إستراتيجيات تحسين قيمة الليرة.. هل تنجح الحلول التركية؟
تاريخ النشر: 2nd, August 2023 GMT
سجلت الليرة التركية خلال الفترة الماضية سلسلة تراجعات حادة في قيمتها مقابل الدولار والعملات الأخرى، ويعود هذا التدهور إلى عدة عوامل اقتصادية وسياسية أثرت بشكل مباشر على الثقة في الاقتصاد التركي وقيمة العملة المحلية في البلاد.
وبينما كانت قيمة الليرة التركية نحو 2.8 مقابل الدولار عام 2016 انخفضت في الوقت الحاضر إلى قرابة 27 ليرة مقابل الدولار، لتفقد ما يربو على 10 أضعاف قيمتها السابقة.
وفي حين يعتبر الخبراء ذلك طبيعيا باعتبار تركيا جزءا من الاقتصاد العالمي الذي تعرض لكثير من الركود في الفترة الأخيرة -خاصة بعد جائحة كورونا- لكنهم يؤكدون على أهمية المبادرة لمعالجتها، ولا سيما أن جذور هذه المشكلة تمتد إلى أبعد من ذلك.
وبدأ مسلسل تدهور الليرة التركية منذ محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، مرورا بالتعديلات الدستورية التي أجريت في العام التالي، وتفاقم الأمر بعد ذلك على خلفية التوتر مع الولايات المتحدة وأزمة القس الأميركي ندرو برونسون عام 2018، واستمر ذلك التدهور على وقع الأزمات العالمية.
عوامل تدهور الليرة التركيةويحدد خبراء الاقتصاد جملة من العوامل التي ساهمت في تراجع قيمة الليرة التركية وبروز الأزمة الاقتصادية الحالية التي تواجهها تركيا.
ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة "29 مايو" ياشار آكغون أن "أثر جائحة كورونا على الاقتصاد التركي كان كبيرا بسبب ركود قطاع السياحة الذي يعتبر أهم مصدر لدخول الدولار إلى البلاد".
ويضيف آكغون في حديثه للجزيرة نت أن الحرب الروسية الأوكرانية أثرت على الاقتصاد التركي، خاصة في التجارة الخارجية والاستثمار، إضافة إلى موجة جديدة من اللاجئين الذين كان لهم أثر في زيادة أسعار العقارات.
ويعتبر آكغون أن موقف أردوغان الرافض للفائدة ومباشرة تخفيضها عام 2021 جعل الناس يتجهون إلى العقارات والمعادن والدولار لحفظ قيمة ممتلكاتهم من تدني الليرة التركية، مما رفع نسبة التضخم إلى 85% وانخفاض قيمة الليرة.
الإصلاحات الاقتصاديةوتؤكد الحكومة التركية على مواصلة تنفيذ إصلاحات اقتصادية جوهرية سيكون لها دور حاسم في تعزيز الثقة بالاقتصاد التركي ومنع تدهور الليرة، والمحافظة على استقرارها.
وكشف وزير المالية التركي محمد شيمشك عن إصلاحات عديدة يتضمنها برنامج تركيا الاقتصادي الجديد الذي يتكون من 3 محاور رئيسية.
ونقلت وكالة الأناضول في السادس من يوليو/تموز الماضي عن شيشمك تأكيده أن الخطة الاقتصادية الجديدة ترتكز على تعزيز الانضباط المالي، والتشديد النقدي، والإصلاحات الهيكلية التي تحفظ استدامة الاستقرار المالي في تركيا.
وبشأن ذلك يقول مصطفى متين باشباي عضو هيئة التدريس في جامعة بوغازيجي إن الإدارة الاقتصادية التي تولت السلطة بعد انتخابات مايو/أيار الماضي مصممة على التشديد النقدي، أي أنها تهدف إلى تقليص الفجوة بين توقعات النتائج ومعدل السياسة على المدى الطويل.
ويوضح باشباي في حديثه مع الجزيرة نت أن هذا يعني أنه تم التخلي عن فكرة "الخفض المستمر لسعر الفائدة" السياسية (بغض النظر عن مستوى التضخم)، والتي كانت مستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021، مما قد يساهم في استقرار الأسعار والتغلب على عجز الحساب الجاري.
ويتابع أنه من المعروف أن أسعار الصرف في تركيا تنعكس في التغطية العالية للعروض، وقد تبين أن التمويل الأجنبي -خاصة الخليجي- من خلال الاتفاقيات الثنائية ليس مستداما، لذلك يجب أن تهدف تركيا إلى تحسين استباقي في ميزان الحساب الجاري من أجل استقرار أسعار الصرف، ويمكن تفسير بعض السياسات "الانتقائية" للبنك المركزي في هذا السياق.
ويحذر باشباي من أن زيادة الضرائب على المنتجات الاستهلاكية ورغم مساهمتها في المال العام فإنها ستؤدي مباشرة إلى التضخم، كما أنها ستؤثر سلبا على التعريفات الجمركية للمنتجات التي يتم تصديرها وسيؤدي لارتفاع سعر صرف الدولار.
وبينما يؤكد باشباي على أهمية تطبيق سياسة حساب الليرة المحمية ضد سعر الصرف فإنه لا يرى أن هناك ضرورة لتدخّل الحكومة في الأسواق بطريقة جديدة وأكثر جذرية لدعم العملة التركية، فهناك مساحة كافية في الاقتصاد التركي لتحقيق التوازن مع الأدوات التقليدية في الوقت الحالي.
جذب رؤوس الأموالوتسعى تركيا إلى جذب مزيد من رؤوس الأموال الأجنبية، لما لها من أهمية كبيرة في تحفيز النمو الاقتصادي والتنمية، مما يسهم في تعزيز الثقة بالاقتصاد وتحسين استقرار الليرة التركية.
ويرجح باشباي أن تحظى الإصلاحات الحالية بترحيب من قبل المستثمرين الدوليين، لأن السياسات التي تهدف إلى استقرار الأسعار بطريقة فعالة وحاسمة وشرح هذه السياسات بطريقة مقنعة تعني زيادة في الاستقرار بالنسبة للمستثمرين الأجانب.
ومع ذلك، يستبعد باشباي حصول تدفق رأسمالي مشابه لما حدث في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 بسبب تغير الظروف العالمية، كما أن سياسة الاعتماد على التمويل الخارجي ليست مستدامة -على الرغم من أهميتها على المدى الطويل- وتؤدي إلى تكاليف أكبر، فالتمويل الخارجي ضروري لكنه ليس حلا دائما لتركيا اليوم.
ويشير الخبراء إلى أن قيادة حزب العدالة والتنمية لا تفكر في إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي أو المؤسسات المالية الدولية الأخرى، فهي ترى في رؤوس الأموال الخليجية بديلا أفضل.
ويؤكد ذلك التوجه قيام الإدارة التركية الجديدة بتدشين زياراتها الخارجية بدءا من دول الخليج قبل لندن، وانطلاقا من ذلك يمكن القول إن العلاقات الاقتصادية الثنائية بين تركيا وهذه الدول سوف تتطور أكثر.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الاقتصاد الترکی اللیرة الترکیة قیمة اللیرة
إقرأ أيضاً:
بين تحذيرات خبراء الاقتصاد والنفي الحكومي.. قيمة الدينار العراقي على المحك - عاجل
بغداد اليوم – بغداد
نفى مصدر حكومي مطلع، اليوم الثلاثاء (28 كانون الثاني 2025)، بشكل قاطع وجود أي نية لدى الحكومة العراقية لخفض قيمة الدينار أمام الدولار، رغم الشائعات التي تشير إلى إجراءات مرتقبة لمواجهة الضغوط الاقتصادية وتحديات السوق الدولية.
وأكد المصدر، في حديث خاص لـ"بغداد اليوم"، أن "الأنباء التي تتحدث عن نية حكومية لخفض قيمة الدينار أمام الدولار غير صحيحة إطلاقًا". وأضاف: "الحكومة تعمل على تثبيت سعر الصرف الرسمي الذي حدده البنك المركزي، وتسعى إلى السيطرة على السوق الموازي. أي تغيير في سعر الصرف خلال المرحلة الحالية أو ضمن جداول موازنة 2025 سيؤدي إلى نتائج سلبية، ولهذا فإن الحكومة متمسكة بتعزيز السعر الحالي".
رؤية اقتصادية مختلفة
في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي أن خفض قيمة الدينار إلى 1450 دينارًا مقابل الدولار قد يكون خطوة محتملة للتعامل مع تداعيات الأزمات الاقتصادية. وقال الهاشمي: "هذا الإجراء قد يقلل الضغط المالي على الحكومة ويخفض كلفة دعم الدينار، لكنه سيؤثر سلبًا على المواطن من خلال تدهور الرواتب وارتفاع أسعار السلع والخدمات".
وأضاف الهاشمي: "خفض قيمة العملة قد يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم بسبب فقدان الثقة بالدينار وارتفاع الطلب على الدولار. كما أن هذا القرار، رغم أثره الإيجابي المحدود على المدى القصير، سيحمل تبعات طويلة الأمد على الأسواق وحياة المواطن العراقي".
الجانب السياسي ودور ترامب
على الصعيد السياسي، أشار المختص بالشؤون السياسية نبيل العزاوي إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المتوقع أن يعود إلى البيت الأبيض، قد يغيّر سياساته تجاه العراق. وأوضح العزاوي: "ترامب، كرجل اقتصاد، يدرك أن السياسة تُدار من خلال الاقتصاد. رغم توتر العلاقات سابقًا، فإن المؤشرات تدل على أنه سيتعامل بحذر مع الملف العراقي".
وأشاد العزاوي بما وصفه بـ"حكمة حكومة السوداني" في تجنيب العراق أزمات سياسية وعقوبات دولية، معتبرًا أن العلاقات بين بغداد وواشنطن قد تشهد تطورًا إيجابيًا بعد تفعيل الاتفاقية الأمنية وتعزيز المصالح المتبادلة.
بين النفي والتحذيرات
مع تضارب المواقف بين النفي الحكومي والتحذيرات الاقتصادية، يبدو أن الحكومة العراقية تواجه تحديًا في الحفاظ على استقرار العملة وتجنب التداعيات السلبية لأي إجراء غير محسوب.
وبينما تتزايد الضغوط الاقتصادية، يبقى المواطن العراقي هو المتأثر الأكبر من أي تغيير في السياسات المالية.
ويحسم هذا الملف توازنًا دقيقًا بين القرارات الحكومية والتوصيات الاقتصادية، لضمان تحقيق الاستقرار المالي وحماية المواطن من تداعيات أي قرارات قد تؤثر على حياته اليومية.