أشباح «الإبادة العرقية» تشعل قلقا عالميا: لماذا يخشى العالم توسع الحرب في السودان إلى مدينة الفاشر؟
تاريخ النشر: 19th, May 2024 GMT
تشهد مدينة الفاشر السودانية حالة ترقب وفزع تجاوز الجغرافيا السودانية إلى الأمم المتحدة وعواصم العالم التي أبدت قلقا متزايدا من مخاطر توسع المعارك الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى هذه المدينة التي تأوي حاليا نحو 1.5 مليون نسمة من السكان والنازحين المحاصرين في ظروف صعبة، وباتوا مهددين بالتعرض لجرائم “إبادة عرقية” قد تسجل أسوأ كارثة إنسانية في التاريخ الحديث.
الثورة / تحليل / أبو بكر عبدالله
منذ أيام لم تتوقف التحذيرات التي تطلقها الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي وعواصم العالم من مخاطر امتداد الحرب الدائرة بين الجيش السواني وقوات الدعم السريع إلى مدينة الفاشر الحدودية الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني بعد أن شهدت قبل أيام معارك عنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي تحاول السيطرة على المدينة، أطلقت جرس انذار عن جرائم إبادة عرقية وشيكة الوقوع قد يتعرض لها مئات الآلاف من سكانها المنحدرين من عرقيات متناحرة.
طوال العام الماضي ظلت مدينة الفاشر عاصمة إقليم شمال دارفور، الملاذ الآمن لنحو مليون نازح هربوا من مناطق الحرب، بعد أن حولها المجتمع الدولي إلى مركز للدعم الإنساني لكنها اليوم تواجه محنة الاجتياح العسكري من قوات الدعم السريع التي تسعى للسيطرة على المدينة التي تعد الأخيرة بين مدن إقليم دارفور الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع.
قبل أيام افاق سكان المدينة على سماع دوي قذائف ثقيلة سقطت في احياء مكتظة بالمدنيين والنازحين في مواجهات عنيفة اشتعلت بين قوات الجيش والدعم السريع واستخدم فيها الطرفان أسلحة ثقيلة من الدقائق الأولى أوقعت قتلى وجرحى من المدنيين وأرغمت الآلاف منهم على الفرار، ما أثار قلقا دوليا عبرت عنه الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والعديد من عواصم العالم من مغبة امتداد الحرب إلى هذه المدينة التي تمثل الشريان الحيوي للمساعدات وجهود الإغاثة الإنسانية.
وبينما نشرت القوات المشتركة لحركات الكفاح المسلحة التي يقودها حاليا الجيش السوداني من قاعدته بوسط مدينة الفاشر، تعزيزات عسكرية في الأسواق والأحياء والشوارع الرئيسية للمدينة لمواجهة أي اجتياح لقوات الدعم السريع، عززت قوات الدعم السريع تمركزها في الأحياء الشرقية للمدينة، وعلى مدخل الطريق القومي الرابط بينها وبين العاصمة السودانية الخرطوم استعدادا لمعركة الاجتياح، لترسم هذه التداعيات مشهدا مؤلما لمئات الآلاف من المدنيين الذين لم يجدوا وسيلة للهرب من داخل المدينة المحاصرة.
سباق السيطرة
من بين كل مدن إقليم شمال دارفور الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع ظلت مدينة الفاشر الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني، بعيدة عن أعمال العنف والقتل وجرائم الإبادة العرقية التي شهدتها العديد من مناطق الإقليم خلال الشهور الماضية، إذ وفرت سيطرة الجيش على المدينة الملاذ الآمن لأكثر من مليون ونصف مدني بينهم 800 ألف نازح فروا إلى المدينة بحثا عن الأمان والطعام.
لكن المجال الآمن الذي تشكل خلال شهور الحرب الماضية تغير كليا مع فشل جهود المفاوضات في المسارات العربية والدولية والأفريقية، واستعداد كل طرف لتحسين مركزة العسكري في معادلة الحرب بما جعل هذه المدينة رأس الحربة في أي تحركات عسكرية محتملة.
والسبب في ذلك أن مدينة الفاشر الحدودية تحظى بأهمية استراتيجية بالنسبة للجيش السوادني وقوات الدعم السريع، فهي كانت ولا تزال تشكل المقر التاريخي للقوت المسلحة السودانية كما انها المركز التجاري الاستراتيجي الهام الذي يربط السودان بليبيا وتشاد التي تتهمهما الحكومة السودانية بدعم التمرد الذي تقوده قوات الدعم السريع بالسلاح والمرتزقة.
وتبدو قوات الدعم السريع اليوم مستعدة للتقدم نحو المدينة بكل عدتها وعديدها، إذ أن السيطرة عليها سيفتح لها المنفذ الحدودي مع تشاد الخاضع لسيطرة الجيش السوداني حاليا، وخضوعه لسيطرة قوات الدعم السريع سيعني خروج إقليم دارفور الذي يعج بالحركات المسلحة المناهضة للحكومة السودانية والخارجة عن سيطرة الجيش.
والنزاع حول هذه المدينة ليس وليد اليوم، فمنذ مبادرة فتح المنافذ لتدفق المساعدات الإنسانية التي أعلنتها السلطات السودانية مطلع العام الجاري، خضعت مدينة الفاشر لحصار بعد إغلاق الطريق التجاري القادم من الخرطوم، قبل أن يتفاقم أكثر بالتحركات التي باشرتها قوات الدعم السريع لتضييق الخناق على قوات الجيش المرابطة بداخل المدينة.
وخلال الأيام الماضية تم إغلاق جميع الطرق المؤدية إلى مدينة الفاشر بما في ذلك الطرق الوعرة وغير الآمنة التي كان المدنيون يسلكونها للوصول إلى مراكز توزيع المساعدات الإغاثية أو يسلكونها للهروب إلى دول مجاورة.
مخاوف دولية
الكثير من العواصم الدولية ومعها الأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية الإنسانية أطلقت مؤخرا تحذيرات قوية من مغبة توسيع الحرب إلى مدينة الفاشر، إلا أن المعارك اندلعت بين الجانبين مشعلة حالة ذعر واسعة في صفوف سكان المدينة ولا سيما سكان القبائل التي تحالفت مع قوات الجيش ضد قوات الدعم السريع، ما دعا مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة إلى التحذير من أن مدينة الفاشر على شفا مذبحة مروعة.
هذا الموقف عبر عنه كذلك البيان الأوروبي المشترك الذي دعا أطراف الصراع بالسودان للسماح بإيصال المساعدات فورا دون عوائق إلى مدينة الفاشر وتحذيره باستخدام الوسائل المتاحة لنا، بما في ذلك العقوبات لإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب.
المخاوف والتحذيرات ذاتها سادت كذلك مقر الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي الذي حذر من احتمال حدوث «مجزرة واسعة النطاق في هذه المدينة»، فضلا عن مناشدته جميع الدول بوقف تقديم الدعم لطرفي الحرب في السودان، خصوصا بعد التقارير التي تحدثت عن تدمير قوات الدعم السريع قرى عدة غرب مدينة الفاشر، وسط توقعات بأن تجدد الصراع المسلح في هذه المدينة قد يؤجج التوترات العرقية ويقحم المدينة في حرب عرقية مروعة.
بيئة متخمة بالصراع
خطورة امتداد الحرب إلى هذه المدينة تكمن في تركيبتها العرقية المهيئة لاشتعال صراع مسلح ليس بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وحسب، بل بين الفصائل القبلية المسلحة المتحالفة مع قوات الجيش والدعم السريع، وجميعها تنتمي لعرقيات عربية وأفريقية وتتقاتل منذ عقود طويلة على الأرض والماء.
يزيد من احتمالات أن تكون المعارك في هذه المدينة شرسة ودموية، تعهد قوات الجيش المرابطة في المدينة بخوض معركة شرسة لصد قوات الدعم السريع وتعهد الجماعات المسلحة بمواجهة الدعم السريع حتى آخر قطرة دم، ما يعني أن جميع المدنيين البالغ عددهم نحو 1.5 مليون نسمة سيكونون عرضة لمخاطر جسيمة.
ولدى قوات الدعم السريع اعتقاد بأنها فشلت في السيطرة على هذه المدينة بسبب تحالف الجماعات المسلحة من جماعة الزغاوة العرقية مع الجيش السوداني، ما أدى إلى تصاعد حالة العداء بينهم وسكان هذه القبيلة الذين تصفهم بأنهم متمردون وخونة.
واستنادا إلى حالة التعبئة المنفلتة التي سادت خلال شهور الحرب الماضية وما أسفرت عنه من مجازر وحشية، فإن الحالة الراهنة تبدو اليوم أكثر تعقيدا، وكلا الطرفين يستعدان لتنفيذ مجازر بحق القبائل التي ساندت الجيش السوداني أو التي انخرطت في صفوف قوات الدعم السريع، في حين أن كلا من أبناء القبائل العربية والأفريقية يستعدون لحرب إبادة تغذيها أصداء الثأر من الحروب السابقة للقبائل المتصارعة على الأرض.
هذه المعطيات كانت محور نقاشات وتصريحات وتحذيرات أطلقتها منظمات إنسانية أبدت مخاوف من أن المدنيين النازحين في هذه المدينة معرضون لخطر الوقوع أسرى في معركة طويلة بين الميليشيات المسلحة، بينما تحدثت تقارير أخرى أن المدنيين القاطنين في المدينة صاروا على يقين بأنهم سيكونون عرضة لأعمال عنف وجرائم إبادة عرقية جماعية واسعة النطاق.
جولة حرب جديدة
كل التقديرات تشير إلى أن امتداد الحرب إلى مدينة الفاشر سينقل السودان إلى جولة حرب أكثر شراسة ودموية ذات كلفة قاتلة لن يستطيع السودان ولا العالم تحملها، فطبيعة هذه المدينة التي ظلت الملاذ الآمن للفارين من جحيم الحرب خلال العام الماضي، تتسم بتداخل اثني عرقي لا يختلف عن حال مدن إقليم دارفور التي شهدت في السنوات السابقة مجازر دموية مروعة.
ذلك أن الحرب في مدينة الفاشر لن تكون نزهة، فلدى قوات الجيش مليشيا شعبية من القبائل الافريقية تقاتل معها محمولة بأحقاد وثأرات على مدى جولات طويلة من الصراع المسلح، كما أن لدى قوات الدعم السريع مليشيا من القبائل العربية أكثر شراسة، جمعتها خلال السنوات الماضية وصارت بعد أكثر من عام من الحرب الملاذ الأخير لنجاتهم وبقائهم.
ونتائج ما سيحدث في الفاشر لم تعد تحتاج على تخمينات، فمدينة الجنينة التي اقتحمتها قوات الدعم السريع سجلت واحدة من أكثر جرائم القتل الجماعي وحشية لسكان قبيلة المساليت وخلفت ما بين 10 آلاف و15 ألف قتيل وفقا لتقارير منظمات دولية، وهي تجربة تكفي لتقول للجميع ما سيحدث في مدينة الفاشر.
جرائم منتظرة
إن لم ينتبه السودانيون والعالم إلى مخاطر الحرب في مدينة الفاشر، فسوف يشهد العالم قريبا وقائع جرائم إبادة عرقية مروعة، ستقود بلا شك إلى كارثة تهدد كل العرقيات العربية والافريقية التي تعيش في حالة عداء شديد في هذا الإقليم، بما قد يهدم أي فرص للسودان لوقف دوامة الحرب في المدى المنظور.
ومع الإقرار بأن أية تسوية سياسية للأزمة الحاصلة في الفاشر لن تقدم جديداً سوى احتفاظ كل طرف من أطراف الصراع بمكاسبه، فإن السيناريو الأفضل هو أن يتمكن العالم من منع وقوع الكارثة الإنسانية سواء عبر التفاوض لتسوية جزئية أو شاملة أو عبر آليات لتقديم تنازلات تلبي مطالب الجانبين مؤقتا، وتحافظ على وضع المدينة كمنطقة آمنة لضحايا الحرب ومركزا لتقديم المساعدات الإنسانية.
لا تزال لدى المجتمع الدولي فرصة للتدخل وكبح طرفي الصراع عن التصعيد في هذه المنطقة، كما يمكنه تحييد حواضن الصراع العرقي بين القبائل المتصارعة، ويمكنه ان يكبح أي تأجيج من جانب الأذرع الإقليمية الضالعة في الحرب والحديث بصوت مرتفع عن التورط في انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنساني.
إن أكثر ما يحتاجه المدنيون في مدينة الفاشر اليوم، هو تحركات دولية تضمن رفع الحصار عن المدينة وفتح الطرق والمعابر بما يمنح المدنيين فرصا للهروب من جحيم الحرب.
وأكثر من ذلك فهم يحتاجون إلى جهود دولية جماعية وآليات تكفل الحماية الدولية للمدنيين المقيمين في المناطق المهددة بالهجمات الانتقامية كما يحتاجون بشكل ملح إلى آليات مراقبة دولية عاجلة وإجراءات عقابية صارمة بحق أي طرف يؤجج الصراع المسلح في هذه المدينة.
وسوى ذلك ما عليهم إلا أن ينتظروا حربا مروعة شرسة سيختلط فيها الدافع السياسي بالعسكري بالعرقي لتسجل في النهاية وقائع أكبر كارثة إنسانية في تاريخ الحروب الحديثة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
قوات الدعم السريع تعلن قيام حكومة موازية في السودان مع دخول الحرب عامها الثالث
الخرطوم - أعلن قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الثلاثاء15ابريل2025، قيام حكومة موازية في السودان، مع دخول الحرب التي أوقعت عشرات آلاف القتلى وأغرقت أنحاء من البلاد في مجاعة، عامها الثالث.
وطالب 15 بلدا والاتحادان الأوروبي والإفريقي الثلاثاء خلال مؤتمر في لندن بـ"وقف لإطلاق النار فوري ودائم" في السودان، مع التشديد على "ضرورة الحؤول دون تقسيم السودان".
وجاء في بيان لدقلو على تلغرام "نؤكد بفخر قيام حكومة السلام والوحدة - تحالف مدني واسع يمثل الوجه الحقيقي للسودان".
وأضاف "ستوفر حكومتنا الخدمات الأساسية - التعليم والصحة والعدالة - ليس فقط في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع وقوات الحركات بل في جميع أنحاء البلاد. نحن نصنع عملة جديدة، ونعيد الحياة الاقتصادية. ونصدر وثائق هوية جديدة، حتى لا يُحرم أي سوداني من حقوقه".
ودخلت الحرب في السودان الثلاثاء عامها الثالث بعد أن خلفت عشرات الآلاف من القتلى وأدت إلى تشريد 13 مليون شخص متسببة بأكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث من دون أن تلوح لها نهاية في الأفق.
وخلال الأسبوع الماضي وحده، قتل 400 شخص ونزح 400 ألف آخرون في هجوم شنته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم في شمال دارفور، وفق أرقام الأمم المتحدة.
وروت آمنة حسين البالغة 36 عاما لوكالة فرانس برس "دخلوا زمزم وراحوا يطلقون النار علينا".
وأصيبت حسين برصاصة في يدها لدى فرارها من المخيم إلى مدينة طويلة التي تبعد نحو 60 كلم.
وقالت بعدما أنهكها السير لثلاثة أيام وقد تورّمت يدها "لففت يدي بقماشة لوقف نزيف الدماء وركضنا بلا توقف".
واشتدت المعارك في إقليم دارفور غربي السودان بعد إعلان الجيش استعادته السيطرة على العاصمة الخرطوم.
من جهته، أعلن الجيش السوداني أنه نفذ الاثنين "ضربات جوية ناجحة استهدفت تجمعات العدو شمال شرق الفاشر" وأدت إلى مقتل عدد من المقاتلين وتدمير مركبات عسكرية.
واندلع النزاع في السودان بين الحليفين السابقين، عبد الفتاح البرهان قائد الجيش ونائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع في 15 نيسان/أبريل 2023 وسرعان ما امتدت الاشتباكات التي بدأت في الخرطوم إلى معظم ولايات البلد المترامي الأطراف.
وفي غضون ساعات تحولت مدينة الخرطوم الهادئة إلى ساحة حرب تملؤها الجثث بينما لاذ مئات الآلاف بالفرار.
وخلال عامي الحرب اتُهم طرفا النزاع، الواقعان تحت العقوبات الأميركية، بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين بينها القصف العشوائي واستهداف الأحياء السكنية والبنى التحتية. وتواجه قوات الدعم السريع تحديدا اتهامات بالعنف الجنسي الممنهج والإبادة الجماعية والنهب.
وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في بيان الثلاثاء إن السودانيين "محاصرون من كافة الجهات - حرب وانتهاكات واسعة النطاق ومهانة وجوع وغيرها من المصاعب. يواجهون حالة من اللامبالاة من العالم الخارجي الذي لم يُبدِ خلال العامين الماضيين اهتماما يُذكر بإحلال السلام في السودان أو إغاثة جيرانه".
- كابوس لا ينتهي -
ويقول عبد الرافع حسن (52 عاما) وهو من سكان جنوب الخرطوم "كنا نعيش في رعب من تصرفات أفراد الدعم السريع في الطرقات أو عندما يقتحمون المنازل". ويكشف حسن الذي بقي في الخرطوم لوكالة فرانس برس أنه خسر نصف وزنه خلال سنتين.
ويتابع "الآن بعد أن تحررت منطقتنا منهم نعيش في أمان لكن نعاني من نقص في خدمات المياه والكهرباء" مؤكدا أن معظم مستشفيات العاصمة لم تعد تعمل.
وفي ولاية الجزيرة بوسط السودان يؤكد محمد الأمين (63 عاما) أن مواطني مدينة ود مدني يعيشون "بلا كهرباء". ويضيف "بعد تحرير المدينة حدثت بعض المعالجات للمياه لكنها توفر لحوالي 8 ساعات في اليوم".
بعد دخول الجيش السوداني الخرطوم الكبرى، عادت زينب عبد الرحيم إلى منزلها في بَحْري لتجد أنه "نُهب بالكامل".
وتقول زينب عبد الرحيم لوكالة فرانس برس إن المدينة محرومة من مياه الشرب والكهرباء، مشيرةً إلى صعوبة الحصول على الأدوية أو الوصول لمستشفى ما زال يعمل. وتضيف "للحصول على المواد الغذائية علينا الذهاب إلى أم درمان (على بعد نحو 9 كيلومترات)، فسوق مدينة بحري محطم واحترق".
وبحسب الأمم المتحدة، قد يعود أكثر من 2,1 مليون نازح إلى الخرطوم في خلال الأشهر الستة المقبلة، إذا ما سمحت الأوضاع الأمنية والبنى التحتية بذلك.
- استمرار تدفق السلاح -
وشهد إقليم دارفور أكثر المعارك حدة في الأشهر الماضية، خصوصا مع محاولة قوات الدعم السريع السيطرة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي آخر مدينة رئيسية لا تزال خارجة عن سيطرتها في الإقليم.
وأطلقت هذه القوات الأسبوع الماضي هجوما جديدا عند أطراف الفاشر التي تحاصرها، أتاح لها السيطرة على مخيم زمزم الذي يعاني المجاعة، بعد يومين من القصف المدفعي العنيف وإطلاق النار.
ونقلت الأمم المتحدة الاثنين عن "مصادر موثوقة" تأكيدها أن حصيلة هذه المعارك تجاوزت 400 قتيل، بينما فرّ نحو 400 ألف شخص من المخيم، حسبما أفادت المنظمة الدولية للهجرة.
ويرى محللون أن قوات الدعم السريع ستركز في الفترة المقبلة على تأمين المناطق الحدودية وضمان خطوط إمدادها، ما يعزز الانقسام في البلاد التي يسيطر الجيش السوداني على شمالها وشرقها بينما تسيطر الدعم السريع وحلفاؤها على الغرب ومناطق في الجنوب.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش الإثنين إن السودان "لا يزال عالقا في أزمة ذات أبعاد مذهلة يدفع فيها المدنيون الثمن الأعلى" داعياً إلى "إنهاء هذا الصراع العبثي".
ودعا غوتيريش "المتمتعين بأكبر قدر من النفوذ لدى الأطراف" المتحاربة إلى "استخدام هذا النفوذ لتحسين حياة شعب السودان بدلا من إطالة أمد هذه الكارثة".
وشدد غوتيريش في بيانه على أهمية "وقف الدعم الخارجي وتدفق الأسلحة" مشيراً إلى "مواصلة تدفق الأسلحة والمقاتلين إلى السودان بما يسمح باستمرار الصراع وانتشاره".
ويتّهم الجيش السوداني الإمارات بمدّ الدعم السريع بالأسلحة، ما تنفيه الدولة الخليجية وقوّات دقلو بدورها.
- التخلّي عن السودان -
وفي البيان الختامي، تعهّدت البلدان المشاركة في مؤتمر لندن بأكثر من 80 مليون يورو إضافية لمساعدة السودان في مواجهة أزمة إنسانية كارثية.
وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي في افتتاح المؤتمر المنظّم بمبادرة من بريطانيا والاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا والاتحاد الإفريقي "لا يمكننا بكلّ بساطة أن نشيح نظرنا".
وتابع أن "كثيرين تخلّوا عن السودان... وهذا خطأ أخلاقي نظراً لعدد القتلى المدنيين والرضّع الذين بالكاد بلغوا عامهم الأوّل وتعرّضوا لعنف جنسي وعدد الأشخاص المهدّدين بالجوع الذي يفوق المستويات المسجّلة في أيّ مكان آخر في العالم".
وشارك في الاجتماع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا والإمارات المتحدة وتشاد وممثلون عن الاتحاد الأوروبي بينما يغيب عنه طرفا النزاع السوداني.
وأحصت الأمم المتحدة قتل أو تشويه 2776 طفلا بين 2023 و2024 في السودان، مقابل 150 في 2022. ومن المرجح أن تكون الأرقام الحقيقية أعلى.
ومن الصعب التوصل لأرقام دقيقة لضحايا حرب السودان بسبب انهيار القطاع الصحي، إلا أن المبعوث الأممي السابق إلى السودان توم بيرييلو قدر عدد القتلى بنحو 150 ألفا.
واعتبرت منظمة الأمم المتّحدة للطفولة (اليونيسف) أن "عامين من الحرب والنزوح حطّما حياة ملايين الأطفال في أنحاء السودان".