أجل حقوق الإنسان وحريته وكرامته.

ويعكس استعداد الطلاب لتعريض مستقبلهم الأكاديمي وحريتهم الشخصية للخطر من أجل القضية الفلسطينية صحوةً أخلاقيةً عميقةً، وحضورًا للضمير الإنساني متى ما اتضحت الحقائق واستطاعت التأثير. لكن هذا الأمر يحتاج إلى عمل عربي ضخم من أجل ترسيخه ومن أجل إيصال السردية العربية والفلسطينية لعموم الجماهير الغربية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الکثیر من من أجل

إقرأ أيضاً:

وثقتا الفظائع وحذرتا من انهيار شامل.. العفو الدولية والأونروا: غزة تباد تحت أنظار العالم.. والحصار يفاقم المأساة

البلاد – رام الله
في تحذير دولي مزدوج يكشف حجم المأساة التي يعيشها المدنيون في قطاع غزة، أكدت منظمة العفو الدولية أن “إسرائيل” ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة، فيما كشفت وكالة “أونروا” أن المساعدات الإنسانية منقطعة عن القطاع منذ أكثر من سبعة أسابيع، مع نفاد شبه كامل في الأدوية والإمدادات الطبية. يأتي ذلك وسط صمت دولي مطبق، ووسط تدهور كارثي في الوضع الإنساني والصحي في غزة التي تحوّلت إلى ساحة مفتوحة للموت والجوع.

أكدت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية “أمنستي”، أنييس كالامار، أمس (الثلاثاء)، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في قطاع غزة.
وأضافت كالامار في تقرير: “وثقت منظمة العفو الدولية الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة”، موضحة أن نظام الفصل العنصري والاحتلال غير القانوني الذي تمارسه إسرائيل في الضفة الغربية تحوّل إلى أعمال عنف متزايدة.
وتابعت: “لقد شاهدت الدول، كما لو أنها عاجزة تمامًا، إسرائيل وهي تقتل آلاف الفلسطينيين والفلسطينيات، وترتكب مجازر بحق عائلات بأكملها، وتدمّر منازل ومستشفيات ومؤسسات تعليمية”.
ونوّهت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية إلى الهجمات المتصاعدة على المحكمة الجنائية الدولية في الأشهر الأخيرة، بعدما أصدرت أوامر تدابير مؤقتة في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، وإصدارها رأيًا استشاريًا يعلن أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، غير قانوني.
وأكدت كالامار أنه “يجب على جميع الحكومات أن تبذل كل ما في وسعها لدعم العدالة الدولية، ومحاسبة الجناة، وحماية المحكمة الجنائية الدولية وموظفيها من العقوبات”.
بموازاة ذلك، أكد المكتب الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” الثلاثاء، أنه لم تدخل أيّ إمدادات إنسانية أو تجارية إلى قطاع غزة منذ أكثر من 7 أسابيع.
وقالت الأونروا: “إغلاق جميع نقاط العبور أدى إلى حدوث أسوأ أزمة إنسانية في القطاع منذ أكتوبر 2023، مؤكدة أن هذه أطول فترة حظر للمساعدات منذ بداية الحرب”.
وأضافت: “نشهد ندرة متزايدة في المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب والمأوى والرعاية الطبية نتيجة الحصار الإسرائيلي”، وتابعت أن “أسعار الإمدادات الأساسية ارتفعت بشكّل كبير بسبب استمرار الحصار، مبينة أن العديد من الإمدادات الطبية نفدت بالفعل ونتوقع نفاد المزيد في الأسابيع المقبلة”.
ولفتت الأونروا إلى أن “57% فقط من الأدوية الأساسية تتوفر بكميات تكفي لشهر واحد أو أقل، فيما تُعاني الخدمات الطبية من نقص حاد في الموارد مع توقع بنفاد ثلثي الإمدادات الأساسية خلال أقل من شهرين”، مؤكدة أن الحصار الإسرائيلي يُعيق نقل الإمدادات من جنوب القطاع إلى شماله ويزيد من صعوبة العمليات الإنسانية.
وأردفت: “نفدت بعض اللقاحات مثل لقاحات شلل الأطفال والروتا واضطررنا لتعليق بعض حملات التطعيم، فيما نُعاني من نقص حاد في سلسلة التبريد بسبب أزمة الطاقة الخانقة”، مشيرة إلى أن النزوح المتكرر للسكان يؤثر على استقرار واستمرارية تقدّيم الخدمات الصحية.
بين التوثيق القانوني لجريمة الإبادة الجماعية من جهة، والانهيار الكامل للقطاع الصحي من جهة أخرى، يُجمع المشهد في غزة على كارثة إنسانية غير مسبوقة. وبينما تواصل “إسرائيل” انتهاكاتها بلا رادع، يبقى الصمت الدولي شاهدًا على مجازر لا تُمحى من ذاكرة الضمير الإنساني.

مقالات مشابهة

  • وسائل الإعلام الغربية تتناول خسار واشنطن في حربها باليمن.. هذه أبرزها (تقرير)
  • وثقتا الفظائع وحذرتا من انهيار شامل.. العفو الدولية والأونروا: غزة تباد تحت أنظار العالم.. والحصار يفاقم المأساة
  • الصليب الأحمر: استهداف مركز إيواء بصعدة يسلط الضوء على المأساة التي يتعرض لها المدنيون في اليمن
  • واشنطن بوست: على أميركا التحرك لوقف الإبادة الجماعية في السودان
  • 50 عاما على انتهاء الحرب ولم تنتهِ المأساة.. سموم العامل البرتقالي ما زالت تنهش فيتنام
  • 50 عاما على انتهاء الحرب ولم تنته المأساة... سموم "العامل البرتقالي" ما زالت تنهش فيتنام
  • مدبولي: مشروع الرقم القومي الموحد للعقارات سيحل الكثير من المشكلات
  • وزير الأوقاف لصدى البلد: واجهنا الإلحاد بالمنطق والحجة والبرهان فأقنعنا الكثير من الشباب
  • وفاة مخرج عراقي درّس الكثير من النجوم.. ونقابة الفنانين تنعاه
  • الصحف العالمية: تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة وتحريض على الإبادة وارتفاع حوادث القتل في الضفة الغربية