جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-15@14:29:29 GMT

"وأنَّ الحرب آخرُها سلام"

تاريخ النشر: 19th, May 2024 GMT

'وأنَّ الحرب آخرُها سلام'

 

 

د. سليمان بن خليفة المعمري

يُقال إنَّ "الحياة مُصمَّمة بحيث لا يكون آدم لوحده"؛ لذلك لا بُد من وجود الآخر، ولابد من التفاعل مع هذا الآخر؛ فالإنسان "اجتماعي بطبعه"، ولا يمكنه العيش منعزلًا عن الناس، مُنكفئا على ذاته، بعيدا عن أحداث الحياة وتفاعلاتها؛ فالإنسان يخسر الكثير من الفضائل والميزات حينما يُوْصِد على نفسه الأبواب ويحشر نفسه في قالب من الجمود والانغلاق عن الآخر.

وقد نوَّه الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وأشاد بمن يعيش بين الناس ويتفاعل معهم، ويتلقى مختلف سلوكياتهم وأحوالهم بالقبول والتفهم والرِّضا، فعن عبدالله بن عمر، قال عليه الصلاة والسلام: "المؤمنُ الذي يُخَالِطُ الناسَ ويَصْبِرُ على أَذَاهُمْ، خيرٌ مِنَ الذي لا يُخَالِطُ الناسَ، ولا يَصْبِرُ على أَذَاهُمْ" (رواه ابن ماجه)، وقد أشارتْ الدراسات إلى أنَّ اعتزالَ الناس والاحتجاب عنهم مدعاة للاضطراب النفسي والاعتلال الصحي، وكم أصاب الكاتب القدير أحمد خالد توفيق حينما قال: "الحل الوحيد للمشاكل النفسية هو: لا تكن عاطلا.. لا تكن وحيدا"، لكل ذلك فإنه لابد من بناء علاقات اجتماعية راشدة مع الناس تَضْمَن الاستفادة القصوى والاستثمار الأفضل لعلاقاتنا معهم.

ولعلَّ من أهم أسس العلاقات الاجتماعية الناجحة هو العمل بمبدأ "أنا لست أنت"؛ فنسمح بمساحة من الاختلاف، ونتقبل وجود التنوع في الرؤى والممارسات والتوجهات الحياتية الفكرية والثقافية والسلوكية؛ إذ إنَّ ما تشهده البشرية في الواقع من تقدُّم وتطور حضاري، وما نلمحه في عالمنا من إبداع وجمال أخَّاذ في ثقافات وحضارات الأمم والشعوب، ما كان ليحدث لولا تعدُّد الأذواق وتباين الثقافات؛ فالاختلاف ثراء، والتنوع قوة، وصدق الله العظيم إذ يقول في محكم التنزيل: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ" (هود:118و119)؛ أي خلقهم للاختلاف؛ لذا فحتى تكون علاقتنا بالآخر متزنة راشدة، فإنه يجب ألا يؤدي الاختلاف إلى الخلاف والتنازع والضغينة والخصام، وليكن "الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية" شعارنا الذي لا نحيد عنه.

وإنَّ من أسس العلاقات الاجتماعية الراشدة أيضا: ألا ننسى ما حيينا معروفا قُدِّم إلينا وإحسانا أسداه الآخرون لنا، فنعبِّر لهم عن الشكر والامتنان، ونحفظ لهم عشرتهم الجميلة وصحبتهم الطويلة معنا، يقول الإمام الشافعي -رحمه الله: "الحر من راعى وداد لحظة، أو تمسك بمن أفاده لفظة"، فهذا السلوك مما تستدام به الصحبة والأخوة وتحفظ به العلاقة مع من نحب، إلا أنه وللأسف هناك من ينطبق عليهم ما قاله أحدهم: "إن بعض الأشخاص يصعدون درجات السلم، فما إن يصلوا أعلاه، حتى يزدروا هذه الدرجات التي صعدت بهم إلى القمة"، فتراهم يتنكرون لكل جميل وفضل قدمه الآخرون وينسبون ما حازوه من تقدم وإنجاز لذواتهم فقط دون إشارة أو ذكر للآخر، فما أقبحه من جحود، وما أسوأه من نكران جدير بأن يقوِّض كل علاقة وود مع الآخر.

ومن الركائز المهمة والقواعد المتينة في بناء العلاقات الاجتماعية: أن نجعل خطابنا وحديثنا مع الآخر يفيض بالحكمة والرصانة والعقلانية؛ فتكون كلماتنا مغلفة بالود، مكسوة باللطف، حتى تلقى القبول والترحاب من قبله؛ إذ إنَّ الكلمات هي أقوى العقاقير التي تستخدمها البشرية، وبإمكانها أن تكون دواءً وبلسما للجراح، أو أن تُخلِّف جروحا غائرة وشروخا وندوبا عميقة في العلاقات الاجتماعية والشخصية، وقد أوصانا البارئ جل شأنه بانتقاء أعذب الكلام وأحسنه، فقال عز من قائل: "وَقُل لِّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ كَانَ لِلْإِنسَنِ عَدُوًّا مُّبِينًا" (الإسراء:53)، فلننتقِ كلماتنا ولنختَر أطايب الحديث لتنفتح لنا قلوب وعقول الآخرين ونفوز بمودتهم ورضاهم، وحتى لا تصاب علاقاتنا بالجفاف وتخلو من الدفء الإنساني، فالواقع أنّ "من يجد الحب لا يرحل".

كما أن من قواعد العلاقات الاجتماعية الناجحة التغافل عن الزلات والبعد عن الضغائن والخصومات والمشاحنات، وفي الحديث الشريف: "تجافوا عن عثرات الكريم"، وقد صدق الشاعر حين قال:

نسيانك الجاني المسيء فضيلة

وخمود نار جدّ في إشعالها

فاربأ بنفسك والحياة قصيرة

أن تجعل الأضغان من أحمالها

وإنَّ التشفِّي من الآخرين حينما يُخطؤون في حقنا هو "طرف من العجز"، والأجدر بنا أن نقدر الضعف البشري، وأن نلتمس العذر لمن قصر في حقنا، وعلى رأي المفكر الفرنسي أندريه مالرو: "الإنسان هو ما يفعله وليس ما يفعله به الآخرون"، والحق أنَّ الجميع خاسر في معارك الحياة الهامشية، وقد صدق من قال: "إنَّ المنتصر في المعركة ليس رابحا، لكنه أقل هزيمة من خصمه".

وختامًا.. لنتذكَّر على الدوام أنَّ الإنسان ما هو إلا ذكرى طيبة وسيرة حسنة، فهناك من رحل عن دنيانا وترك ميراثا من السيرة الطيبة وسجلا حافلا من الذكريات الجميلة والعكس، وقد كان من دعاء أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام: "وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ" (الشعراء:84)، وأنه حتى يعيش الإنسان في سلام نفسي وهناء وراحة بال وألا يكتوي بنيران الخصومة والشقاق، فعليه أن يحافظ على علاقة اجتماعية ناضجة مع الآخر، وأن يجعل نُصب عينه الوعد الرباني الكريم: "عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ۚ وَٱللَّهُ قَدِيرٌ ۚ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"(الممتحنة:7)، وكم أصاب شاعر الطلاسم إيليا أبو ماضي حين قال: "وأن الحرب آخرها سلام".

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ستارمر: الحل الوحيد لإنهاء الحرب في أوكرانيا هو سلام عادل يصون سيادة البلاد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، أنّ الحل الوحيد لإنهاء الحرب في أوكرانيا هو سلام عادل يصون سيادة البلاد، حسبما أفادت قناة "القاهرة الإخبارية"، في خبر عاجل.

وأوضح، أن رسالته للشعب الأوكراني أننا سنكون إلى جانبه على مدى السنوات الـ100 القادمة، مواصلا: "يجب علينا مواصلة تقديم المساعدات العسكرية لأوكرانيا وزيادة الضغط الاقتصادي على روسيا".

وواصل: "على روسيا أن توقف هجماتها نهائيا على أوكرانيا وأن تظهر استعدادها لوقف إطلاق النار، وسنواصل تعزيز قدرات أوكرانيا حتى تصبح قوية بما يكفي لردع أي هجوم مستقبلي".

وأكد اتفقنا على قرض جديد لأوكرانيا بقيمة 2.2 مليار جنيه مدعوما بأرباح الأصول الروسية المجمدة.

مقالات مشابهة

  • قسم الغاز في معمل “سادكوب” بانياس يستأنف عمله بعد التوقف الذي نتج عن هجمات فلول النظام البائد.
  • كاتب إسرائيلي: دعهم ينتصرون.. الفلسطينيون لن يذهبوا إلى أي مكان وانتصار إسرائيل الكامل وهم خطير
  • ستارمر: الحل الوحيد لإنهاء الحرب في أوكرانيا هو سلام عادل يصون سيادة البلاد
  • كاتب من تل أبيب: انتصار إسرائيل «وهم خطير» والفلسطينيون باقون بأرضهم
  • متى يبدأ الحساب بعد الموت أم يوم القيامة؟.. علي جمعة يوضح الحقيقة
  • لماذا يخاف الناس من الموت؟.. رد مفاجئ من علي جمعة
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. أنا السجّان الذي عذّبك
  • سلام: لا مشروع يعلو على الإصلاح واستعادة قرار الحرب والسلم
  • «عالم أزهري»: النبي كان يحب الفأل الحسن وينهى عن التشاؤم
  • قصة عيون سلام