مع تراجع عزلتها الدولية.. هل إريتريا على أعتاب إصلاح سياسي؟
تاريخ النشر: 19th, May 2024 GMT
مع دخول شهر مايو/أيار من كل عام، يرتفع منسوب التكهنات في أوساط الإريتريين بقرب احتمال حدوث تغييرات أو إصلاحات في الحياة السياسية في بلادهم التي تعاني حالة من الجمود منذ قرابة 3 عقود من الزمان.
ولم يكن هذا العام استثناء، إذ تصاعدت التوقعات مع إشارة مسؤول سابق في الحزب الحاكم في إريتريا إلى "مفاجأة" محتملة تترافق مع الاحتفالات بإحياء ذكرى الاستقلال يوم 24 مايو/أيار، وتشمل مفاعليها جوانب مختلفة بدءا من الدستور وانتهاء بتصعيد وجوه جديدة.
توصف إريتريا في الأدبيات السياسية والحقوقية بأنها كوريا الشمالية الأفريقية، تعبيرا عن تعدد أوجه التشابه بين نظامي الحكم في البلدين على عديد من الصعد.
فمنذ نيل استقلالها عن إثيوبيا مايو/أيار 1993، تعيش البلاد حكم الحزب الواحد (الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة) مع عدم السماح بنشاط أي حزب آخر داخل البلاد، كما يتم اعتقال المعارضين، بمن فيهم قيادات سابقة في الحزب الحاكم، في حين يحكم رجل أسمرا القوي أسياس أفورقي بلاده منذ الاستقلال من دون عقد أي انتخابات رئاسية.
هذه الانتخابات تمثل جزءا من استحقاقات عدة تم تأجيلها "إلى أجل غير مسمى" وفق تعبير مؤسسة فريدوم هاوس الحقوقية، منذ اندلاع حرب 1998-2000 الحدودية مع إثيوبيا، التي شكلت نقطة فاصلة في تاريخ الدولة الوليدة.
ظلت الحرب وما تلاها من تداعيات الذريعة الرئيسية لتجميد العمل بالدستور الذي تمت المصادقة عليه عام 1997، في حين لم تتم الدعوة لتشكيل جمعية وطنية منتخبة تختار الرئيس من بين أعضائها، ولم يجتمع المجلس الوطني منذ عام 2002.
وبينما تصنف المؤسسات الحقوقية إريتريا ضمن أسوأ منتهكي حقوق الإنسان في العالم، لم يكن الوضع الاقتصادي أفضل حالا، حيث يتكرر وجود إريتريا ضمن تصنيف أقل البلدان نموا في الوثائق الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد).
أفورقي (يسار) وآبي أحمد وقعا اتفاقية سلام عام 2018 إثر زيارة الرئيس الإريتري إلى أديس أبابا (رويترز) تغيير محتملويرى القيادي السابق في الحزب الحاكم والمعارض الحالي أحمد القيسي أن النظام الإريتري واقع في أزمة تتمثل في عدم القدرة على الاستمرارية على النهج القديم ذاته، بالنظر إلى المتغيرات الكبيرة في المنطقة، وإلى التذمر الذي بدأ يُشاهد وسط كوادر النظام الداعية إلى التجديد.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى القيسي أن معلوماته تؤكد الاستعدادات لإجراء نوع من التغيير يعيد إنتاج النظام بحلة جديدة، بما يسمح بالتكيف مع الوضع الجديد وخلط الأوراق على الجميع، خاصة المعارضة التي تعاني الهشاشة والضعف، وفق تعبيره.
ويلخص القيسي، الذي شغل منصبا وزاريا في تسعينيات القرن الماضي، الإجراءات المتوقعة بإعداد دستور يتماشى مع ما يريده النظام وليس استجابة لمطالب سياسية تتعاطى مع حقائق الواقع السياسي والاجتماعي في المجتمع.
بجانب ذلك، يتوقع المعارض الإريتري عقد مؤتمر للحزب الحاكم ووضعه كقوة سياسية تشكل امتدادا للتراث النضالي للجبهة الشعبية إبان الكفاح المسلح، والاعتماد على قواعد اجتماعية تم إعدادها طوال الفترة السابقة من الجيش والقطاع المدني باعتبارها تمثل قاعدة الحزب.
وشهد عام 1994 عقد المؤتمر العام الثالث للجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، الذي أعلن فيه تحويل الجبهة من تنظيم عسكري استطاع انتزاع استقلال البلاد من إثيوبيا إلى حزب سياسي، كما تم تغيير اسمه إلى الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة، ومنذ ذلك الحين لم يتم عقد أي مؤتمر جديد للحزب.
خطوات مطلوبة
وفي حدث استقطب اهتماما عالميا، تم توقيع اتفاقية سلام إريترية إثيوبية صيف 2018 إبان وصول رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي آبي أحمد إلى السلطة وموجة التفاؤل التي رافقت سياساته الانفتاحية والإصلاحية في الداخل وعلى مستوى الإقليم.
أنهى هذا الاتفاق نظريا حالة اللاحرب واللاسلم بين البلدين التي امتدت منذ عام 2000 مع صمت البنادق على الجبهات والانتقال إلى نوع آخر من المواجهة عبر حرب الوكالة، مما مثّل العائق الدائم أمام أي إصلاح في إريتريا نتيجة المخاوف التي أعلنها النظام من استهداف مباشر لسيادة البلاد واستقلالها.
وفي هذا الإطار، يرى المحلل السياسي الإريتري سليمان آدم حسين أن المرحلة الحالية تتطلب حدوث إصلاحات، عازيا ذلك إلى عدة أسباب، من أبرزها أن المهددات الخارجية التي كان لها دور كبير في الوضع الاستثنائي الذي شهدته البلاد لم تعد كما كانت عليه طيلة العقدين الماضيين، مشيرا إلى تفكك العزلة الدولية التي عانت منها إريتريا وإلى ازدياد دورها الإقليمي وبنائها علاقات مع قوى مهمة دولية وإقليمية.
أما أهم بنود الإصلاح، وفقا لتصريح حسين للجزيرة نت، فتتمثل في قيام الحكومة ببعض الخطوات التي تفسح المجال أمام دخول البلاد إلى وضع دستوري طبيعي كما نص عليه برنامج المرحلة الانتقالية المجمد.
وأضاف أن هناك حاجة إلى إصلاح مؤسسات الدولة والقوانين المعمول بها، ما من شأنه تمكين البلاد من الاستفادة من الفرص التي تتيحها الشراكات الجديدة مع عدد من الدول المهمة، مثل الصين وروسيا وإيطاليا ودول الشرق الأوسط، وحتى الولايات المتحدة التي كانت المهندس الرئيسي للعقوبات على إريتريا بدأت تعبر عن نيتها في تغيير سياساتها تجاه إريتريا وخلق علاقة طبيعية معها.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أصدرت واشنطن الوثيقة الإستراتيجية القُطريّة الخاصة بإريتريا التي حملت توجهات إيجابية تجاه أسمرا، بعد أن اتسمت العلاقة بين الطرفين بالعداء المستمر لقرابة عقدين من الزمان، إذ كرر الرئيس الإريتري أسياس أفورقي اتهاماته باستهداف بلاده من قبل واشنطن، في حين تعتبر واشنطن أسمرا عامل عدم استقرار في منطقة القرن الأفريقي.
معوقات التغيير
من جانبه، يبدو الباحث السياسي الإريتري عبد الرازق كرار أقل تفاؤلا في ما يخص حدوث تغييرات في بلاده. ففي تصريحه للجزيرة نت، يعزو كرار هذه الرؤية إلى أن الأنظمة الشمولية لا تقوم بالإصلاحات من تلقاء نفسها.
وأوضح أن ذلك يحدث تحت ضغط عامل ذاتي مرتبط بالخوف من المفاجآت الناتجة عن جمود الوضع السياسي، أو عامل خارجي يتمثل في وجود معارضة نشطة وفاعلة قادرة على الضغط على المستويات كافة، أو وجود ضغط دولي خارجي قادر على التأثير، وهذه العوامل كلها منتفية في الحالة الإريترية.
وتتكون المعارضة الإريترية العاملة خارج البلاد من مجموعة كبيرة من التنظيمات المتفاوتة في الحجم، لكنها تعاني التشتت والانقسامات المستمرة مما يفقدها كثيرا من الفاعلية والقدرة على التأثير، في حين أدت العزلة التي عاشتها البلاد لفترة طويلة ورفض أسمرا تلقي المنح والمساعدات إلى تضاؤل قدرة القوى الخارجية على استخدام أدوات الضغط على النظام الحاكم، من عقوبات وغيرها.
ووفقا لهذه المعطيات، يستبعد كرار حدوث إصلاحات في بلاده، مشيرا إلى أن الإجراء الوحيد الذي قد تتخذه السلطات الإريترية سيكون مرتبطا بتقدم الرئيس أسياس أفورقي في العمر (79 عاما)، من خلال التمهيد لترتيبات التوريث التي تحفظ استمرارية النظام حتى لو اختفى رأس هرم السلطة الحالي من مسرح الأحداث.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات فی حین
إقرأ أيضاً:
وزير الصحة: مواكبة أحدث التقنيات لضمان سلامة الدم وجودته لتعزيز كفاءة النظام الصحي في البلاد
أكد وزير الصحة الدكتور أحمد العوضي الحرص على مواكبة أحدث التقنيات العالمية لضمان سلامة الدم وجودته باستخدام تقنيات متطورة للكشف عن الفيروسات والميكروبات وتطبيق تقنيات الربط الإلكتروني بين المستشفيات وإدارة خدمات نقل الدم لتوفير استجابة سريعة ودقيقة لاحتياجات الطوارئ وتعزيز كفاءة النظام الصحي في البلاد.
وقال الوزير العوضي في كلمته الافتتاحية للمؤتمر الخامس لإدارة خدمات نقل الدم (المستجدات في نقل الدم) اليوم الاثنين إن المؤتمر يعتبر منصة رائدة لمناقشة أحدث التطورات والسياسات في هذا المجال الحيوي وفرصة استثنائية لتبادل المعرفة والخبرات وتسليط الضوء على الابتكارات الطبية التي تحدث نقلة نوعية في ممارسات نقل الدم ما يسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية وإنقاذ الأرواح.
وأكد أهمية خدمات نقل الدم باعتبارها عنصرا حيويا وشريان الحياة في العديد من الحالات الطبية الحرجة وهي “العمود الفقري” للعلاج في حالات الطوارئ والجراحات الكبرى وعلاج أمراض الدم وعلاجات السرطان ومضاعفات الولادة والعديد من الحالات الصحية الأخرى.
ولفت إلى حرص إدارة خدمات نقل الدم على تأمين إمدادات آمنة ومستدامة للدم وفق أعلى المعايير العالمية مما يعزز جودة وسلامة خدمات نقل الدم على المستويين المحلي والدولي علاوة على تطوير عمليات الفحص والتدقيق الصارمة لضمان سلامة الدم وتقليل مخاطر انتقال الأمراض المعدية مثل فيروس نقص المناعة البشري والتهاب الكبد الوبائي.
وذكر أن عمليات التبرع بالدم تخضع لإجراءات اختبار دقيقة وفق أحدث التقنيات ترسيخا لثقة المجتمع في نظام نقل الدم وضمان السلامة للجميع مبينا أن الوزارة اعتمدت تقنيات التبريد المتطورة وحلول الحفظ الحديثة والتخزين ما يسهم في إطالة العمر الافتراضي لمنتجات الدم وضمان استقرارها وجودتها حتى عند نقلها لمسافات طويلة.
وأوضح الوزير العوضي أنه في إطار تعزيز كفاءة استخدام مكونات الدم “تمكنا من فصل الدم إلى مكوناته المختلفة مثل خلايا الدم الحمراء والبلازما والصفائح الدموية وعوامل التخثر مما يتيح استخدام كل مكون لعلاج حالات طبية متنوعة” مؤكدا أن هذا التطور يسهم في زيادة فعالية العلاج وتوفير خيارات أوسع لتلبية احتياجات المرضى.
وأشاد بالجهود الكبيرة في تنظيم حملات التبرع بالدم مما أسهم في تعزيز ثقافة التبرع لتصبح جزءا لا يتجزأ من الوعي المجتمعي وتأمين مخزون استراتيجي من الدم “الذي يعد ركيزة أساسية في نظامنا الصحي”.
من جهتها قالت مدير إدارة خدمات نقل الدم في الوزارة الدكتورة ريم الرضوان في كلمة مماثلة إن المؤتمر الذي يستمر يومين يعتبر خطوة فارقة في مسيرة تطوير مجال نقل الدم ويشكل حجر الزاوية في الطب الحديث لتأثيره الكبير في إنقاذ الأرواح وتحسين صحة المجتمعات.
وأوضحت الرضوان أن المؤتمر يناقش أبرز المستجدات في علم نقل الدم إذ يتضمن 14 محاضرة علمية وورشات عمل يشارك فيها 16 خبيرا دوليا من أربع دول مختلفة لمناقشة محاور حول الحلول المبتكرة التي تتماشى مع متطلبات العصر باستخدام نظم المعلومات كذلك ما يتعلق بأمراض الدم والمناعة وتحديات إدارة وتدوير مخزون الدم وتوفير إمدادات الدم خلال الأزمات والكوارث وعرض خبرات نقل الدم للمرضى ببعض الظروف الإكلينيكية الخاصة.
وذكرت أن إدارة خدمات نقل الدم حققت إنجازات عديدة منذ بداية العام الحالي منها تجميع نحو 80 ألف كيس دم وإنتاج أكثر من 190 ألف منتج من مكونات الدم المختلفة بما في ذلك صفائح الدم وبلازما الدم وتوفير 140 ألف وحدة من الدم لتغطية كل احتياجات المستشفيات وتلبية الحاجة الإكلينيكية لمرضى السرطان ومرضى الثلاسيميا وضحايا الحوادث وحالات النزيف.
وأكدت الحرص على تطبيق أحدث البروتوكولات العالمية في مختبراتنا المتطورة والموزعة في مختلف أنحاء البلاد لضمان نقل الدم بأعلى درجات الأمان “ليبقى الدم مصدرا للأمل والعلاج في مواجهة التحديات الصحية التي قد يواجهها أي فرد في المجتمع”.
ولفتت إلى حصول المختبرات بمركز الشيخة سلوى الصباح للخلايا الجذعية والحبل السري على الاعتماد الدولي للفحص الجزيئي من جمعية النهوض بالدم والعلاجات الحيوية (AABB) لتكون بذلك أول مؤسسة على مستوى العالم العربي والثانية عالميا خارج الولايات المتحدة الأمريكية تحصل على هذا الاعتماد الرفيع.
وأشارت إلى حصول بنك الدم المركزي على تجديد الاعتراف الدولي من الاعتماد الدولي للفحص الجزيئي من جمعية النهوض بالدم والعلاجات الحيوية (AABB) مضيفة أن “هذا الإنجاز البارز يجسد الالتزام الثابت بتقديم أعلى معايير الجودة والسلامة في مجال نقل الدم”.
وبينت أن إدارة خدمات نقل الدم تعمل على تعزيز ثقافة التبرع والتطوع في المجتمع عبر تنظيم 248 حملة تبرع حتى الآن بمشاركة العديد من الجهات الحكومية والأفراد والمؤسسات والشركات والجاليات لتسهم في إنقاذ الأرواح حيث تم جمع 15800 كيس دم وهو رقم غير مسبوق يعكس التضامن الكبير في سبيل تحقيق الهدف السامي “إنقاذ حياة الإنسان”.
المصدر كونا الوسومبنك الدم وزارة الصحة