ترجمة: بدر بن خميس الظّفري -
عشية الانتخابات العامة الأخيرة، لم يكن أحد يناقش ما يجب فعله في حالة انتشار الوباء، أو إذا حرب روسيا وأوكرانيا، أو انفجر الشرق الأوسط. إذا كانت أحداث الماضي القريب تحتوي على دلائل تشير إلى وقائع المستقبل القريب، فإن رئيس وزراء بريطانيا القادم سوف يدخل في صراع مع بعض الوقائع العالمية غير المتوقعة حتى الآن، إضافة إلى الأزمات الموجودة بالفعل.
وفي حين يرى معظم الناس أن المخاطر تلوح في الأفق، يصر ريشي سوناك على تبسيط شعارات حملته الانتخابية. وبسبب عدم وجود إنجاز محلي «بريطاني» يستحق الذكر، قرر رئيس الوزراء وضع الأحداث العالمية في قلب حملته الانتخابية لإعادة انتخابه، وبدأ هذا المنهج في خطاب ألقاه يوم الاثنين قال فيه هذه العبارة: إن العالم مكان مخيف، وإنّ حزب المحافظين فقط من يمكنه الحفاظ على سلامتك.
ونحن لا نعارض النصف الأول من العبارة، فقد هدم فلاديمير بوتين كل جسور الثقة بين روسيا وجيرانها، بينما أصبحت كل من إسرائيل وإيران، البلدين اللذين تعودا خوض الحرب بينهما بالوكالة، أصبحتا على مسافة قريبة جدا من حرب مباشرة مفتوحة.
الصين، من جانبها، ستستمر في منافسة الولايات المتحدة على النفوذ العالمي. إن التوتر بين القوة العظمى القائمة والقوة الصاعدة من شأنه أن يؤدي إلى تأجيج النزاعات حول التعرفة الجمركية ونقل التكنولوجيا. وسوف تميل الولايات المتحدة أكثر نحو التجارة الداخليّة. الاتحاد الأوروبي سيرد من خلال تسريع سعيه لتحقيق ما يسميه متخذو القرار في بروكسل «الاستقلال الاستراتيجي». وقد تستغل القوى الصاعدة الأخرى، ومن بينها الهند، التوازن غير المستقر للقوى العالمية من أجل تحقيق مكاسب تكتيكية ومكاسب تجارية.
ويشكل كل هذا تحديات فريدة من نوعها لدولة أخرجت نفسها مؤخرًا من تكتل يجمع دول القارة التي تقع فيها. كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رهانا كبيرا ضد فكرة أن الجغرافيا تشكّل أهميّة كبيرة للسياسة الاقتصادية والأمنية في القرن الحادي والعشرين، فالجغرافيا هي من يفوز.
ليس لدى سوناك أي شيء مفيد ليقوله عن هذه المشكلة. لا يمكنه إلا أن يوجه التهديدات خارج حدود بريطانيا، متهما (كير ستارمر) بالافتقار إلى البراعة اللازمة لمواجهتها. يتضمن الاتهام عنصرين. أولا، لا يزال حزب العمال يحتفظ بالدوافع المشككة بسلميّة حلف شمال الأطلسي والتي شكلت رؤية (جيريمي كوربين) للعالم. ثانيًا، لن تتبنّى المعارضة تعهدات المحافظين بشأن الإنفاق الدفاعي.
والحقيقة هي أن (ستارمر) طهّرَ يسار (كوربين) من حزب العمال بطريقة صارمة فشل سوناك في استخدامها ضد المهووسين والمتطرفين في اليمين. إن الحزب الذي تقوده (ليز تروس) يجب أن يواجه حقيقة يصعب الاعتراف بها مفادها أن قادة الأحزاب السابقين لا ينبغي أن يُمنحوا الفرصة لقيادة البلاد.
أما بالنسبة للإنفاق الدفاعي، فإن الفرق الرئيسي بين حزب العمال والمحافظين هو أن المحافظين أكثر استعدادًا لتقديم وعود بمبالغ كبيرة دون القلق بشأن العثور على الأموال بعد ذلك؛ لأنهم لا يتوقعون أن يصلوا إلى السلطة بعد الانتخابات المقبلة.
يتوقع سوناك الحصول على المليارات في ميزانيات الدفاع مستقبلا من خلال نيته إجراء تخفيضات في الإدارات الأخرى، والتي لا يعتقد أي شخص مطلع على الوضع الحالي للخدمات العامة بأنها ممكنة. وهي نفس الحيلة الحسابية التي يستخدمها حزب المحافظين «لتمويل» التخفيضات الضريبية، كل ذلك على أمل إيقاع حزب العمال في فخ الخداع المالي أو تعريضه لاتهامات بالنوايا السيئة فيما يتعلق بالمال العام.
وسوف يشكل الإنفاق الدفاعي أولوية بالنسبة لحزب العمال في الحكومة لأن حلف شمال الأطلسي يحتاج إلى المال، كما تحتاج الديمقراطيات الأوروبية إلى حلف شمال الأطلسي باعتباره ورقة تأمين ضد عدوان الكرملين أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة. إن التزام (ستارمر) بهذه القضية ليس خدعة انتخابية بل هو تجديد للتعهدات، واتباع لتقليد ما قبل (كوربين) المتمثل في الانحياز المؤيد للغرب، والذي تبناه كل رؤساء الوزراء السابقين لحزب العمال. (كليمنت أتلي كان أول من ضم بريطانيا إلى حلف شمال الأطلسي).
صحيح أن إعادة تسليح الجيش قد يزعج بعض الناس في اليسار. لكن هذا ليس لأن زعيمَيْ حزب العمال ستارمر وريفز سيخافان من اتخاذ قرار بهذا الشأن، بل قد يمضيان قدما في هذا الأمر، مما قد يؤدي إلى غضب بعض أنصار حزب العمال والتحول إلى أحزاب أخرى مثل الديمقراطيين الليبراليين أو حزب الخضر. وهذا مشابه لما حدث خلال فترة رئاسة توني بلير، حيث تحول بعض أنصار حزب العمال إلى الديمقراطيين الليبراليين.
إذا ركز زعيم حزب العمال ستارمر على الوسط، فمن المحتمل أن تصبح المعارضة اليسارية أكثر تطرفًا. وفي الوقت نفسه، سيصبح جناح اليمين أكثر شعبوية وتشكيكا، مما قد يؤدي إلى إضعاف حزب المحافظين، الذي قد تسيطر عليه بعد ذلك مجموعة تعتقد أن الهجرة هي المشكلة الرئيسية التي تواجه البلاد وأن الاتفاقيات الدولية تشكل تهديدا للسيادة الوطنية.
إذا انتُخب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة في نوفمبر، فسوف ينجرف العديد من المحافظين إلى سياساته، مما سيؤدي إلى قطع العلاقات الواهية التي لا تزال تربطهم بالمؤسسات متعددة الأطراف وسيادة القانون. ولن يتمكن زعيم حزب المحافظين الحالي، ولا أي بديل محتمل، من مقاومة هذا الاتجاه. إذا كان السؤال المطروح على ورقة الاقتراع في الانتخابات، كما يزعم سوناك، هو: ما هي أفضل السبل لحماية القيم الديمقراطية في بريطانيا؟ فإن الإجابة الصحيحة هي إبعاد المحافظين عن المعارضة.
وتظهر هذه الحسابات أن السياسات الخارجية والأمنية ترتبط ارتباطا وثيقا بالسياسة الداخلية، وهذا ينطبق بشكل خاص عندما تتأثر الأسواق المالية بالأحداث العالمية، مما يصعب على الحكومات السيطرة على اقتصادها.
لقد أصبح العالم غير مستقر ولا يمكن التنبؤ بأحداثه، وهذا يؤثر على السياسة البريطانية. على سبيل المثال، عندما حرب روسيا وأوكرانيا، ارتفعت أسعار الطاقة في بريطانيا، وأصبح الناس قلقين بشأن قدوم اللاجئين إلى أوروبا. وقد أدى هذا إلى الكثير من التوتر بشأن الهجرة ومراقبة الحدود.
تتحدث الأحزاب السياسية الرئيسية في بريطانيا عن هذه القضايا، لكنها لا تفعل ذلك بطريقة واضحة وصادقة. وقد ذكر زعيم حزب المحافظين، ريشي سوناك، بعض هذه المشاكل في كلمته، لكنه لم يوضح حقيقة ما تعنيه أو كيفية إصلاحها.
ويتحدث حزب العمال المعارض أيضًا عن هذه القضايا، لكنه لا يقدم إجابات واضحة أيضًا. وقد كتب وزير خارجية حزب العمال، ديفيد لامي، عن حاجة بريطانيا إلى التكيف مع توازنات القوى العالمية المتغيرة، ولكن ليس من الواضح ما الذي يعنيه ذلك في الممارسة العملية.
هناك العديد من الأسئلة الكبيرة التي تواجه الساسة في بريطانيا، مثل كيفية التعامل مع دونالد ترامب، وكيفية العمل مع الاتحاد الأوروبي، وكيفية موازنة المنافسة مع الصين. من الصعب الإجابة على هذه الأسئلة، وليس من الواضح كيف سيتعامل معها السياسيون.
بشكل عام، من الصعب التنبؤ بما سيحدث في السياسة البريطانية، لكن هناك احتمالين اثنين: أولهما أنه لن يفوز بالانتخابات المقبلة زعيم حزب لديه خطط مستقبليّة أفضل لمكانة بريطانيا في العالم، وأن طريقة التعامل مع الأحداث العالمية الحاليّة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان رئيس الوزراء المقبل ناجحا أم لا.
رافائيل بير كاتب عمود في صحيفة الجارديان.
عن الجارديان البريطانية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: حلف شمال الأطلسی حزب المحافظین فی بریطانیا حزب العمال زعیم حزب
إقرأ أيضاً:
164 عاملاً يفقدون أرواحهم في تركيا خلال أكتوبر
تركيا الآن
أعلن “مجلس صحة وأمن العمال” (İŞİG) عن تسجيل 164 حالة وفاة بين العمال في تركيا خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مما يبرز الظروف الخطرة التي تواجههم في بيئات العمل.
تفاصيل الوفيات:
– إجمالي الوفيات: 164 عاملًا
– من بينهم 153 رجلًا و11 امرأة
– حالات وفيات الأطفال: 4 حالات
– وفيات العمال اللاجئين: 18 حالة
أسباب الوفيات:
– السقوط من مرتفع: 19%
– النوبات القلبية: 18%
– حوادث السير: 15%
القطاعات الأكثر تضررًا:
– الإنشاءات والطرق: 30%
– الزراعة والغابات: 18%