د.حماد عبدالله يكتب: تقدم العلوم والتكنولوجيا (والعفاريت) !!
تاريخ النشر: 19th, May 2024 GMT
تتقدم الأمم وتتقدم العلوم والتكنولوجيا وتنتشر المعلومات بين أرجاء المعمورة فى ثوانى معدودة عبر شبكات التواصل الإجتماعى.
ومع ذلك يبقى لدينا كمصريين فى الذاكرة الجمعية ما يجعلنا نتوقف كثيرًا أمام مشاهد تأتى إلينا عبر شبكات التليفزيون العالمية وتعرضها فى Net Flex أو غيرها مما يجعلنا نعيد التفكير فيما إخُتَزنْ فى الذاكرة الجمعية المصرية والتى أستطيع أن أدعى بأنها أصبحت من الأدب الشعبى المصرى (Folklor) وأتحدث فى مقالى هذا عن (العفاريت) وهى كائنات ذكرت فى القرأن الكريم.
حينما قال عفريت من الجن لسيدنا سليمان عليه السلام أنه على إستعداد لنقل عرش " بلقيس " اليمن إلى مقر سيدنا سليمان قبل أن يغمض له جفن (عين) وقد كان هذه من قصص القرأن الكريم (صدق الله العظيم ) !!
ألا أن موضوع الحديث اليوم هو العفريت الذى كان يهدد به أطفالنا وخاصة فى زماننا نحن وليس هذا الزمان الذى يعيش فيه أطفالنا ويمارسون فيه ألعابهم الإليكترونية التى تضاهى فعل العفاريت، بفكر زمان، أو عقلية تاريخنا القديم كنا من سكان منطقة الدرب الأحمر "والمغربلين " فى قلب القاهرة الفاطمية وشارعها العظيم شارع المعز لدين الله الفاطمى والذى يبدأ من شارع محمد على ( القلعة) وينتهى فى خان الخليلى " بالجمالية "مرورًا بأحياء (سوق السلاح والداودية والمغربلين والغورية وتحت الربع وباب الوزير والغورى والموسكى والأزهر وسيدنا الحسين وخان الخليلى والجمالية ).
وهذه المنطقة الشعبية يتأصل فيها جذور شعب المحروسة حيث يحدها منطقة "الحبانية" "والحلمية الجديدة " "وعابدين " حيث مقر الحكومة بلاظوغلى بعد إنتقالها من القلعة فى عصر الخديوى إسماعيل 1868 وكانت القاهرة فى هذا الزمن هى قاهرة شعب المحروسة بكل طوائفه –ففى هذه الأحياء – كانت الحياة الإقتصادية والإجتماعية مرتبطة إرتباطًا لطيفًا – فالكل يعمل ويقايض ويتبادل المصالح والمنافع وأيضًا المشاعر فيما بينهم فالمدارس فى هذه المنطقة من " الكتاتيب " إلى المدارس حتى المدرسة الثانوية أو ما كانت تسمى بالثقافة أو البكالوريا وأشهر تلك المدارس " مدرسة الخديوية " فى شارع الخليج المصرى و" مدرسة السنية " الثانوية للبنات بالسيدة زينب !!
وفى تلك المناطق كانت ورش الحدادة وصناعة الأسرة والدواليب من الصاج والمواسير وورش الأحذية وورش النجارة وورش الصباغة والنسيج والسجاد وأفران الخبز والكحك ( والمقلاه) للب والسودانى والحمص والطرشجية
( معامل للتخليل) وأفران تدميس الفول ومطاعم الفول والطعمية والباذنجان المقلى والبطاطس و"مسامط" الفتة والكوارع وبقايا اللحوم التى يستجلبها أصحاب هذه المطاعم من منطقة (المذبح) المجزر القديم في القاهرة والواقع علية الأن مستشفي أورام الأطفال وفي هذه المناطق المعبئة بعبق التاريخ المصري الأصيل وفي حواري هذه المنطقة عشت جزء كبير من طفولتي حيث كانت الأسرة تعاني من وجود الأطفال في الحواري في العابهم التي أصبحت من التراث في لعب الأطفال مثل لعبة ( الإستغماية ) ( وحرب أيطاليا ) و( السبع طوبات ) ( والطره والوزير ) ( وصلح ) ولعبة ( الأولي ) للبنات ( والبلي ) أو (الدبور والنحلة) (الترونجيلة ) ( الكرة الشراب ) (وعروسة وعريس ) وهذه أهم اللعبات التى كان يختلط فيها البنين والبنات في اللعبة..
وكان الأطفال يصنعون من الكرتون ومن أغطية زجاجات المياة الغازية بعد وضعها علي ( شريط الترام )، قضبان الترام، ومرورة عليها !!
ليسطحها فيصنع منها كثير من الأشكال.. وكانت الكتاتيب والمدارس تجمع الأطفال والأولاد بكل هذة الثقافات المصرية ويختلط الجميع في صوت واحد مردد وراء "المدرس الشيخ " الأيات القرأنية والأناشيد النبوية وكذلك تسميع القصائد والشعر العربي أما الشييء الذي كان تخافه كل أطفال هذه المرحلة حينما تهدد الأمهات أبنائهن بأن العفريت قادم أو" أبو رجل مسلوخة "هنا فقط يسرع الطفل إلي بيته ثم إلي سريره ليبدأ مرحلة نومه بأحلامه وبداية يوم جديد فكانت قوة الأسطورة عن العفاريت و" أبو رجل مسلوخة " قادرة على ضبط الحركة في البيت في المحروسة ومع ذلك يحدث ذلك فى قاعات استوديوهات(هوليوود) وتقدم لنا الشاشة الفضية بأشكال حديثة ولكنها جميعها قادمة من الماضى الذى إستأثر نفوسنا، وذاكرتنا الجمعية (رحم الله أمى وأيام زمان) !!
أستاذ دكتور مهندس/ حماد عبد الله حماد
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
الرئيس المقاول
دونالد ترامب اكثر رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية إثارة للجدل لا يكاد يمر يوم واحد دونما ان يصدر قرارا او تصريحا يشعل ضجيجا اعلاميا ينتهى بتوجيه سهام النقد الحاد بسبب سلوكه الطائش فهذا الرجل كسر الرقم القياسى فى فترة وجيزة بتوقيع 350 امرا تنفيذيا طبقا لما تعهد به فى حملته الانتخابية، شملت هذه الأوامر قضايا الهجرة والاقتصاد والمساواة والعفو الجنائى وغيرها، وألغى أيضا قرارات تنفيذية كان اتخذها سلفه جو بايدن لذا ثمة تساؤلات مشروعة عن هوية ترامب السياسية بسبب خطابه الشعبوى المقلق وسياسته الهوجاء فتوجهاته الصادمة تبث الرعب والهلع بين الاصدقاء قبل الأعداء فهل هو مجرد رئيس جمهوري بالمفهوم الكلاسيكى أم انه يشكل ظاهرة سياسية قائمة بذاتها لذا يعد التحليل السيكولوجى لشخصية أقوى رئيس فى العالم فرض عين وقد خلص مجموعة مرموقة من أساتذة علم النفس الأمريكيين بعدما قاموا باجراء أبحاث علمية حول شخصيته استندت إلى نظريات عالم النفس الشهير سيجموند فرويد بأنه شخص لديه الكثير من العقد النفسية التى تجعله غير لائق أو مؤهل ليكون على رأس السلطة وخرجت تلك التحليلات بنتيجة مثيرة تفيد بأنه مريض بالنرجسية الخبيثة فهو كما يصفونه سياسى ميكافيلى غشاش سادى عنصرى محتال معتل اجتماعيا مجرد من الانسانية مؤمن ايمانا عميقا بفلسفة القوة على غرار هتلر وموسولينى قد يظن البعض ان ذلك من قبيل المبالغة ولكن بنظرة متعمقة لتاريخه المشبوه كرجل أعمال فى مجال التطوير العقارى الذى جعل منه نجما لامعا فى محيط الصفوة المدهش انه اقر بنفسه بكل هذه الصفات المشينة فى كتابه The art of deal فن الصفقة والذى نشر فى عام 1987 بمشاركة الصحفى تونى شوارتز وحصل على المركز الأول فى الأكثر مبيعا فى قائمة نيويورك تايمز فهو يعده من اعظم انجازاته الفكرية وانه كتابه المفضل بعد الكتاب المقدس!! يسعى بشكل حثيث فى هذا العمل الركيك إلى سرد سيرته الذاتية منذ الطفولة وتوضيح تجربته الشخصية واسلوبه ونجاحه فى مجال الأعمال، حيث يشارك استراتيجياته ومبادئه التى اعتمد عليها خلال صفقاته الكبرى من خلال 11 خطوة للنجاح فى الأعمال مستوحاة من كتاب «قوة التفكير الإيجابي» لنورمان فينسنت بيل. يذكر ترامب مراحل تعليمه المتواضعة فقد قضى سنتين فى جامعة فوردهام فى عام 1964، انتقل بعدها إلى مدرسة وارتون للأعمال بجامعة بنسلفانيا لكن التأثير الاكبر يعود إلى والده فريد ترامب المطور العقارى الذى كون ثروته الطائلة عن طريق بناء الشقق السكنية فى نيويورك وتشييد مساكن للعسكريين الأمريكيين. وكان يرفض بعنصرية مقيتة بيع الوحدات السكنية الى الملونين وخاصة السود وسار الابن على نفس نهج أبيه ولا يستحى من ان يقدم نصائحه للجمهور عن فن عقد الصفقات حيث يعتقد أن الصفقة الناجحة تعتمد على مهارات التفاوض والإقناع، واختيار التوقيت السليم، والقدرة على التحكم فى الرأى العام ويعتبر استراتيجيته التضخيم الصادق جزءا مهما من فلسفته، حيث يمزج بين المبالغة والتفاؤل ما يمكنه من خلق اهتمام زائف بمشروعاته، فمن خلال هذا النهج الملتوى ، يستطيع تشكيل تصورات إيجابية عن مشاريعه، وزيادة قيمتها، وتحقيق زخم يعزز النجاح.
مفتاح فهم سياسات الرئيس ترامب هى كونه يفكر كمقاول بناء وليس كقائد لدولة عظمى فهو مصاب بتضخم الأنا فكل افكاره السياسية غير عقلانية أو واقعية ولأنه يتصف بالعناد والحماقة معا فهو يرى فى معتقداته غير العقلانية حقائق مطلقة يستطيع اجبار الآخرين على تنفيذها. ومثل هذه الأوهام لها سوابق مثل جعل كندا الولاية 51 وسرقة جزيرة جرينلاند من الدانمارك والاستيلاء على قناة بنما وجوب تنظيف غزة بتهجير قسم كبير من سكانها الى مصر أو الأردن أو حتى ألبانيا أو إندونيسيا ومن هنا كان خوف العالم الذى أصبح يدرك مخاطر حكم هذا الامبراطور الشعبوى واعتقد ان البداية الحقيقية كانت من ردة فعل الأبطال الغزاويين الذين قاموا بمشهد أسطورى اذهل العالم اجمع بالسير عشرات الكيلومترات على الأقدام الى ارضهم التى دمرها النازيون الجدد على أمل جعلها خرابات غير قابلة للحياة الادمية لكنهم خالفوا كل توقعات اعدائهم وقرروا التشبث بأرضهم وهم يعلمون أن لا ضمانة لهم ولا مكانة ولا احترام ولا وعد ولا عهد فى أى مكان آخر اعتقد أن بهكذا ارادة فولاذية وعزيمة انسانية عظيمة قادرة على تحدى جبروت عقلية الرئيس المقاول الذى يريد ان يغير العالم باتجاه معاكس لدوران عقارب الساعة بالقضاء على العولمة بالخروج من التجارة العالمية واتفاقية باريس للمناخ التى تعنى انفلات الاحتباس الحرارى وتغيير تقاليد الناتو بالحصول على أجور نقدية لحماية أوروبا وحلفائها فى جنوب اسيا والخليج العربى إلغاء اتفاقية البرنامج النووى مع ايران إنهاء رؤية حل الدولتين.
دونالد ترامب هو خليط مدهش من رؤية توفيق عكاشة وذكاء رضا عبالعال وفهلوة حمو بيكا وقد قال الروائى الامريكى جوزيف هيلر مقولة عظيمة عن جنون العظمة «مجرد أنك تعانى جنون العظمة لا يعنى أنهم لا يطاردونك».