ترجمة: أحمد شافعي -
يبدو أن الرئيس جو بايدن تعلم كل ما يعرفه عن الشرق الأوسط من فيلم «الوصايا العشر» لتشارلتن هيستن الذي عرض حينما كان بايدن لا يزال شابا يحب السينما سنة 1956. ففي الآونة الأخيرة، وتحديدا في السابع من مايو، تحدث الرئيس عن «الكراهية العتيقة» معتبرا أنها تفسير لكل ما يجري في المنطقة منذ هجمة حماس في السابع من أكتوبر.
من الخطر دائما البحث عن تفسيرات في الماضي العتيق، والأخطر منه البحث عنها في ماض أسطوري لا وجود له في غير الملاحم الهوليودية. فهذا لا يترك من مجال للفهم الأصيل، وبايدن يعرف المزيد عن الأحداث القريبة في المنطقة. فلا بد أن يدرك أنها لا تتواءم مع أساطيره.
في حوار مع إيرين برونيت المذيعة في شبكة سي إن إن في الثامن من مايو، اعترف بايدن بأن إسرائيل تستعمل قنابل الألفي رطل الهائلة أمريكية الصنع في «تعقب المراكز السكنية» في غزة. وهذه قنابل يبلغ نصف قطر مداها ألف متر. ولذلك السبب أوقف بايدن شحنة مستقبلية من هذه القنابل لإسرائيل خوفا من أن تستعمل في هجوم على رفح. لكن لو كان بايدن يعرف أن هذه الأسلحة تستعمل لتدمير مراكز سكنية، فلماذا لم يفعل شيئا من قبل؟
ترمي الألعاب البهلوانية السياسية التي ينشغل بها بايدن ومستشاروه الآن إلى الحفاظ على الأسطورة في صراعها اليومي مع الأحداث الحقيقية. فحينما يقول بايدن: إن على إسرائيل ألا تدخل رفح -المدينة الواقعة على الحدود المصرية التي لاذ بها أكثر من مليون فلسطيني- فإنه يتحدث خائفا من أن تكون هجمة كهذه هي اللحظة التي يستحيل فيها التصديق بأن إسرائيل تخوض حربا ضد «كراهية عتيقة» وليست حربا هدفها الدمار التام لغزة.
حينما سـألته برونيت بقولها: وإذا كانت إسرائيل قد دخلت رفح، فانتهكت بذلك خطه الأحمر، رد بايدن بأن إسرائيل لم تدخل مركز المدينة، وكأن مدينة رفح الصغيرة في مثل ضخامة حاضرة طوكيو.
يغدو واضحا أن ما تريده إدارة بايدن حقا من إسرائيل هو المساعدة في الحفاظ على الأسطورة، وأن تحرص على ألا تسمح لواقع غزة الوحشي أن يدمر الرواية. لقد دخلت إسرائيل عمليا رفح. وقصفتها بلا تمييز شأن بقية القطاع. ومئات آلاف البشر تركوا المنطقة الآن، متجهين إلى خان يونس، وما هي إلا ركام، أو اتجهوا غربا إلى المواصي وهي أرض مهجورة بلا كهرباء أو صرف صحي أو إمدادات غذائية.
منذ بداية عملية إسرائيل في رفح في السابع من مايو، لم تعبر مساعدات من مصر، بما يهدد بامتداد المجاعة إلى جنوب غزة، حيث يوجد الآن أغلب السكان. وفي وقت مبكر من صباح الثالث عشر من مايو، تردد عدد من التقارير الموثوقة عن انفجارات وقصف مدفعي وطائرات حربية ونيران طائرات المروحية في عدة مناطق في رفح.
فهل من مخرج؟ تتمثل الخطوة الأولى في أن ندرك أننا واقعون في قبضة الهوس. وبضمير الجمع هذا أعني البلاد الديمقراطية الغربية، حتى لو أن هذه المجموعة تضم عددا قليلا من الخارجين على الديمقراطية. علينا أن نتعلم من جديد أن نرى ما يقع أمام أعيننا. فبعد رفح سوف تصبح غزة كلها مدينة خيام بلا مبان متبقية فيها. فهل كنا نعرف هذا منذ البداية؟ لقد قال مسؤول دفاع إسرائيلي للقناة الثالثة عشرة الإسرائيلية في العاشر من أكتوبر في العام الماضي: إن «غزة سوف تتحول في نهاية المطاف إلى مدينة خيام، لن تبقى فيها أي مبان».
غير أن بايدن يبدو مصرا على التشبث بمساره: إسرائيل لم تدخل رفح. لعله يقصد أن إسرائيل لم تقم باجتياح رفح، ولكن إسرائيل تتبع في رفح البروتوكول الذي اتبعته في غزة، إذ يتضح أن هدفهم هو اجتناب وقوع خسائر في صفوفهم، مع حملة قصف كثيف يليها غزو بري مشفوع بتدمير شامل للمباني والبنية الأساسية.
أما عن المسافة القائمة فيما بين إدارة بايدن ومجلس وزراء إسرائيل الحربي، فيبدو أنها لا تعدو خلافا في طريقة التواصل. فبايدن يرغب في أن تستعمل لغة مختلفة بعض الشيء، ولعله يرغب في أن تستعمل قنابل مختلفة. لكن إدارته سارعت بإيضاح أن شحنة واحدة فقط من قنابل الألفي رطل هي التي تم تأجيلها، وحتى هذه الشحنة قد تستأنف.
خطيرة هي مقامرة بايدن. فقد أقام واقعا بديلا، يجري بالتوازي مع أحداث حقيقية في غزة. وفي حال انهيار هذا الواقع، بل عند انهياره، فإن قدرا كبيرا سوف ينهار معه. ففي السابع من مايو اتهم المتظاهرين المناهضين للحرب في عشرات الجامعات بنفس اتهام الكراهية العتيقة التي تفسر بالنسبة له كل شيء في الصراع. فهل إهانة الناخبين الطلبة استراتيجية انتخابية جيدة لمرشح رئاسي ديمقراطي؟ لقد كان بايدن متخلفا بالفعل بإحدى عشرة نقطة عن دونالد ترامب في استطلاعات الرأي للفئة العمرية في ما بين 18 و34 عاما، بحسب استطلاع رأي لسي إن إن في أبريل. وبيرني صاندرز محق في تخوفه من أن تعامل بايدن مع الحرب في غزة قد يكلفه انتخابات نوفمبر.
بالنسبة لصورة أمريكا ومكانتها في الشرق الأوسط -وفي العالم- تمثل غزة نقطة تحول تاريخية. والولايات المتحدة ـ مثلما قال لي مسؤول في الأردن في أبريل- تحولت من مصدر للنظام إلى عامل للفوضى. وكثيرا ما يقال: إن السياسات الأمريكية انكفأت على نفسها. ويفترض بذلك أن يعني النأي عن العالم والانشغال بالهموم المحلية الأمريكية. وأخشى أن الوضع أسوأ من ذلك كثيرا. فلو أن الولايات المتحدة انكفأت على نفسها، فقد انكفأت نائية عن العالم مستغرقة في أوهامها وأساطيرها وأغوار عقلها المحموم.
برونو ماسياس وزير برتغالي سابق للشؤون الأوروبية وأحد كتاب الرأي في نيوستيتسمان
عن موقع نيوستيتسمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی السابع من أن إسرائیل من مایو فی غزة فی رفح
إقرأ أيضاً:
بادي ووالي الجزيرة يدشنان خدمات المياه بمحطة حي مايو بودمدني
دشن الفريق أحمد العمدة بادي حاكم إقليم النيل الأزرق برفقة الأستاذ الطاهر إبراهيم الخير والي ولاية الجزيرة الوفد المرافق لسيادتهما امس عودة خدمات المياه بمحطة مياه حي مايو طرف بمدينة ودمدني حاضرة ولاية الجزيرة.وذلك في إطار برنامج زيارة وفد حكومة إقليم النيل الأزرق لولاية الجزيرة.من جهته أعلن الحاكم عن دعمه المادي لتحقيق إستمرارية التشغيل بالمحطة دعماً لإستقرار المواطنين بالحي، ووعد بإنتداب فنيين من الإقليم للمشاركة في دعم وترقية الخدمات المختلفة بمدينة ودمدني حاضرة ولاية الجزيرة .والي ولاية الجزيرة أشاد بمشاركة حكومة وشعب إقليم النيل الأزرق في ملحمة التحرير والتطهير والتعمير للولاية.هذا وقد وقف السيد حاكم إقليم النيل الأزرق برفقة الأستاذ الطاهر إبراهيم الخير والي ولاية الجزيرة والوفد المرافق لسيادتهما على حجم الدمار الذي لحق بالبنيات التحتية جراء الإعتداءات الآثمة لمليشيا آل دقلو الإرهابية المتمردة، حيث شملت الجولة عدداً من المواقع الخدمية والإقتصادية ومجمع إبراهيم الخواض لحوادث العظام والإصابات بمستشفى ودمدني التعليمي.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب