«السيرة الهلالية».. «الأبنودي» يوثق أكبر عمل أدبي في التراث الشعبي
تاريخ النشر: 20th, May 2024 GMT
وجد الشاعر الكبير الراحل، عبدالرحمن الأبنودى، أن «السيرة الهلالية» تكاد تنقرض وتندثر، بموت شعراء «الربابة»، مع عدم معرفة الأجيال الجديدة بهذا التراث الأدبى القديم، فعكف «الأبنودى» على جمعها، على مدار ما يقرب من 30 عاماً، باستخدام جهاز «كاسيت»، أهداه له المطرب الراحل عبدالحليم حافظ، حيث كان الشاعر الأشهر فى عصره، لا يمتلك ثمن مثل هذا الجهاز فى ذلك الوقت.
لم يقتصر جمع السيرة الهلالية على مصر، بل ارتحل «الأبنودى»، المعروف بين معظم شعراء العامية باسم «الخال»، إلى العديد من الدول لجمع فصولها، من تونس واليمن والسعودية وبلاد المغرب العربى، بالإضافة إلى طوافه على العديد من قرى ونجوع مصر، لجمع كل ما يتعلق بالسيرة الهلالية.
ولم يجد «الأبنودى» غير قرية «أبنود»، بمحافظة قنا، مسقط رأسه، ليقيم فيها متحف السيرة الهلالية، اعترافاً منه بفضل قريته عليه، واعتزازاً بجذوره الصعيدية، وحتى يصبح هذا المتحف تراثاً ومرجعاً للباحثين ومحبى السيرة الهلالية وعشاقها، للحفاظ عليها من الاندثار، وتم افتتاح المتحف 30 مايو 2015.
تعتبر وزارة الثقافة أن متحف السيرة الهلالية هو الأول من نوعه فى مصر، الذى يهتم بهذا النوع من التراث الأدبى الشعبى، ويضم المتحف 67 عملاً فنياً، و14 جزءاً من نصوص السيرة الهلالية، و132 شريط كاسيت يوثق لرواة السيرة الهلالية.
وتُعد السيرة الهلالية هى أكبر عمل أدبى ملحمى فى التراث الشعبى العربى، تبلغ نحو مليون بيت من الشعر، كما تحتل سيرة «بنى هلال» جزءاً مهماً من التاريخ العربى، باعتبارها إحدى أشهر القبائل العربية التى عاشت ولا يزال أسلافها يعيشون على امتداد المنطقة العربية، وبالتالى كانت هناك حاجة ملحَّة لجمع وتوثيق سيرة هذه القبائل العربية، وهو ما أقدم عليه الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودى، وأنشاً متحفاً خاصاً للحفاظ على السيرة الهلالية من الاندثار.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: اليوم العالمى للمتاحف المتحف الكبير تعزيز التواصل بين الأجيال السیرة الهلالیة
إقرأ أيضاً:
نجم الهنعة
لطالما كان للنجوم حضور قوي في الثقافة العربية، ولا تزال الكثير منها تحمل أسماء عربية حتى اليوم، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى في سورة الأنعام: "وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ"، وارتبط العرب بالنجوم بشكل وثيق، فأطلقوا عليها أسماء ووصفوها بدقة، ولم يقتصر تأثيرها على علم الفلك وحسب، بل امتد أيضًا إلى الشعر والأدب، حيث تغنّى بها الشعراء وحيكت حولها الأساطير، مستخدمينها لرسم صور خيالية تربط بين النجوم وتوضح مواقعها في السماء ضمن حكايات وقصص مشوقة.
واليوم نتحدث عن نجم الهنعة، وهو أحد الأنجم التي كان لها دور كبير في الثقافة العربية، حيث يعد أحد منازل القمر، وهو المنزل الرابع عشر من منازل القمر الثمانية والعشرين، كما استخدموه في تحديد بعض المواسم الزراعية والتغيرات المناخية، فنجد أن طلوعه ارتبط ببدء اشتداد الحرارة، ولأنهم يلاحظون البيئة من حولهم ويرصدون التغيرات في حركة الحيوانات بسبب اختلافات درجات الحرارة، فقد لاحضوا أن الأفاعي تخرج من جحورها بالتزامن مع طلوع هذا النجم، وهذا من الثقافة الشعبية عند العرب القائمة على الرصد والملاحظة. معنى هذا الاسم كما جاء في معجم لسان العرب لابن منظور أنه يقصد به: الجزء البارز أسفل حلق البعير.
ويبدأ هذا النجم الظهور في السماء من 3 يوليو تقريبا وكان طلوعه مؤشرًا لبدء بعض الزراعات الصيفية وحصاد المحاصيل، وقد استخدموا هذا النجم أيضا كجزء من نظام الأنواء لتحديد الأوقات المناسبة للزراعة والسفر والصيد.
أما أذا تحدثنا عن خصائص هذا النجم الفلكية فنجد أن حجمه يبلغ 9 أضعاف حجم شمسنا، وتبلغ درجة حرارة سطحه حوالي 9,200 كلفن، وهي أعلى من درجة حرارة سطح الشمس التي تبلغ حوالي 5,500 كلفن، يبعد حوالي 105 سنوات ضوئية عن الأرض.
وقد جاء ذكر هذا النجم في كتاب الأنواء في مواسم العرب لابن قتيبة الدينوري فقال: "الهنعة وهي كوكبان أبيضان بينهما قيد سوط، على إثر الهقعة، في المجرّة، وبينهما وبين الذراع المقبوضة، ويقال لأحد الكوكبين "الزرّ" وللآخر الميسان. وقال ابن كناسة: «إنما ينزل القمر بالتحايي» وهي كواكب ثلثة حذاء الهنعة، الواحدة منها تحياة، وقال أدهم بن عمران العبدي: «الهنعة قوس الجوزاء ترمى بها ذراع الأسد. وهى ثمانية أنجم في صورة قوس ففي مقبض القوس النجمان اللذان يقال لهما الهنعة."
وإذا أتينا إلى أشعار العرب فسنجدهم ذكروا هذا النجم في قصائدهم، فنجد الملاح العماني أحمد بن ماجد يذكر هذا النجم في منظومته فيقول:
وَهَقعَةٌ مِن بَعدِها والهَنعَه
ذراعُ والنَّثرَةُ والطَّرفُ مَعَه
وجَبهةٌ وزُبرَةٌ والصرفه
ما في صفاتي قطُ لك حرفه
وهذا الشاعر العباسي ابن الرومي يذكر هذا النجم وهذا يدل على ثقافته بالنجوم وموعد طلوعها فذكره الهنعة بعد الهقعة فقال:
وزعمتَ سيدَنا الأمير سما بالجود حتى صافح الهَقعه
وهو الذي أدنى مواطئه فوق الذي سميت والهنعه
ونجد أن الشاعر الأموي الأحوص الأنصاري يذكر هذا النجم فيقول:
تَعْقِصُ وَحْفاً كَأَنَّ مُرْسلَهُ
أَساوِدٌ شبَّ لَوْنَهَا جَرَعُ
عَلَى نَقِيِّ اللَيْلَتَيْنِ مَعْتَدِلٍ
لَا وَقَصٌ عَابَهُ وَلَا هَنَعُ
ومن الشعراء الذين ذكروا هذا النجم في قصائدهم نجد الشاعر الشهير أبا نواس ذكر هذا النجم في معرض مدحه لأحدهم وكان يسمى أحمد فقال أن في خديه نجم الهنعة فقال:
وَلَكِنَّ الفَتى أَحمَدَ
يَجلو اللَيلَ بِالطَلعَه
عَلى جَبهَتِهِ الشعرى
وَفي وَجنَتِهِ الهَنعَه
كما نجد الفيلسوف محيي الدين بن عربي الذي عاش في العصر الأيوبي يذكر هذا النجم في إحدى قصائده فيقول:
هَنعة الأنعام في أفلاكها
ذرعت بلدتها في الغَسَقِ
نثرةُ الذابحِ للطرفِ رات
بلعاً يشكو كمينَ الحُرَق
أما القاضي التنوخي فنجده يذكر هذا النجم ويقول:
كأنّما الهنعة لمّا طلعت
مقلة صبٍّ لم تبن من البكا
مقبلة على الذراع تشتكي
شكوى محبٍّ ضاق ذرعاً فاشتكى
ونجد الشاعر ابن زقاعة الذي عاش في العصر المملوكي يذكر هذا النجم في منظومته فيقول:
وكذاك هقعتها تحاكي غرة
والصولجانة شبهت بالهنعة
وذراعها كذراع ليث مده
وذراعها اليَمَنىّ كالمقبوضة