كلمة عُمان في قمّة دول الملياري مسلم
تاريخ النشر: 19th, May 2024 GMT
د. عبدالله باحجاج
هل هناك دولة- قيادة وحكومة وشعبًا- غير بلادنا لها موقف قوي وواضح ومتصاعد مُنذ بداية الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة حتى الآن؟ وهل هناك دولة غيرها بثلاثيتها سالفة الذكر، مُتصالِحة مع ذاتها في قضية فلسطين/ غزة؟
بحثنا ولم نجد، وهذا المُشترك المُجمَع عليه وطنيًا وسياسيًا واجتماعيًا وفكريًا وآيديولوجيًا، وحتى اقتصاديًا، نعتبرها من كبرى النعم الإلهية على بلادنا، وهي من عوامل ديمومة الاستقرار وتحصين جبهتنا الداخلية من فتن الخارج، وغلق الأفواه إلى الأبد.
هذا ليس انحيازًا لوطنيتنا، وإنما اعتزاز وافتخار بالذات الوطنية التي تلتقي كل بناها الفوقية والتحتية مع غزة. وقد دفع بي إلى التعبير عنها مُجددًا كلمة سلطنة عُمان في القمة الإسلامية في العاصمة الجامبية (بنجول)، وهي كلمة مُبهرة وتاج فوق روؤسنا، ونُفاخِر بها، ونفتخر بها، وذات دلالات ومضامين تضع كلمة "التماهي"- التي نستدل بها في بعض مقالاتنا عند الحديث عن الموقف العُماني الحكومي والشعبي- في إطارها التنظيري السياسي المُجمَع عليه، والتي تُوَحِّد كل العُمانيين في شخصية واحدة ومُتّحدة ومُتضامنة في قضية غزة خاصةً، وفلسطين المحتلة عامةً.
ومن أروع وأجمل ما قالته بلادي في قمة الملياري مسلم الذين يشكلون 25% من سكان العالم الفقرة التالية: "إن هناك قناعة تامة ويقينًا بالغًا بأن دماء الأبرياء الشرفاء من أبناء فلسطين لن تذهب سُدى، وأن ميزان العدالة الإلهية لن يخذل هذا الشعب الصامد، وسوف ترفرف راية الحق في سماء الدولة الفلسطينية".
فقرة مُزلزِلة للوعي السياسي العالمي، وتلامس عواطف وإيمان أُمّة الملياري مسلم، وتخترق العقول بمفردات مثل "قناعة تامة" و"يقين بالغ"؛ وهي تنطلق من منطلقات دينية مُستشرِفة لآفاق ما بعد ظُلم الطغاة وسقوط قيمهم وأخلاقهم، وعلى رأسهم واشنطن. إنها مفردات قطعية الدلالة لا تحتمل التأويل ولا مجال لفهم معنى آخر. فالمليارا مسلم تبشر عقيدتهم في نصوص صريحة وواضحة بالنصر المحتوم مهما كانت اختلالات القوة وميلها نحو الأعداء، ومهما كانت انسدادات الأمل، فكيف إذا ما كانت أبواب هذا الأمل الآن مفتوحة كلها على مصاريعها. والراصد لموقف بلادنا منذ بداية الحرب الصهيونية الوحشية على غزة- أي مرحلة انسداد الأمل- وهي تقف مع الأشقاء، وتُراهِن على النصر، وتستمر فيه، رغم المذابح الجماعية والتشريد والتهجير والتجويع.
وداخليًا.. فتلكم الفقرة تعبر عن نموذجية التماهي للشخصية العُمانية بكل مكوناتها دون استثناء، وهذا تاريخ يُسجَّل بالذهب في تماهٍ يحدثُ في ظل حقبة نهضتنا المتجددة، وكأن التماهي بين القيادة والحكومة والشعب، قد أصبح عُمانيًا خالصًا وحصريًا في عالمٍ تنفصلُ فيه السياسة عن الأخلاق، وفي حقبة تشِذُ السُلَطُ السياسية عن شعوبها؛ بل وتقمعها للحيلولة دون التعبير عن مشاعرها ومواقفها، فإيماننا بالنصر من اليقينيات العُمانية؛ لذلك فإن كلمة سلطنة عُمان في القمة الإسلامية تُعبِّر عن مؤسسات الدولة، وعن أركان الدولة العُمانية: السلطة السياسية، والأرض والسكان والسيادة، وناطقة بصوت مرتفع عن الأخلاق والقيم للشخصية العُمانية التي قال عنها رسول الأُمّة: "لو أن أهل عُمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك".
شهادةٌ في أهل عُمان مِمَنْ لا ينطق عن الهوى، وإنما هو وحي يُوحى، نُوظِّفُها في كثير من مقالاتنا- مثل هذه المقالة- لأنها قد أصبحت الآن تخرج من عالمنا الداخلي/ الفردي والجماعي والوطني إلى العالم الخارجي، بعد أن ترسَّخت واستقرت في الوعي الاجتماعي والسياسي والفكري، وأصبح كل عُماني يشعر الآن بالاستثناء النبوي للعُمانيين، وهذا الاستثناء يشعر به كل عُماني بأنه التزام بالقيم والأخلاق ومفتوح زمنيًا وعابر الحدود، أي ليس داخليًا فحسب، مثلما كان في الحقبة الزمنية السابقة. وهذا انتقال نؤطِّره هنا زمنيًا وسياسيًا كحالة طبيعية للشخصية العُمانية القيمية والأخلاقية التي أسّست داخل نطاقها الوطني تعايشًا قيميًا وأخلاقيًا مُستدامًا، وأصبح الآن تحميه تشريعات رادعة وأجهزة حارسة، رغم أنه نتاج الشخصية العُمانية التلقائية "تأسيسًا واستمراريةً".
التشريعات وأجهزة الدفاع عن الثوابت هي لدواعي ضمانات التعايش وديمومته في ظل التحوُّلات الكبرى التي تشهدها الساحات الفكرية والآيديولوجية الإقليمية والعالمية، وكذلك الأفكار الشاذة التي يُراد غرسها داخل مجتمعاتنا الخليجية. وفي هذه الجزئية الأخيرة بالذات، نحتاجُ فعلًا لاستراتيجيات لتدريس القيم الأخلاقية للأطفال من مرجعية الشهادة النبوية لأهل عُمان، وغرسها في وجدان الجيل الجديد حتى نضمن مواصلة المسيرة الأخلاقية بين الأجيال. كما يستلزم تكليف نخبة من المُعلمين المشهود لهم بالقيم الأخلاقية في كل محافظة للقيام بتنظيم جلساتِ عصفٍ ذهنيٍ يديرونها بأنفسهم، لتدريب المتعلمين على التعبير عن قيمهم ومعتقداتهم؛ فالعشرِ سنوات المقبلة ستكون من أخطر الحقب الزمنية على منظومة القيم الأخلاقية لمجتمعات المنطقة الخليجية؛ سواءً تلك التي وراؤها استهدافات مباشرة، أو عبر وسائل التقنية وتطوراتها المذهلة والمُقلِقة كالذكاء الاصطناعي.
المحافظة على الشخصية العُمانية تُحتِّم تفكيرًا مُختلفًا لديمومة الشهادة النبوية وتأصيلاتها الراهنة في الشخصية العُمانية، كما تحتاج إلى برامج توعوية لأولياء الأمور تكونُ ضمن سياقات الاستراتيجيات لتدريس الأطفال القيم الأخلاقية، بمعنى أن المحافظة على انتقال المسيرة الإقليمية والأخلاقية العُمانية بين الأجيال وتطبيقاتها الاجتماعية والسياسية، تستلزم من الدولة التدخل في قضايا التربية والتعليم في ظل انتشار التعليم الأجنبي المدفوع الثمن، وفي ظل انفتاح البلاد الاجتماعي والاقتصادي كصيرورة تُمليه ضرورات مُستقبلية مُلحّة، واعتبارات أخرى أساسية.
والتماهي بين مؤسسات الدولة، أعمق من التناغم والانسجام في قضية غزّة، وأقرب للتوحُّد، وتجني بلادنا نتائجه الآن ومستقبلًا، وقد أصبحت نظرية سياسية من المنظور العُماني، ويذهب بنا التفكير إلى دراسة تطبيقه داخليًا في قضايا مُحدَّدة، وهو ممكن.. كيف؟ ندعو مؤسسات متخصصة في الفكر والتدبير والتسيير العام دراسة هذا المقترح من مختلف جوانبه، وعلى يقين أنها ستكتشف إمكانية النجاح فيه.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الأحمر العُماني.. بطل العالم في سداسيات كرة القدم
حمد الناصري
في إنجاز عالمي وغير مسبوق حقق منتخبنا الأحمر العُماني لسداسيات كرة القدم لقبًا تاريخيًا عالميًا لأول مرة في بطولة كأس العالم لسداسيات كرة القدم "سوكا" كأول منتخب عربي، يحصل على كأس البطولة العالمية، متفوقًا في المباراة النهائية على نظيره الكازاخستاني، بطل النسخة الماضية، ليحقق فوزًا مشرفًا، وسط حضور كبير.
وكانت المباراة النهائية قوية وحاسمة تمكن منتخبنا في دقيقتها الـ28 من عمر الشوط الأول من تسجيل الهدف الأول عن طريق معتصم الشامسي، واكتفينا بالهدف طول الشوط الأول وصمد منتخبنا أمام هجمات المنافس الخطيرة، وكأننا اكتفينا بذلك الهدف وننتظر الوصول إلى ركلات الترجيح، الأصعب في المستطيل الأخضر.
وفي الشوط الثاني، تبادل الفريقان الهجمات واستعرت الضغوطات من مدربي الفريقين، حتى جاء هدف التعادل الصاعق لمنتخب كازاخستان في الدقيقة 38 من الشوط الثاني، وكأن لسان حاله يقول للاعبي الأحمر، فلنلجأ إلى ركلات الترجيح لعلها تكون أكثر إنصافًا وعدالة.
ومن قراءتي للحدث الرياضي المهيب، شعرت أن الفريقين كان لديهما حماسة الفوز والإثارة والندية، فقد تبادلا في شوطي المباراة هجمات شرسة، وفرص حاسمة ضائعة، وكنا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الحسم عن طريق محمود البلوشي لكن الكرة افتقدت إلى التركيز، فمرت بجوار مرمى كازاخستان بسلام وتنفس حارس مرمى كازاخستان الصعداء ليتفاجأ بتسديدة ذكية- أو كما يقولون "على الطائر"- بقدم المعتصم الشامسي سددها باتجاه عمق المرمى، لكن دفاع كازاخستان تصدى لها وأخرجها من فم المرمى ببسالة.
وحين أدار الحكم صفارة ركلات الحظ الترجيحية الحاسمة، أهدى حارس عريننا علي العوفي، انتصارًا باهرًا، بتصديه لثلاثية رهيبة اهتزت لها جدران الملعب، وتطاير لها عشب المستطيل الأخضر، فيما كانت قدم لاعب الأحمر المعتصم الشامسي تهدينا هدفين حاسمين كانا كافيين لتحقيق اللقب العالمي وهو أول لقب عالمي يحققه منتخب عربي في هذه اللعبة وأقيمت البطولة على أرضية ملعب "صُنَّاع الرياضة" بالجمعية العُمانية للسيارات. بمسقط، وجمعت بين الترفيه والتشويق، وكانت تجربة رياضية متكاملة بمشاركة 40 منتخبًا من مختلف دول العالم، وتصدر الأحمر كل مجموعات المنتخبات التي ضمتنا معه كـ أمريكا وإيطاليا وكندا وقطر وفي الدور النهائي أزاح إقصائيًا منتخب المجر وألبانيا ورومانيا.
سجلت البطولة حضورًا جماهيريا لافتًا ودعمًا إعلاميًا محليًا ودوليًا ومشاركة واسعة من القطاع الخاص ومتابعة من جماهيرنا العاشقة للرياضة وفعاليات مصاحبة رائعة.
وعبر نصر الوهيبي مدرب منتخبنا لسداسيات كرة القدم، عن فرحته وسعادته لإهداء هذا اللقب إلى وطننا الغالي وجماهيرنا الوفية؛ لأنها لحظة تاريخية ستظل خالدة في ذاكرة الرياضة العُمانية.
لم تكن المباراة النهائية ضد كازاخستان بطل النسخة الماضية مفروشة بالورود؛ حيث تحدث عنها مدرب الأحمر لسداسيات كرة القدم العالمية، قائلًا: "منتخب كازاخستان حامل لقب النسخة الماضية وبطل بطولة أوروبا، ومنتخب كازاخستان يُعد من الفرق القوية وله تاريخ عريق في البطولة ولكنا تمكنا من التفوق عليهم في مباراة صعبة ومثابرة، وخبرة وجهود لاعبينا صنعت الفارق".
خلاصة القول.. إن تتويج منتخبنا الأحمر العُماني بكأس البطولة ومنح لاعب منتخبنا الوطني المعتصم الشامسي بجائزة أفضل لاعب في البطولة، هو حصاد تألق وجهد كبير بذله كل اللاعبين في جميع مباريات البطولة وفي المباراة النهائية الحاسمة، وأداء مُميز ورائع ساهم بقوة في تحقيق اللقب العالمي.
رسالتي إلى الكابتن الرائع رشيد جابر أن يفكر بضم الشامسي إلى تشكيلة المنتخب الوطني ويستدعيه للمشاركة وليكون أحد الحلول لمشكلة العقم الهجومي وليكون عضدًا مُهمًا في تشكيلة منتخبنا الأحمر الأول لكرة القدم.. وأيضاً أرجو أن يركز اهتمامه على الحارس علي العوفي الذي له شرف المساهمة الكبرى في تحقيق هذا الانتصار العالمي المتميز.