ما الذي يكشفه ممر نتساريم عن نوايا الاحتلال في غزة بعد الحرب؟
تاريخ النشر: 19th, May 2024 GMT
كشفت "واشنطن بوست" عن آراء محللين للشؤون العسكرية وصور للأقمار الصناعية تؤكد أن أشغال جيش الاحتلال الإسرائيلي في ممر نتساريم ليست إلا جزء من مشروع ضخم يخطط له هناك، لإعادة تشكيل غزة وتثبيت وجوده هناك. فقد تعرضت العديد من البنى التحتية المدنية من مدارس ومستشفيات ومنازل للتدمير في هذا الممر، أو تم تحويلها لنقاط عسكرية.
وتقول الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن صورًا للأقمار الصناعية وأدلة بصرية أخرى كشفت أن القوات الإسرائيلية تعكف على إنشاء تحصينات لممر إستراتيجي يقسم قطاع غزة إلى نصفين، وذلك من خلال بناء قواعد، والسيطرة على منشآت مدنية وتجريف منازل، وهي أعمال يقول المحللون العسكريون والخبراء الإسرائيليون إنها تندرج ضمن مشروع واسع النطاق لإعادة تشكيل القطاع وتثبيت الوجود العسكري للاحتلال فيه.
وتوضح الصحيفة أن ممر نتساريم هو طريق بطول أربعة أميال يقع جنوبي مدينة غزة ويمتد من الشرق للغرب، من الحدود الإسرائيلية نحو البحر الأبيض المتوسط، وقد وضعت حماس انسحاب الاحتلال من هذا الممر ضمن مطالبها الأساسية في مفاوضات وقف إطلاق النار.
وأظهرت صور للأقمار الصناعية اطلعت عليها الصحيفة أنه بالتوازي مع جولات المفاوضات خلال الشهرين الماضيين، واصلت "إسرائيل" أشغالها في الممر؛ حيث تم إنشاء ثلاث قواعد عملياتية متقدمة منذ آذار/ مارس الماضي. وفي البحر يلتقي هذا الطريق مع نقطة تفريغ جديدة بمساحة سبعة هكتارات لميناء عائم، في إطار مشروع أمريكي يزعم أنه يهدف لإيصال المزيد من المساعدات لغزة.
وترى الصحيفة أنه رغم مزاعم "إسرائيل" أنها لا تنوي احتلال القطاع بشكل دائم، فإن تشييد الطرق والنقاط المتقدمة والمناطق العازلة في الأشهر الأخيرة يكشف عن اتساع دور "الجيش الإسرائيلي" مع تعثر الرؤى البديلة لمرحلة ما بعد الحرب.
وإلى جانب كونه ورقة ضغط في المفاوضات، تمنح سيطرة الاحتلال على هذا الممر مرونة هامة، وتسمح بنشر قواته بشكل سريع في أنحاء القطاع. كما أنها تضمن له الحفاظ سيطرة على تدفق المساعدات وحركة النازحين الفلسطينيين، وهو أمر يعتبره الاحتلال ضروريًّا لمنع حماس من إعادة تنظيم صفوفها.
ونقلت الصحيفة عن تحليل قام به خبير تحليل البيانات الجغرافية الإسرائيلي عدي بن نون؛ أن 750 منزلًا تم تدميرها ضمن ما يبدو أنه عمل ممنهج لخلق منطقة عازلة تمتد لمسافة لا تقل عن 500 ياردة من كل جانب. كما تم تدمير 250 منزلًا وجرى تسويتهم بالأرض في المنطقة التي أقيم عليه الميناء الأمريكي العائم.
ويرى خبراء عسكريون أن هذه الأعمال تأتي في إطار مخطط ضخم وطويل المدى لإعادة تشكيل غزة، في إحياء للمخططات الإسرائيلية القديمة بتقسيم غزة إلى كنتونين اثنين حتى تسهل السيطرة عليهما.
وتذكر الصحيفة أنه بحلول السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر كانت "إسرائيل" قد صنعت مسارًا متعرجًا نحو البحر، يسمح للعربات المدرعة بالوصول إلى شارع الرشيد. ثم في شباط/ فبراير، وآذار/ مارس قامت بتشييد مسار مستقيم، وقد تم الانتهاء من جزئه الأقرب للبحر بين 5 و9 من شهر آذار/ مارس، كما تكشف الصور.
ويقول جيش الاحتلال، إن هذا الطريق يسمح لعرباته بالتنقل بين جانبي غزة خلال سبع دقائق فقط، بالتالي التدخل السريع والوصول لشمال ووسط غزة دون عوائق. وقد استخدم كقاعدة للهجمات الأخيرة على حي الزيتون، بحسب مسؤول عسكري طلب عدم الكشف عن اسمه.
وقالت الصحيفة، إن الممر الذي أنشأه الاحتلال يتقاطع مع الطريقين الوحيدين اللذين يربطان بين شمال وجنوب غزة، صلاح الدين والرشيد. وقد شرع الجيش في بناء قواعد متقدمة على مستوى كلى التقاطعين منذ بداية آذار/ مارس، وهو ما يوحي بأن الاحتلال يحضر لعودة للنازحين المدنيين تحت مراقبته.
وتنقل الصحيفة عن جمعة أبو حصيرة، وهو أحد سكان القطاع، أن جنود الاحتلال أطلقوا النار في الهواء حين اقترب من الممر في الشهر الماضي خلال فترة هدوء نسبي للمعارك، حيث سرت شائعات بأنه سيسمح للعائلات بالعودة للشمال مجددًا. وقد تعرض هذا الرجل البالغ من العمر 37 سنة للاعتقال وتم تعصيب عينيه وضربه بعقب البندقية وتعنيفه واستجوابه لثمان ساعات.
وتنقل الصحيفة عن دورون كادوش، المراسل العسكري لإذاعة جيش الاحتلال والذي زار النقطة المتقدمة في شارع صلاح الدين خلال الشهر الماضي، أن "الجيش" ركز رادارات ومعدات مراقبة في المواقع الجديدة.
وتظهر الصور التي التقطها مراحيض متنقلة بيضاء وزرقاء، ومولدات كهرباء وأبراج اتصالات عالية باللونين الأبيض والأحمر. كما لاحظ هذا المراسل أن ممر نتساريم لم يكن يحتوي على شيء خلال زيارته الأولى في تشرين الأول/ أكتوبر سوى ممر للدبابات. والآن باتت القواعد العسكرية المشيدة فيه تضم منشآت للنوم وغرف استحمام ومطعم متنقل وملاجئ صلبة الأسقف.
وأشارت الصحيفة إلى أن قوات الاحتلال قامت أيضا بالاستيلاء على منشآت مدنية مجاورة وتحويلها إلى مواقع عسكرية. إحداها هي مدرسة سابقة في قرية جحر الديك، تبعد حوالي ميل واحد عن الحدود مع إسرائيل. وقد ظهرت في الموقع حواجز رملية في النصف الثاني من شهر آذار/ مارس، فيما تم تدمير بقية القرية.
ويبدو أن هذه القوات استولت أيضا على مستشفى الصداقة التركي الفلسطيني وحولته إلى قاعدة لعملياتها، بعد أن كان متخصصًا في علاج مرضى السرطان. وقد أغلق المستشفى أبوابه في الأسبوع الأول من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر بسبب القصف الإسرائيلي على محيطه ونفاذ الوقود، ليبقى الآلاف من مرضى السرطان الفلسطينيين محرومين من العلاج. ثم ظهرت الحواجز الرملية في محيط هذا المستشفى في أواخر نفس الشهر. وواصل الاحتلال تجريف مئات الهكتارات في محيطه، ودمر الصوبات الزراعية وفجر جامعة الإسراء وقصر العدل الذي كان يضم المحاكم العليا في غزة.
أمام كل هذه المؤشرات في ممر نتساريم، يرى الخبراء العسكريون أن فترة احتلال عسكري مطول باتت أكثر ترجيحًا من ذي قبل، خاصة في غياب الحلول البديلة لإدارة القطاع بعد الحرب.
وقد رفض الاحتلال المقترحات الأمريكية بعودة السلطة الفلسطينية، كما أن فكرة نشر قوات أمنية عربية لا تحظى بالقبول لدى دول المنطقة. إلا أن الوجود العسكري الإسرائيلي بحسب الصحيفة سيكون مرفوضًا تماما من سكان غزة، وممر نتساريم بات منذ الآن هدفا مفضلا لهجمات حماس وبقية الفصائل المسلحة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الاحتلال غزة حماس الفلسطينيين فلسطين حماس غزة الاحتلال محور نتساريم صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ممر نتساریم الصحیفة أن
إقرأ أيضاً:
مدير عام الطب الشرعي بغزة: الاحتلال يطمس أدلة تثبت ارتكابه جرائم حرب
غزة- تنشغل مشرحة مجمع الشفاء الطبي هذه الأيام بمعاينة جثث الشهداء الذين اضطر ذووهم لدفنهم خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة داخل باحات المستشفيات وفي أماكن عامة، وذلك تمهيدا لنقلهم إلى المقابر المخصصة لدفن الموتى.
ويتولى الطب الشرعي مهمة استخراج جثث الشهداء والتأكد من هويات أصحابها، وتدوين كل الملاحظات الخاصة بطبيعة الإصابات التي أدت لوفاتهم في إطار استكمال توثيق ملفات الشهداء.
الجزيرة نت أجرت حوارا مع المدير العام للطب الشرعي والمعمل الجنائي في غزة خليل حمادة الذي تحدث عن ظروف العمل الصعبة التي تسببت فيها الحرب الإسرائيلية، وأثر منع قوات الاحتلال إدخال المعدات اللازمة على استكمال مهامهم.
كما رافقت الجزيرة نت المسؤول الطبي حين إتمامه تقرير وفاة مسن فلسطيني فارق الحياة على الفور بعد سماعه نبأ استشهاد أبنائه وأطفالهم عقب تدمير طائرات الاحتلال الحربية منزل العائلة فوق رؤوسهم.
وقال حمادة "هذه الحالة واحدة من مئات جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان قطاع غزة".
مع انطلاق شرارة الحرب على غزة تكدست عشرات الجثث داخل المشرحة المخصصة لمعاينة الشهداء وتوثيق طبيعة الأسلحة التي اخترقت أجسادهم وما نجم عنها من تهشيم وكسور، وحتى تحول بعضهم إلى أشلاء بسبب تعرضهم للصواريخ بشكل مباشر.
إعلانويركز الأطباء الشرعيون عملهم خلال الحروب على المعاينة الظاهرية للجثث وتوثيقها بالصور التي تكشف الآثار التي تركتها الأسلحة الإسرائيلية على أجساد الضحايا سواء تعرضهم لشظايا صواريخ أو قذيفة دبابة أو طلقات نارية، أو أصابتهم صواريخ الطائرات الحربية بشكل مباشر، مع تدوين جميع المعلومات المتاحة عن هؤلاء الشهداء بما فيها الملابس التي يرتدونها والعلامات المميزة على أجسادهم.
ويقول حمادة إن الأطباء الشرعيين تعرضوا لضغط هائل الأيام الأولى للحرب على غزة، وبقوا على رأس عملهم حتى اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مجمع الشفاء الطبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حينها خرجت المشرحة عن الخدمة قسرا.
وأوضح المدير العام للطب الشرعي أن جنود الاحتلال تعمدوا نثر ملفات معاينة الشهداء في ساحات المستشفى، وتدمير معدات العمل الخاصة بتشريح الجثث، مما زاد من صعوبة عمل الطواقم المختصة بعد انسحاب الآليات التي اقتحمت مجمع الشفاء الطبي مرتين خلال الحرب على غزة.
ويؤكد المسؤول الطبي أن جيش الاحتلال يريد طمس كل الوثائق والأدلة التي تثبت جرائم الحرب التي ارتكبها بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، كما اشتكى من ضعف الإمكانات المخصصة للعمل بسبب تدميرها ومنع ادخال المواد اللازمة لفحص الحمض النووي "دي إن إيه" (DNA) رغم أهميته في التعرف على جثث الشهداء مجهولي الهوية.
ولفت حمادة إلى أن الاحتلال دمر المستلزمات الأساسية لعمل الطب الشرعي من مناشير كهربائية وأجهزة الأشعة، ويمنع إدخال أجهزة فحص السموم.
وأضاف "نعاني من نقص كبير في الكادر البشري، حيث لا يوجد سوى 3 أطباء مختصين فقط في جميع محافظات قطاع غزة، مما زاد الأعباء الملقاة على الطب الشرعي".
وبرز ملف الشهداء مجهولي الهوية خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة بشكل لافت، وشكل تحديا للطواقم المختصة التي اتخذت إجراءات يمكن أن تدل عليهم في وقت لاحق، كما يقول مدير عام الطب الشرعي.
إعلانويكمن أولى الإجراءات الخاصة بمجهولي الهوية في توثيق بياناتهم وتصويرها بشكل دقيق من حيث العلامات الظاهرة من شكل وألوان الملابس وحجم الحذاء وارتداء الشهيد أي إكسسوارات (ساعة، خاتم) وما يحمله في ملابسه من أوراق إن وجدت.
ويشمل التوثيق ما أحدثته صواريخ الاحتلال في أجساد الشهداء من كسور في العظام والجمجمة، ومن ثم تعريف الجثث المجهولة برموز، وذلك تمهيدا لتولي لجنة مختصة من وزارة الصحة والدفاع المدني ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية لعملية الدفن وتوثيق أماكنهم لحين تعرف ذويهم عليهم.
ويشير حمادة إلى أن عشرات الجثث لا تزال مجهولة الهوية، ولم يتم التعرف عليها، ويعزو ذلك لعدة أسباب منها استشهاد جميع أفراد العائلة دفعة واحدة، وأخرى تتعلق بانقطاع الاتصالات بين الأهالي في ذروة الحرب وبالتالي لم يعرفوا أماكن ووجهة أبنائهم، كما أن جيش الاحتلال دفن عددا من الشهداء بعد قتلهم، وتحللت أجسادهم قبل العثور عليهم.
وقد استدعت ظروف الحرب القاسية -كما يقول المسؤول الفلسطيني- تشكيل لجنة توثيق الشهداء والمتوفين والمفقودين في قطاع غزة، سيما أن مئات الشهداء لم يتمكن ذووهم من نقلهم للمستشفيات لإصدار شهادات وفاة لهم قبل دفنهم بسبب خطورة الأوضاع الأمنية، مما يستدعي اتباع إجراءات خاصة لتوثيق وفاتهم.
جرائم حرب
وشكلت الجهات الرسمية في غزة لجنة لتوثيق جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي بغزة تمهيدا لملاحقته قانونيا، والعمل وفق نماذج لجمع كافة البيانات اللازمة للمحاكم الدولية.
وشدد حمادة على أن الاحتلال ارتكب جرائم حرب أدت في الكثير من الأحيان إلى تبخر أجساد الشهداء وفقدان جثثهم.
وقال مدير عام الطب الشرعي إن القوة النارية للصواريخ الثقيلة التي أطلقتها الطائرات الحربية الإسرائيلية على رؤوس الفلسطينيين أدت لتبخر أجساد عدد ممن سقطت الصواريخ عليهم بشكل مباشر.
إعلانوأوضح أن درجة الحرارة المنبثقة عن الصواريخ تصل لآلاف الدرجات المئوية، وتعمل على تفتيت الأشخاص لقطع صغيرة، ومن ثم حرقها كاملا وتبخرها.
وذكر المسؤول ذاته أن الكثير من الحوادث والشهادات التي عايشوها واستمعوا لها أثبتت أن جثث عشرات الشهداء تبخرت ولم يجد ذووهم أثرا لها، مشددا على أن هذه جرائم حرب وإبادة ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.