رام الله - خاص صفا

وفي الذكرى الـ76 للنكبة، تواصلت المجازر الإسرائيلية بحق أهالي قطاع غزة منذ 8 أشهر متواصلة، مع إصرار الاحتلال على تهجير المواطنين بشتى الوسائل، بعد استهدافه أكثر من 35 ألفًا وإصابته نحو 80 ألفًا آخرين، وتدمير نحو 50% من مباني القطاع وبنيته التحتية ومنشآته الخدمية والاقتصادية.

مشاهد تتكرر ذاتها وتعيد للأذهان ما حدث قبل عشرات السنين، بدفع الأهالي للنزوح القسري مع فارق التجويع وهدم غالبية المراكز الصحية، وأفعال ترتقي لحرب إبادة جماعية في قطاع غزة.

يقول مدير مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية عمر رحال، إن "الحروب التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني ضد الديمغرافيا والجغرافيا، وهي أحد أهم منطلقات الحركة الصهيونية التي تقوم على مزيد من الأرض بلا سكان".

ويوضح رحال في حديث لوكالة "صفا"، أن "المشروع الصهيوني رغم أنه حقق "دولة" عام 48، إلا أنه لم يحققه بشكل كامل، والذي يقوم على إفراغ الأرض من المواطنين واستقدام يهود العالم وإحلالهم مكان الشعب الفلسطيني، باعتبار أن هذه الأرض حسب المفهوم التوراتي أرض الآباء والأجداد، لذلك بقي الكيان الإسرائيلي ومعه الحركة الصهيونية تعيش هاجس الديمغرافيا والجغرافيا".

ويشير رحال إلى أن الاحتلال وخلال العدوان المتواصل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، "تعمّد تهجير جميع أهالي قطاع غزة، وربما كان هذا أحد أهم الأهداف السياسية للحرب، وهو تهجير المواطنين تحت القصف والتدمير والقتل، وتارة بطريقة طوعية من خلال التواصل مع بعض دول العالم لاستقبال اللاجئين على أراضيها".

ويضيف "رغم المجازر والإبادة الجماعية وتدمير كل شيء في غزة إلا أن الاحتلال فشل وبشكل ذريع في تحقيق أهدافه"، مرجعًا ذلك إلى الصمود الأسطوري لأهالي القطاع ورفضهم للتهجر واللجوء، وإصرارهم على البقاء فوق أراضيهم رغم هول ما يحدث.

ووفق رؤية رحال، فإن الشعب الفلسطيني استخلص العبر مما جرى في نكبة عام 48 وعملية التشريد إلى المنافي والشتات، والإصرار على الصمود في الأرض مهما كلف ذلك من ثمن.
 
ويقول :"اليوم يدرك الاحتلال أكثر من أي وقت مضى أن وعي المواطنين وصمودهم على أرضهم ومواجهتهم لكل مشاريع التوطين ورفض أنصاف الحلول، هي واحدة من الأسباب الأساسية التي أفشلت عملية التهجير وطرد المواطنين الفلسطينيين من أرضهم".

ويتطرق رحال إلى أن تهجير الشعب الفلسطيني كان ولا يزال حاضرًا في أدبيات الأحزاب الصهيونية بكل أطيافها السياسية، وكانت حكومات الاحتلال المتعاقبة تتنظر وتتحين الفرصة لتنفيذ مخطط التهجير القسري والطوعي، إلا أن ثبات الأهالي في غزة أعطى الاحتلال درسًا بحتمية البقاء ورفض التهجير.

بدوره، يقول المحلل السياسي أمجد بشكار إن مشاهد نكبة عام 48 تتسجد في الحرب على قطاع غزة، من خلال مسيرة التهجير والتشريد والتنقل الطويلة التي عاشها الفلسطيني في تخوم القرى والبلدات المهجرة.

ويضيف بشكار لوكالة "صفا"، أن وجه الشبه الفعلي بين النكبة والحرب على غزة تتجسد في خطة التهجير، إذ أنه "في عام 48 كانت العصابات الصهيونية تحاصر القرى بالدبابات والإبقاء على ممر واحد حتى يتم دفع الفلسطينيين للتهجير والنزوح، وهذا كله تحت قوة القتل والمجازر وإجبار الفلسطينيين على التهجير إلى مخيمات الضفة وغزة والأردن ولبنان".

ويلفت بشكار إلى أن "جميع هذه المشاهد فعليًا حاضرة الآن من خلال الأساليب نفسها، بل أن الاحتلال اعتمد أساليب أكثر دموية في حرب على قطاع غزة"، متابعًا "الواقع في غزة الآن هو أشد قسوة من نكبة عام 48 ونكسة 67، فما يحدث اليوم هو أقسى ما يمكن أن يمر في التاريخ الحديث".

ركيزة المقاومة

ويلفت بشكار إلى أن ثبات الفلسطيني على أرض غزة في وجه القتل والدمار وحالة التجويع التي لا تزال قائمة، هو من أفشل مخطط التطهير العرقي لدى الاحتلال.

ويرى بشكار أن "ما يميز أحداث اليوم رغم قساوتها وشدتها وحجم القتل والدمار عن نكبة عام 48، هي المقاومة التي صنعتها غزة، والتي أشعرت الفلسطينيين بوجود قوة حقيقية تدافع عنهم، وبفضلها بقي الفلسطينيون صامدون على أرض الوطن رغم النزوح الداخلي المستمر".

ويشدد بشكار على ارتباط المواطنين في أرضهم وصمودهم عليها، واحتضانهم للمقاومة التي دافعت عنهم وعن الأرض في آن واحد، مردفًا "هذا ما شكّل ضربة لمشروع الاحتلال ومساعيه الرامية لطرد جميع الأهالي ونفيهم إلى خارج قطاع غزة".

ويواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي حربه المدمرة على قطاع غزة، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مخلفًا عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى معظمهم أطفال ونساء، ودمارًا هائلاً ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.

وتواصل "إسرائيل" حربها رغم صدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار فورًا، وكذلك رغم مثولها أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية".

المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية

كلمات دلالية: النكبة النكبة الفلسطينية تهجير تهجير قسري حرب غزة حرب الابادة الجماعية مجازر اسرائيلية الشعب الفلسطینی على قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

محمود درويش: كيف شكلت النكبة هويته الشعرية؟

تعد النكبة الفلسطينية عام 1948 واحدة من أكثر الأحداث تأثيرًا في التاريخ العربي الحديث، ولم تكن مجرد مأساة سياسية واجتماعية، بل كانت أيضًا محطة فارقة في تشكيل وعي وهوية جيل كامل من الأدباء والمثقفين الفلسطينيين. 

وعلى رأس هؤلاء يقف محمود درويش الذي يصادف اليوم ذكرى ميلاده، الذي جعل من النكبة حجر الأساس في مشروعه الشعري، حيث لم تكن مجرد ذكرى، بل أصبحت تجربة حية تلازمه في كل قصيدة كتبها، من أولى مجموعاته حتى آخر كلماته.

الطفولة في ظل اللجوء والمنفى

ولد محمود درويش عام 1941 في قرية البروة، ولكن لم يكن له أن يبقى فيها طويلًا، إذ اضطر وعائلته إلى مغادرتها بعد الاجتياح الإسرائيلي لفلسطين عام 1948، ليعيش تجربة اللجوء وهو طفل صغير. 

انتقل مع عائلته إلى لبنان قبل أن يعود سرًا إلى فلسطين ليجد قريته قد مُسحت عن الخريطة، ليصبح لاجئًا في وطنه، يحمل هوية “مقيم غير شرعي”. هذا الإحساس بالاقتلاع والمنفى سيظل محورًا رئيسيًا في شعره لعقود طويلة.

من شاعر مقاومة إلى شاعر إنساني عالمي

في بداياته، تأثر درويش بالحركة الوطنية الفلسطينية، وكانت قصائده مشبعة بروح النضال والمقاومة، مثل قصيدته الشهيرة “سجّل أنا عربي”، التي عبرت عن تحدي الفلسطيني لهويته المسلوبة. 

لكن مع مرور الزمن، بدأ درويش يتجاوز الخطاب السياسي المباشر، وراح يطرح القضية الفلسطينية بمنظور أوسع، حيث باتت النكبة في شعره رمزًا عالميًا للمنفى والضياع الإنساني.

في قصيدته “سرحان يشرب القهوة في الكافيتيريا”، يرسم صورة اللاجئ الفلسطيني الذي لم يعد يعرف وطنه الحقيقي، وفي “أحد عشر كوكبًا على آخر المشهد الأندلسي”، يربط بين النكبة الفلسطينية وسقوط الأندلس، ليؤكد أن المنفى ليس مجرد مكان، بل هوية تلاحق الفلسطيني في كل زمان ومكان.

تحولات الهوية: بين الوطن والمنفى

مع مرور الوقت، بدأ درويش يتبنى نظرة أكثر فلسفية تجاه النكبة، فلم يعد الوطن مجرد مكان يحتل، بل أصبح حالة وجدانية يعيشها الإنسان أينما ذهب يقول في إحدى قصائده:

“أنا من هناك… أنا من هنا… ولستُ هناك، ولستُ هنا”،

وكأنه يختصر مأساة الفلسطيني الذي فقد أرضه، لكنه لم يفقد إحساسه العميق بها.

في ديوانه “حالة حصار”، كتب درويش بأسلوب أكثر تأمليًا عن النكبة بوصفها تجربة إنسانية وجودية، متجاوزًا البعد السياسي، ومقدمًا فلسطين بوصفها فكرة تعيش في الذاكرة، لا مجرد بقعة جغرافية.

مقالات مشابهة

  • محمود درويش: كيف شكلت النكبة هويته الشعرية؟
  • الاتحاد: ترامب أدرك استحالة تغيير الواقع في غزة أمام صمود الفلسطينيين
  • حماس ترحب بتصريحات ترامب حول ملف التهجير..هل تراجع؟
  • حماس ترحب بتراجع ترامب عن دعوات التهجير
  • جنرالان للاحتلال يدعوان لخيار ثالث في غزة يستثني التهجير واستئناف الحرب
  • معروف: الاحتلال يرفع وتيرة جرائمه بحق الشعب الفلسطيني
  • معاينة الأضرار المادية التي لحقت بـ«منازل المواطنين» في الأصابعة
  • مع قرب المهلة التي منحها السيد القائد.. حماس: العدو يواصل إغلاق معابر غزة بشكل كامل
  • 5 شهداء في قصف الاحتلال مجموعة من المواطنين في قطاع غزة
  • التعليم تنشر أسماء المدارس التي تعمل في وسط قطاع غزة