هل اقتربت أميركا والصين من الانفصال اقتصاديا؟
تاريخ النشر: 19th, May 2024 GMT
اتّهمت الصين الرئيس الأميركي جو بايدن بالتراجع عن تعهده "بعدم السعي للانفصال عن الصين"، وذلك بعد رفعه بشكل حاد الرسوم الجمركية على واردات السيارات الكهربائية الصينية ومنتجات الطاقة النظيفة الأخرى.
واتهم منتقدون بايدن بإرضاء ذوي الياقات الزرقاء (العُمال) في ولايات مثل بنسلفانيا وميشيغان، وهي ساحات معركة انتخابية حاسمة في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني، وفق ما ذكرت صحيفة فايننشال تايمز.
وتساءل آخرون عما إذا كان الرئيس الديمقراطي يستخدم التعريفات الجمركية كسلاح في محاولة للظهور أكثر صرامة تجاه الصين من دونالد ترامب، منافسه الجمهوري في سباق البيت الأبيض هذا العام، الذي شن حربا تجارية على الصين في عام 2018 وتعهد مؤخرا بفرض رسوم على كافة الواردات من الصين بنسبة 60%.
يشار إلى أن وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان قالا -قبل نحو عام في مناسبتين منفصلتين- إن واشنطن لا تحاول الانفصال عن الصين (تجاريا)، إنما تسعى إلى "إزالة المخاطر".
فصل أم حرب تجارية؟وفي الوقت الذي ناقش فيه خبراء في واشنطن مزايا استخدام التعريفات الجمركية لحماية الصناعة الأميركية، اعتبر قليل منهم أن التدابير التي تم الإعلان عنها هذا الأسبوع هي إما "فك ارتباط" أو علامة على اندلاع حرب تجارية جديدة.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن الخبيرة التجارية في مركز أبحاث الأمن الأميركي الجديد إميلي كيلكريس، قولها إن الرسوم المرتفعة التي تم الإعلان عنها الاثنين الماضي على المركبات الكهربائية وغيرها من منتجات التكنولوجيا النظيفة، بما في ذلك البطاريات، كانت بمثابة "تكثيف لأجندة إزالة المخاطر".
وأضافت أن إزالة المخاطر هو مصطلح يغطي كل شيء، بدءا من الحد من التهديدات الأمنية من بكين إلى توزيع اعتماد الولايات المتحدة على سلاسل التوريد الصينية.
ونوهت الخبيرة بأن بايدن استهدف القطاعات التي تقع في قلب المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، لكنه أضاف عاملا جديدا يتمثل في الرسوم الجمركية، فأدوات السياسة العادية، مثل ضوابط التصدير، غير فعالة على الإطلاق في مجالات التكنولوجيا التي تتمتع فيها الصين بقدرة كبيرة، فضلا عن الإنتاج الزائد في بعض الحالات.
أما كليت ويليامز، المسؤول التجاري السابق في البيت الأبيض في إدارة ترامب، فلديه مصطلح مختلف يعبر عن التركيز المخصص للإجراءات الجديدة على قطاعات معينة، وفق ما ذكرت فايننشال تايمز.
وقال: "إن التجاور بين الفصل الكامل ومجرد إزالة المخاطر هو فجوة واسعة للغاية.. إنه انفصال إستراتيجي".
وحتى يوم الاثنين الماضي (يوم فرض التعريفات الجديدة) كان بايدن يركز إلى حد كبير على الإجراءات المتعلقة بالأمن لمنع الصين من الحصول على التكنولوجيا الأميركية المتقدمة، مثل أشباه الموصلات.
ووصف سوليفان هذه الإستراتيجية الضيقة التي تركز على القطاعات الرئيسية، مثل الذكاء الاصطناعي، بأنها نهج "مساحات صغيرة ذات سياج عالٍ" في إشارة إلى منع الصين من الوصول إلى تكنولوجيا محددة.
وكان التساؤل الذي طرحه البعض، الثلاثاء الماضي، هو ما إذا كان بايدن يغير مساره في جذب الناخبين من ذوي الياقات الزرقاء الذين يغازلهم هو وترامب عبر "حزام الصدأ" الصناعي الأميركي، تقول الصحيفة.
وحزام الصدأ يشير إلى المنطقة الجغرافية الممتدة من نيويورك عبر الغرب الأوسط الأميركي التي كانت تهيمن عليها الصناعات التحويلية في السابق، وهو مرادف للمناطق التي تواجه تدهورا صناعيا مما يؤدي إلى هجر المصانع التي تصدأ بسبب التعرض للعوامل الجوية.
وبعد مراجعة قانونية للتعريفات التي فرضها ترامب على بضائع صينية بقيمة 300 مليار دولار خلال حربه التجارية، أبقى بايدن الرسوم كما هي، وهو الذي انتقدها عند فرضها، لكنه أضاف الرسوم الأخرى على منتجات الطاقة النظيفة، مؤخرا.
وقال ويليامز: "ما ترونه هو الكثير من الرمزية ذات الدوافع السياسية الواضحة".
ونقلت الصحيفة عن الخبيرة التجارية في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، إميلي بنسون قولها إنه من المهم النظر إلى كل منتج تم استهدافه في نظام التعريفات الجمركية الجديد لبايدن.
وأضافت على سبيل المثال أنه لم يكن ردع واردات السيارات الكهربائية مثالا على الانفصال، لأن قطاع السيارات الصيني والاقتصاد الأميركي "لم يكونا متشابكين بشكل كبير في البداية".
وعلى نحو مماثل، فإن مضاعفة التعريفة الجمركية على أشباه الموصلات الصينية إلى 50% من شأنها أن تخلف تأثيرًا محدودًا، لأن الولايات المتحدة تستورد القليل من الرقائق.
وعلى النقيض من ذلك، فإن أي استهداف للمنتجات تامة الصنع التي تتضمن الرقائق من شأنه أن يمثل خطوة جديدة نحو الفصل.
وقال الخبير التجاري في مجلس العلاقات الخارجية، براد سيتسر، إن أفضل تفسير للتعريفات الجمركية هو ببساطة أن واشنطن كانت تحاول منع الصين من الحصول على موطئ قدم في أجزاء من قطاع الطاقة النظيفة الناشئ في الولايات المتحدة.
وقال سيتسر إن التعريفات الجديدة مصممة لتجنب الارتباط في قطاعات لم يتم دمجها تاريخيا (بين البلدين)، مثل السيارات التي لم تكن فيها الصين مصدرا رئيسيا للإمدادات إلى الولايات المتحدة.
واستبعد سيتسر أن تؤدي هذه التعريفات إلى مزيد من الانفصال بالنظر إلى أنها لا تغطي بقية جوانب التجارة بين البلدين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات الولایات المتحدة الصین من
إقرأ أيضاً:
الاحتياطي الفدرالي الأميركي: التعريفات الجمركية قد تغذي التضخم
أكد رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي جيروم باول أن تأثير التعريفات الجمركية التي تعتزم إدارة دونالد ترامب فرضها على التضخم لم يتضح بعد، مشيرا إلى ضرورة مراقبة عدة عوامل لتحديد مدى تأثير هذه الرسوم على الأسعار على المدى الطويل.
وقال باول خلال جلسة أسئلة وأجوبة في منتدى الأعمال بجامعة شيكاغو بوث في نيويورك "في الحالة البسيطة، إذا كنا نعلم أنها خطوة لمرة واحدة، فإن المنهج الاقتصادي التقليدي يشير إلى عدم الحاجة لاستجابة فورية من الفدرالي عبر تشديد السياسة النقدية".
لكنه شدد على ضرورة متابعة عدة عوامل قبل اتخاذ أي قرارات "إذا تحولت إلى سلسلة من الزيادات المتكررة، وإذا كانت كبيرة فإن ذلك سيكون مؤثرًا، وما يهم حقًا هو مدى تأثيرها على توقعات التضخم طويلة الأجل".
التعريفات السابقة لم تكن تضخميةوأوضح باول أن الإجراءات التجارية التي اتخذها ترامب خلال ولايته الأولى لم تؤدِ إلى تضخم، بل تسببت في تباطؤ النمو العالمي، مما دفع الفدرالي إلى خفض أسعار الفائدة آنذاك.
وجاءت تصريحات باول بعد أسبوع من التذبذب الحاد في الأسواق المالية، حيث فرض ترامب تعريفات جمركية بنسبة 25% على واردات كندا والمكسيك، قبل أن يؤجل تطبيقها حتى أبريل/نيسان المقبل. ومع ذلك، أشار الرئيس الأميركي إلى إمكانية تسريع تنفيذ تعريفات إضافية على واردات أخرى.
إعلانوتتناقض رؤية باول مع تصريحات وزير الخزانة سكوت بيسنت الذي قلل من تأثير التعريفات على التضخم، مشيرًا إلى أن أي ارتفاع في الأسعار سيكون "مؤقتًا وغير مستدام".
وأضاف بيسنت "لا يوجد شيء أكثر انتقالية من التعريفات إذا كانت مجرد تعديلات سعرية لمرة واحدة" مشيرًا إلى أن هذه الإجراءات لن تؤدي إلى تضخم مستدام.
لكن تصريحات باول -بحسب رويترز- تعكس قلق الفدرالي من إمكانية حدوث صراع بينه وبين إدارة الرئيس، خاصة إذا ما استمر ترامب في تطبيق تعريفات واسعة النطاق على الواردات التي تصل قيمتها إلى تريليونات الدولارات.
الفدرالي يتمهلوأكد باول أن الفدرالي سيحتاج إلى تقييم التأثير الصافي لجميع سياسات ترامب الاقتصادية، بما في ذلك التغييرات التنظيمية التي يعتبرها بيسنت محركة للنمو وكابحة للتضخم.
وفي ظل عدم وضوح الصورة الكاملة، قال باول إنه لا يوجد داعٍ للاستعجال في خفض أسعار الفائدة، خاصة أن معدل التضخم لا يزال أعلى بقليل من هدف الفدرالي البالغ 2%.
وأضاف "الإدارة الجديدة تعمل على تنفيذ تغييرات كبيرة في السياسة الاقتصادية. ولا تزال حالة عدم اليقين مرتفعة بشأن تأثير هذه التغييرات، ونحن بحاجة إلى التركيز على التمييز بين الإشارات الحقيقية والضوضاء المؤقتة مع تطور الأوضاع".
وفي أعقاب هذه التصريحات، ارتفعت الأسواق المالية بعد أن قلصت المؤشرات الرئيسية خسائرها في جلسة الجمعة.
أسواق المال تتفاعل بحذروبعد تصريحات الوزير الأميركي، عزز المستثمرون توقعاتهم بأن الفدرالي سيبدأ في خفض أسعار الفائدة بحلول يونيو/حزيران، مع احتمال تنفيذ 3 تخفيضات بمقدار 0.25% لكل منها قبل نهاية العام.
وكتب كريشنا غوه نائب رئيس مؤسسة "إيفركور" في مذكرة تحليلية أن "تصريحات باول تمنح الأسواق المتوترة بعض الطمأنينة بشأن النمو، بينما تحمل في طياتها نبرة متحفظة بشأن السياسة النقدية".
إعلانكما أشار إلى أن باول استشهد بتجربة عام 2019 عندما خفض الفدرالي أسعار الفائدة 3 مرات بسبب تأثير الحروب التجارية على النمو، مما يعزز احتمال تبني الفدرالي موقفًا مرنًا تجاه تأثيرات التعريفات الجديدة.
وضع غير مستقرورغم القلق المتزايد بشأن التضخم، شدد رئيس الاحتياطي الفدرالي على أن الاقتصاد الأميركي "لا يزال في وضع جيد" مشيرًا إلى استمرار تحقيق مكاسب في سوق العمل.
ووفقًا لبيانات الحكومة، أضاف الاقتصاد الأميركي 151 ألف وظيفة في فبراير/شباط، بينما بلغ متوسط الوظائف المضافة منذ سبتمبر/أيلول 191 ألف وظيفة شهريًا.
ومن المتوقع أن يبقي الفدرالي أسعار الفائدة مستقرة في نطاق 4.25% – 4.50% خلال اجتماعه المقبل يوم 18-19 مارس/آذار، حيث سيتم تحديث التوقعات الاقتصادية الرسمية لتقييم تأثير سياسات ترامب الاقتصادية على التضخم والتوظيف والنمو الاقتصادي.