شعر مستعار مذهل لأميرة مصرية بالعصور القديمة.. ما حقيقة الصور؟
تاريخ النشر: 19th, May 2024 GMT
تكتسب حضارة مصر القديمة أهمية بالغة بين الحضارات، نظراً لغناها وتقدمها في عدة مجالات، وكثيرة هي المعلومات والاكتشافات الأثرية المثيرة التي توثق ما قدمته، مما يدفع الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي لتداول منشورات قد لا تتمتع بالدقة أو تثير الجدل.
وآخر تلك المنشورات تتحدث عن العثور على شعر مستعار مطرز بالذهب بحالة جيدة، يعود لإحدى زوجات "تحتمس الثالث"، وعمره أكثر من 3 آلاف سنة.
ويظهر في صور المنشورات، شعر مستعار مطرز وتزيّنه حلقات ذهبية.
وعلق ناشرو الصورة بالقول: "هذه الباروكة (الشعر المستعار) عمرها حوالي 3450 سنة، يعني أنها كانت موجودة قبل وجود أكثر من 90 بالمئة من الدول الموجودة الآن على هذه الكرة الأرضية".
وأضافوا أنه يعود لـ "إحدى زوجات تحتمس الثالث" وأنه عثر عليه في "البر الغربي بمحافظة الأقصر" (صعيد مصر)، زاعمين أن الشعر "مطرّز بعناية فائقة بالذهب وفي حالة جيدة".
وحصدت المنشورات آلاف التفاعلات عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما المصرية منها.
تزوير للحقائق التاريخيةلكن جل ما ادعته المنشورات لا أساس له من الصحة، حسب ما أكده خبيران في الآثار المصرية لوكالة فرانس برس.
وفي التفاصيل، نفى الأستاذ في كلية الآثار في جامعة عين شمس المصرية، مدير عام المتحف المصري في التحرير، علي عبد الحليم، صحة كل ما جاء في المنشورات.
وشرح قائلاً: "الشعر المستعار الظاهر في الصور هو تصميم حديث طبق الأصل"، وليس شعراً مستعاراً يعود لعهود مصر القديمة.
وصُنع هذا الشعر المستعار محاكاة لشعر مستعار أصلي عُثر عليه متحلّلاً في مقبرة الأميرة سات حتحور (ويطلق عليها أيضاً اسم سات حتحورات أيونت)، والمرجح أنها ابنة الملك سنوسرت الثاني وزوجة أمنمحات الثالث سادس فراعنة الأسرة الثانية عشر.
وشدد على أنه "لا يعود الشعر المستعار إلى زوجة تحتمس الثالث كما روجت المنشورات المضلّلة".
وأضاف الخبير المصري أن مقبرة الأميرة سات حتحور "عثر عليها في العام 1914 في الجهة الجنوبية من هرم "سنوسرت" في قرية اللاهون في محافظة الفيوم المصرية" ، وليس في البرّ الغربي لمحافظة الأقصر، كما ادّعت أيضاً المنشورات.
شعر مستعار حقيقي؟وأكد مدير عام المتحف المصري أن مقبرة الأميرة سات حتحور هي أبرز نموذج يجسد فن الحلي في مصر القديمة، إذ عثر داخلها على عدد كبير من الكنوز الخاصة بالأميرة، وم بينها تيجان وعقود وصناديق خشبية مطعمة بالعاج ومرآة من الفضة ومجوهرات منقوش عليها اسم الملك أمنمحات الثالث.
وبعض هذه الكنوز معروض حاليًا في المتحف المصري في التحرير، أما ما تبقى منها فموجود في متحف المتروبوليتان في الولايات المتحدة، ومن بينها هذا الشعر المستعار الذي يحاكي الأصلي.
تصميم طبق الأصلوهذا الشعر المستعار الحديث الصنع، صُمم كصورة طبق الأصل عن شعر مستعار أصلي عثر عليه متحللًا في واحد من صناديق الأميرة سات حتحور.
أما الحلقات الذهبية التي زينت الشعر فهي أصلية أخذت من الشعر المستعار، الذي وجد متحللًا ووضعت بنفس الطريقة تقريباً في التصميم الجديد.
واتفقت الباحثة الأثرية أمنية صالح، المتخصصة في مجال الملابس والحلي في مصر القديمة مع عبد الحليم، فتقول: "إن الشعر المستعار المعروض حاليًا في متحف المتروبوليتان هو حديث الصنع، وقد صمم ليتطابق بالكامل مع شكل الشعر المستعار (الأصلي) الذي تحلّل بفعل عوامل الزمن".
وأكدت أيضاً على أن الحلقات الذهبية "أصلية"، وقد عُثر في الصندوق على ما يزيد عن 1200 حلقة ذهبية بحجمين مختلفين، كانت تزين الشعر المستعار الأصلي.
ماذا يقول متحف المتروبوليتان عن الشعر المستعار؟يرشد البحث العكسي عن صور الشعر المستعار إلى الصفحة الرسمية لمتحف المتروبوليتان الأميركي، التي خصصت للشعر المستعار زاوية خاصة.
ويشير الوصف المرافق لهذه التحفة إلى أنه عثر في الصناديق الخشبية على 1251 حلقة ذهبية بحجمين مختلفين، كانت تزين الشعر المستعار الذي تحلّل، وقد تم وضعها على الشعر المستعار الحديث.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الشعر المستعار مصر القدیمة شعر مستعار
إقرأ أيضاً:
بردية إدوين سميث.. الجراحة بعين العقل في مصر القديمة
في سوق مصري مزدحم عام 1862، وقف تاجر الآثار الأميركي إدوين سميث يتأمل بردية مهترئة مكتوبة بالخط الهيراطيقي، وهو شكل من أشكال الكتابة المصرية القديمة. لم يكن يجيد فك رموزها، لكنه أدرك، بغريزة الباحث، أن ما بين يديه يحمل قيمة فريدة. اشتراها على الفور، ثم عاد لاحقًا ليجمع أجزاء أخرى تبيّن لاحقًا أنها استكمال لنفس النص.
وفي قلب الأكاديمية الطبية بنيويورك، ترقد بردية عمرها أكثر من 3600 عام، تُعدّ من أندر وأهم النصوص الطبية في تاريخ الإنسانية وتسمى "بردية إدوين سميث" وتعد أقدم وثيقة جراحية معروفة من التاريخ البشري القديم، وأول نص طبي يسجل وصفًا علميًا لسرطان الثدي، وأول دليل مكتوب يعكس ممارسة منهجية للجراحة والإسعافات الطبية بعيدًا عن الطقوس السحرية.
تعود البردية إلى الفترة الانتقالية الثانية في مصر القديمة (الأسرتين 16 و17، نحو 1600 قبل الميلاد)، ويعتقد أنها كانت بمثابة دليل للجراحين العسكريين. فهي تسرد 48 حالة إصابة، من الجروح والكسور والخلوع إلى الأورام، بأسلوب يشبه الفحوص الطبية الحديثة. تبدأ كل حالة بوصف الإصابة، ثم تليها خطوات الفحص السريري، فالتشخيص، وأخيرًا الخطة العلاجية التي تتضمن غرز الجروح، وتثبيت الكسور، والعلاج بالعسل، وحتى استخدام اللحم النيء لوقف النزيف.
إعلانيُرجَّح أن البردية استُخرجت من أحد مقابر طيبة، عاصمة مصر العليا القديمة. وهي مكتوبة بطريقة مرتبة، تبدأ من الرأس نزولًا بالجسد، بطريقة تشريحية أقرب إلى تصنيفاتنا الحديثة، مما يدل على منهجية علمية متقدمة في الملاحظة والتوثيق تضع الأسس الأولى للطب السريري وتؤكد أن الملاحظة والتجريب والعقل سابقة بكثير على العصور الوسطى والمعاصرة.
وتقدم هذه البردية دليلاً ملموساً على أن المصريين القدماء طوروا نهجاً عقلانياً ومنهجياً للطب قبل آلاف السنين، ويصف الباحثون النص بأنه "أول دليل جراحي منهجي في التاريخ"، حيث تبدأ كل حالة بعنوان يحدد طبيعة الإصابة، يتبعها فحص سريري، ثم تشخيص، وأخيرًا خطة علاج مفصلة. 3 نتائج محتملة كانت تُمنح لكل حالة: "مرض يمكن علاجه"، أو "مرض محل مراقبة"، أو "مرض لا يُرجى شفاؤه"، وهي مقاربة تُذكّرنا بتقييمات غرف الطوارئ في الطب الحديث وتُظهر وعيًا مبكرًا بقضايا التنبؤ بحالة المريض وحدود الطب.
على خلاف برديات طبية مصرية أخرى مثل بردية إيبرس وبردية لندن الطبية، التي يغلب عليها الطابع السحري، تمثل بردية إدوين سميث نقلة نوعية، إذ تُعلي من شأن المنهج العقلاني والعلمي في الطب، دون أن تُقصي السحر تمامًا. فهو حاضر فقط في حالات قليلة، ومنها حالة واحدة استخدم فيها تعويذة سحرية كحل أخير.
وتكمن الأهمية الكبرى للبردية أيضًا في توصيفها التشريحي، حيث تحتوي على أول توثيق معروف لمكونات الدماغ مثل السحايا، والسائل الدماغي النخاعي (الموجود في الدماغ والحبل الشوكي)، والجمجمة، إلى جانب فهم بدائيّ لآلية الشلل وعلاقة إصابات الدماغ بالأطراف. كما توثق وصفًا دقيقًا للقلب، والأوعية الدموية، والكلى، والمثانة، وطرائق تشخيص تعتمد على المشاهدة واللمس وحتى الشمّ.
إعلانمن أبرز الحالات في البردية، تلك التي تشرح كيفية إعادة فك مفصل الفك السفلي: "عليك أن تضع إبهامك على الجانبين الخلفيين من العظم المشقوق في الفك، من داخل الفم، واثنين من أصابعك أسفل الذقن، ثم تدفعها لتعود إلى مكانها." وهي تقنية لا تختلف كثيرًا عما يعتمده الأطباء اليوم في إعادة الفك المخلوعة.
وفي حالة أخرى، يوثّق النص إصابة في الجمجمة أدّت إلى كشف الدماغ، مع ملاحظات دقيقة عن الغشاء الدماغي والسائل الشوكي، الأمر الذي وصفه فورشاو بأنه "مذهل تاريخيًا". بل إن بعض الحالات يُنصح فيها بوضع المريض تحت الراحة التامة والمراقبة المستمرة، وهي دلالة على حس إنساني مبكر في التعامل مع الإصابات الخطيرة، حتى تلك التي تُعدّ غير قابلة للعلاج.
مقاطع ناقصةوتُعدّ البردية مرجعًا استثنائيًا لفهم الطب والجراحة في مصر القديمة، غير أن ما وصلنا منها يغطي فقط ثلث الجسم البشري. فالنص يتوقف فجأة عند الإصابات في الذراع والصدر، ويغيب فيه أي ذكر لأمراض أو إصابات البطن والأعضاء الداخلية، ويقول باحثون إن اكتشاف الأجزاء المفقودة من البردية سيكون إنجازا تاريخيا وأثريا هائلا لأنه قد يقدّم لنا فهمًا أوسع لرؤية المصريين القدامى للجسم البشري.
ورغم جهود الترجمة التي بدأت مع جيمس هنري بريستد عام 1930، فإن العلماء حتى اليوم يواجهون صعوبة في تفسير بعض المصطلحات الطبية القديمة المرتبطة بالعلاجات والعقاقير، ما يجعل عملية استعادة الطب المصري القديم مهمة مستمرة ومعقدة.
وتوثق البردية 48 حالة طبية، من بينها عدة حالات تتعلق بإصابات العمود الفقري والحبل الشوكي، وتشمل أعراضًا مثل فقدان الإحساس بالأطراف، والشلل، والقصور الوظيفي، وهي أول نص طبي يصف إصابات العمود الفقري بدقة سريرية لافتة، بحسب دراسة نشرتها المجلة الأوروبية للعمود الفقري (European Spine Journal, 2010).
إعلان من الأقصر إلى نيويوركاكتُشفت أهمية البردية في الأقصر عام 1862، على يد عالم المصريات الأميركي إدوين سميث، الذي اشتراها من تاجر آثار مصري. وكان سميث -الذي وُلد في العام نفسه الذي فك فيه شامبليون رموز الهيروغليفية- مولعًا بالمخطوطات، فاحتفظ بالبردية حتى وفاته عام 1906، قبل أن تهبها ابنته لجمعية نيويورك التاريخية.
لاحقًا، تعرفت الباحثة كارولين رانسوم ويليامز على أهمية البردية، وأرسلتها إلى المؤرخ الأميركي جيمس هنري بريستد، الذي نشر أول ترجمة علمية لها عام 1930، مستعينًا بطبيب جراح. كانت تلك الترجمة لحظة مفصلية في فهم تاريخ الطب المصري القديم، حيث أثبتت أن المصريين القدماء كانوا يمارسون الطب بطريقة تجريبية وعقلانية تفوق ما كان يُعتقد سابقًا.
وتختزل رحلة البردية الطبية مسار نهب الآثار المصرية في العصر الحديث؛ من أيدي المنقبين إلى التاجر والوسيط المصري مصطفى أغا، المنحدر من قرية القرنة، والذي عمل وكيلًا للقنصليات الأجنبية في الأقصر، ثم إلى هواة جمع التحف والآثار الأوروبيين، وصولًا إلى خزائن المؤسسات الغربية. وتروي قصة البردية التي سميت باسم التاجر الأجنبي مأساة التفاوت بين ما أنجزته الحضارة المصرية القديمة في مجالات الطب والعلم، وما آل إليه الواقع من غياب عن امتلاك هذا الإرث، والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم: كيف لحضارة أرست أسس المنهج العلمي قبل آلاف السنين أن تصبح مجرّد متفرّج على إرثها، يُقرأ ويُدرّس في الخارج؟
بقايا عبقرية طبيةالبردية عبارة عن لفافة طولها نحو 4.7 أمتار، مكتوبة من اليمين إلى اليسار بالخط الهيراطيقي، باستخدام الحبرين الأسود (للنص الأساسي) والأحمر (للتعليقات والتوضيح). رغم أنها تنتهي بشكل مفاجئ في منتصف السطر، فإن محتواها لا يزال قائمًا ومُلهمًا حتى اليوم. على وجهها الأمامي، نجد الإصابات الـ48؛ أما ظهرها، فيحوي 8 تعاويذ سحرية (بحسب بعض المصادر العلمية) و5 وصفات طبية، في مزيج فريد يجمع بين العلم والأسطورة.
إعلانمن عام 1938 إلى 1948، كانت البردية معروضة في متحف بروكلين، قبل أن تُنقل إلى الأكاديمية الطبية بنيويورك، حيث لا تزال تُعرض حتى اليوم. كما ظهرت نسخة محدثة من ترجمتها قبل أعوام قليلة على يد جيمس ألين، أمين الفن المصري بمتحف المتروبوليتان، لتواكب التقدم في فهم الخطوط المصرية القديمة والتقنيات الطبية.
ورغم مرور أكثر من 3 آلاف عام، فإن الكثير من الإصابات والحالات المسجلة في بردية إدوين سميث لا تزال تشغل غرف الطوارئ الحديثة. يقول أحد الأطباء المعاصرين تعليقًا على البردية "حتى عبر آلاف السنين، نواجه التحديات ذاتها".