سجلت الليرة التركية خلال الفترة الماضية سلسلة تراجعات حادة في قيمتها مقابل الدولار والعملات الأخرى، ويعود هذا التدهور إلى عدة عوامل اقتصادية وسياسية أثرت بشكل مباشر على الثقة في الاقتصاد التركي وقيمة العملة المحلية في البلاد.

وبينما كانت قيمة الليرة التركية نحو 2.8 مقابل الدولار عام 2016 انخفضت في الوقت الحاضر إلى قرابة 27 ليرة مقابل الدولار، لتفقد ما يربو على 10 أضعاف قيمتها السابقة.

وفي حين يعتبر الخبراء ذلك طبيعيا باعتبار تركيا جزءا من الاقتصاد العالمي الذي تعرض لكثير من الركود في الفترة الأخيرة -خاصة بعد جائحة كورونا- لكنهم يؤكدون على أهمية المبادرة لمعالجتها، ولا سيما أن جذور هذه المشكلة تمتد إلى أبعد من ذلك.

وبدأ مسلسل تدهور الليرة التركية منذ محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، مرورا بالتعديلات الدستورية التي أجريت في العام التالي، وتفاقم الأمر بعد ذلك على خلفية التوتر مع الولايات المتحدة وأزمة القس الأميركي ندرو برونسون عام 2018، واستمر ذلك التدهور على وقع الأزمات العالمية.

عوامل تدهور الليرة التركية

ويحدد خبراء الاقتصاد جملة من العوامل التي ساهمت في تراجع قيمة الليرة التركية وبروز الأزمة الاقتصادية الحالية التي تواجهها تركيا.

ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة "29 مايو" ياشار آكغون أن "أثر جائحة كورونا على الاقتصاد التركي كان كبيرا بسبب ركود قطاع السياحة الذي يعتبر أهم مصدر لدخول الدولار إلى البلاد".

ويضيف آكغون في حديثه للجزيرة نت أن الحرب الروسية الأوكرانية أثرت على الاقتصاد التركي، خاصة في التجارة الخارجية والاستثمار، إضافة إلى موجة جديدة من اللاجئين الذين كان لهم أثر في زيادة أسعار العقارات.

ويعتبر آكغون أن موقف أردوغان الرافض للفائدة ومباشرة تخفيضها عام 2021 جعل الناس يتجهون إلى العقارات والمعادن والدولار لحفظ قيمة ممتلكاتهم من تدني الليرة التركية، مما رفع نسبة التضخم إلى 85% وانخفاض قيمة الليرة.

الإصلاحات الاقتصادية

وتؤكد الحكومة التركية على مواصلة تنفيذ إصلاحات اقتصادية جوهرية سيكون لها دور حاسم في تعزيز الثقة بالاقتصاد التركي ومنع تدهور الليرة، والمحافظة على استقرارها.

وكشف وزير المالية التركي محمد شيمشك عن إصلاحات عديدة يتضمنها برنامج تركيا الاقتصادي الجديد الذي يتكون من 3 محاور رئيسية.

ونقلت وكالة الأناضول في السادس من يوليو/تموز الماضي عن شيشمك تأكيده أن الخطة الاقتصادية الجديدة ترتكز على تعزيز الانضباط المالي، والتشديد النقدي، والإصلاحات الهيكلية التي تحفظ استدامة الاستقرار المالي في تركيا.

وبشأن ذلك يقول مصطفى متين باشباي عضو هيئة التدريس في جامعة بوغازيجي إن الإدارة الاقتصادية التي تولت السلطة بعد انتخابات مايو/أيار الماضي مصممة على التشديد النقدي، أي أنها تهدف إلى تقليص الفجوة بين توقعات النتائج ومعدل السياسة على المدى الطويل.

ويوضح باشباي في حديثه مع الجزيرة نت أن هذا يعني أنه تم التخلي عن فكرة "الخفض المستمر لسعر الفائدة" السياسية (بغض النظر عن مستوى التضخم)، والتي كانت مستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021، مما قد يساهم في استقرار الأسعار والتغلب على عجز الحساب الجاري.

ويتابع أنه من المعروف أن أسعار الصرف في تركيا تنعكس في التغطية العالية للعروض، وقد تبين أن التمويل الأجنبي -خاصة الخليجي- من خلال الاتفاقيات الثنائية ليس مستداما، لذلك يجب أن تهدف تركيا إلى تحسين استباقي في ميزان الحساب الجاري من أجل استقرار أسعار الصرف، ويمكن تفسير بعض السياسات "الانتقائية" للبنك المركزي في هذا السياق.

ويحذر باشباي من أن زيادة الضرائب على المنتجات الاستهلاكية ورغم مساهمتها في المال العام فإنها ستؤدي مباشرة إلى التضخم، كما أنها ستؤثر سلبا على التعريفات الجمركية للمنتجات التي يتم تصديرها وسيؤدي لارتفاع سعر صرف الدولار.

وبينما يؤكد باشباي على أهمية تطبيق سياسة حساب الليرة المحمية ضد سعر الصرف فإنه لا يرى أن هناك ضرورة لتدخّل الحكومة في الأسواق بطريقة جديدة وأكثر جذرية لدعم العملة التركية، فهناك مساحة كافية في الاقتصاد التركي لتحقيق التوازن مع الأدوات التقليدية في الوقت الحالي.

جذب رؤوس الأموال

وتسعى تركيا إلى جذب مزيد من رؤوس الأموال الأجنبية، لما لها من أهمية كبيرة في تحفيز النمو الاقتصادي والتنمية، مما يسهم في تعزيز الثقة بالاقتصاد وتحسين استقرار الليرة التركية.

ويرجح باشباي أن تحظى الإصلاحات الحالية بترحيب من قبل المستثمرين الدوليين، لأن السياسات التي تهدف إلى استقرار الأسعار بطريقة فعالة وحاسمة وشرح هذه السياسات بطريقة مقنعة تعني زيادة في الاستقرار بالنسبة للمستثمرين الأجانب.

ومع ذلك، يستبعد باشباي حصول تدفق رأسمالي مشابه لما حدث في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 بسبب تغير الظروف العالمية، كما أن سياسة الاعتماد على التمويل الخارجي ليست مستدامة -على الرغم من أهميتها على المدى الطويل- وتؤدي إلى تكاليف أكبر، فالتمويل الخارجي ضروري لكنه ليس حلا دائما لتركيا اليوم.

ويشير الخبراء إلى أن قيادة حزب العدالة والتنمية لا تفكر في إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي أو المؤسسات المالية الدولية الأخرى، فهي ترى في رؤوس الأموال الخليجية بديلا أفضل.

ويؤكد ذلك التوجه قيام الإدارة التركية الجديدة بتدشين زياراتها الخارجية بدءا من دول الخليج قبل لندن، وانطلاقا من ذلك يمكن القول إن العلاقات الاقتصادية الثنائية بين تركيا وهذه الدول سوف تتطور أكثر.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الاقتصاد الترکی اللیرة الترکیة قیمة اللیرة

إقرأ أيضاً:

أسباب فشل 50٪ من الزيجات: خبيرة علاقات توضح الحلول لتجنب الطلاق

أميرة خالد

يتساءل العديد من الأزواج عن السبب وراء ارتفاع معدلات الطلاق، حيث أن العلاقات لطالما كانت مصدراً للفرح والإحباط على حد سواء.

وناقشت جيلين توركي، المدربة المعتمدة في العلاقات، خلال حديثها في بودكاست “مايتي بيرسوت”، الأسباب التي تجعل العلاقات تبدو غامضة في مجتمع يعاني من معدل طلاق مرتفع.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة “هندوسيان تايمز” الهندية، قدّمت جيلين تحليلاً عملياً وقابلاً للتطبيق، يكشف عن أسباب الفشل، وكيفية تجنبها.

وعند حديثها عن سبب فشل 50٪ من الزيجات، قالت توركي: “أحد الأسباب هو أن الناس لا يختارون الشريك بشكل جيد، فهم يختارون بناءً على الكيمياء والانجذاب، مثل شعورهم بـ’الفراشات في المعدة’، بدلاً من إجراء المحادثات الصعبة.”

وأكدت أنه يجب أن نتحدث عن هذه الأمور، ونفكر كيف سنقاتل من أجل هذه العلاقة عندما نواجه صعوبات مضيفة أن غياب هذه المحادثات الأساسية يعوق الأزواج من فهم قيم بعضهم البعض، وأهدافهم، وما هو غير قابل للتفاوض بالنسبة لهم.

ورأت توركي أن تجاوز هذه المحادثات الجوهرية يعني أن الأزواج يدخلون الحياة الزوجية دون فهم واضح لاحتياجاتهم المشتركة، مما قد يؤدي إلى صراعات عميقة في المستقبل، ويجعل العلاقة عرضة للتقلبات الحتمية في الحياة.

وأضافت أن مشكلة أخرى تكمن في نقص المهارات اللازمة للحفاظ على العلاقة، قائلة: “لا يملك الكثير من الناس المهارات اللازمة لجعل العلاقة تدوم على المدى الطويل”.

وتابعت: “غالباً ما يصبح الناس أنانيين، حيث ينصب تركيزهم على ما لا يحصلون عليه، ولا يفكرون فيما لا يقدمونه.”

كما أشارت توركي إلى أننا غالباً ما نتوهم العديد من القصص عن الشخص الآخر، ونبني الكثير من الاستياء. وهذا الاستياء يخلق مقاومة، وهذه المقاومة تولد توتراً في الجسد.

وعندما يكون الجسد في حالة توتر، لا نعود نجد جاذبية لبعضنا البعض، وبحسب الخبيرة، فإننا نفقد الدافع للوفاء باحتياجات الآخر، وكل هذا جزء من حالة العجز المكتسب، ونعتقد أنه لا يوجد طريقة أفضل للمضي قدمًا سوى الطلاق.

وختمت توركي بأن الطريقة للخروج من هذه الدورة هي أن يوجه الأزواج تركيزهم ممّا لا يتلقونه إلى ما يمكنهم الإسهام به في العلاقة، وضرورة تطوير المرونة العاطفية، وتحسين التواصل، وإجراء مناقشات مستمرة حول القيم المشتركة أمر بالغ الأهمية للنجاح على المدى الطويل.

مقالات مشابهة

  • من الركود إلى الانتعاش.. أسواق حلب تعود للحياة بعد تحسن قيمة الليرة السورية
  • الليرة التركية تتراجع لمستوى قياسي جديد
  • وزير التجارة التركي: اقتصادنا حافظ على نموه المتواصل خلال الأرباع الـ17 الماضية
  • أسعار صرف العملات الرئيسية مقابل الليرة التركية
  • ‏الرئاسة التركية: الرئيس السوري أحمد الشرع يزور تركيا غدا
  • أسباب فشل 50٪ من الزيجات: خبيرة علاقات توضح الحلول لتجنب الطلاق
  • الموارد: اتفاق على ثبات الإيرادات المائية العابرة من تركيا بمعدل 500 م3 بالثانية
  • تطور الحلول المصرفية مع سنقل فيو.. خدمات مبتكرة للشركات والأفراد
  • امبارك: الحل في ليبيا بأيدي الليبيين
  • أسعار الدولار واليورو مقابل الليرة التركية اليوم