لقد قتلوه وتجب محاسبتهم.. مقتل الطبيب الأميركي كم ألماز في معتقلات الأسد
تاريخ النشر: 19th, May 2024 GMT
"بقلب مكسور حزين نعلن وفاة والدي في أسوأ سجون العالم في سوريا"، هكذا أعلنت "مريم كم ألماز" مقتل والدها الطبيب الأميركي من أصول سورية "مجد كم ألماز" على يد النظام السوري بعد اعتقاله في سجون الأسد عام 2017.
وقالت "كم ألماز" في تدوينة عبر حسابها على منصة إكس "لقد قتلوه وتجب محاسبتهم، اختطفت الحكومة السورية والدي وأخفته وقتلته في سجونها سيئة السمعة دون حتى اتهامه بجريمة أو محاكمة، يجب أن تتحقق العدالة، كان والدي رجل سلام ومحبة ومعالجا نفسيا حائزا على جوائز".
They’ve killed him.
They must be held accountable.
The #Syrian gov kidnapped, disappeared & murdered my father in their notorious prisons w/o even charging him with a crime or a trial. Justice must be served. My father was a man of peace, love, an award winning psychotherapist pic.twitter.com/HfJs4YyC4J
— Maryam KamAlmaz (@MKamalmaz) May 18, 2024
الدكتور مجد كم ألماز طبيب نفسي أميركي سوري جاء من الولايات المتحدة إلى لبنان لمساعدة اللاجئين السوريين على التعامل مع الصدمات بسبب ما عانوه بعد خروجهم من سجون الأسد، وفي منتصف فبراير/شباط من عام 2017 ذهب الطبيب لزيارة أحد أقاربه المصابين بالسرطان في سوريا، وبعد دخوله الأراضي السورية انقطعت أخباره عن عائلته، لتظهر بعدها تقارير استخباراتية عن اعتقاله من قبل نظام الأسد.
ومع إعلان "كم ألماز" مقتل والدها في سجون النظام السوري شهدت منصات التواصل حالة من الغضب والحزن، وطالب النائب الأميركي جو ويلسون في تدوينة عبر حسابه على منصة إكس الرئيس جو بايدن بالإدانة العلنية لمقتل الدكتور كم ألماز، ودعا وزارة العدل للشروع في تحقيق جنائي في قضية اختطافه وقتله قسرا، ويختتم ويلسون تدوينته بالقول "من المأساوي أن يقتل أميركي آخر على يد نظام الأسد".
.@JoeBiden needs to publicly condemn the murder of Dr. Kamalmaz and the @TheJusticeDept should initiate a criminal investigation into his forced abduction and murder. Heart felt thoughts and prayers are with his family. Tragic that another American was killed by the Assad regime. https://t.co/2O7cNU8lkN
— Joe Wilson (@RepJoeWilson) May 18, 2024
وعلقت حملة "أحضروا عائلاتنا إلى المنزل"، المعنية بتسليط الضوء على الرهائن الأميركيين المعتقلين في الخارج على خبر وفاة الطبيب كم ألماز بالقول: "إن وفاة مجد المفاجئة هي بمثابة تذكير رسمي بأن حياة الأميركيين على المحك عندما تفشل الحكومة في اتخاذ إجراء سريع وحاسم".
RIP, Majd.
"He will be missed tremendously, yet we hope that his legacy of helping others in need lives on and is carried out by many" – @MKamalmaz
Majd's untimely passing serves as a solemn reminder of the American lives at stake when the government fails to take quick and… pic.twitter.com/CvDbJdsRJm
— Bring Our Families Home Campaign (@BOFHcampaign) May 18, 2024
ونعى ناشطون سوريون الدكتور مجد كم ألماز وقالوا "إن نظام الأسد المجرم الذي يقتل ويذبح بلا رحمة قتل الطبيب النفسي الذي كان يعالج ويساعد نفسيا من نَجا من الموت وفقد أحبته".
نظام الاسد المجرم الذي يقتل ويذبح بلا رحمة قتل الطبيب النفسي الذي كان يعالج ويساعد نفسيا من نجى من الموت وفقد أحبته … الرحمة لروحه والعقاب النظام القاتل
مجد كم ألماز، المعالج النفسي الأمريكي والناشط الإنساني، سافر حول العالم لمساعدة الجرحى في الشفاء، من الناجين من إعصار… https://t.co/1rMELFmUCy
— Manara ???????? (@1manara) May 18, 2024
وعلق آخرون على الخبر بالقول "إلى الذين يقولون عودوا إلى سوريا.. مجد كم ألماز مواطن أميركي سوري اليوم عرفت عائلته بخبر مقتله في تلك المسالخ البشرية تحت التعذيب؛ إذا كان الأسد يفعل هذا مع مواطن أميركي وهو يعرف العاقبة فتخيلوا ماذا سيفعل بغيره من السوريين".
إلى الذين يقولون عودوا إلى سوريا..
"مجد كم ألماز" مواطن أميركي سوري يعمل طبيبا نفسيا
عاد إلى سوريا عام 2017 فاعتقله نظام الأسد في اليوم التالي وبقي في معتقلاته سنوات
اليوم عرفت عائلته بخبر مقتله في تلك المسالخ البشرية تحت التعذيب
إذا كان الأسد يفعل هذا مع مواطن أميركي وهو يعرف… pic.twitter.com/1xHXlwXzOR
— قتيبة ياسين (@k7ybnd99) May 18, 2024
وأشار آخرون إلى أن الطبيب النفسي مجد كم ألماز "انضم إلى قائمة طويلة من ضحايا القتل تحت التعذيب في مسالخ النظام السوري المجرم".
وأضافوا بأن "الطبيب قبل أشهر قليلة توقف قلبه بسبب التعذيب.. وكلّ العذابات الأخرى التي مرّت بعائلة الدكتور مجد لن تسقط إلا بمحاسبة كلّ المنظومة الإجرامية في سوريا وعلى رأسهم بشار الأسد".
مجد كم ألماز، الطبيب والمعالج النفسي السوري الأمريكي والناشط الإنساني
جال حول العالم لمساعدة الجرحى في التعافي، بدءاً من الناجين من إعصار كاترينا في نيو أورليانز، مروراً بالناجين من الإبادة الجماعية في البوسنة وكوسوفو، وصولاً إلى بلده الأم، سوريا.
قدم مجد الرعاية للاجئين في… pic.twitter.com/Be1nSeSmW1
— AL KILANI Almoutassim ⚖️ المعتصم الكيلاني (@ALMOUTASSIMALKI) May 18, 2024
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: ترجمات حريات مواطن أمیرکی نظام الأسد pic twitter com
إقرأ أيضاً:
قلق الأقليات في سوريا يتحول إلى رعب
قبل بضعة أعوام، وفي الفترة التي بلغت فيها الحرب الأهلية في سوريا ذروتها على الأرض، انتشرت وثيقة ما يسمى بـ“نداء العلويين” للمندوب السامي الفرنسي في فترة الانتداب الفرنسي لسوريا ولبنان خلال ثلاثينات القرن الماضي. كان الوضع على الأرض غيره الآن. الدولة السورية قبل بضعة أعوام، أو دولة بشار الأسد، كانت قد بدأت باستعادة قوتها بعد تدخلات جوية حاسمة من روسيا وانتشار وتسليح أرضييْن من إيران. نتائج الحرب كانت تبدو محسومة لصالح نظام الأسد، وأن ما بقي هو مسألة وقت. بقيت الأمور تراوح مكانها نسبياً، وعلى عادة الأسد في عدم إدراكه لعامل الوقت وترك الأمور دون حسم، تصرف النظام على أساس أن الحرب شيء مركون يمكن العودة إليه وحسمه ساعة يشاء. الوقت، كما صرنا نعرف الآن، كان ضد الأسد، وجاءت عوامل إقليمية إضافية لتغير معطيات الأزمة بشكل مذهل. ينبه الأطباء في العادة إلى التأثيرات الجانبية للأدوية، ويحذرون من بعضها، وعلى المريض أن ينتبه. مريضنا السوري لم ينتبه إلى خطورة الأعراض الجانبية، وشهدنا انهيار النظام على نحو يصعب تصديقه.
المقاتل العلوي المحسوب على نظام الأسد، والذي كان يفترض أن يربح الحرب، خسرها. الرئيس بشار الأسد وأفراد عائلته لاجئون الآن في موسكو. وبعد أسابيع من الهدوء النسبي، تقف سوريا على أعتاب مرحلة مختلفة من الصراع الأهلي. وبعد أن كان توزيع وثيقة “نداء العلويين” قبل أعوام غريباً، باعتبار أنه يشير إلى ضعف العلويين، يبدو النداء اليوم واقع حال خطيراً يجسد أن العلويين ضعفاء بالفعل وأنهم إنما كانوا يحتمون بهيكل الدولة السورية ضمن كيان أفرزته مرحلة تكوين الدول في ما بعد الحرب العالمية الأولى.
كان البيان أشبه بدعوة إلى انضواء أقليات بلاد الشام في هيكل يحميها. كان شيوخ الطائفة العلوية إنما يعبرون عن قلق تاريخي تناقلوه اجتماعياً وعبروا عنه سياسياً. قلق الأقليات هذا بقي حاضراً بين العلويين حتى وهم يربحون الحرب ويسيطرون على الدولة السورية ولديهم من يدعمهم على مستوى دولة مهمة مثل روسيا أو دولة إقليمية كبرى مثل إيران. ما نعرفه تاريخياً أن المندوب السامي الفرنسي عمل عكس ما طلبه شيوخ العلويين ولم يترك مجالا لتحول “سنجق اللاذقية” إلى دولة “جبل العلويين”. سوريا الكبرى الواقعة تحت الانتداب الفرنسي هي الضامن الأفضل من وجهة نظر الفرنسيين. واعتبر الفرنسيون أن الإجراء الوحيد الذي ينبغي اتخاذه هو منح لبنان الاستقلال، وأن ما تبقى من الأرض يكفي لإقامة دولة قابلة للحياة، قادرة على حماية الأقليات فيها، وأن تتمكن من امتصاص قلق هذه الأقليات.
لم تتمكن الدولة العربية السورية التي ورثت دولة الانتداب من امتصاص قلق الأقليات. وبدخول عوامل كثيرة في المنطقة، والأهم منها على وجه الخصوص عامل الإسلام السياسي، تغيرت سوريا القومية العلمانية إلى مشروع سياسي قلق خصوصاً لو أخذنا بعين الاعتبار أن سوريا أصبحت ساحة صراع واضحة بين “الإمبراطوريتين” القديمتين فارس (إيران) والدولة العثمانية (تركيا). بيان مشايخ العلويين كان ينظر بعيداً في المستقبل إلى درجة تبعث على الحيرة في قدرة المشايخ على استقراء أن الأمور لا تتغير، بل إن كل ما يحدث هو أنها تهدأ لتعود وتنفجر ثانية. العلويون بدعوتهم إلى استقلال دولة “جبل العلويين”، إنما كانوا يريدون أن ينقذوا أحفادهم وأحفاد “أعدائهم” ممن تتكوم جثامينهم اليوم في أحراش غرب سوريا، مقتولة أو مقتولة ومحروقة بالمئات في مشهد أوهم البعض نفسه بأنه لن يحدث.
قلق الأقليات الذي كان يفوح من البيان الذي يعود إلى قرن من الزمن الآن تقريباً هو تشخيص بأن الوضع السياسي والاجتماعي والطائفي في سوريا لم يكن ناضجاً بما يكفي لترْك الأقليات تتعايش مع بعضها البعض، على أمل الوصول إلى لحظة هدوء إنسانية تجنبنا المشاهد المريعة التي يتم توزيعها اليوم عبر المنصات الاجتماعية.
لعل المندوب السامي الفرنسي آنذاك ارتأى ألّا يؤسس دولة جبل العلويين لأنه بذلك سيخلق دولة سورية عربية سنية من دون امتداد على الساحل، وأن ساحل سوريا اليوم الذي يمتد من جنوب تركيا إلى مقتربات الحافة الشمالية من لبنان يمكن أن يتعايش مع الكتل البشرية والحياة الاقتصادية في مناطق تاريخية معروفة بانفتاحها وتسامحها مثل دمشق وحلب وحمص. ما حدث أن المشروع ازداد تعقيداً ووصلنا إلى مرحلة مخيفة من القتل الوحشي وتصفية الحسابات بدعوات طائفية وأقلوية.
كان لافتاً البيان المشترك الذي أصدرته الكنائس السورية لبطاركة الروم الأرثوذكس والسريان الأرثوذكس والروم الكاثوليك، وما قاله الأكراد عن دعوتهم السلطة الجديدة إلى التحرك لمنع ما يحدث من قتل، وأن نسترجع ما سمعناه من الدروز خلال الأسابيع الماضية. المسيحيون والأكراد والدروز لديهم قدرات تاريخية استثنائية في التقاط إشارات الخطر القادمة التي ستداهم المنطقة. هؤلاء صنفوا دائما كأقليات، ومع الحس الأقلوي، يأتي الاستشعار. وقبل مئة عام تقريباً كان العلويون “أقلية” لهذا كان لديهم ما يكفي من المبررات الاجتماعية والسياسية لكتابة البيان وتوجيهه إلى المندوب السامي الفرنسي. لكن إحساسهم كأقلية تآكل بعد استيلاء حزب البعث على السلطة في سوريا، واستحواذ الرئيس حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار على السلطة بواجهة سياسية قومية عروبية طوّعت إلى حد كبير البلاد لتخدم سلطة العائلة العلوية. نسي العلويون أنهم أقلية، وها هم يدفعون ثمناً غالياً لذلك.
ثمة صدمة كبرى مما يحدث الآن. انتشرت الصور الكاريكاتيرية للرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وهو يجلس إلى جوار الرئيس السوري السابق بشار الأسد ويحاول “الغش” وهما يؤديان امتحاناً واحداً. الشرع كان ينسخ طرق الأسد. وأخطر ما صدر عنه هو اعتباره عمليات قتل المدنيين بالمئات على أساس طائفي أو على الهوية أمراً متوقعاً. إلى هذا المستوى تصل الاستهانة في بلادنا بالأرواح. لا نريد أن نوجه أصابع اللوم، لكن من الواضح أن التعامل مع الموت في منطقتنا يتم كفقرة حياتية عادية. وأمام تصريحات الشرع ينعقد لسانك ولا تستطيع الرد. وإذا كنت محظوظاً، فإنك تستدعي ما يقوله رجل دين مسيحي أو شيخ قبلي كردي أو زعيم درزي واعٍ، لتحاول أن تذكّر الشرع ومن معه بأن ما يحدث ليس قضاء وقدراً على الجميع أن ينساق إليه طائعاً.
إلى أي مدى يستطيع الشرع المتحسب لاضطرابات ما بعد الاستيلاء على السلطة أن يحتوي قلق الأقليات؟ من الصعب الرد على هذا التساؤل. لأن من أبرز الردود التي يتم الترويج لها عبر مؤسسات إعلامية قريبة من هيئة تحرير الشام والرئاسة الانتقالية أن الدولة ستضرب وتبطش. بعض الإجابات التي سمعناها كانت معدة مسبقاً ولم يلتفت من صاغها إلى القيام ببعض التحويرات كي لا تتطابق بين قائليها حتى وإن اختلفت المنابر.
هذا القلق الذي يسود الأقليات هو بالضبط ما تحتاجه إيران. إنها تصنع من مكونات الأقليات أغلبيتها الخاصة بأن تستقطب الخائفين وتقدم نفسها كحامٍ لهم. هناك كتلة بشرية شيعية معتبرة، مشكلتها بالطبع أن القائمين عليها إيرانيون وهذا ليس في صالح تحويلها إلى كتلة أغلبية. هذا ما يزيد الحيرة لدى من يدينون لها بالولاء خصوصاً مع إصرار عمائم هذه الكتلة على أنهم فرس. ضع جانباً الحديث عن أنهم من آل البيت فهذه تفاصيل من نوع آخر يعرف من يذهب إلى إيران أن البلد إنما يعتز بفارسيته، بل ويزداد اعتزازاً بتصنيف نفسه على أنه بدوره “أقلية”.
لم تنجح بالطبع تجربة الأقليات والتجانس في ما بينها في لبنان، إذا مارس حزب المستضعفين -أي حزب الله- غطرسته الخاصة ونسي وهو في ذروة الصراع أن عليه أن يكون جزءاً من نسيج اجتماعي يتحمل الآخر ويتقبله بعيداً عن لغة التخوين أو التخويف التي يدفع اليوم ثمنها غالياً.
ما يقال عن حزب الله يمكن أن يقال عن التشكيلة الواسعة من ائتلاف الأحزاب والميليشيات في العراق. حجم الأخطاء التي مورست باسم أو بحق الأقليات كبير جدا، إلى درجة أن من الصعب الإتيان بتوصيف مختلف، يتقدم أو يتأخر. هذه ميليشيا شيعية تتحرك لمئات الكيلومترات بين جنوب العراق وشماله لتبسط سيطرتها على قرية مسيحية بدعوى حمايتها من تخويف داعش، في حين أن الجميع يعلم ما هو الهدف الحقيقي.
ما نعيشه في سوريا في هذه اللحظات الاستثنائية هو مرحلة خطرة جداً تلخص الفوضى التي تعمّد الإسلام السياسي بوجهيه السني والشيعي، صنْعها وتوزيعها على المنطقة ليحولها من قلق الأقليات على وجودها -وهو قلق مشروع- إلى رعب من مصير مظلم كما ترويه لنا المشاهد القادمة من مناطق الساحل السوري.