يحدث الذكاء الاصطناعي تحوّلاً تدريجياً في حياة الناس اليومية، إذ يُسهّل المهام البسيطة أو المعقدة، لكنّ الأحكام البشرية المسبقة تكثر في الكمّ الكبير من المعلومات التي يقوم عليها، مما ينذر بانتقال عدوى التمييز إلى العقل الآلي، فهل يمكن جعلُه محايداً؟

 في رأي الخبراء الذين تحدثوا لوكالة فرانس برس فإن هذا الأمر غير ممكن في الوقت الراهن، ملخصّين وجهة نظرهم بأن "الخميرة لا يمكن أن تُزال من قالب الحلوى بعد خَبزِه".

وهذا الاستنتاج يصحّ خصوصاً على الذكاء الاصطناعي التوليدي، إذ أن برامجه تنهل معلوماتها من الإنترنت، فتتغذى من المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي ومقاطع الفيديو، وسوى ذلك، لتُنتِج في المقابل كل أنواع المحتوى، على الطلب.

إلاّ أن الانطباع الذي تتركه قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي قد يكون خادعاً، إذ أن برامجه على غرار "تشات جي بي تي" تبقى مجرّد آلات قائمة على منطق الرياضيات، تتنبأ بالكلمات أو وحدات البكسل الأكثر احتمالاً واحدة تلو الأخرى.

وقال مدير المنتجات في شركة "المبيك" الناشئة للذكاء الاصطناعي جايدن زيغلر إن النماذج اللغوية لبرامج الذكاء الاصطناعي التوليدي "لا تُدرك ما تعرفه، أو لماذا تعرفه". وشرح أنها "لا تستطيع تمييز ما هو متحيز أم لا، وما يتسم بالشمول أم لا، لذلك لا يمكنها فعل أي شيء حيال ذلك".

وفي غياب الإعدادات الإضافية، إذا طلب المستخدم صورة لمدير شركة، يحصل على صور لرجال بيض أربعينيين يرتدون بدلات.

ولاحظ جوشوا ويفر الذي يدير منظمات غير حكومية في تكساس تُعنى بحقوق الإنسان في القضاء أن "هذه النماذج بمثابة مرايا لتاريخ البشر وثقافتهم". وأكّد أنها "لن تتوصل إلى نتائج تختلف جوهرياً عن المعلومات المخزّنة".

"المُرشِّح الاجتماعي"

ورأى هذا المحامي أن الخطر يتمثل في انتقال أحكام البشر المسبقة إلى برامج الذكاء الاصطناعي "الذي يعزز بدوره أفكارهم المسبقة"، واصفاً هذا الوضع بـ"حلقة جهنمية".

وتبدو الحلول التكنولوجية لهذا الخطر محدودة، إذ أن إعادة التدريب الكاملة لبرامج الذكاء الاصطناعي التوليدي التأسيسية وتلقينها بيانات غير متحيزة ستستغرق وقتاً طويلاً، وترتّب تكلفة باهظة، ولا توجد أصلاً مجموعة محددة من المعلومات "المحايدة".

من هذا المنطلق، تحاول الشركات "مواءمة" نماذج الذكاء الاصطناعي مع القيم المنشودة، من خلال فرض القواعد عليها. وبالتالي، توقفت معظم برامج الدردشة الآلية عن التعبير عن المشاعر التي لا تتمتع بها، واصبحت تنتج نتائج أكثر تنوعاً.

وقال المؤسِس المشارك لشركة "ألمبيك" توماس بويغ "نضع لهذه النماذج مُرشِّحات اجتماعية" فتصبح أشبه "بالأشخاص ذوي الآراء الحادّة الذين تعلموا ألا يجاهروا بما يفكرون فيه".

ولكن تبيّن في فبراير الفائت أن ثغرات ونقاط ضعف تشوب طريقة "الفلاتر"، عندما استجاب برنامج الذكاء الاصطناعي التوليدي "جيميناي" (من "غوغل") طلبات لإدراج رجل أسود وامرأة آسيوية ضمن صور عن جنود ألمان من الحرب العالمية الثانية.

وتحت ضغط المنافسة، تستعجل شركات التكنولوجيا العملاقة ابتكار أدوات مساعدة قائمة على الذكاء الاصطناعي وتوفيرها للمستخدمين بسرعة كبيرة.

ولاحظت الباحثة في منصة الذكاء الاصطناعي التعاونية "هاغينغ فايس"، ساشا لوتشيوني، إن هذه الشركات ترغب كثيراً في أن تكون قادرة على مَحو ما تعلمته النماذج اللغوية آلياً.

لكنها اعتبرت أن "السعي إلى أيجاد حل تكنولوجي هو خيار في الاتجاه الخاطئ".

"علاج"

وشدّد جوشوا ويفر على أن الأكثر إلحاحاً هو تثقيف البشر في شأن هذه الأدوات الجديدة، وهي آلات توحي أن لديها وعياً. وتمنى لو يتوافر "القليل من الفطرة السليمة".

ونصح بالحرص على التنوّع في فرق المهندسين المسؤولين عن هذه البرامج، إذ غالباً ما يكون أعضاؤها شديدي التجانس، من الشباب المنتمين إلى خلفيات متشابهة، وليس بينهم الكثير من وجهات النظر المختلفة".

ومع أن "تشات جي بي تي" أظهر خلال أحدث عرض توضيحي للشركة التي صممته "أوبن إيه آي" قدرة على "قراءة" مشاعر مستخدميه على وجوههم، يبقى السؤال هل سيكون في وسعه تفسير تعابير وجوه الأشخاص المنتمين إلى كل الثقافات بشكل صحيح؟

إلاّ أن الخبراء ذكّروا بأن الذكاء الاصطناعي التوليدي لا يزال في مراحله الأولى. وتستكشف شركات ناشئة عدة طرقاً مختلفة.

فشركة "بينيكون" مثلاً تخصصت في "التوليد المعزز بالاسترداد" أو ما يُعرف اختصاراً بـ"راغ" RAG، وهو عبارة عن إنشاء قواعد بيانات موثوق بها ومضبوطة بصرامة، تغرف منها أداة المساعدة القائمة على الذكاء الاصطناعي العناصر.

وأعطى كبير مسؤولي التكنولوجيا في الشركة، رام سريهارشا، مثالا تطبيقاً في إحدى شركات المحاماة: "أداة المساعدة القائمة على الذكاء الاصطناعي - نموذج اللغة - خبيرة في اللغة الإنكليزية، وليس في القانون. فلنتخيل لو كان يستطيع الوصول إلى محامٍ يعرف كل الملفات. سيتمكن في هذه الحالة من الإجابة عن أي سؤال قانوني!".

على المدى البعيد، يأمل المهندسون في أن يتيحوا للآلات القدرة على أن تقدّر عواقب سلوكها.

وقال جايدن زيغلر "في الوقت الراهن، هي مجرّد صناديق سوداء لا يمكن فهمها (...) ولكن ربما يمكننا في المستقبل تصميم مستوى أعلى يستطيع فيه النموذج فرز المعلومات الجيدة من تلك السيئة، مع نظام مكافآت".

 وقال توماس بويغ مازحاً "باختصار، ستتمكن نماذج الذكاء الاصطناعي من الخضوع للعلاج".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی التولیدی على الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يقود ثورة في الأسواق.. فرص استثمارية واعدة بمبلغ 200 دولار

 يهيمن اتجاه واحد على السوق منذ أكثر من عامين  الذكاء الاصطناعي (AI)، حيث أضافت الشركات مجتمعة تريليونات الدولارات إلى قيمتها السوقية بفضل الإنفاق الهائل على الذكاء الاصطناعي وحماس المستثمرين لإمكاناته.

 وعلى الرغم من الارتفاع الكبير الذي تشهده السوق حاليًا، فقد يكون هناك المزيد من الإنفاق على الذكاء الاصطناعي في المستقبل.

تتوقع شركة الأبحاث IDC أن تنفق الشركات 307 مليارات دولار على حلول الذكاء الاصطناعي هذا العام، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم إلى أكثر من 632 مليار دولار بحلول عام 2028.

 بالطبع، لن تكون كل شركة فائزة من كل هذا الإنفاق على الذكاء الاصطناعي. وحتى لو كانت الشركة لديها آفاق عظيمة، يجب أن يقدم سهمها قيمة جذابة، وهو أمر يزداد صعوبة وسط ارتفاع الأسهم.

لكن المستثمرين الذين لديهم 200 دولار فقط يمكنهم العثور على فرص رائعة بين أسهم الذكاء الاصطناعي في السوق اليوم. إليك ثلاثة خيارات استثمارية مضمونة في الوقت الحالي.

1. ألفابيت (Alphabet)

ألفابيت (GOOG -1.82%) (GOOGL -1.78%) هي الشركة الأم لجوجل، وتخطط لإنفاق مبلغ ضخم على بناء البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في عام 2025. تتوقع الإدارة إنفاق 75 مليار دولار على النفقات الرأسمالية هذا العام، بشكل أساسي للخوادم.

يشير ذلك إلى الفرصة التي تراها الإدارة في الذكاء الاصطناعي، وهي تظهر بالفعل علامات قوية على الاستفادة من هذه الفرصة. بدأت الشركة في دمج الردود التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي على استعلامات البحث في عام 2023. 

بحلول نهاية عام 2024، كانت هذه "نظرات عامة على الذكاء الاصطناعي" متاحة في 100 دولة وتدفع إلى زيادة الرضا والمشاركة مقارنة بنتائج البحث التقليدية.

 والأهم من ذلك، أن جوجل لا تستنزف أعمالها الإعلانية. قال نائب الرئيس الأول لجوجل فيليب شيندلر في مكالمة أرباح الربع الرابع لألفابيت: "نرى بالفعل تحقيق الدخل بنفس المعدل تقريبًا".

الذكاء الاصطناعي يقف أيضًا وراء التطورات في منتجات مثل Google Lens وميزة "دائرة البحث" على أجهزة أندرويد. يتمتع الذكاء الاصطناعي التوليدي بالقدرة على تحسين أعمال جوجل الإعلانية، مما يسهل على المسوقين تطوير إعلانات إبداعية جديدة واختبار الحملات الإعلانية.

كانت Google Cloud مستفيدًا كبيرًا من زيادة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي من الشركات الأخرى.

 نما إيراداتها بنسبة 30% العام الماضي بينما توسع هامش التشغيل إلى 14%. قد تشهد نموًا كبيرًا في السنوات القادمة حيث أشارت الإدارة إلى أنها لا تزال مقيدة بالقدرة التخزينية وأن منافسيها يتمتعون بهوامش تشغيل أعلى.

بينما تنفق ألفابيت بكثافة على الذكاء الاصطناعي، فإنها ترى عوائد قوية على استثماراتها. نما ربحية السهم بنسبة 39% العام الماضي ويتوقع المحللون نموًا إضافيًا بنسبة 12% هذا العام. 

ومع ذلك، يتم تداول الأسهم مقابل 170 دولارًا فقط في وقت كتابة هذا التقرير، أي أقل من 19 ضعفًا لتوقعات أرباح المحللين لعام 2025. هذا صفقة رائعة للمستثمرين وتستحق مبلغ 200 دولار.

سامسونج تطلق Galaxy A56 مع دعم ميزات الذكاء الاصطناعيسوفت بنك يضاعف رهانه على الذكاء الاصطناعي باستثمارات ضخمة وسط سباق عالميثورة الذكاء الاصطناعي في الصين.. DeepSeek يثير جدلا في القطاع الطبيAlexa+.. قفزة نوعية في الذكاء الاصطناعي.. أبرز ميزات المساعد الذكي الجديد من أمازون

2. أبلايد ماتيريالز (Applied Materials)

يتطلب إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة الكثير من المعدات المتخصصة، وإحدى أكبر الشركات المصنعة للمعدات في العالم هي أبلايد ماتيريالز (AMAT -3.18%).

 على عكس معظم الشركات المصنعة لمعدات أشباه الموصلات الأخرى، تمتلك أبلايد مجموعة واسعة من المعدات التي يمكن أن تخدم مجموعة من العملاء.

مع توسع إنتاج الرقائق وزيادة تعقيده، سيستمر الطلب على منتجات أبلايد في النمو. وهناك عاملان يضمنان أن أبلايد ستفوز بمعظم العقود الجديدة مع مصانع الرقائق.

أولاً، تستفيد من دورة حميدة، حيث تنفق مصانع الرقائق أموالًا أكثر مع أبلايد مقارنة بأي شركة مصنعة للمعدات الأخرى، مما يمنح الشركة المزيد للاستثمار في البحث والتطوير. 

أنفقت 3.2 مليار دولار على البحث والتطوير لإنشاء معدات أكثر تقدمًا في عام 2024 قادرة على إنتاج رقائق متطورة وخفض معدلات الخطأ في هذا الإنتاج. هذه الميزانية تفوق منافسيها تمامًا، مما يضمن قدرتها على الاستمرار في تقديم معدات أفضل من أي شخص آخر في السوق لسنوات قادمة.

ثانيًا، لا تستطيع مصانع الرقائق تحمل وقت التوقف المطلوب لتبديل مزودي المعدات. بالإضافة إلى ذلك، هناك خطر من أن المعدات الأخرى لن تكون قادرة على مواكبة التطورات في التكنولوجيا، وهو خطر غير ضروري لأي مدير. بمعنى آخر، تكاليف التبديل للابتعاد عن معدات أبلايد مرتفعة للغاية.

تدير أبلايد أيضًا أعمال خدمات ذات هامش ربح مرتفع لضمان تشغيل معداتها كما هو متوقع. من المتوقع أن ينمو هذا العمل بسرعة مع زيادة تعقيد تصنيع الرقائق وزيادة مصانع الرقائق لإنتاج رقائق الجيل التالي.

مع تداول السهم مقابل 158 دولارًا فقط في وقت كتابة هذا التقرير، يبدو وكأنه صفقة رائعة لأي شخص يتطلع إلى البدء في الاستثمار في أسهم الذكاء الاصطناعي بمبلغ 200 دولار فقط. 

يترجم سعر السهم هذا إلى نسبة السعر إلى الأرباح الآجلة حوالي 17 ومضاعف قيمة المؤسسة إلى المبيعات أقل من 5. بأي طريقة تنظر إليها، فهي قيمة رائعة لشركة تتمتع بالموقع التنافسي لشركة أبلايد ماتيريالز.

3. أدفانسد مايكرو ديفايسز (Advanced Micro Devices)

غالبًا ما يُنظر إلى أدفانسد مايكرو ديفايسز (AMD -1.52%) على أنها تلعب الدور الثاني لشركة إنفيديا (NVDA -8.34%) عندما يتعلق الأمر بصنع وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) بالغة الأهمية لخوادم الذكاء الاصطناعي. 

في الواقع، خيبت AMD آمال المستثمرين عندما توقعت انخفاضًا متتاليًا بنسبة 7% في الإيرادات للربع الأول من عام 2025، وأكدت أن أعمال مركز البيانات الخاص بها ستشهد انخفاضًا مماثلاً.

 بالمقارنة، تتوقع إنفيديا زيادة متتالية بنسبة 9% في الإيرادات في الربع المماثل.

ومع ذلك، قد يقلل المستثمرون من قيمة أعمال وحدات معالجة الرسوميات الخاصة بـ AMD جنبًا إلى جنب مع تقدمها في الحصول على حصة سوقية في سوق وحدات المعالجة المركزية x86 لكل من الخوادم وأجهزة الكمبيوتر الاستهلاكية.

 بينما تتمتع إنفيديا بميزة كبيرة على AMD بفضل برنامج CUDA الخاص بها والأجهزة المتقدمة، توفر AMD مصدرًا مهمًا لمراكز البيانات الضخمة كمصدر ثانوي لقوة الحوسبة.

تتوقع الإدارة أن يصل إجمالي السوق القابل للتناول لرقائق مسرعات الذكاء الاصطناعي إلى أكثر من 500 مليار دولار في عام 2028. حتى حصة صغيرة من هذا السوق ستكون ضخمة بالنسبة لـ AMD، التي حققت 12.6 مليار دولار من الإيرادات من قطاع مركز البيانات الخاص بها العام الماضي.

والأهم من ذلك، أن AMD لديها الكثير من الإمكانات لزيادة هوامشها في الوقت الحالي. فقد رفعت هامشها الإجمالي من 45% إلى 53% في عام 2024. 

وبينما قد لا تتمتع بقوة التسعير التي تتمتع بها إنفيديا، يجب أن تستفيد من توسيع نطاق عملياتها. 

يجب أن يؤدي ذلك إلى توسع هامش التشغيل بشكل كبير على مدى السنوات القليلة المقبلة نحو هدف الإدارة طويل الأجل في منتصف الثلاثينيات من 24% العام الماضي.

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يقود ثورة في الأسواق.. فرص استثمارية واعدة بمبلغ 200 دولار
  • حَوكمة الذكاء الاصطناعي: بين الابتكار والمسؤولية
  • الجزائر في طليعة تبني الذكاء الاصطناعي في إفريقيا
  • سامسونج تطلق Galaxy A56 مع دعم ميزات الذكاء الاصطناعي
  • سباق الذكاء الاصطناعي.. كيف يعيد التقطير رسم ملامح المنافسة بين عمالقة التكنولوجيا؟
  • محادثة «ذكاء اصطناعي» تثير ضجّة داخل إسرائيل.. ماعلاقة «السينوار»؟
  • ميتا تستعد لإطلاق تطبيق للذكاء الاصطناعي التوليدي
  • يدعم مميزات الذكاء الاصطناعي.. مواصفات وسعر هاتف iPhone 16e الاقتصادي
  • الذكاء الاصطناعي يتسبب بإلغاء 4 آلاف وظيفة بأكبر بنك في سنغافورة
  • الذكاء الاصطناعي يجيب على أصعب سؤال في رمضان